رواية قلوب حائرة 2 روز أمين الجزء الأول

رواية قلوب حائرة 2 روز أمين الجزء الأول

المقدمة:

عجيبٌ حقاً أمرُ البداياتِ والنهاياتِ ،

فكِلتاهُما في كثيرٍ من الأحيانِ قَد تبدو لنا متشابهاتٍ ،

أحياناً عندما نتعرضُ لِإنتكاسةٍ رَوْحِيَةٍ نَعْتقدُ أنَ تِلْكَ هيَ النهايةِ، نهايةِ رحلةِ سَعَادَتِنا ونهايةُ الأملُ الذي يَحْيَي بداخِلِنا،

وَلَكِنَنَا وَمَعَ مُرُورِ الوقتِ ، نكْتَشِفُ أنها لَمْ تَكُنْ سِوَي البدايةِ

#_قلوب حائرة،الجزء الثاني، بقلمي روز آمين

هذه الروايه مسجلة حصرياً بإسمي روز آمين

وممنوع نقلها لأية مدونة أو موقع أو صفحات أخري ومن يفعل ذلك قد يعرض حالة للمسائلة القانونية.

في إطار متابعة سلسلة رواية قلوب حائرة هذا أول مقال في الجزء الثاني من الرواية ونعرض فيه 10 فصول من الجزء الثاني وبذلك يكون هذا المقال رقم 6 في السلسلة الكاملة فقد انتهينا في تقسيم الجزء الول في 5 مقالات تجد روابط هذا الجزء في موقع شبابيك الثقافي .

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل السابع روايه قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الأخير رواية قلوب حائرة 2 روز أمين الجزء الأول
رواية قلوب حائرة 2 روز أمين الجزء الأول

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الأول روز أمين

أصبحتُ لا أشعرُ بوجودي سوي بداخل دفئُ ضمـ.ـةِ أحضـ.ـانِكِ

أسبحُ في بحرِ عيناكِ الغريقِ وأبحثُ عن كُلي يا كُل ياسينِ

أي أبحثُ داخل عمقهِما عن كينونتي وكياني

خواطر ياسين المغربي

بقلمي روز آمين

داخل مدينة الإسكندرية العريقة، عروس البحر الأبيض المتوسط كما لقبها العَالم،مدينة السِحر والجمال الخاطف للأبصار والأَنْفُسٌ

وتحديداً داخل حديقة منزل رائف المغربي رحمة الله عليه، كعادتها تجتمع العائلة بأكملها حول سُفرة الطعام بإنتظار إطلاق مدفع الإفطار وأذان مَغرب أول أيام شهر رمضان المُبارك في جو ملئ بالروحانيات والبهجة والسرور، حيث زُينت الحديقة بأشرطة زينة رمضان المزودة بالأَهِلَّة والتي إمتدت داخل المكان بأكمله، والفوانيس المُعلقة بإنارتها المُلونة بجميع الألوان مما جعلها تُضفي البهجة علي المكان وتجذب البَصر وتبثُ البهجة والإِسْتِبْشار داخل نفوس الكِبار من العائلةِ قبل الصِغار


يجلس حول الطاولة كُلٍ من عز الذي يترأس بجلوسهُ الطاولة، وزو جتهُ منال وأنجالهُ وأحفاده، وأيضاً ثُريا والرقيقة مليكة وأطفالها الثلاث ، عبدالرحمن وراقية وأولادهما وأحفادهما، نرمين وزو جها وطفلاها عَلي ورائف الصغير والتي أسمتهُ تيمناً بشقيقها الراحل وليكن هذا بمثابة إعتذار علي ما بدر منها من ذنبٍ عظيم بالماضي ، تجلس أيضاً يُسرا وزو جها وأطفالها، حيثُ أنها باتت تُجاورهم السَكن بعدما نقل سليم عملهُ من أسوان إلي ميناء الأسكندرية، وحضر بعائلتهُ للعيش بها بجانب والدة زو جته الحنون،وذلك كي يُطمأن روح يُسرا التي كانت دائمة القلق والحُزن بشأن والدتها


كُلٍ حاضر عدا ذاك الياسين المتواجد بدولة ألمانيا بجـ.ـسدهِ فقط، حيثُ ترك "كُلهُ" بقلب مليكتهُ وسَافر بصحبة صغيرهُ حمزة ليكُن بجوار زو جتهُ ليالي وإبنتهُ أيسل التي وصلت إلي الفرقة الثانية بكلية الطِب البشري بجامعة هايدلبرغ الألمانية، وذلك كي لا يتركُهما تقضيتان إفطار أول أيام رمضان لحالهما، بعدما أصَرت تلك الأيسل بعِناد علي عدم الحضور وتعللت بعدم إستطاعتها علي ترك دراستها ولو ليومٍ واحد فقط، وهذا ما جعل مليكة تعترض بشدة علي مكوث ياسين بألمانيا خمسة أيام متواصلة، وخَلق بينهما مشادة كلامية إنتهت بحِدة ياسين عليها في الحديث ونعْتِها بالأنانية والحماقة مما جعلها تخرُج عن شعورها فاقدة السيطرة وتُغلق الهاتف أثناء حديثهُما دون إستإذان وهذا ما جعل داخل ذاك الياسين يشـ.ـتعلُ نـ.ـاراً من تلك التي تجرأت وأقدمت علي ما لم يستطع قبلها من البشرِ فعلهُ،لكنهُ كظم غيظه الشديد بداخلهُ إكراماً لعشقها الهائل والذي بات يسري بشُريانه كسريان الماء داخل عروق الشجرِ ، ومُنذ ذاك الوقت وكلاهما في حالة قوية من العِناد ولم يحاول مهاتفة نصفهُ الآخر إلي الآن


أما مليكة ، فكانت تجاور ثُريا الجلوس بملامح وجه ذابلة لإفتقادها لحبيبها الروحي التي باتت لا تكتمل إلا بحضرته وبتنعُمها بجواره حتي ولو كانا مُتخاصمان


تحركت تلك العاملة مُني حتي وصلت إلي مقعد مليكة وكانت تجاورها العاملة هُدي التي تُمسك بين يديها بصينية كبيرة موضوع فوقها الكثير من القَنانِيُّ المُعبئة بالعصائر الطازجة والمتنوعة لتتناسب مع أذواق جميع الحضور من العائلة


كانت مُني تُمسك بقنينة العصير المُراد وتقوم بسكبهِ داخل أكواب الحضور علي حسب إختياراتهم التي يفضلونها، وقفت وسألتها بهدوء وإحترام :

- تحبي أحط لك أي نوع من العصير يا ست مليكة ؟

أجابتها بنبرة باردة خالية من أية شغف:

- أي حاجة يا مُني


نظر إليها عز الذي يترأس طاولة الطعام وتنهد بصـ.ـدرٍ مُحمل بثقل من الهموم لأجل تلك العاشقة التي ما عادت تستطيع العيش ولا التنفُس بعيداً عن نِصفها الآخر


أما ثُريا التي تحدثت إلي مُني بنبرة هادئة:

-حطي لها سوبيا يا مُني.


أمسكت مُني قِنِّينَة المشروب وبدأت بسكبهِ داخل كأس مليكة وتحركت للشخص الذي يليها الجلوس


تسائلت راقية بإستفسار خبيث مثل روحها وهي تتناقل بالنظر بين ساعة يدها وبين تلك العاشقة الحزينة :

- يا تري سيادة العميد وليالي فطروا ولا لسة؟


رُغماً عنها إنفطر قلبها حُزناً وذلك لشدة إشتياقها له بجانب غيرتها الشاعلة عليه كلما تخيلته مع ليالي، أجابها طارق مُفسراً بهدوء:

- سيادة العميد فاضل له تقريباً ساعة علي أذان المغرب ، لأن توقيتنا سابق توقيت ألمانيا بساعة

تنهدت منال بأسي وهتفت بإستياء متناسية الجَمع:

- أنا مش قادرة أفهم أيسل ليه صممت تقضي أول يوم رمضان لوحدها هي ومامتها هناك

وأكملت بنبرة مفسرة:

-مع إن ليالي كانت قايلة لي بنفسها إن البنت معندهاش أي حاجة مهمة في الجامعة لمدة التلات أيام اللي جايين.


إستغلت راقية شكوي منال وهتفت بنبرة معاتبة خبيثة وهي تبثُ سُمها كعادتها:

- بصراحة يا منال سيادة العميد مدلع سيلا زيادة عن اللزوم، والبنت بدأت تستغل ده بطريقة مش كويسة

واسترسلت مُتهكمة:

- وقال علي رأي المثل، اللي يلاقي دلع ولا يدلعش يبقي حرام عليه


رمقتها منال بنظرة حــ.ـارقة وهتفت بنبرة حادة صارمة:

-سيلا عاقلة ولا يُمكن تكون بتفكر بالشكل ده يا راقية، خرجيها إنتِ بس من دماغك وسبيها في حالها.


لوت راقية فاهها بإمتعاض وتنفست عالياً وباتت تُقلب عيناها تحت نظرات عبدالرحمن الملامة لها ولكنها وكعادتها لا تبالي


أما تلك الـ لمار التي همست بجانب أذن زو جها بنبرة مستاءة:

-أنا مش قادرة أفهم إيه لازمة إننا نتجمع كُل يوم بالدقيقة والثانية علي سُفرة الملكة ثُريا حتي في أول يوم رمضان

وأكملت بإمتعاض:

- بجد الموضوع بقا أوڤر ومستفز جداً بالنسبة لي

واسترسلت معترضة بإنزعاج:

-يعني إيه معرفش أقضي أول يوم رمضان مع مامي وبابي في بيتهم، لكن في نفس الوقت يسرا ونرمين يقضوه هنا مع مامتهم عادي جداً .


تنهد عُمر من حديث زو جتهُ دائمة الإعتراض والتذمُر علي كُل ما يخص العائلة والعادات المرتبطة بها، تحدث بصوتٍ ضعيف بالكاد وصل لمسامعها :

-وبعدين معاكِ يا لمار، هو إنتِ مش بتزهقي من الكلام في الموضوع ده، قبل كده إتكلمتي مع بابا وهو حذرك من مجرد كلامك فيه تاني

وأكمل بنبرة تهكمية وهو يضحك بطريقة مستفزة:

-شكلك إشتقتي لمحاضرة من سعادته يكلمك فيها عن فوائد التجمع الأُسري ومّديَ تأثيره الصِحي علي سلوك ونفسية الفَرد.


نظرت إليه بضيق في حين وجه لها عز سؤالهُ حينما توقع ما تتحدث به مع زو جها ويرجع ذلك لفطانتهُ كـ لواء سابق في المخابرات الحربية:

- فيه حاجة مضايقاكي يا لمار ؟


إرتبكت وأعتدلت سريعاً بجلستها لتوجه بوصلتها إليه وتحدثت بنبرة متزنة أجادت تمثيلها بإتقان:

- أكيد لا يا بابا،

بإبتسامة مُشرقة إصطنعتها بمنتهي المهارة استرسلت حديثها وهي تتنقل ببصرها بين الجميع بفخر وأعتزاز:

- معقولة أتضايق وأنا وسط أهلي وعيلتي الجديدة


إبتسم بجانب فمه بخفوت وأومأ لها مع عدم تصديقهُ لما تفوهت به، ثم صرف بنظرهِ عنها تحت ضحكات عُمر التي يكظمها خشية من توبيخ أبيه له


إستمع الجميع إلي صوت مؤذن المسجد المتواجد بالمنطقة، فتحدث سيادة اللواء عز المغربي ببهجة إلي جميع الحضور :

-كل سنة وأنتم طيبين، رمضان كريم


ثم نظر إلي ثريا التي تتوسط بجلوسها چيچي زو جة طارق ومليكة وتحدث بنبرة خرجت حنون رغم إجتهادهُ في إخفائها:

-كل سنة وبيتك مفتوح وسُفرتك لامة حواليها كل الحبايب يا ثُريا


إبتسمت بخفة وأردفت قائلة بنبرة هادئة واستحسان:

- وإنتِ طيب يا سيادة اللواء، كل سنة وإنتِ كبيرنا ومحتوينا كلنا بقلبك الكبير وبعقلك الواعي


إبتسم لها ثم هتف بنبرة هادئة قاصداً الرجال وهو يرفع كأس العصير إستعداداً لقُربهِ من فمه للإرتشاف منه :

- يلا يا رجالة إكسروا صيامكم بسرعة علشان نلحق صلاة المغرب جماعة في المسجد ونبقي نيجي نكمل فطارنا إن شاء الله


❈-❈-❈


داخل مدينة أسوان الساحرة، حيث السِحر والمناظر الطبيعيةِ الخلابة التي تأسِر العين والروح

يترأس حسن المغربي طاولة الطعام، علي يمينهُ زو جتهُ الجميلة إبتسام وعلي يساره نجلاه رؤوف الذي تخرج من الهندسة وأصبح يعمل مع والدهُ علي متن البواخر السياحية، وإسلام الذي تخرج من كلية الأثار وعمل بمجال السياحة


تنهد حسن الذي إفتقد وجود إبنة شقيقته يسرا،وذلك بعدما إعتاد علي تواجدها معهُ طيلة الأربع سنوات المنصرمة فترة وجودها داخل أسوان بسبب عمل زو جها، وحزن بعدما قرر سليم ترك أسوان ونقل عملهُ إلي الأسكندرية بعدما تحاور هو ويسرا التي لم تستطع الإبتعاد عن والدتها، فقررا العودة معاً


تحدث حسن بحنين لما مضي:

- رمضان اللي فات يسرا وأولادها كانوا معانا وماليين علينا البيت وعاملين لينا حِس


تنفست إبتسام وتحدثت بهدوء:

-عندك حق يا حسن، البيت فضي علينا بعد ما سافروا، وحشوني أوي بس هقول إيه، ربنا يوفقهم في حياتهم


تحدث إسلام وهو ينظر إلي شقيقهُ ويغمز له بعيناه:

-هو إحنا مش هنسافر علشان نقضي يومين في رمضان مع عمتو ثريا ولا إيه يا بابا ؟


أجابهُ حسن بتأكيد:

- أيوا طبعاً هنسافر علشان عمتك وعلشان نعمل الواجب مع أولاد المرحوم رائف، وكمان علشان أختك وأولادها


إبتسم إسلام وهمس بجانب أذن شقيقهُ:

- أي خدمة يا هندسة

همس رؤوف هو الآخر قائلاً بدعابة:

_أردها لك قريب لما تتزنق إن شاء الله يا حبيبي


قطبت إبتسام جبينها وتحدثت بدهاء وهي تنظر إلي نجليها:

- يا أما نفسي أفهم طول الوقت حاطين بوزكم في بوز بعض وبتتوشوشوا في إيه!


أجابها رؤوف قائلاً بدعابة:

-ما تفكك مني أنا وإسلام يا بسمة وتركزي شوية مع الحليوة اللي قاعد جنبك ده

وأكمل بلطافة:

-بدل ما هو مقضيها في الباخرة زي النحلة اللي بتتنقل بين الزهور، إيشي طليانية وإيشي ألمانية علي فرنسية


إتسعت عيناي حسن وهتف قائلاً بدعابة :

- أدي أخرة اللي يشغل إبنه معاه في مكان واحد


قهقه نجلاه علي دعابته في حين تحدثت بسمة التي أمسكت كف يـ.ـد زو جها ونظرت إلي نجلها قائلة :

-مش هتعرف تدخل لي من الحتة دي يا باشمهندس

وأكملت وهي تنظر لعيناي حبيبها بهيام ونبرة صادقة:

- اللي إختارني زمان وفضلني علي كل البنات اللي كانت حواليه وبتتمناه، لا يمكن أصدق إنه يبص لواحدة غيري أبداً مهما كانت المُغريات ومهما مّر العُمر ومضي


إبتسم لها ورفع كف يـ.ـدها ووضع عليه قُبـ.ـلة حنون وتحدث بنبرة صادقة واستحسان:

- وأنا لو لفيت الدنيا كلها هلاقي ظفرك يا بسمة، ده إنتِ هدية ربنا ليا اللي كافئني بيها وعرفت قد إيه سبحانه وتعالي بيحبني وراضي عني


شعرت بقلبها يتراقص من شدة سعادته جراء إستماعها إلي كلمات زو جها الصادقة لها، وباتت تتبادل معهُ نظرات الغرام غير مباليين بكِلا الجالسان


في حين تحدث رؤوف إلي أخاه قائلاً بمداعبة والديه:

-خلص أكلك بسرعة خلينا نقوم علشان شكلنا بقا وحِش أوي.


أطلق الجميع الضحكات وأستمروا بتناول طعامهم مع أحاديثهم الشيقة التي لا تنتهي


❈-❈-❈


أما داخل دولة ألمانيا وبعد مرور حوالي ساعة

بالحديقة الصغيرة الملحقة بالمنزل الذي إستأجرهُ ياسين وحاوطهُ بمجموعة من أكفئ رجاله المخلصين كي يؤمنوه ليطمأن علي حماية صغيرته وزو جتهُ في هذا البلد الغريب

كان يقف أمام رجاله ونجله حمزة الذي بلغ عامه الرابع عشر، يؤم بهم لصلاة المغرب، بعد قليل إنتهي من الصلاة وأخرجت العاملة طعام الإفطار الخاص بطاقم الحراسة ورصتهُ فوق المنضدة برتَابة، وتحرك ياسين وحمزة لداخل المنزل ليتناولا إفطارهُما جانب أبنته وليالي


رسم إبتسامة واسعة فوق شفتاه رُغم الألم الذي يعتصر قلبهُ والوحدة التي يشعر بها بعيداً عن تجمُع عائلتهُ في أول يوم من شهر رمضان المُبارك ككُل عام، وما كان يؤرق روحه أكثر هو إشتياقهُ الجارف لمتيمة قلبهُ العاشق الذي يَئنُ ويتحرقَّ شوقاً لرؤياها التي تُبهُج النفس وتجعل السرور يتخلل لكل خليه بجـ.ـسده فينتفض ويفيضُ فرحَ، فبرغم مرور كُل تلك السنوات علي زو اجهما إلا أن نيـ.ـران عشقهِ الجارف لم تخمُد ولم تهدأ بَعْدْ ،بل تتزايد وتشـ.ـتعل داخل قلبيهما


سحب المقعد المخصص له وأردف قائلاً بنبرة حنون وهو يجلس:

-كل سنه وانتم طيبين ورمضان كريم


إبتسامة خفيفة خرجت من ليالي التي تعلم مّدي حُزنهُ من عدم تواجدهم بصحبة العائلة في ذاك اليوم المميز للجميع وهذا شعورها هي أيضاً


أما تلك الـ أيسل التي إبتسمت بسعادة وكأنها حققت أعظم إنتصاراتها بعدما جعلت والدها ينساق إلي رغبتها ونجحت بأبعاده في تلك الليلة المميزة عن تلك المليكة التي أصبحت لا تبغض أحداً بالعالم مثلما تبغضها وذلك لشدة غيرتها علي أبيها منها


بدأو بتناول طعام الإفطار تحت شرود ياسين وضيق ليالي من إبنتها وذلك لرغبتها السابقة في حضور أول يوم من هذا الشهر المعظم في الجو العائلي وايضاً رؤية والدتها وشقيقتها "داليدا" وصديقاتها


مدت ليالي يـ.ـدها وناولته كأسً من المشروب الذي يعشق "ياسين" تناولهُ بهذا الشهر الكريم وهو "الخُشاف" لا غير وتحدثت بإبتسامة هادئة:

-الخشاف يا "ياسين".


تناولهُ من يـ.ـدها مع إبتسامة هادئة وأردف شاكراً بهدوء:

-تسلم إيدك يا" ليالي".


أمسك الملعقة وتناول من الكأس ملعقتان ليتذوقهُ، نظرت إليه وتحدثت بترقب:

-عجبك الخُشاف يا حبيبي؟


إبتسم لها وتحدث بكذب مقبول لعلمهِ عدم إجادة ليالي لذاك المشروب المحبب لديه والذي لم يتكـ.ـيف بتذوقهُ سوي من صُنع عمتهِ "ثُريا" وأسِرت قلبهُ ومعذبتهُ تلك التي ملكته وتملكت من كيانه"مليكة":

-حلو أوي يا "ليالي"، تسلم إيدك


تنفست بإنتشاء وسعادة وبدأت بتناول الطعام في حين تحدثت" أيسل" إلي أبيها وهي تغمرهُ ببعض الإبتسامات الرائعة التي تُدخل السرور علي قلب ذاك الياسين عاشق صِغاره:

-بالهنا والشفا يا بابي


إبتسم لها بهدوء ثم وضع الكأس جانبً وبدأ بتناول الطعام، نظر إلي حمزة ولملامح وجههِ السَاكنة وتحدث متسائلاً بإستفسار:

-مالك يا حمزة؟


تنهد الفتي وتحدث بتبرم:

-مش مبسوط يا بابي، أول مرة أقضي أول يوم في رمضان بعيد عن جدو وتيتا ثُريا ولمة العيلة

واسترسل بضيق ظهر علي ملامح وجهه:

-ممكن تقولي إحنا هنا ليه وبنعمل إيه في ألمانيا؟!

واستطرد ناظراً لأبيه بتعجُب:

-أنا لحد الوقت مش قادر أصدق ولا مستوعب إن حضرتك وافقت سيلا علي جنانها في إننا نقضي أول يوم هنا بعيد عن بلدنا والعيلة وأصحابنا


صاحت تلك الغاضبة بشقيقها قائلة بحنق:

-لو زعلان أوي كدة علي إنك ضحيت بلمة العيلة العظيمة وشايف إنك مقـ.ـهور لما قضيت معايا أنا ومامي أول يوم يبقي بلاش تيجي لنا زيارات تاني يا حمزة بيه


أيسل..كلمة جادة نطق بها ياسين وهو يرمقها بنظرة حـ.ـادة كنظرات الصقر


كعادتها مطت شفتاها بحزن ونظرت للأسفل وتحدثت بنبرة حزينه لتستجدي تعاطف والدها:

-حضرتك مش سامع كلامه يا بابي، المفروض إن عيلتنا الصُغيرة أهم حاجة ولازم تبقي في مقدمة أولويات حياتنا وترتيبها ييجي قبل العيلة الكبيرة


أجابها بإعتراض مصححاً لها رؤيتها الضيقة للمعني الشامل للعائلة:

-غلط يا سيلا، قوتنا في قوة لمتنا وتماسك عيلتنا الكبيرة، إنتِ فكرتي بمنتهي الانانية في نفسك وفي عيلتك اللي جمعتيها حواليكي


واسترسل وهو يُشير إلي ليالي:

- ونسيتي إن أنا وماما عيلتنا واهالينا كلها هناك، وحتي إنتِ وحمزة لمتكم وعيلتكم الصُغيرة زي ما بتقولي ناقصة

واستطرد عَاتباً عليها:

-إنتِ ناسية أخوكِ الصُغير اللي بعيد عننا، ولا إنتِ مش معتبرة عز أخوكِ؟


تلبكت وتحدثت بنبرة صادقة:

-إيه الكلام اللي بتقوله ده يا بابي، أخويا طبعاً وحضرتك متأكد إني بحبه جداً

واسترسلت بنبرة حزينة كي تستدعي تعاطف الجميع إليها:

-بس كمان المفروض حمزة يكون مقدر الظروف اللي إضطرتنا نكون هنا في اليوم ده،مش يقعد يضايقني كل شوية بكلامه ويحـ.ـسسني إني إرتكبت ذنب عظيم علشان فضلت دراستي وخفت علي مستقبلي ليتأثر


ثم نظرت إلي أبيها ومطت شِـ.ـفتها وتحدثت بتـ.ـألُم تـ.ـألم لهُ ياسين:

-هو أنا يعني منزلتش مصر بمزاجي؟


زفرت ليالي وتحدثت بتبرم:

-وبعدين معاكم بقي، إسكتوا وخلوا بابي يكمل فطاره وكلوا إنتم كمان

تنهد ياسين وتحدث مؤكداً علي حديث زوجته:

-ماما عندها حق، ده مش وقت كلام ولا عتاب، إتفضلوا كلوا قبل الأكل ما يبرد

ثم رسم إبتسامة زائفة علي وجهه وتحدث بنبرة هادئة:

-كُل سنة وإنتم طيبين


إبتسم له الجميع ورددوا بحفاوة:

-وإنتَ طيب


بعد قليل إنتهي ياسين وأسرته من الطعام وجلسوا لتناول مشروب القهوة، جلست أيسل داخل أحـ.ـضان والدها كي تُنسيه حُزنه التي رأته داخل عيناه،شدد هو من ضمـ.ـتها ووضع قُبـ.ـلة حنون فوق مقدمة رأسها وهو يُربت علي ظـ.ـهرها بحِنو، إستمع إلي صوت مكالمة فيديو كول، نظر بشاشة هاتفه وجد الإتصال من شقيقهُ طارق، فتح الكاميرا سريعاً وهتف بنبرة حماسية:

-طارق باشا، كل سنة وانتَ طيب يا حبيبي


هلل طارق قائلاً بنبرة حماسية كعادته:

-وإنتَ طيب وبخير سعادة العميد

وأكمل وهو يوجه كاميرا جهاز الحاسوب إلي الصغير الذي أصّر علي مهاتفة أبيه بإلحاح وذلك لشدة إشتياقه لرؤيته التي إفتقدها مُدة الخمسة أيام المُنصرمة:

- إستلم عز باشا الصُغير،شكله إشتاق للباشا الكبير


هلل الصغير الذي أتم عامهُ الرابع، قائلاً وهو يري وجه عزيز عيناه أمامهُ في شاشة الهاتف:

-بابي، وحَشت عزو كتير


إنتفض قلب ياسين من مكانه وباتت دقاتهُ تتعالي وهتف بسعادة ظهرت فوق ملامح وجههُ من رؤية إبنه الذي إنتظرهُ وحلم بمجيئه مُنذ أول مرة رأي فيها مالكة فؤاده وحلُم بأن يكون لهُ ولداً منها ليشعر بإمتلاكهُ لكل ذرة بها :

- يا حبيب قلب بابي من جوة، إنتَ اللي وحشتني أوي يا حبيبي


تحدث الصغير قائلاً بنبرة طفولية:

- إنتَ هتيجي أمتي يا بابي علشان تجيب لعزو فانوس رمضان


أجاب صغيره بنبرة حماسية:

- هاجي بكره يا حبيبي، وهجيب معايا أحلا فانوس لـ عز حبيب بابي


صفق الصغير بكفاي يـ.ـداه مهللاً وحضر مروان وتحدث إليه ، وأنس وأيضاً ياسر إبن يسرا، وانضمت أيسل إلي أبيها كي تحادث شقيقها وليالي التي تحدثت إلي الجميع وهنأتهم بحلول شهر رمضان المبارك


كان يتحدث مع الجميع ويترقب بشدة ظهور وجه سارقة النوم من عيناه حتي فقد صبره جراء عدم ظهورها وسأل ثريا عنها تحت غضب أيسل وغيرة ليالي ، فأخبرتهُ أنها صعدت للأعلي لأخذ أدويتها الخاصة بالحمل


سألت أيسل يسرا بإهتمام:

-هي فين سارة يا عمتو؟


تلفتت يسرا حولها بعناية تتفقد إبنتها سارة التي بلغت عامها التاسع عشر وأصبحت شابة جميلة، لم تجدها حولها، فعادت ببصرها من جديد إلي جهاز الحاسوب وأجابت أيسل علي سؤالها:

- مش عارفة يا سيلا،تقريباً كدة دخلت التواليت


أما بالأعلي، كانت تقف أمام مرأتها تنظر لإنعكاس صورتها وهي تتحـ.ـسس بطنها الذي بدأ بالظهور جراء وصولها بحملها إلي الشهر الرابع والحزن والألم هما من يسيطرا علي ملامح وجهها وهي تتذكر مشاداتها الكلامية معهُ بالأمس حينما كانت تنتظر عودته من ألمانيا لقضاء أول سحور بشهر رمضان، لكنهُ فاجأها أنهُ إنتوي قضاء اليوم الأول بصحبة ليالي وأيسل بعدما أصّرت الأخيرة علي عدم نزولها إلي الإسكندرية وبقائها داخل ألمانيا متحججة بدراستها


في الأسفل

داخل غرفة جانبية، دلفت إليها تتسحب بهدوء وهي تُغلق الباب خلفها بحذر، رفعت هاتفها الذي يصدح رنينهُ وضغطت زر الإجابة وأردفت بنبرة تهيمُ شوقاً:

-ألو

رد عليها ذاك الفارس الجالس خلف مكتبهُ بداخل غرفته بعدما تناول إفطارهُ بصحبة والداهُ وشقيقهُ إسلام :

- كل سنة وإنتِ طيبة


خرجت منها إبتسامة سعيدة أظهرت صفي أسنانها البيضاء وأردفت قائلة بنبرة رقيقة:

-وإنتَ طيب يا "رؤوف"


استرسل "رؤوف" حديثهُ قائلاً بنبرة حزينة:

-أول مرة من أربع سنين أفطر أول يوم رمضان من غيرك.


إنهُ"رؤوف حسن المغربي"، ذاك الخلوق الذي نَشبَت شرارة وتحولت إلي قصة حب نشأت بينهُ وبين "سَارة" عِندما ذهبت إلي أسوان بصحبة والدتها وشقيقها مع الباشمهندس سليم حين كانت في الخامسة عشر من عمرها ، وذلك بعدما تزوج من يسرا وأنتقل بها للعيش داخل أسوان، لكنهُ إنتقل بعمله إلي الإسكندرية منذُ ستة أشهر بعد إلحاح شديد من يسرا لتعود بجانب والدتها من جديد كي ترعَاها


وأكمل بنبرة حنون:

-بابا جاب سيرتكُم النهاردة علي الفطار وكان زعلان جداً


أجابتهُ بهدوء:

-أنا كمان كنت متضايقة

وأكملت بنبرة رقيقة يملؤها الإشتياق:

-قضيت اليوم كُله وأنا بفتكر تفاصيل السنة اللي فاتت لما جهزنا الفطار كُلنا ، وأنا وإنتِ عملنا الكُنافة والخُشاف مع بعض

وسألته برقة:

-فاكر يا "رؤوف"؟


أجابها بنبرة تقطرُ شوقاً للذكريات:

-عُمري ما بنسي أي حاجة جمعتنا وعملناها مع بعض يا "سَارة"

وأكمل بنبرة حنون:

-وحشتيني قوي يا "سارة"


خجلت من نبراته العاشقة، فسألها كي يُشبع رغبة العاشق بداخله:

- هو أنا موحشتكيش ولا إيه؟


إزدادت سُرعة دقات قلبها وبدأ صـ.ـدرها يهبط ويعلو من شدة خجلها الممزوج بالسعادة الهائلة، أنقذها صوت إبتسام التي إقتـ.ـحمت الغُرفة علي نجلها وهي توبخهُ بدعابة قائلة:

- إنتَ سايبني أنا وأخوك ملبوخين في لمْ السُفرة وتنضيف المطبخ وقاعد تتكلم في التليفون يا "رؤوف" بيه ؟


زفر بقوة وتحدث ساخراً :

-دخلتين كمان زي دول وهقطع الخَلف خالص، وساعتها إبقي إفرحي بالقوي بخِلفتك اللي هتبقي زي قلِتها يا "بسمة"


ضحكت بصوتٍ عالِ وأيضاً "سارة" التي لم تستطع تماسك حالها فقهقهت عالياً مما جعل رؤوف يتحدث إليها بمراوغة:

-لا والله، عجبك أوي الكلام يا سي إسماعيل


إرتبكت وانتفض جـ.ـسدها رُعبً وبسرعة البرق أغلقت هاتفها مما جعل رؤوف يستغرب ردة فعلها وينظر بشاشة هاتفه ليتأكد،ثم نظر إلي والدتهُ وأردف قائلاً بنبرة لائمة:

-عجبك كدة يا ست ماما،أهو صاحبي إتحرج من إسلوبك معايا وقفل الخط.


إبتسمت ساخرة بجانب فمها وأردفت بذكاء:

-صاحبك؟ علي ماما الكلام ده بردوا يا سي رؤوف

ضيق عيناه وهز رأسهُ بإستسلام قائلاً:

-روحي يا بسمة علي المطبخ وأنا جاي وراكي


تحدثت وهي تواليه ظهرها في طريقها للخروج:

-أديني خارجة لما أشوف أخرتها معاك يا إبن المغربي.


أمسك هاتفهُ وبدأ بكتابة رسالة نصية ليبعث بها إلي حبيبته الرقيقة


أما عند سارة التي أغلقت معهُ وصعدت سريعً عند مليكة كي لا تدع فرصة للشك بأن يتسلل إلي قلب والدتها عندما تكتشف إختفاءها وتسألها إلي أين ذهبت، دلفت إليها بعدما طرقت بابها، وجدتها تجلس بإسترخاء فوق تختها مستنده علي ظهره وتضع كف يـ.ـدها فوق بطنها تتحـ.ـسسها برعاية وكأنها تُربت علي جنينها وتُطبطب عليه


إبتسمت لها وسألتها بإهتمام:

- قاعدة لوحدك ليه؟


أجابتها مليكة بهدوء:

- كُنت باخد الفيتامين بتاعي

وأكملت مشيرة إليها بيدها قائلة:

- تعالي إقعدي.


تحركت بالفعل وجلست علي حافة التخت، إستمعت إلي صوت يُشير بوصول رسالة نصية إلي هاتفها، ففتحتها وقرأت ما بداخلها وكانت كالأتي:

-هتفضلي طول عمرك جبانة، بس مش هسمح لك تهربي مني كتير، هكلمك بعد صلاة التراويح، إستنيني


تنهدت براحة ظهرت فوق ملامح وجهها الذي تزين باللون الوردي من شدة سعادتها مما جعل مليكة تلاحظ تلك التغيرات وتساءلت بنبرة دعابية:

- للدرجة دي الرسالة حلوة؟


إرتبكت ونظرت إليها سريعً وهتفت بتلبك:

-دي رسالة من واحدة صاحبتي في الجامعة.


إبتسمت "مليكة" وهزت رأسها بتفهم وفضلت الصمت كي لا تُزيدها علي تلك البريئة


سألتها "سارة" وهي تنظر إلي بطن مليكة في محاولة منها إلي تغيير مجري الحديث:

- عرفتي ولد ولا بنوتة؟


حركت رأسها يميناً ويساراً في حركة نافية وأردفت قائلة:

- لسه، عندي ميعاد مع الدكتورة بعد يومين، هتعمل لي سُونار وتبلغني بنوع الجنين لأني وصلت للشهر الرابع خلاص


سألتها تلك الرقيقة من جديد:

_ طب إنتِ عاوزة ولد ولا بنت؟


إبتسمت بخفة وأردفت بصدق:

_ كل اللي يجيبه ربنا كويس، أهم حاجة الطفل ييجي بصحة وعافية


❈-❈-❈


داخل مسكن سالم عثمان


كان يجلس فوق الأريكة بصُحبة زوجته سُهير وهي تحمل صغيرة نجلها شريف التي بالكاد أكملت شهرها السابع،والتي أطلقوا عليها إسم "هَمسة"، ويجاورها" علي" صغير شريف، يقابلهم "شريف" الذي يجلس بمقعداً مقابلاً


أقبلت عليهم علياء وهي تحمل بين ساعديها صّنية موضوع عليها الكؤوس المعبئة بمشروب "الخُشاف"، وبعضً من الصُحون المليئة بالحلوي التي إرتبط إسمها بشهر رمضان المعظم


تحركت إلي والد زو، جها وتحدثت بإحترام وهي تُبسط لهُ ساعديها قائلة بنبرة هادئة:

-إتفضل يا عمو


تناول كأس المشروب وتحدث بنبرة حنون:

- تسلم ايـ.ـدك يا بنتي


تحدثت شاكرة بإحترام:

- بالهنا والشفا.


وقدمت إلي والدة زو، جها وشريف ثم وضعت ما بيـ.ـدها فوق المنضدة وحملت إبنتها عن سُهير، تحركت وجلست بجانب زو، جها الذي تحدث قائلاً بنبرة حنون:

- تسلم إيـ.ـدك يا حبيبتي


إبتسمت له وتناولت صَحنً من الحلوي وبدأت تتناولهُ، سأل سالم إبنه قائلاً بإهتمام :

-فكرت يا أبني في موضوع قعادكم معانا طول شهر رمضان زي ما قولت لك إمبارح؟


نظر شريف إلي علياء ليستشف رأيها الأخير قبل أن يُجيب أبيه، حيث طلب سالم وسُهير من شريف وعلياء المكوث معهما داخل الشقة طيلة شهر رمضان ليقضيا معاً الشهر بصحبة طفليهما حتي يشعر الجميع ببركة الشهر وجَمعتهُ الطيبة ،وسألها شريف بوضوح أمام والداه:

-إيه رأيك يا عالية؟


وجد منها القبول التام حين أردفت بنبرة لينة:

-ودي حاجة محتاجة سؤال يا شريف، طبعاً موافقة.


إبتسمت سُهير وهتفت برضا:

-رمضان بيحب اللمة يا ولاد، والشقة كبيرة وفاضية عليا أنا وسالم، هنفطر ونتسحر مع بعض ولما الشهر يخلص علي خير إبقوا إرجعوا شقتكم تاني.


أومات لها علياء وأردفت قائلة بنبرة هادئة:

-إن شاء الله.


وأكملت بإستحسان وإشادة وهي تتناول قطعة حلوي بالشوكة:

- تسلم ايدك يا ماما، الكنافة طعمها حلو أوي


سعدت سُهير بإشادة زو جة ولدها بصنع يداها ونطقت بنبرة حماسية:

-بالهنا والشفا


ثم تذكرت وسألتها بنبرة جادة:

- هديتي النار علي الفول علشان يتدمس كويس قبل السُحور يا عالية؟


أجابتها بنعم واكملوا حديثهم منتظرين أذان العشاء كي ينصرف الرجال إلي المسجد لتأدية صلاة التراويح والنساء يؤدياها بالمنزل


❈-❈-❈


خرج "ياسين" إلي الحديقة وبدأ يمارس رياضة المشي حتي يستطيع تهدأت حالهُ من حالة الأسي التي أصابته جراء حزن متيمتهُ وإستيائها منه، كان شارداً فيما دار بينهُ وبينها بالأمس من حديث إنتهي بمشاجرة ، أخرجهُ من شروده صوت أيسل التي إقتربت عليه وتحدثت وهي تناولهُ قدحً من القهوة التي أوصت العاملة علي صُنعه كي تستجدي به رضا أبيها وتُخرجهُ من حالته تلك


تحدثت أيسل وهي تُبسط ساعديها بقدح القهوة:

-قهوتك يا Dad


إنتبه لصوت صغيرته ومد يـ.ـدهُ وتناول منها قهوتهُ وشكرها قائلاً بنبرة باردة:

-تسلم ايدك يا حبيبتي


نظرت إلية ومطت شفتاها كي تستجدي تعاطفهُ وأردفت متسائلة بنبرة حزينة مصطنعة بالتأكيد:

-بابي، هو حضرتك زعلان مني؟


هز رأسهُ بنفيٍ زائف وتحدث كي لا يُحزنها:

-لا يا حبيبتي مش زعلان


إقتربت عليه ودفنت حالها داخل أحـ.ـضانه وشددت من ضمة ساعديها حول جـ.ـسده مما أدخل السرور علي قلب "ياسين" ،وتحدثت بصوتٍ متأثر كي تستدعي حبهُ الهائل لها:

-علي فكرة يا بابي، أنا لما قولت لحضرتك إني مش هينفع أنزل مصر أول يوم رمضان مكنش قصدي إني أبعدك عن العيلة


وأكملت بزيف لأنها كانت تتيقن أن أبيها لن يتركها هي ووالدتها تقضيتان أول أيام الشهر الفضيل لحالهما:

-ولا كُنت أعرف إنك هتقرر تقضيه معانا هنا إنتَ وحمزة


واستطردت:

-أنا فعلاً مكنتش عاوزة أشتت ذهني بالسفر وأنا عندي lecture ( محاضرة) مهمة جداً رابع يوم رمضان ولازم أذاكر كويس قبلها


لف ذراعهُ الخالي من قدح قهوته وضمها إلي صـ.ـدرهُ بحنان كي يُطمئن روح الطفلة المُشتتة بداخلها والتي تنقسم ما بين مراضاة عزيزُ عينيها وبين رغباتها المُلحة بالإستحواذ عليه وإبعاده بشتي الطُرق عن مليكة ، هو يعلم جيداً كُل ما يدور بمخيلة صغيرتهُ ويُقدر المرحلة العمرية الحرجة التي تمر بها تلك المراهقة

فتحدث بنبرة حنون لإحتواء روحها المُتبعثرة:

-أنا عارف كُل الكلام ده يا سيلا وإنتِ مش محتاجة تفسري لي موقفك

وأكمل بذكاء لتذكيرها:

- لأني واثق فيكي لأبعد الحدود،وعارف إن بنتي اللي ربيتها كويس لا يُمكن تسمح للشيطان بإنه يغلبها ويحاول يغير طهارة روحها البريئة


أخرجت تنهيدة حارة علي صـ.ـدر "ياسين" فشعر هو بها فتحدث بنبرة هادئة كي يُخرجها مما هي عليه متسائلاً بإهتمام :

- أخبارك إيه في الدراسة؟


هتفت بنبرة حماسية وهي تسحب حالها من بين أحضـ.ـانه:

-كويسة جداً،

وأكملت بنبرة فخورة بحالها:

-من الآخر كده هخلي حضرتك تفتخر بيا قدام الكل


إبتسم لها ياسين بشدة بينت صفي أسنانه،فتحدثت هي بمراوغة وتخطيط في محاولة جديدة منها لإبعاد والدها يومً أخر عن مليكة كي تُزعجها وتحظي هي ووالدتها بالظفر بوجودهُ مع كلتاهُما:

-بابي، ممكن بُكرة تروح معايا المُول اللي روحناه إمبارح مع مامي؟

واسترسلت مفسرة بنبرة شديدة الحماس:

- فيه كولكشن جديد هينزل بكرة وأعلنوا عنه علي البيدچ بتاعتهم إنما إيه، كُل الموديلات تجنن يا بابي


ونظرت إليه بعيناي مترجية وهي تُميل رأسها بدلال في حركة أذابت بها قلب والدها رُغم إعتراضه :

-وحياتي عندك توافق


تنفس بهدوء كي لا يُظهر مدي إحتدامه من إسلوبها الإنتهازي والتي دائماً تتبعهُ كي تبتز مشاعرهُ لصالحها،


ثم تحدث بنبرة جادة:

-مش هينفع وإنتِ عارفة كدة كويس


أردفت متسائلة بإعتراض ودلال:

-ليه مش هينفع يا حبيبي؟


أجابها بنبرة صارمة لا تقبل المُجادلة:

-قولت مش هينفع يعني مش هينفع يا سيلا


زمت شفتاها بإحباط وأنزلت وجهها ناظرة للأسفل بحزن سيطر علي ملامحها،مما أحزن ياسين وجعلهُ يتألم علي ما وصلت إليه تلك الطفلة من أنانية، فتحدث شارحً بنبرة جادة :

- إنتِ كِبرتي خلاص ولازم تكوني فاهمة ومقدرة طبيعة شغلي ومكانتي الحــ.ـساسة جوة جهاز المُخابرات، وإني مش حُر نفسي


وأكمل بنبرة حادة وصلت إلي حد الغضب بعدما فاض به الكيل:

- المفروض إني كُنت هرجع مصر معاكم من يومين فاتوا، لكن لما سيادتك رفضتي ترجعي واتحججتي بالدراسة ، ولما طلبتي مني أروح معاكي المول علشان تاخدي رأيي في اللبس ،مقدرتش أقول لك لا، وبالفعل مديت أجازتي يومين علشان خاطر ما أخلكيش تزعلي

وأكمل بنبرة أكثر حِدة:

- أكتر من كدة هيبقا إهمال مني وأنا اللي طول عُمري معروف عني الإلتزام في شُغلي وفي مواعيدي


إرتبكت بوقفتها وأنكمش جـ.ـسدها، ذُهلت من هيئة والدها الغاضبة والتي ولأول مرة تراهُ عليها وعلي الفور هتفت بإرتباك كي تتفادي غضبهُ:

- أنا أسفة يا بابي


واسترسلت بنبرة متألمة ودموع صادقة:

-أنا عمري ما تخيلت إنك هتزعل مني وتضايق بالشكل ده، لمجرد إني طلبت منك تيجي معايا علشان تختار لي لبسي


وأردفت بتعهد وهي تهز رأسها بإعتذار ونبرة متقطعة جراء شهقاتها :

- أنا أسفة وأوعدك إني عمري ما هعمل كدة تاني


إنتفض قلب ياسين مُتأثراً بدموع عزيزة أبيها،لم يتحمل مشاهدة دموعها التي تنزل علي قلبه وتكويه فأقترب عليها وقرب كفاي يـ.ـداه من وجنتيها ومررهُما فوقهما ليجفف لها دموعها وتحدث بنبرة حنون متأثرة:

- أنا اللي أسف يا حبيبتي علشان إتعصبت عليكي


وأكمل بإبتسامة كي يسترضيها :

- وإوعي تفتكري إني زعلت علشان طلبتي مني أروح أختار اللبس معاكي "بالعكس" أنا فرحت بطلبك ده جداً بدليل إني كُنت مبسوط إمبارح ويعتبر أنا اللي إختارت لك كل اللي إشتريناه


واسترسل شارحً بنبرة لينة:

- أنا كُل اللي بطلبه منك إنك تقدري طبيعة شُغلي وما تحاوليش تضغطي عليا

أومأت له وتنهد هو براحة وأمسك كف يـ.ـدها وأتجه بها إلي الداخل ليكملا مع ليالي وحمزة سهرتهم


بعد حوالي ساعة

كان يتمدد فوق تخته مُحتضناً ليالي بإحتواء بعدما أعطاها حقها الشرعي كزو جة له كما أمر الشرع والدين، تنهدت بإنتشاء مما يدُل علي إسترخائها وسعادتها جراء ما حدث بينها وبين ياسين مُنذُ القليل، فحتي وإن لم يكُن يعشقُها فهي زو جته ولها كل الحق عليه في إشباعه لرغباتها الجـ.ـسدية والنفسية


تحدثت بإنتشاء وهي تُشدد من ضمتها لهْ:

- وحشتني يا "ياسين"

إبتسم لنجاحه في وصولها إلي تلك الحالة من النشـ.ـوة وقام بوضع قُـ.ـبلة حنون فوق مقدمة رأسها وتحدث إليها بكذب مقبول شرعاً:

-وإنتِ كمان وحشتيني أوي.

ثم سحب جـ.ـسده لأعلي وتحدث وهو يستعد إلي النزول من فوق التخت:

-أنا هدخل أخد شاور علشان أنزل أقعد شوية مع إيهاب والرجالة علي ما تجهزي السحُور مع هيلين.


أومأت له بموافقة وتحرك هو إلي الحمام واختفي خلف بابه،أما هي فتمددت من جديد وباتت تتقلب بفراشها بإسترخاء وتتمطئ بدلال مما يوحي إلي وصولها للمنتهي من الراحة


❈-❈-❈


صباح اليوم التالي

كان يغفو بثبات فوق تخته الخاص بغرفة ليالي، دلفت لداخل الغرفة وجلست بجانبه وبدأت بإيقاظه قائلة بنبرة هادئة وهي تهز كتفه بخفة:

-ياسين، ياسين


فتح عيناه ببطئ وأغلقهما عدة مرات حتي إستطاع ثم دقق النظر إلي ليالي التي أردفت بنبرة هادئة:

- قوم يا حبيبي علشان تلحق ميعاد طيارتك


تنهد براحة وسألها بنبرة جادة:

-حمزة جاهز ؟


أجابته بنبرة حزينة وذلك لرحيل نجلها الحبيب مع والده، وأيضاً إبتعاد ياسين عنها:

-جاهز ومستنيك تحت مع أيسل،


وأكملت بتأثر :

-البنت عمالة تعيط تحت ومتأثرة جداً بسفرك إنتَ وحمزة، وبتحاول تقنع أخوها إنه يتحايل عليك ويحاول يخليك تتراجع عن سفرك وتقعد يومين كمان معانا


سحب جـ.ـسده لأعلي وأستند بظهره علي خلفية التخت، ثم زفر بضيق وهتف بإستياء:

-إقعدي مع بنتك وقولي لها إن اللي بتعمله ده ميصحش وإنها كبرت علي تصرفات وحركات الأطفال دي


وأسترسل شارحاً:

- فهميها إن عندي شغلي اللي محتاج لكل قوتي وتركيزي علشان أقدر أحافظ علي مركزي اللي وصلت له بعد عذاب ، قولي لها كمان إني بعمل كل اللي أقدر عليه علشان أجي هنا كام يوم في الشهر وأكتر من كده مش هقدر


وأكمل بنبرة حادة وهو يتحرك ويستعد للنزول من فوق التخت :

-خلي بنتك تبطل أنانية وتفكر في اللي حواليها زي ما بتفكر في نفسها واللي بيسعدها يا ليالي


تحدثت بهدوء مدافعة عن صغيرتها:

-متزعلش منها يا ياسين، سيلا لسة صُغيرة ومتعلقة بيك جداً وبتغير عليك


أخذ نفساً عميقاً وتحدث مُفسراً بنبرة متفهمة:

-وأنا عازر سنها وتفكيرها وبحاول علي قد ما أقدر إني أرضي غرورها وأشبع كبريائها، بس غيرتها العامية دي من مليكة هتضرها وهتخلق منها بني أدمه حقودة وأنا مش حابب أشوف بنتي بالصورة دي


ثم زفر بقوة وتحدث وهو يستعد ليتحرك إلي باب الحمام:

- عقلي بنتك وخلي عينك عليها أكتر من كدة يا ليالي


تحركت إليه سريعاً وأستوقفته قبل أن يخطوا إلي الحمام، وهتفت لإسترضائه:

-ممكن تهدي وأنا هعمل لك كُل االي إنتَ عاوزة


هز رأسهُ بتفهم فتحدثت بترقُب شديد:

-ياسين، كُنت عاوزة أحجز عند دكتور تجميل علشان أظبط شوية defohat في وشي قبل ما أنزل مصر علي العيد


تنهد بثُقل وحَزن داخلهُ من أفعال تلك التي بات هوسها بعمليات التجميل واقعاً ولن يستطيع ان يجعلها تُحيد عنه مهما فعل، فلقد فقد الأمل بعد محاولاته العديدة التي باءت جميعها بالفشل الذريع، حيثُ أنه قام بمنعها سابقاً لكنها آُصيبت بإكتأبٍ حـ.ـاد فأُجبِر علي التراجُع عن قرارة مُضطراً كي لا يدع حالتها تسوء أكثر مما كان سيعود بالسلب علي نفسية أطفاله


أومأ لها وتحدث بهدوء كي لا يُحزنها:

-شوفي المركز اللي حابه تروحيه وإديني إسمه وعنوانه وأنا هبلغ إيهاب يشوف الإجراءات علشان يأمنك قبل ما تروحي


آنير وجهها لمجرد إستماعها لموافقته ورَفعت قامتها لأعلي واقفة علي أطراف أصابع قدميها، ومالت علي وجنته لتطبع لهُ قُـ.ـبلة تعبر بها عن شدة سعادتها، وسار هو إلي داخل الحمام وأغلق بابهُ خلفه ثم تحركت هي بحماس لتُجهز له ثيابهُ التي سوف يرتديها عند خروجه


بعد مّدة كان يقف بالأسفل مقابلاً بوقفته لأيسل التي كانت تبكي بشدة وذلك لحُزنها العميق جراء مغادرة أبيها وإبنعادهُ عنها، نظر لها فأحنت رأسها للأسفل بحُزن مما أحزن ياسين فقام بسحبها وأخذها داخل أحضـ.ـانه وأردف وهو يربت علي ظهرها بحِنو:

-مش عاوزك تزعلي ،إن شاء الله في أقرب وقت هحاول أخد أجازة يوم ولا إتنين وأجي لكم نقضيهم مع بعض


خرجت سريعاً من داخل أحضـ.ـان والدها وسألته متلهفة بإبتسامة متأملة:

- بجد يا بابي؟


أجابها مبتسمً وهو يُمرر أصابع يـ.ـده ليجفف لها دموعها:

-بجد يا حبيبتي


ثم أدار وجههُ إلي ليالي واقترب منها وأحتضـ..ـنها مربتً علي ظهرها ثم أبعد وجههُ ومال علي وجنتها وقام بوضع قُـ.ـبلة فوق وجنتها وأردف قائلاً بنبرة هادئة:

-خلي بالك من نفسك ومن سيلا

واسترسل وهو يتناقل ببصره بين كلتاهما قائلاً بنبرة تنبيهية:

-وأرجوكم تسمعوا كلام إيهاب وتنفذوه بالحرف، ومتتحركوش خطوة واحدة من غير ما ترجعوا له فيها

واستطرد:

-أنا عاوز أكون مطمن عليكم وبالي رايق من ناحيتكم.


أومأت لهُ كلتاهُما بتأثر ثم تحركت ليالي وأحتضـ.ـنت صغيرها الذي بلغ عامهُ الخامس عشر وأصبح رجُلاً صغير وتحدثت:

- هتوحشني يا قلب مامي


تنهد حمزة وأردف بتأثر:

-وحضرتك كمان هتوحشيني جداً

ثم حول بصرهِ إلي شقيقتهً وتحدث بمشاكسة :

-هتوحشيني

لكزته بكَتِفهْ بخفة وتحدثت بدُعابة:

-سخيف

رد الفتي دُعابتها قائلاً بمرح:

-طالع لك.


تبادل الجميع الأحضـ.ـان ثم تحرك إلي الخارج وتوقف أمام إيهاب ورجالهُ قائلاً بتوصية وإشادة:

-أنا سايب ورايا وحُوشْ وعارف إنكم سدادين وقدها، بس عايزكم تاخدوا حظركم أكتر من الآول


اومأ لهُ الجميع بطاعة عمياء، وأشار هو بكف يـ.ـده مُثبتاً بصره علي إيهاب:

- أي حاجة تحصل تبلغني بيها فوراً، مفهوم يا إيهاب؟


مفهوم سعادتك... كانت تلك جُملةْ إيهاب التي أجاب بها قبل أن ينطلق ياسين إلي المطار بسيارة تابعة لرجال الحراسة بصحبة نجلهِ حمزة


❈-❈-❈


داخل المطبخ المتواجد بمنزل ثريا، وقبل إنطلاق مدفع الإفطار بحوالي الساعة

كانت جميع نساء العائلة تجتمعن داخل المطبخ ويقفن علي قدمٍ وساق وهُن ينتهين من تجهيزهُن لطعام الإفطار، دخلت مُني إلي الداخل علي عُجالة وهي تهتف بكُل صوتها بنبرة حماسية:

- ياسين باشا وصل بالسلامة يا ست مليكة


لم تدري بحالها إلا وهي تلتفت إلي تلك العاملة وعلامات اللهفة تغمر ملامحها، وبلحظة تسمرت بوقفتها حينما وجدته يخطوا بساقيه ويتحرك فوق أرضية المطبخ ويتلفت بحماس ولهفة باحثً عن ضالته، توقفت عيناه وثُبتت فوق ملامح وجهها التي إشتاقها حد الجنون، تشابكت عيناهم بنظرات الإشتياق والولع


أخرجهُ من حالة الوله صوت ثريا التي تحدثت بنبرة مبتهجة تدل علي مدي سعادتها:

-حمدالله علي السلامة يا "ياسين"


إقترب عليها وقام بتقـ.ـبيل مُقدمة رأسها وتحدث بنبرة صادقة:

-الله يسلمك يا أمي، كل سنة وانتِ طيبة


وتحرك إلي منال وقام بتقـ.ـبيل رأسها وتهنأتها هي الآخري بقدوم شهر رمضان المبارك وتحدثت إليه بنبرة حنون:

- حمدالله علي سلامتك يا حبيبي


نظر لها بإبتسامة لطيفة فأكملت هي متسائلة بنبرة متشوقة:

-ليالي وأيسل أخبارهم إيه؟


أجابها بنبرة هادئة:

-كويسين يا حبيبتي وبيسلموا عليكي


وتحرك إلي يسرا التي صافحته بحفاوة وترحاب شقيقة لشقيقها


حتي جاء دورها في المصافحة، وقف قُبالتها ينظر داخل مقلتيها بإشتياقٍ جارف لعاشق ولهان ، بدأ قلبهُ بالإرتجاف والأنين ،لم يستطع التحكم بحالة الهيام التي سيطرت علي كيانه بمجرد طلتهِ داخل بحر عيناها العميق


ودَ لو وضع راحتيه حول كتفيها بإحتواء وسحبها لداخل أحضـ.ـانه كي يُشبع روحهُ العطشة لضمتها ويستنشق عبيرها الرائع، ودَ لو بإمكانه الإعتذار منها ألاف المرات عن ما بدر منه من حِدةٍ معها عبر الهاتف وعلو صوتهِ عليها مما أحزنها وجعلها تشعُر بأنها أصبحت وصيفة في مملكة عرشة وليست الملكة كما عودها مُنذ أن إعترف لها وأفصح عن عشقهِ الهائل


تحامل علي حاله وكبت بداخلهِ شعورهُ العظيم بالإشتياق وسألها بإهتمام دون مُصافحة بالأيدي خشيةً الإنهيار:

-إزيك يا مليكة


بصعوبة بالغة أخرجت صوتها متحاملة، وأجابته بنبرة جافة أخرجتها بتعسُر رغم الإشتياق الجارف لذاك الواقف أمامها بمظهرهُ الذي خطف قلبها وأصابهُ برجفة العِشق:

-الحمدلله


وأردفت بلامبالاة وهي تواليه ظهرها لتتابع تحريك الحَساء التي كانت تصنعهُ أمام الموقد:

-حمدالله علي سلامتك


تنفس بيأس بعدما تيقن إستمرار غضبها منه وأجابها بهدوء:

-الله يسلمك.


ثم نظر إلي ثريا وسألها بإشتهاء في محاولة منه بتغيير مجري الحديث الذي أثار إنتباه جميع المتواجدات :

-أخبار الكُنافة والقمر الدين إيه يا عمتي؟

وأكمل بتساؤل في مداعبة منه:

-يا تري عملتيهم ولا طنشتيني ؟


إبتسمت له وأجابتهُ وهي تنظر إلي مليكة مما أشعرها بالخجل:

-والله يا ابني كان نفسي اعملهم لك بإيـ.ـدي ، لكن مليكة سبقتني وعملتهم لك هي وكمان عملت لك الخُشاف


إبتسم وتنفس براحة وهو ينظر إلي تلك التي تواليه ظهرها وتحدث بنبرة شاكرة:

-تسلم إيـ.ـدك يا مليكة


أغمضت عيناها بإستسلام لنبرة صوتهِ الدافئة التي إشتاقتها بجنون، وقامت بأخذ نفساً عميقاً دون رد


تحرك هو إلي خارج المطبخ كي لا يُزيدها عليها وعلي حاله، وصعد الدرج إلي الأعلي، دلف إلي جناحهُ المشترك معها، قام بأخذ حماماً دافئً وأرتدي ثيابً نظيفة ونزل متجهً إلي الحديقة، وإنطلق حينها قرءان ما قبل المغرب، جلس ياسين بجانب والدهُ وبدأ يتحدثان في أمور تخص العائلة حتي إنطلق مدفع الإفطار وتلاهُ أذان المغرب، خرج الجميع لأداة الصلاة وبعدها عاد الجميع وبدأوا بتناول إفطارهم تحت نظرات ياسين المُتشوقة لغالية قلبه


في تمام الساعة العاشرة مساءً

صعد "ياسين" إلي جناحه مرةً آخري بعدما جلس مع والديه وشقيقاه ، وجدها تغفو فوق تختها وتغطُ في ثباتٍ عميق تأثراً بهرمونات الحمل، تمدد بجانبها وأحتـ.ـضنها من الخلف بشدة دافناً أنفهُ داخل تجويف عُنقها البض وبدأ يشتم رائحتها العبِقة براحة وإستجمام


شعرت بوجودهُ خلفها، حركت أهدابها ثم فتحت عيناها وأخذت نفساً عميقً يدل علي مّدي إشتياقها له، ضـ.ـمها إليه أكثر وهمس بجانب أذنها في حركة أذابتها:

-وحشتيني


إقشعر جـ.ـسدها وبلحظة تناست حُزنها وغضبها السابق منه، أمسكت كفاي يداه التي تطوق خصرها وتلمـ.ـستهما بحنان أثار جنونه وجعلهُ يتحول من عاشق هادئ يشتاق رائحة متيمتهُ، إلي رجُلً راغب في آُنثاه وبشدة، لفها إلي وجهه بحذر كي لا يؤلمها ويؤذي جنينهُ، نظر لداخل عيناها وانتفض داخلهُ حينما رأي بنظراتها التي أخبرته كّم إشتاقت رجُلها حد الجنون، وبلحظة غاصا معاً بعالمهما المُثير في جولة عشقية حاول من خلالها كلاهما جاهداً أن يُثبت للاخر مّدي وصولهُ للمنتهي في عشقهما العظيم


بعد مرور بعض الوقت، كان يستند بظهره علي خلفية التخت ويُجلسها أمامهُ واضعً كف يـ.ـده علي أسفل بطنها الذي بدأ يظهر ويتحـ.ـسس موضع جنينهُ بحنان، أردف قائلاً بنبرة يملؤها الإشتياق:

_وحشتيني أوي يا "مليكة"


تنفست بإسترخاء متناسية حزنها منه، وتحدثت بنبرة حنون تدل علي مدي وصولها للراحة النفسية والسلام الداخلي التي كانت تفتقدهُ روحها وكيانها جراء إبتعاد نصفها الآخر عنها:

-مش أكتر مني يا حبيبي


سألها بإهتمام وهو يتحـ.ـسس أسفل بطنها:

- ميعادك مع دكتورة مُني أمتي علشان هاجي معاكِ ؟


ردت عليه بنبرة هادئة:

- إن شاء الله بكرة

وأكملت بسعادة:

-للدرجة دي مشتاق تعرف نوع البيبي؟


أجابها بنبرة صادقة لرجُل عاشق:

- مايفرقش معايا نوع البيبي قد ما يفرق معايا إنه حتة غالية من روحك


وأسترسل بنبرة حالمة:

-من يوم ما شفتك أول مرة في الأسانسير وأنا بقي حلم عُمري إنك تكوني حلالي وأم ولادي


شددت من مسكتها لكفاي يـ.ـداه بحركة حماسية وأردفت قائلة بصوتٍ هائم:

-أنا بحبك أوي يا ياسين


شدد هو من ضمتها، فسألته بنبرة جادة:

-طمني، ليالي وسيلا أخبارهم إيه؟


أجابها بهدوء:

-الحمدلله بخير، ليالي بتسلم عليكِ كتير


تحمحم ثم تحدث برجاء :

-مليكة، أنا مش عاوزك تزعلي من سيلا


وأكمل شارحاً:

-البنت لسة صُغيرة ومش عارفة تتحكم في مشاعرها ولا تفسرها صح


أومأت برأسها وأردفت قائلة بهدوء:

- أنا مش زعلانة منها يا حبيبي، أنا بس بيصعب عليا لما ألاقيها حطاني في خانة العدو بعد ما كانت بتعتبرني صاحبتها


شدد من إحتضـ.ـانه لها وتحدث بنبرة صوت راجية :

-معلش يا حبيبي، هي فترة وهتعدي وبعدها كل حاجة هتبقي كويسة


أومأت له بتفهم فسألها مستفسراً:

- هتنامي؟


أجابتهُ بإستفاضة:

-لا أنام إيه بقي دي الساعة عدت 12، تعال ندخل ناخد شاور ونصلي قيام الليل، وبعدها ننزل علشان نتسحر مع ماما والأولاد ونبقي ننام براحتنا بعد صلاة الفجر


أومأ بموافقة وبالفعل تحركا داخل الحمام ليبدأ ما إتفقا عليه كلاهما

إنتهي الفصل

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

تابع هنا: رواية قلوب حائرة للكاتبة روز أمين الجزء الأول

تابع هنا: رواية قلوب حائرة للكاتبة روز أمين الجزء الثاني

رواية قلوب حائرة للكاتبة روز أمين الجزء الثالث

رواية قلوب حائرة روز أمين الجزء الرابع

رواية قلوب حائرة روز أمين الجزء الخامس

رواية قلوب حائرة 2 الفصل الثاني روز أمين

لقد تغلغل عِشقهُ داخلي حتي أصبحتُ هو

"نعم" فروحهُ باتت تسكن كياني

ومن حينها ما عُدت أنا

أصبحتُ أبحث عن ذاتي بداخلهُ

وبداخلي يبحثُ خليلي عن كيانهُ


خواطر مليكة عثمان

بقلمي روز آمين


في اليوم التالي


داخل الحديقة الخاصة بمنزل اللواء عز المغربي وبالتحديد أمام "حمام السباحة"الخاص بالڤيلا، كانت تجلس بجانب زو جها تتناقش معهُ بموضوع حياتها الذي أصبح شُغلها الشاغل


تحدثت بإستماتة وهي تحاول إقناع عُمر بذاك الموضوع الذي لم تكل ولن تمل من طرحهُ عليه دوماً، وبرغم رفض عُمر الدائم للموضوع مازالت تعرضهُ عليه بإستماتة:

_ أنا مش فاهمة إنتَ ليه مش راضي تفاتح طارق ومليكة في إننا ندخل شركاء معاهم في الشركة؟!


تأفف عُمر وهتف بنبرة معترضة لينأي بنفسهِ من غضبة والده ومناقشات عديمة الجدوي لن تُجدي بنفع:

-أنا اللي مش قادر أفهم إيه سبب إصرارك علي إننا نشارك طارق ومليكة بالذات؟!


وأكمل بإِيضاح :

-مع إني إقترحت عليكِ أكتر من مرة في إننا نأسس شركة خاصة بينا، وفاتحت بابا في الموضوع وهو وافق يمول لنا المشروع بالكامل.


هتفت قائلة بنبرة حـ.ـادة مُعترضة:

-ونبدأ من الصِفر ونقعد سنيين علشان نقدر نثبت الشركة ونوجدها علي أرض الواقع، ويا نجحت يا فشلت ؟


وأكملت شارحة بتعجب:

-طب ليه كل المخاطرة دي وإحنا قدامنا شركة ناجحة بالفعل وليها إسمها الكبير في السوق !


هتف بنبرة حـ.ـادة موضحاً لها الأمر:

-مش هيوافقوا يا لمار، لا طارق ولا مليكة هيوافقوا يدوكي من حصصهم


أردفت قائلة بنبرة مُتعجبة:

-وإنتَ كنت فاتحتهم في الموضوع علشان تعرف إذا كانوا هيوافقوا ولا هيرفضوا يا عُمر؟


أجابها مفسراً بإبانة:

-يا حبيبتي مش محتاج أفاتحهم علشان أعرف ردهم ، المسألة واضحة للأعمي، ماهو بالعقل كدة إيه اللي يخليهم يوافقوا يدَخلوا شريك جديد ويقاسمهم أرباحهم المضمونة؟


وأكمل شارحاً بتوضيح:

-صدقيني لو كانوا محتاجين فلوس أو الشركة أمورها مش مستقرة كُنت هوافقك وأجرب وأفاتحهم، لكن الشركة مستقرة وبتعيش أزهي عصورها، يبقي بالعقل كدة إيه اللي يجبرهم ويخليهم يتنازلوا ويوافقم علي دخولنا معاهم ؟!


رفعت قامتها لأعلي وأجابته مفسرة بنبرة واثقة:

-فرص الإستثمار اللي هجيبها للشركة والعروض اللي عمرهم ما هيلاقوا زيها هي اللي هتجبرهم علي الموافقة.


وأسترسلت بترغـ.ـيب في محاولة منها لإقناعه هو شخصياً:

- يا عُمر إفهمني، أنا أعرف ناس مهمة هتسهل لنا دخول صفقات إلكترونية بأسعار مخفضة هنكسب من وراها ملايين وإحنا مرتاحين وقاعدين في أماكِنا


وأكملت مُعللة:

-لكن شرطهم إن الشركة اللي هيوردوا لنا عليها الشُحنات، تكون شغالة من فترة في سوق الإستيراد والتصدير وليها سُمعة كويسة في الجمارك


أتت عليهم منال التي تساءلت بنبرة جادة وهي تجلس بمقعداً مقابل لتلك اللمار:

-بتتكلموا في إيه؟


أردفت لمار قائلة بنبرة مُنفعلة:

-بنتكلم في موضوع شراكتنا مع طارق ومليكة وبردوا مش قادر يقتنع بكلامي يا aunt


تنهدت منال وأردفت قائلة بتفهم:

-ريحي نفسك يا لامي، كتير من العيلة حاولوا يدخلوا بأسهم في الشركة، لكن طارق رافض مبدأ الشراكة من أساسه


وأكملت مفسرة موقف طارق:

- طارق تعب كتير في الشركة هو ورائف الله يرحمه علشان يقدروا يوقفوها علي رجليها في السوق، ويعملوا لها المكانة الكبيرة اللي إنتِ شيفاها دي، علشان كدة مش هيوافق إن التعب ده يتنسب لأي حد غيره هو وأولاد رائف


واسترسلت بنُصح وإرشاد:

- إسسوا شركة جديدة وإعملوا لها سجل تجاري وأشتغلوا، إنتوا الإتنين أذكياء وأكيد هتنجحوا وتثبتوا نفسكم في السوق.


هزت لمار رأسها وأردفت قائلة بإستماتة تدعوا إلي التعجُب :

-يا aunt حاولي تفهميني، أنا عندي عروض هنكسب من وراها ملايين في غمضة عين، لكن شرطهم علشان يحـ.ـطوا أيـ.ـديهم في إيـ.ـدينا إن الشركة يكون لها ثُقل في سوق العمل وشغالة من مّدة طويلة في مجال الإستيراد والتصدير


لمعت عيناي منال بالطمع وتحدثت إليّ عُمر:

-بما إن الموضوع مربح كدة يا عُمر يبقا لازم تحاول تقنع طارق


أردفت لمار قائلة بذكاءٍ خبيث:

- أنا شايفة إن محاولتنا لازم تكون مع مليكة، مليكة قاعدة في البيت ومش فاهمة ولا عندها الإنتماء اللي عند طارق للشركة


واسترسلت بدهاء:

-إحنا نحاول نغــ.ـريها بالمكسب الكبير ونعرض عليها الشراكة في الأسهم بتاعتها هي وأولادها، وأكيد المكسب السريع هيخليها توافق بسرعة، أو علي الأقل تاخد وقت تفكر فيه وبردوا في النهاية هتوافق قدام عرضِنا اللي ما يترفضش


هتفت منال قائلة بإنسجام مع رؤى تلك اللمار:

-برافوا عليكِ يا لمار، تفكيرك تفكير Business Woman فعلاً


إبتسمت ورفعت قامتها بغرور قائلة بتفاخر بحالها:

thanks, aunt


نظر عُمر لكلتاهما بتردد بعدما بدأ يقتنع بالفكرة بعد حديث والدتهُ المشجع

كانت هناك من تقف خلف الحائط،حيث كانت في طريقها للخروج إلي الحديقة فاستوقفها حديث تلك اللمار الخبيث، فوقفت تتسمع عليهم في أول مُخالفة لها لضميرها ومبادئها، وذلك عِندما تيقنت أن الأمر يخص عمل زوجها الذي ذاق الأمَرين هو و رائف حتي أوصلاه لما أصبح عليه


❈-❈-❈


بعد إنتهاء ياسين من صلاة التراويح

وداخل مَشفي المغربي الإستثماري الخاص بدكتور أحمد وزوجتهُ دكتورة مني، كانت تتمدد فوق الشازلونج الخاص بالكشف النسـ.ـائي، تقف منىّ بجوارها وتُحرك ذاك الجهاز المُرتبط بجهاز السونار، تتفحص الصورة الظاهرة بالشاشة بتدقيق شديد للكشف عن نوع الجنين


يقف علي الجانب الآخر ياسين المُمسك بكف يـ.ـد متيمتهُ، وهو يدقق النظر لصورة جنينهُ المتحركة بقلبٍ ينبض بشدة وكأنهُ ولأول مرة سيصبح أب، إبتسمت منى وأردفت متحدثة بنبرة لطيفة وهي تنظر لكلاهُما :

-جاهزين علشان تعرفوا نوع البيبي؟


تنفست بعمق وهي تنظر إلي حبيبها الذي إبتسم لها وأومأ بموافقة ليطمأنها


ثم تحدثت دكتورة مُنى بعدما رأت إبدائهما لإستعدادهما لتلك اللحظة الرائعة:

- هتسموها إيه؟


إنتفـ.ـض قلب ياسين وارتجف جسـ.ـدهُ بالكامل بعدما علم بأنهُ سيُرزق بفتاة من المرأة التي طالما تمناها وسأل مُنى ليتأكد:

- هي بنت؟


أومأت لهُ بتأكيد واردفت قائلة بإبتسامة هادئة:

-أيوة بنت، وأكيد هتطلع زي القمر شبه مامتها


آُنيرت ملامح وجههُ التي غمرتها السعادة وهو ينظر إلي حبيبته ويُشدد علي مسكتهُ لكف يـ.ـدها بحنان قائلاً:

-مبروك يا حبيبي


إتسعت إبتسامتها وامتلئ قلبها بسعادة لا نظير لها جراء خبر حملها بفتاة وذلك ما كانت تتمناه مُنذ حملها بصغيرها أنس، هنأتهما منى وأعتدلت مليكة من جديد بعدما جففت لها الممرضة أسفل بطـ.ـنها من السائل التي وضعته الطبيبة كي يُسهل عملـ.ـية الفحص،تحركت إلي المكتب بجانب ياسين وجلسا متقابلان بالمقاعد الخاصة بالمكتب


وصفت لها منى بعض الأدوية المقوية لمناعتها وتحدثت بإرشاد وهي تناول ياسين روشتة الدواء:

- لازم تاكلي كويس أوي بعد الفطار يا مليكة، وحاولي تعوضي ساعات الصيام بسوايل وعصاير طبيعية طول فترة الليل، ومهم جداً تاخدي الفيتامين اللي كتبتهُ لك ده بإنتظام علشان تتجنبي أنيميا الحَمل


أومأت لها بطاعة وتحدث ياسين بنبرة حماسية تنمُ عن مّدى سعادته:

-ما تقلقيش يا دكتور، أنا بنفسي هتابع أكلها وأدويتها


إبتسمت مني وأردفت قائلة بتمني:

- ربنا يخليكم لبعض


وأكملت بنبرة تحذيرية جادّة:

-ياريت يا سيادة العميد تخلي بالك أثناء العلاقـ.ـة الحمـ.ـيمية علشان لاقدر الله ما نخسرش الجنين زي الحَمل اللي فات


إحمرت وجنتاي مليكة من شدة خجلها عِندما تذكرت فُقدانِها لجنينها السابق مُنذ قبل العشرة أشهر الفائتة ،وذلك بعدما حضر ياسين من ألمانيا بعد غياب دام لمدة إسبوعاً كاملاً عن مليكته وكان مُتعطشاً لعشقها،فبات طيلة الليل يشرب من شهـ.ـدها ويُسقيها معهُ متناسيين وضعها مما أحدث نزيـ.ـفً حـ.ـاد في الصباح وحدث علي أثره فُقدان الجنين


تنفس ياسين بضيق عندما تذكر تلك الواقعـ.ـة الأليـ.ـمة وتحدث بنبرة متأثرة:

-إن شآء الله يا دكتورة


شكراها كلاهما وتحركا إلي خارج غرفة الكشف ومنها لخارج المَشفي بأكملها تحت سعادتهما الغير متناهية


كان يتحرك بجانبها بقلبٍ طائر من شدة سرورهُ، نظرت إليه وطلبت منه بترقب:

-ياسين، هو إحنا ممكن نتمشي شوية علي البحر قبل ما نرجع علي البيت


تنفس براحة وأردف قائلاً بطاعة إمتثالاً لرغبتها التي إستساغة قبولهُ:

-كل اللي تؤمري بيه هيتنفذ في الحال وبدون نقاش يا كُل عُمر ياسين


شعرت بروحها تتراقص من شدة سعادتها، وتحركت بجانبة يخطيان بإتجاه شاطئ البحر متشابكين الأيـ.ـدي من يراهما للوهلة الأولي يتأكد من عشقهما الهائل الذي شملهما وظهر للكفيف


وصلا للشاطئ وبدأ يتحركان أمامهُ بإسترخاء وأستمتاع ، سألته بنبرة مترقبة وهي تنظر إلي عيناه:

-مبسوط إنها طلعت بنت يا ياسين ؟


هتف مُتلهـ.ـفاً:

-أوي يا مليكة، ما تتخيليش مّدى سعادتي وهي مُنى بتبلغنا


وأكمل بتمني وهو ينظر لعيناها بهيام:

-وياسلام لو ربنا حقق لي مُرادي وطلعت شبهك


إبتسمت بسعادة وسألته من جديد:

-هتسميها إيه؟


نظر لها مدققاً بتفكر ثم تحدث وهو يرفع كتـ.ـفاه :

-مش عارف، بس لازم إسمها يبقي مُميز علي قد غلاوتها في قلبي


رمـ.ـت حالها داخل أحـ.ـضانهُ الدافـ.ـئة عندما لاحظت إبتعادهما عن عيون المّارة، إحتواها بساعـ.ـديه حيثُ لفهُما حولها بعناية، رفع وجهها لتتقابل أعيُنهم بنظرات تهيمُ عِشـ.ـقاً، ثم مال بطولهُ الفارع عليها وألتقـ.ـط شـ.ـفتاها بين شـ.ـفتاه، وبدأ بتقـ.ـبيلهما برقة مُتناهية أذابت كلاهُما ونقلته إلي عالم آخر، عالم عشق ياسين المغربي المميز لمليكته


رفعـ.ـها من خصـ.ـرها مما جعل ساقاها مُعلقتان في الهواء وزاد من قُبـ.ـلاته التي تحولت إلي شغـ.ـوفة بفضل قُربهُـ.ـما الشديد، بعد مُدة إبتعد كلاهُما مُرغماً


وتحدث وهو يغمز لها بإحدي عيناه ومازال مُثبتاً إياها بأحضـ.ـانه:

- لازم نروح حالاً وإلا جـ.ـوزك المحترم سيادة العميد هيتقبض عليه بتهمة إرتكـ.ـابه لفعل فاضـ.ـح في الطريق العام في سابقة هي الأولي من نوعها


قهقهت بشدة علي دعابة زو جها المُشاغب وتحركت بجانبه قائلة بنبرة فكاهية:

-لا وعلي إيه، نروح بيتنا أحسن يا سيادة العميد


بعد مّدة كان يجلس بجانبها، يجاورهما عائلة عز وثريا وأبناء مليكة بعدما قدم لهما الجميع التهنئة بعد معرفة نوع الجنين، في ذاك التوقيت أتي إلي ياسين إتصال فيديو كول من إبنته أيسل وليالي التي كانت تجاورها الجلوس


وبعد تبادل السلام بين الجميع هتفت لمار موجهه حديثها إلي أيسل بنبرة ماكـ.ـرة تحمل بين طياتها خُبثٌ مُراد به الوصول لهدف معين داخل نفسها الخبـ.ـيثة:

-مش تباركي لبابي ومليكة يا سيلا


ضيقت أيسل عيناها بعدم إستيعاب فأكملت لمار بنبرة لئيـ.ـمة:

-جاي لك أخت في الطريق وشكلها كده هتاكل الجو منك عند سيادة العميد


إشتـ.ـعل داخل أيسل وبدأ الشعور بالإستياء والألـ.ـم والغـ.ـيرة يُسيطر علي داخلها وهذا ما ظهر داخل عيناها ولاحظهُ الجميع مما جعل ياسين يتحدث سريعاً كي يُطمئن قلب صغيرته:

- لو ربنا رزقني بألف بنت عمرهم ما هياخدوا مكان أيسل في حياتي


وأكمل وهو ينظر داخل عيناها مما أسعدها مؤقتاً وجعل الإبتسامة ترتسم فوق شـ.ـفتاها:

- ماحدش في الدنيا كلها يقدر يمـ.ـس مكانتك في قلبي، ده إنتِ أول فرحتي يا سيلا


إبتسمت ببهجة وكادت عيناها أن تُدمع من شدة سعادتها لدلال وتفخيم أبيها لها، ومع ذلك نظرت إلي مليكة بتعالي وحقـ.ـد تكون داخلها بإتجاهها، سحبت مليكة عيناها عنها وغادرت الجلسة لتترك لها وأبيها المجال للتحدث بأريحية، وأكمل الجميع أحاديثهم


❈-❈-❈


بعد وقتٍ قليل أنهت أيسل الإتصال ووضعت جهاز الحاسوب جانباً ثم نظرت إلي والدتها وهتفت بإحتـ.ـدام حـ.ـاد وعيناي تطلقُ شـ.ـزراً :

-هو إنتِ إزاي متقبله الوضع المُهـ.ـين ده وبتتكلمي معاهم عادي كده؟


وأكملت بإستغراب وتعجُب:

- لا وكمان بتباركي للهانم وإنتِ مُبتسمة قوي ولا كأنها الست اللي خطـ.ـفت منك جـ.ـوزك وسـ.ـرقت منك سعادتك؟!


تأففت ليالي واعتدلت بجلستها وتحدثت قائلة بنبرة مُحبطة:

-وعاوزاني أعمل إيه يا سيلا، أصرخ وأعترض وأطلب من بباكي يطلقها ؟


واسترسلت مُبررة بتأثر:

-وحتي لو فقدت إتزاني وإتجننت وطلبت منه ده، تفتكري ياسين هيسمع كلامي ويطلقها ولا حتي يبطل يحبها ويفضلها عليا؟


واسترسلت مبررة:

-كل اللي هيحصل إن الكُل هيبص لي علي إني ست فاضية وغيارة وبتاعت مشاكل


صاحت الفتاة بنبرة رافضة:

-حضرتك اللي وصلتي نفسك للنقطة دي بسلبيتك معاهم وتقبُلك الذلـ.ـيل للوضع ده، وكمان تعاملك مع اللي إسمها مليكة دي بطريقة عادية


زفرت بضيق وأردفت بنبرة إستسلامية:

-صدقيني يا بنتي كل ده ولا كان هيفرق مع بباكي، ياسين راجل قوي ومشاعرة جامدة ومافيش مخلوق يقدر يجبره علي حاجة هو مش عاوزها، فأحسن حاجة عملتها هو إني تقبلت الأمر الواقع وتعايشت معاه


ثم وضعت ساق فوق الأخري وتنفست براحة وتحدثت مفسرة:

-وصدقيني، أنا بتصرفي ده كسبت راحتي وقدرت أخد كُل اللي أنا عوزاه وأكتر كمان من ياسين


وأشارت بيـ.ـدها قائلة بتفاخر :

-وزي ما أنتِ شايفة، ياسين مديني حُرية التصرف وأي حاجة بحتاجها بتكون تحت أمري في نفس اللحظة، بخرج براحتي وبعمل Shopping زي ما أنا عاوزة


وأكملت بكامل الرضا وهذا يرجع إلي شخصيتها الأنوية:

- وأنا مش محتاجة منه أكتر من كدة


رمقت الفتاة والدتها بنظرة إشمئزاز من تفكيرها الذلـ.ـيل الخاضع والعقيم ،ثم سألتها بنبرة جادة:

-هو ليه حضرتك مافكرتيش تجيبي بيبي زيها؟


إتسعت عيناها وأطلقت ضحكات عالية متتالية، بالكاد إستطاعت إيقافها وهتفت مفسرة عندما وجدت بوادر الغضـ.ـب علي ملامح وجه إبنتها :

- بيبي إيه اللي عوزاني أجيبه وأنا في السن ده يا سيلا؟

يا بنتي أنا لا سني ولا لياقتي بقوا يسمحوا لي بالحمل، وحتي لو يسمحوا، أنا إيه اللي يخليني أضحي بجمالي وشكل جـ.ـسمي علشان أخلف بيبي ييجي يقلب لي حياتي كُلها


وأكملت بنبرة صادقة:

- صدقيني يا أيسل، أنا أقلمت نفسي علي وضعي الجديد وتقبلته وقدرت أتخطي غيرتي اللي كانت بتقـ.ـتلني أول ما ياسين إتجوز مليكة، واللي ساعدني إني اقدر أتخطي الحكاية هي إني مش حابسة نفسي جوة دايرة ياسين، أنا عايشة حياتي اللي بحبها وياسين مساعدني علي كدة


واسترسلت براحة وهدوء:

- ياسين مش حارمني من أي حاجة بحتاج لها وعارف إنها بتسعدني، ده غير إنه إتغير معايا جداً من وقت ما جينا ألمانيا، والوقت اللي بييجي فيه بيخرجني ويسهرني ويحـ.ـسسني إني ملكة، هعوز إيه أنا أكتر من كدة؟


وأستطردت قائلة:

-طب أقول لك علي سر، ياسين بقي بيتعامل معايا برومانسية وبيهتم بيا أكتر بكتير من قبل ما يتـ.ـجوز مليكة


وأكملت بنُصح وإرشاد :

-من الأخر كدة خرجي نفسك من موضوعي مع بباكي وركزي في دراستك أفضل


زفرت أيسل بضيق وهزت رأسها يميناً ويساراً بإستسلام من وضع وتفكير والدتها والتي تراهُ مُخجلاً ،ثم صعدت الدرج متوجهة إلي غرفتها تاركة ليالي التي إسترخت بجلستها من جديد وأشعـ.ـلت شاشة التلفاز وأمسكت جهاز التحكم وبدأت بالتقليب بين القنوات التلفزيونية حتي إستقرت علي إحداهما وبدأت بالمشاهدة ومن ثم وبدون إنذار زفرت بضيق وألقت بجهاز التحكم بعدما بدأت تسترجع حديث صغيرتها داخل رأسها


❈-❈-❈


أعرفُ أن الطريقَ إليك هو الهلاكُ بعينهْ، نعم فالبلوغُ إليك طريقهُ مُفترشٌ بنـ.ـارٍ شاعـ.ـلةٍ أيها الذئبُ اللئـ.ـيمْ، نـ.ـارٌ يُمكنها أن تحـ.ـرقَ الأخضرَ واليابسَ بطريقِها


خواطر لمار الخُضيري

بقلمي روز آمين


عودة لمدينة الأسكندرية


تحركت لمار متوجهة إلي منزل عز بعدما إختنقت من جو العائلة الذي يُشعرها بالإنزعـ.ـاج والإستياء، وتركتهم لتجلس لحالها داخل الحديقة لتُريح رأسها ولو قليلاً ممن تصفهم بالغـ.ـوغاء، كانت تُسير نحو حمام السباحة لتجلس بمقعداً أمامهُ في محاولة منها لإتخاذ قسطاً من الإسترخاء


إنتبهت علي صوت ذاك الذي يتبع خطواتها حيث تحدث بنبرة هادئة تحمل بين طياتها بعض الحِدة:

-لمار


إلتفتت خلفها سريعاً وتحدثت بتعجب:

-سيادة العميد ؟


رمقها بنظرات مبهمة لم تستطع تفسيرها في البداية وتحدث بنبرة تحمل بين طياتها تهديداً خفي:

-الكلام اللي قولتيه لسيلا بنتي النهاردة لو إتكرر تاني مش هعمل إعتبار لكونك مرات أخويا،


واسترسل بنبرة باردة وهو ينظر داخل مقلتيها اللئيمتان:

- مفهوم يا لمار


إرتبك داخلها لكنها جاهدت لتظهر أمامهُ بثبات وتحدثت متسائلة بتخابث:

-هو سيادتك تقصد إيه بكلامك ده، وكلام إيه ده اللي أنا قولته لسيلا وضايق حضرتك اوي كدة ؟!


رفع حاجبهُ مُستنكراً لؤمها وهتف بنبرة صارمة متجاهلاً حديثها:

-بقول لك إيه،ما تسيبك من إسلوبك ده لأنه مش نافع معايا وإنتِ من جواكي متأكدة من كدة


واسترسل مهـ.ـدداً إياها:

-كلمتين هقولهم لك وعاوزك تحطيهم حلقة في ودانك علشان تتقي شر واحد عديم الرحمة زيي، أنا لحد عيالي وبتهب مني وبتقلب معايا بمنتهي الغباوة


واستطرد بنظرات حادة كنظرات الصقر تطلق شـ.ـزراً:

-عيالي واللي يخصوني، ثم يذهب الجميع إلى الجحيم


واسترسل بنُصح:

-إعقليها يا بنت الناس وإتقي شـ.ـر واحد مافيش في قانون حياته حاجة إسمها رحمة للي بيأذي اللي مِنه.


قال كلماته وعاد إلي الخارج من حيثُ أتي تحت إرتعاب قلب تلك التي حدثت حالها قائلة:


-أعرفُ أن الطريقَ إليك هو الهلاكُ بعينهْ، نعم فالبلوغُ إليك طريقهُ مُفترشٌ بنـ.ـارٍ شاعـ.ـلةٍ أيها الذئبُ اللئـ.ـيمْ، نـ.ـارٌ يُمكنها أن تحـ.ـرقَ الأخضرَ واليابسَ بطريقِها


ثم إبتسمت وأردفت بدهاء:

- لكنك لم تتعرف علي شخصي بَعْدُ أيُها الوسيم،فأنا لمار التي لم تفشل إلي الآن بأيٍ من أهدافِها ،ولن أسمحَ بحدوثِ ذلك ما دُمتُ أتنفسَ، وسأصلُ لمبتغايَ،وبالنهايةِ، سنري أيها الداهي لمن سيُكتب النصرُ العظيم


❈-❈-❈


داخل منزل سالم عُثمان

تجلس سُهير فوق الأريكة المتواجدة ببهو المنزل، تَحمِل بعناية صغيرة شريف فوق سـ.ـاقيها ، يجاوراها زو جها وولدها الجلوس وهي تتحدث عبر الهاتف متسائلة بسعادة تظهر علي ملامح وجهها:

-يعني إنتِ هتيجي بعد عشر أيام وتحضر باقي رمضان والعيد معانا إنتَ والأولاد ونهي يا سيف؟


أجابها سيف الواقف أمام نافذة حُجرة مكتبهُ المتواجدة داخل المَشفي التي يعمل بها بـ لندن:

-إن شاء الله يا ماما، أنا خلاص رتبت أجازتي أنا ونُهي وحجزت تذاكر السَفر


وأكمل بمداعـ.ـبة والدتهُ بنبرة صوت يملؤها الحَنين:

-إبتدي بقا جهزي لنا المحشي والبط والكُنافة من الوقت يا سوسو علشان أحفادك مشتاقين لأكل نَانَا


أجابته بسعادة مفرطة:

-بس كدة يا حبيبي، كل اللي نفسكم فيه وأكتر هتلاقوني مجهزاه علشان خاطر عيونكم


وأكملت بتنبيه:

- بس إبقي قولي قبل ما توصلوا بيوم علشان أعزم مليكة وجـ.ـوزها وولادها علشان يفطروا معاك، وكمان علشان نلحق نجهز لكم الفطار اللي يليق بيكم


وأكملت بلهفة قلب الأم:

-هعمل لك كُنافة سادة وبالمانجة وقطايف مشكلة، وهعمل لك كمان القمر الدين اللي بتحبه


قاطع حديثها قائلاً بنبرة تأكيدية :

- إوعي تنسي الخُشاف يا سوسو، وماتبقيش بخيلة

وكتري القراصية فيه


نطقت سريعً بطاعة:

-من عنيا يا حبيبي، ومن غير ما تقول كنت هزود لك فيه القراصية لأني عارفة إنك بتحبه كدة


إبتسم بحنين لما مضي، وتحدث بنبرة متأثرة:

-ربنا يخليكي ليا يا ماما


هتف سالم الذي يجاورها الجلوس وهو يجـ.ـذب منها الهاتف وذلك بعدما رأي لمعة لدموع حبيـ.ـسة تُريد من يسمح لها بالخروج جراء تأثرها بحديثها الحنون مع ولدها الغائب عن عيناها ولم تراه مُنذُ ما يزيد عن العامان:

- كفاية رغي وهاتي التليفون وأديني فرصة أكلم إبني وأطمن عليه يا سُهير


نزلت دمعة حنين من مقلتيها لمحها شريف المجاور لجلوسها، ربت علي كف يـ.ـدها بمؤازرة وتحدث بمداعبة كي يُحاول إخراجها مما هي عليه :

-هو إنتِ ما بتعرفيش تفرحي خالص يا سوسو، إبنك جاي من السفر يقضي معاكِ رمضان والعيد هو ومـ.ـراته وأولاده، وبدل ما تبقي بترقصي من الفرح قاعدة تعيطي؟


أجابته بإبتسامة سعيدة ممتزجة بدموعها:

-دي دموع الفرح برجوع أخوك ولمتكم حواليا في الشهر الكريم يا حبيبي، مبسوطة إننا هنتلم ونقعد كُلنا في بيت واحد


إبتسم متعجبً لأمرها ومال علي جبينها وقام بوضع قُبلـ.ـة حنون


❈-❈-❈


داخل إحدي الخيام الرمضانية المتواجدة بأحد الأحياء الراقية، وفي وسط الأجواء الرمضانية بزينتها الرمضانية المُبهجة للنفوس


تجلس چيچي بجانب زو جها، تتناول مشروب القمر الدين المشهور تناولهُ في ذاك الشهر المعظم، مع بعض الحلوي الرمضانية المرصوصة فوق تلك المنضدة برتابة


تحدثت بنبرة حذرة:

-طارق، فيه حاجة حصلت النهاردة لازم تعرفها


ضيق عيناه بإستغراب وسألها مستفسراً:

-حاجة إيه دي يا حبيبتي ؟


أردفت قائلة بترقب:

-لمار إتفقت مع عُمر ومامتك إنهم يفاتحوا مليكة ويحاولوا يغروها بالفلوس علشان تبيع لهم من حِصتها هي وأولادها في الشركة.


وبدأت تقص عليه كل ما إستمعته من ثلاثتهم بالتفصيل المُمل، وضع طارق كف يـ.ـدهُ فوق كفها الموضوع فوق المنضدة وتحدث قائلاً بنبرة واثقة:

-إطمني يا چيچي، مليكة أذكي من إنها تنخـ.ـدع بكلام لمار وتفرط في حق أولادها، وبعدين هي أكتر واحدة عارفة قد إيه رائف تعِب وشِقي في الشركة دي


نظرت إليه وأردفت بإعتراض:

- أيوة بس إنتَ كمان مش لازم تعتمد علي ولاء مليكة لشركة رائف وبس، لازم تنبهها يا طارق؟


أجابها بهدوء ليُطمأنها:

-قولت لك ماتقلقيش يا حبيبتي، ولو مليكة خيبت ظني وقبلت عرضهم أنا وقتها هتدخل وأتكلم معاها واخليها تتراجع


أومات لهُ بإبتسامة هادئة فأردف قائلاً بحنو وهو يُربت فوق كفها بإهتمام :

-تعرفي يا چيچي،إنتِ أجمل وأحن ست في الدُنيا كُلها


إبتسمت له وأردفت بنبرة مُماثلة:

- وإنتِ أحسن راجل قابلته في حياتي


نظر للصَحن الموضوع أمامها وسألها بدُعابة كي يخرجها من ذاك الحديث:

-حلوة الكنافة بالقشطة دي؟!


إبتسمت وتحدثت بإستحسان:

-جامدة، تحب تدوق؟


هز رأسهُ بإيجاب، وعلي السريع أمسكت بشوكتها وأقتـ.ـطعت جزءً من القطـ.ـعة وبسطت ساعـ.ـدها بإتجاه فـ.ـمهْ، إلتقـ.ـطها بين شـ.ـفتاه وبدأ بمضـ.ـغها بإستمتاع ظهر فوق ملامح وجههُ تحت سعادة حبيبتهُ المخلصة


❈-❈-❈


بغُرفة شريف السابقة،والتي كان يسكن بها قبل زوا جهُ وانتقالهُ منها إلي مسكن الزو جية، تجلس علياء فوق المقعد الخاص بالمكتب الصغير الموضوع جانباً بأحد أركان الحُجرة، ترتدي نظارتِها الطبية، مُنكبة علي أوراقها ويبدوا عليها التركيز الشديد


دلف إليها ذاك الشريف وهو يحمل بين يداه حاملاً موضوع عليه كُوبان من مشروب القهوة السريعة المُحبب تناولهُ لكِلاهُما وتحدث وهو يتحرك إلي مكان جلوسها ويضع ما بيـ.ـده فوق سطح المكتب:

-عملت لك النِسكافية اللي بتحبيه وجيت علشان نشربه مع بعض


رفعت رأسها وابتسمت وهي تنظر إليه بحنان وتحدثت شاكرة بإمتنان:

- تسلم إيدك يا حبيبي، كُنت محتجاه جداً


جلس بالمقعد المقابل لها وسألها مستفسراً:

- لسه مخلصتيش دراسة القضـ.ـية بتاعة شركة المقاولات؟


هزت رأسها بنفي وهي تتناول كوب القهوة وتُرجع ظـ.ـهرها للخلف مستنده علي ظـ.ـهر المقعد الخشبي وأردفت قائلة بتملل:

-لسه يا شريف، قضـ.ـية صعبة ومعقـ.ـدة وفيها ثَغرات كتير جداً ممكن الخِصم يدخل لي منها ويكسب القضـ.ـية مني


وضع كف يـ.ـده علي كفها الموضوع فوق سطح المكتب وتحـ.ـسسهُ بعناية وحنان وتحدث مشجعً إياها :

- أنا واثق في ذكائك كمحامية وعارف ومتأكد إنك هتقدري تسدي كل الثغرات دي وهتكسبي القضـ.ـية زي عادتك


قال كلماته ثم وضع كوبه فوق سطح المكتب وهَمَ بالوقوف ثم تحرك حتي وصل إلي خلف مقعدها، وضع كفاي يـ.ـداه فوق كتِـ.ـفيها وبدأ بتدليـ.ـكهُما بطريقة ناعـ.ـمة أجادت إستحسانها حتي أنها أغمضت عيناها واستسـ.ـلمت لحركة يـ.ـداه بجسـ.ـدٍ مُرتخي للغاية


تابع التـ.ـدليك لمدة لا تقل عن عشرة دقائق، ثم مال علي إذنها وهمـ.ـس بطريقة أذابـ.ـتها وأثـ.ـارت إنوثـ.ـتها:

- تعالي نفصل عن العالم بحاله وأعيشك معايا أجمل إحـ.ـساس في الكون


همهمت بغنج ثم أردفت قائلة بدلال:

-وبعدين معاك يا شريف


إبتسم برجـ.ـولة عِندما علم بإستـ.ـجابة أُنثاه لعرضهِ الحلال،توقف عن تدلـ.ـيك منكـ.ـبيها ثم أمـ.ـسك كف يـ.ـدها وحِـ.ـثها علي الوقوف، أخذها وتحرك بها إلي تختِـ.ـهما وغاصا معاً داخل عالمهما الخاص ليحيا بداخله حياة العاشقين ويبث كُلً للأخر مّدي عشقه العتيق


❈-❈-❈


داخل جناح مليكة،

كانت تجلس لحالها بعدما إطمأنت علي أطفالها الثلاث وتأكدت من أنهم غفوا بسلام،تنتظر حضور حبيبها حيثُ ذهب مُنذ ما يقارب علي الساعتان للإطمئنان علي نجله حمزة والجلوس معهُ لمتابعة أمورهُ، كانت جالسة فوق المقعد الهـ.ـزاز الموضوع أمام الشُرفة مباشرةً،أرجعت رأسها للخلف وأغمضت عيناها بإسترخاء وفردت ساعـ.ـديها علي جوانب المقعد بإرتخاء ثم بدأت بتحريك المقعد ليهتز بهدوء مما أدخلها في حالة من الإستجمام الشديد


تنفست بهدوء وملئت رئتيها بهواء البحر المُنعش وهي تشْـ.ـتَم رائحة اليود التي تعشقُها، وبدأت تنظم أنفاسها لتحصِل علي سلامها النفسي وتحسين حالتها المزاجية


أخرجها من حالتها تلك رنين هاتفها الجوال الذي صَدح بجانبها ليُعلن لها عن وصول مكالمة هاتفية ، فتحت عيناها ورفعت رأسها لتنظُر بجانِبها وتلتقط هاتفها وترد بنبرة مَرحة:

-الليدي ليالي هانم العشري بنفسها بتكلمني


ضحكت ليالي التي تتحرك براحة داخل حديقة المنزل ويحاوطها رجال الأمن المنتشرين، وعقبت علي حديثها بدُعابة مماثلة:

- شوفتي إزاي أنا متواضعة


ضحكت كلتاهما فتحدثت ليالي بإهتمام:

-أخبارك إيه،طمنيني عليكي وعلي الأولاد.


اجابتها مليكة بهدوء:

-إحنا بخير الحمدلله


أردفت ليالي من جديد:

-أه بالمناسبة، مبروك علي البنوتة

ميرسي يا لي لي، عقبالك... جُملة عفوية تفوهت بها مليكة لتواجه سيلاً من السُخرية من قِبل تلك الليالي حيث هتفت بنبرة تهكمية:

-بعد الشـ.ـر عليا، هو إنتِ فكراني مُغفـ.ـلة زيك علشان أضيع جمالي ورشاقة جـ.ـسمي في الخلفة والرضاعة والكلام الفارغ ده


واسترسلت ساخرة:

- وأقضي اللي باقي من عُمري وأنا بغير كوافيل وأحمي وألبس؟


إبتسمت مليكة وتحدثت بحنان وصدق:

-طب وهو فيه أحلا من إنك تبقي مسؤلة عن طفل وتقعدي تدلِلِي فيه وإنتِ بتحميه بين إديـ.ـكي ،وتشوفي ضحكته وهو مُستمتع بلمـ.ـستك الحِنينه


واسترسلت بنبرة حماسية:

-يا بنتي ده أنا من مُجرد الوصف بس حـ.ـسيت بمشاعر خلتني طايرة في السما من كتر إشتياقي لبنوتي


أطلقت ضحكة ساخرة وتحدثت:

- وأنا يا ستي متنازلة لك عن المشاعر والإحَـ.ـاسيس دي


واسترسلت بما عَكر صفو تلك المسالمة:

-بس بجد يا مليكة حاولي تكون دي أخر مرة تخلفي فيها،يا بنتي إنتِ بقيتي عاملة زي الأرنبة، وأكيد ياسين يا حـ.ـرام زهق من تقصيرك في حقه بسبب الحَمل بس هو مش قادر يقولها لك صريحة


إبتلعت غصتها المُرة من حديث تلك التي أطفأت شُـ.ـعلة فرحتها وتحدثت بنبرة خافتة:

-إزاي يعني ياسين هيزعل وهو اللي قعد يقنع فيا علشان أبطل الوسيلة؟


واسترسلت علي إستحياء ودون تفسير :

-وبعدين أنا الحمدلله مش مقصرة مع ياسين في أي حاجة،بالعكس،وهو بنفسه اللي قال لي كدة


إستـ.ـشاط داخل ليالي وثـ.ـارت كرامة الأُنثـــ.ـي بداخلها ولكنها تحاملت علي حالها وأرادت أن تُشـ.ـعل نـ.ـار تلك الدخيلة علي حياتها فأطلقت ضحكت عالية وتحدثت بتشكيك:

-وهو إنتِ أي حاجة بيقولها لك ياسين بتصدقيها كدة علي طول،ده أنتِ تبقي غلبانة أوي يا مليكة.


واسترسلت:

-فوقي يا مليكة، إنتِ متـ.ـجوزة ياسين المغربي ذئـ.ـب المخابرات،يعني صعب تفهمي هو بيفكر في إيه أو يقصد إيه بكلامه


إشتـ.ـعل داخلها من تلك التي تحاول جاهدة إفساد سعادتها وإدخال الريبة بقلبها ناحية زو جها:

-مش مطلوب مني أدخل في نيته، لكن كلامك مش منطقي بالنسبة لي يا ليالي، إزاي يعنى ياسين يقعد يقنع فيا إني أجيب له بيبي، وبعد ما يحصل يزهق


إستـ.ـشاط داخل ليالي لكنها قررت تُنهي المجادلة التي لن تُجدي بنفعٍ مع تلك العاشقة فتحدثت بنبرة حادة:

-والله أنا نصحتك وإنتِ حُرة،


وأستطردت بتهرب كي تُنهي ذاك الحوار السَخيف والذي أحـ.ـرق قلب كِلتاهُما وجعلهُما كجـ.ـمرة مُلتـ.ـهبة:

-أنا مضطرة أقفل لأن سيلا قاعدة جوة لوحدها.


أنهت معها تلك المُكالمة التي أزالت كُل ما وصلت إليه من إسترخاء مُنذُ القيل،أرجعت رأسها إلي الخلف من جديد وبدأت تهز المقعد بطريقة عنـ.ـيفة مما دل علي وصولها إلي حالة شديدة من الإحتـ.ـدام وإحتـ.ـراق الروح


بعد قليل دخل إليها ياسين وسار إلي حيث مقعدها،وقف خلف جلوسها ومال بطولهُ الفارع عليها وقام بوضع قُـ.ـبلة حنون فوق وجنـ.ـتها، ثم همـ.ـس بنبرة حنون بجانب آُذنـ.ـها:

-بحبك


شعرت براحة وإسترخاء لذيذ وكأن جميع جـ.ـسدها آُصيب بالتخدير وذلك أثر القشعريرة التي أصابتها جراء همـ.ـساتهْ الساحرة ، إبتسمت له وسألتهُ بدلال:

-إتأخرت ليه يا حبيبي؟


تحرك ووقف قُبالتها ثم أمـ.ـسك كفها وجـ.ـذبها بهدوء لتقف أمامهُ وتحدث:

- كُنت بلعب بلياردو أنا وحمزة والوقت سـ.ـرقنا


إبتسمت له وتحدثت بنبرة صادقة:

-ربنا يخليكم لبعض


شكرها بعيناه وقام بسـ.ـحبها داخل ضـ.ـمة أحضـ.ـانه وهـ.ـمس هائمً:

-وحشتيني


تنهدت بهدوء ثم لفت ذرا عيها عليه وشـ.ـددت من ضمـ.ـتها القوية وأردفت بنبرة هادئة ظاهرياً:

-وإنتِ كمان وحشتني أوي


من خلال دقات قلبها الغير منتظمة جراء غضـ.ـبها شعر حبيبها بعدم إطمئنان روحها، فأبعد وجهها عنه قليلاً وقطب جبينة وتحدث متسائلاً بإستفسار:

-مالك يا حبيبي، فيه حاجة موتراكي؟


هزت رأسها بنفي وتحدثت بإنكار كي لا تفتعل المشـ.ـاكل بينهُ وبين ليالي أو علي الأقل تزرع بذرة بقلب ياسين للضغـ.ـينة تجاة ليالي:

-خالص يا حبيبي


ولا يرجع إنكارها لما حَدثْ من تلك الليالي لكونها ملاكً يتجولُ بين البَشر،نحن لا نقطنُ المدينةِ الفاضلةِ يا سادة، فلكُلٍ منا شيطـ.ـانهُ الذي يكمن داخلهُ ويضع بِذرة الشـ.ـر بنسبٍ متفاوته داخل قلبهُ


البعضْ مِنا يستطع كبحهُ ورجمهُ والإنتصار عليه بالإيمان والعزيمة،ومِنا من تضعِفهُ نفسهُ الهشة الأمارةِ بالسـ.ـوء ويتبع هوا نفسه ويَظلـ.ـمُها


أما تلك المليكة فقد فعلت هذا لأجل عدم إفتعال المشـ.ـاكل وجلب الشـ.ـقاء لحالها، وخشيةً منها فُقدانها للسَكون بحياتها مع زو جها، رقيقةُ هي كالنسيم، تعشق الهدوء والسَلام النفسي حتي ولو دفعت ثمنهُ من إشـ.ـتعال روحها لبعض الوقت، كل هذا يَصبحُ هَيِّنًا أمام عَيشِها لحياةً ولحظاتٍ هنيئةً سعيدةً تقضيها بجانب أطفالها وعاشِقُها الذي يُغرقُها بحنانه ويشملُها بإهتمامه الزائد عن الحَد، وهذا كفيل بالنسبة لها لتتحمل كل سخافات مَنْ يحيطون بها وتتناساها


تنهد بهدوء وبرغم عدم إقتناعهُ بنفيها إلا أنهُ إحترم عدم إرادتها لإفصاحها عما يضيقُ بصـ.ـدرها، قام بسحـ.ـبها وسار بها حتي وصلا إلي تختهما وتمدد عليه مُحتضـ.ـناً إياها برعاية وضل يحدثها في أمور تخُص كلاهما حتي غفت بين أحضـ.ـانة بسلام، أراحها فوق وسادتها وسـ.ـحب جـ.ـسده مُستنداً للخلف، ثم مال علي جذعه وألتقـ.ـط هاتفهُ وبات يتصفح من خلاله مواقع التواصل الاجتماعي لحين وجوب موعد وجبة السُحور


تُري ماذا تريد تلك اللمار من ياسين المغربي؟


وما هو سبب إصرارها علي دخولها لشركة طارق وشراكة مليكة بأسهمها بالشركة؟


كل هذا وأكثر سنتعرف عليه من خلال متابعة روايتنا قلوب حائرة 2


إنتهي الفصل

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة 2 الفصل الثالث روز أمين

داخل حُجرتهُ الخاصة، كان يجلس فوق مقعدهُ الموضوع أمام تخته مباشرةً، يرتدي نظارتهُ الطبية التي تزيدهُ وقاراً ورُقي، ينظر بتمعُن علي شاشة التلفاز المُعلقة بالحائط ، يُشاهد من خلالها ويستمع إلي إحد البرامج السياسية المُفضلة لديه، وهو يحتسي قدحاً من القهوة التي أحضرتهُ له العاملة بعد أن طلبهُ منها ، فُتح باب الغُرفة وظهرت من ورائه تلك التي خطت للداخل تتحرك بخطوات إمرأة أرستقراطية راقية


وتحدثت قائلة وهي تتجه إليه بهدوء:

-قاعد لوحدك ليه يا سيادة اللواء ؟

تنفس بهدوء وأجابها وهو ينظر علي شاشة التلفاز بتمعُن وتدقيق دون النظر إلي وجهها:

-بشوف الأخبار والدنيا موديانا علي فين.

إبتسمت وجلست بالمقعد المُجاور له وأراحت ظهـ.ـرها للوراء ثم وضعت ساقً فوق الآخري بإرتقاء وتعالي، وتحدثت بنبرة مترقبة:

-عز، كُنت عاوزة أتكلم معاك في موضوع مُهم

حول بصرهِ إليها ونظر لها بتمعن وأردف متسائلاً بإستفسار:

-خير يا منال؟

موضوع إيه ده الي عوزاني فيه؟


أجابته بنبرة حماسية ظناً منها بأن ما ستقصهُ علي مسامعه سينول إستجواده:

-عُمر ولمار عاوزين يشاركوا مليكة في الأسهم بتاعتها، جايبين عروض حلوة أوي هتكَسِب الشركة ملايين في وقت قصير جداً


وبدأت تروي لهُ كُل ما أخبرتها به تلك اللمار اللئيمة،بعدما إنتهت من سردها نظر لها وأردف بنبرة حادّة:

-قولي لإبنك والحيزبونة اللي ماشي وراها يتلموا ويبعدوا عن مليكة وأولادها، بدل ما ياسين يحطهم في دماغه ويكرهـ.ـهم في عيشتهم


أردفت متسائلة بإستغراب وهي تنظر إليه متعجبة ردة فعلهِ العنيـ.ـفة:

- وياسين إيه اللي هيزعله من الخير اللي هيدخل لمليكة وأولادها من ورا الموضوع ده يا عز؟!


هتف بنبرة حادة شارحاً لها رؤيتهُ من خلال منظورهُ:

- اللي إسمها لمار دي مابيجيش من وراها خير يا منال، دي بنت طماعة والمكسب أهم حاجة عندها ومش مهم المبدأ ولا الطريقة اللي هييجي منها


وأكمل متأثراً بنبرة يملؤها الشَجن علي حال صغيرهُ الذي تحول دُمية في يـ.ـد تلك الحية الرقطاء :

-قولي لعُمر عيب يبص لمال اليتامي ويطمع فيه،

مش إبن عز المغربي اللي يعمل كدة

أجابتهُ مُعترضة علي رأيه والتي تراهُ ليس صائباً:

-طمع إيه اللي بتتكلم عنه ده يا عز؟!


وأستطردت بتفسير:

- الأولاد بيجتهدوا وبيدوروا علي فرصة يحاولوا يبنوا بيها مستقبلهم، وبالصدفة جالهم عرض هيكسبوا من وراه دهب،بس شرطهم إن الشركة اللي هيوردوا لها تكون شغالة في السوق من فترة كبيرة


واسترسلت بتعلُل:

-لأن حجم الإستثمارات بتاعهم كبير ومحتاجين ينزلوا بتقلُهم في السوق المصري، وده طبعاً مش هيحصل إلا عن طريق شركة موثوق فيها زي ما قُلت لك


وأكملت متعجبة:

-أنا الحقيقة مش فاهمة إنتِ معترض علي إيه يا عز؟


هتف مقاطعاً إياها بنبرة صارمة لا تقبل النقاش:

- منال، قفلي علي الموضوع ده ومش عاوز أسمع أي كلام فيه تاني نهائي


وأستطرد بنبرة تحذيرية:

-بلغي مرات إبنك الحـ.ـرباية وقولي لها تتلم وتشيل الموضوع ده من دماغها علشان ما أحطهاش أنا شخصياً في دماغي


واسترسل بنبرة ساخرة:

-وياريت بدل ما هي دايرة تخطط وتكتك إزاي تستولي علي ورث اليتامي، تروح تشوف موضوع الخِلفة وتجيب لها حتة عيل بدل ما هي قاعدة لنا زي البيت الوقف، لا منها ولا كفاية شـ.ـرها


واستطرد لائماً زو جته:

-من ساعة البنت اللي خلفتها لنا ونزلت ميته وهي ولا حـ.ـس ولا خبر

وسيادتك بدل ما تهتمي بنفسك بالموضوع وتتابعي معاها عند دكتور موثوق فيه، سيباها بمزاجها وعايمة علي عومها، لحد ما بقت بتحركك إنتِ وإبنك زي ما بتحرك قطع الشَطرنج


قال كلماته الحادّة وانتفض واقفً من جلسته وتحرك خارج الغُرفة تحت غضب منال وإستشاطتها من ردة فعله المبالغ بها من خلال وجهة نظرها الضئيلة للأحداث


نظرت علي أثره وتحدثت مُتعجبة بنبرة صوت مسموعة:

-إتجنن ده ولا إيه؟!


❈-❈-❈


داخل منزل يُسرا المجاور لوالدتها

هتفت يُسرا مستفهمة بإنـ.ـزعاج ظهر فوق ملامحها جراء إستماعِها لحديث شقيقتها التي تجاورها الجلوس :

-إيه الكلام الفارغ اللي بتقوليه ده يا نرمين؟


أطلقت نرمين تنهيدة حارة تنم عن مّدي إحباطها، ثم أعادت بما تفوهت به علي مسامع شقيقتها بنبرة يملؤها الإحباط والألـ.ـم :

-اللي سمعتيه يا يسرا،  أنا مش قادرة أتأقلم علي وجود سراج في حياتي، ولا عارفة أحبه وأعيش معاه المشاعر اللي كُنت بعيشها وأحـ.ـسها مع محمد


جحظت عيناى يسرا بذهول مما إستمعت وهتفت بإمتعاض:

-إنتِ شكلك إتجننتي يا نرمين؟

محمد مين الواطـ.ـي ده كمان اللي بتقارنيه براجل محترم وإبن ناس زي سِراج


هزت رأسها بيأس وأسترسلت بملامح وجه متأثرة:

- المشكلة مش في محمد ولا القصة في إني بقارن بينهم،  المشكلة في سراج نفسه

وأكملت بغصة مرة:

- سراج راجل عملي أوي والرومانسية ملهاش أي وجود في حياته، مش قادر يِشبع غريـ.ـزتي العاطـ.ـفية يا يُسرا


واستطردت بإبانة:

-أنا ما انكرش إن سراج راجل طيب ومحترم وبيعاملني كويس، بس أنا مُشكلتي معاه أني عمري ما حـ.ـسيت ناحيته إحـ.ـساس الحبيب، أوقات بحِـ.ـسُه زي ما يكون أبويا في عَطفه عليا وعلي علي، وساعات أخويا في حنيته وخوفه علينا


وأكملت وهي تنظر لشقيقتها:

-أنا محتاجة أحِـ.ـس إني سِت، آُنثي، فهماني يا يُسرا؟


أطلقت يسرا تنهيدة حَارة لأجل تألـ.ـم شقيقتها الظاهر بصوتها وفوق ملامحها وتحدثت كي تواسيها وتخفف عنها شعورها بالحِرمـ.ـان العاطفي التي تشعر به من زو جها سيادة العقيد:

-لازم تعرفي إن معظم الرجالة مش رومانسيين بطبعهم، وفيه رجالة بتحب ستاتهم بس مبيعرفوش يعبروا عن مشاعرهم بالكلام، لكن بيبان حبهم ده في أفعالهم


وأكملت مستشهدة:

- زي سراج جـ.ـوزك مثلاً، يمكن مابيعرفش يعبر لك عن حبه ليكي ومدي غلاوتك عنده، لكن حبه ليكي بيظهر من خلال أفعاله، واللي كلنا شايفينه ومتأكدين منه هو إن سراج بيحبك جداً وبيحب علي وبيعامله زيه زي أحمد إبنه بالظبط وبيتقي الله فيه وفيكي


وأسترسلت بإقناع:

-عاوزة إيه تاني أكتر من كده يا حبيبتي


نزلت دمعة من عيناها وأردفت قائلة بإستياء:

-عاوزة أحس إني ست ومرغـ.ـوبة من جـ.ـوزي يا يسرا،  مش قادرة أتأقلم مع الحياة الروتينية اللي أنا عيشاها مع سراج، حياتي معاه باردة ومن غير روح


ضيقت يسرا عيناها وهي تنظر إلي شقيقتها بترصد وسألتها مُستفسرة:

-إوعي يكون اللي إسمه محمد رجع يضايقك تاني وهو اللي ورا كلامك ده ؟


هزت رأسها بإعتراض وهتفت سريعً بنفي:

- والله العظيم ما كلمني من وقت ما حاول يتقرب مني في الواتس وأنا هـ.ـددته وقُلت له إني هقول لياسين،  من وقتها وهو ما حاولش حتي يطلب مني يشوف الولد في المناسبات زي ما كان بيعمل، وبيكتفي يشوفه في الرؤية


إرتخي جـ.ـسد يسرا وأطمأنت بجلستها بعدما تأهبت أعضاء جـ.ـسدها بالكامل،وتحدثت بنبرة هادئة:

- إهدي وحاولي تفكري بعقلك يا نرمين، بصي للجانب الحلو اللي موجود في سراج


صاحت بنبرة مُعترضة علي وضعها:

-وليه ما يبقاش كويس ومحترم وفي نفس الوقت رومانسي معايا


أجابتها يُسرا بتفسير:

-علشان ماحدش بياخد كل حاجة


صاحت بنبرة غاضـ.ـبة:

-مين اللي قال لك كده، ما عندك مليكة واخدة كُل حاجة، ومع ذلك ياسين بيحبها ومافيش مناسبة إلا لما بيعبر لها قدامنا كُلنا عن شِدة حُبه ليها،


واستطردت:

-وبرغم إنشغاله بين شغله وبين سفره لبنته إلا إنه من ساعة ما أتجـ.ـوزها لحد النهاردة ما فيش شهر بيعدي غير لما يحجز لها في أفخم فنادق في إسكندرية كُلها وياخدها ويقضي معاها يوم يغرقها فيه بحبه بعيد عن الروتين والولاد والبيت، ده غير الهدايا اللي بتتصنع لها مخصوص


ليه ما أبقاش زيها يا يُسرا... جُملة حزينة خرجت من تلك المـ.ـتألمة التائهة من حالها

كانت تستمع إلي شقيقتها بحُزنٍ عميق علي ما وصلت إليه:

-تاني يا نرمين، إنتِ هترجعي للمقارنة بينك وبين مليكة تاني،ما أخدتيش عبرة من اللي حصل لك قبل كدة


واستطردت مفسرة:

-ثم مين اللي قال لك وفهمك إن مليكة واخدة كُل حاجة؟

إذا كانت مش واخدة حقها كامل في ياسين نفسه، عمرك حطيتي نفسك مكان مليكة واللي بتحسه وهي عارفة ومتأكدة إنها نص زو جة؟

ده كفاية عليها إنها محـ.ـرومة من أبسط حقوقها كزو جة، وهي إن جـ.ـوزها ينام في سريرها كل يوم وتحـ.ـس بالأمان وهو جنبها كأي ست عادية


تنهدت نرمين بأسي واكملت يُسرا حديثها العاقل وتحدثت:

-إحمدي ربنا يا حبيبتي علي اللي إنتِ فيه وبطلي تبصي علي حياة غيرك وتقارنيها بحياتك وإنتِ ترتاحي


قطع حديثهما دخول سليم وسراج اللذان كان يُقضيان سهرتهما بأحد المقاهي القريبة من مسكنهما،

ألقي سراج التحية عليهما بنبرة جادة:

- مساء الخير


ردوا تحيته ثم تحدث سليم بنبرة دعابية موجهً حديثهُ لكلتاهُما:

-طبعاً إنتم ما صدقتوا خلصتم مننا علشان تاخدوا راحتكم في الكلام بعيد عن رخامة الرجالة ودمهم الثقيل وطلباتهم اللي ما بتخلصش


إبتسمت بسرا لزو جها ببشاشة وجه وتحدثت بنبرة حنون:

-وقلبك طاوعك تقولها يا سيادة القُبطان، معقولة إحنا هننبسط في حاجة إنتم مش معانا فيها


وأكملت وهي تُشير إلي سراج بالجلوس:

-ما تقعد يا سراج واقف ليه؟


أجابها بنبرة هادئة رزينة:

- إحنا هنروح بيتنا بقا علشان نسيبكم ترتاحوا

وأكمل وهو ينظر إلي نرمين بحنو:

-يلا يا نرمين إندهي علي الأولاد علشان نتحرك


هتف سليم معترضاً وتحدث بإصرار وهو يجذب سراج من كف يـ.ـده ويحسهُ علي الجلوس :

- تروحوا ده إيه، إحنا هنكمل سهرتنا مع بعض النهاردة ونتسحر ومش هتمشوا من هنا غير بعد ما نصلي الفجر مع بعض


نظر إلي نرمين يستشف رأيها فوجد منها القبول حيث أردفت قائلة بنبرة خافتة بموافقة:

-خلاص يا سراج، إقعد نتسحر معاهم ونروح علي النوم إن شاءالله


أومأ لها بإيجاب وإبتسامة هادئة فتحدث سليم بنبرة حماسية:

-قومي يا يسرا بقا هاتي لنا الكنافة والقطايف علشان نتسلي والسهرة تحلي


أومأت بطاعة وتحدثت وهي تتحرك بإتجاه المطبخ:

-حالاً يا حبيبي كل حاجة هتكون جاهزة


أتت بعد قليل هي والعاملة تحملتان بين سواعدهم صُوانئ مرصوص عليها كُل ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات يشتهر بها شهر رمضان الكريم، رصت ما بيـ.ـداهم فوق المنضدة وجلست من جديد وبدأ الجميع بتبادل أحاديثهم المثمرة مع تناولهم للمأكولات بتلذذ وشهية عالية بفضل التجمع


❈-❈-❈


خرج عز من داخل حُجرته بعدما تَملل بشدة من حديث تلك المنال التي لا تهتم سّوي بالمادة وكيفية الإستفادة وفقط، سار بخطواته متجهً إلي الحديقة، وجد طارق يدخل من البوابة الحديدية بعدما ترك السيارة إلي الحارس كي يصَفها بالجراچ الخاص بالعائلة،


كان يتجه عليه وهو يتأَبّط ذراع حبيبته چيچي ويتحركان بإنسجام تام يظهر فوق ملامح كِلاهُما


تنهد عز براحة بعدما لاحظ سعادة نجلهُ المرسومة فوق ملامحهْ وسلامهُ النفسي السَكن بعيناه،إقتربا عليه وتحدث طارق بنبرة صوت يُغلفُها الإحترام ويملؤها التقدير:

-مساء الخير سعادتك


أومأ لهُ عز بملامح وجه هادئة وأردف قائلاً بهدوء:

-مساء النور يا طارق


تلتهُ بالحديث تلك الجميلة التي تتأَبّط ذر اع زو جها الحبيب بإفتخار وتباهي:

-إزي صحة حضرتك يا أنكل


الحمدلله يا بنتي... هكذا أجابها سيادة اللواء بمنتهي الحِنان الأبوي لتلك الجميله التي يعتبرها كأبنة له


نظر طارق بتمعُن علي ملامح وجه أبيه وجد حزناً عميقً يسكُن عيناه ويتأصل داخلُها فتوجه لزو جتهْ بالحديث قائلاً بنبرة هادئة:

-إطلعي إنتِ يا حبيبتي علشان البنت لوحدها مع الناني بقي لها كتير، وأكيد إشتاقت لماما


واسترسل وهو ينظر بإبتسامة حانية لأبيه:

-أنا هقعد شوية مع الباشا وأبقي أحصلك كمان شوية


أومأت له بإبتسامة وتحدثت إلي والد زو جها بإحترام:

-بعد إذن حضرتك يا انكل.


ٱومأ لها بإبتسامة حنون وأردف بهدوء:

- إتفضلي يا بنتي


بالفعل تحركت تلك الخلوقة إلي الداخل وسار هو بجانب والدهُ وجلس كلاهما حول الطاولة، سأل والدهُ علي إستحياء:

-خير يا باشا، فيه حاجة مضايقة جنابك؟


تنهد عز وتحدث لنجلهِ بنبرة مطمأنة:

-أنا كويس يا أبني

ثم استرسل حديثهُ بطريقة ناصحة رشيدة:

-خلي بالك كويس علي شركتك يا طارق


إستنبط طارق من نبرات ونظرات والدهُ انهُ وبدهائه إستطاع إدراك ما يجري داخل عقل تلك اللمار وشقيقهُ الابلهْ عديم الخبرة، فنطق بحديث هادئ ذات مغزي ليُطمأن غاليه:

-إطمن يا باشا وريح بالك من الناحية دي، ده أنا تربية سيادة اللواء عز المغربي


هز ذاك الذئـ.ـب رأسهُ بإستحسان لولده الفَطِن والذي ورث عنه الذكاء والدهاء والحكمة والهدوء


في تلك الأثناء إستمعا كلاهُما إلي صوت بوق سيارة ذاك العُمر الذي تركها بمقدمة البوابة الحديدية، وبمرحهْ المُعتاد ألقي بالمفتاح الخاص بها عالياً في الهواء ليلتقطهُ الحارس المبتسم علي مداعبات ذاك الشاب الأرعَن الذي يختلف بطباعهُ كُلياً عن رجال العائلة والذين تتسم شخوصهم جميعاً بالعقل والرزانةِ والإتزان


خطي بساقيه إلي الداخل وهو يبتسم ويصفق بيداه متفاخراً بحاله كالأبلهْ،لحظة لم تدُم طويلاً بعدما إكتشف وجود أباه الناظر عليه بحِـ.ـدة حيث كان عز يرمقهُ بنظرات حـ.ـادّة غير راضية عن ذاك المستهتر ، تحمحم والتقط أنفاسهُ بإرتياب عِندما رأي نظرات عز الثاقبة والموجهة إليه بسخط


سار بإتجاههم وتحدث بنبرة صوت جادة لملامح متصنعة الخجل:

-مساء الخير يا باشا


كُنت فين ...كان هذا سؤال خرج بطريقة حادّة من فَـ.ـم عز متجاهلاً تحيتهُ


تحمحم وتحدث بنبرة مترقبة:

- كُنت سهران مع أصحابي يا بابا


هتف عز بنبرة حادّة موبخاً إياه:

- يا ابني هو إنتَ مش ناوي تعقل وتبطل السرمحة بتاعتك دي؟

مش المفروض إنك كبرت وعقلت،


ثم استرسل وهو يتعمق بداخل عيناه بترقبْ شديد:

-ثم الهانم مراتك وضعها إيه من السرمحة بتاعتك دي

واستطرد متهكماً علي كلاهما:

-هو مش المفروض إنكم متجوزين عن قصة حُب ولا قصة روميو وچوليت، إزاي بتسيبك تخرج لوحدك وتتأخر بالشكل ده ؟!


تحدث بنبرة مَرحة وهو يهتز بجـ.ـسدهِ بطريقة لا تليق بوقوفهُ أمام والده، متناسياً حاله:

.- Dad,  Lamar is easy.

واسترسل بنبرة ساخرة:

-دي بنت إتربت واتعلمت في إنجلترا، يعني معندهاش العُقد والكلاكيع بتاعت بنات الشَرق دي


إستـ.ـشاط داخل عز وهتف بنبرة غاضـ.ـبة:

-ما تقف علي بعضك يلاّ وتسترجل كدة،  ولا أنتَ هرمونات أَمَك منال طفحت عليك وأنا معرفش


تحمحم ووضع كفاه فوق بعضهما ثم أنزل بصرهِ لأسفل قدماه خجلاً وتحدث بنبرة أشـ.ـعلت عز أكثر:

-I'm sorry, dad


قطب عز جبينهُ وهتف بنبرة صارمة:

-يا إبني إعدل لسانك وإتكلم بلغة بلدك، أنا مش قُلت لك قبل كدة مش عاوز اسمعك بتتكلم إنجليزي قدامي تاني ؟

هو إنتَ يا أبني عاوز تجلطني؟


هُنا قرر طارق التدخُل بعدما رأي إحتدام وجه أبيه، فتحدث بنبرة هادئة:

-إهدي يا باشا من فضلك، عُمر بيتكلم كدة غصب عنه، ده راجل عاش في لندن عشر سنين بيدرس هناك،  فطبيعي لسانه ياخد علي اللغة الإنجليزية


نظر إلي شقيقهُ وهتف بنبرة حماسية:

-برافوا عليك يا طارق، هو ده بالظبط الكلام المعقول


زفر عز بإستسلام من ذاك الغريب الطباع وتحدث إليه من جديد في إشـ.ـارة منه بيـ.ـدة يدعوهُ فيها للجلوس:

-طب إقعد علشان عاوز اتكلم معاك في موضوع مهم قدام أخوك


واسترسل سريعاً قبل ان ينطق ذاك الذي سيُصيبهُ بنوبة قلبية ذات يومٍ لا محال:

-بس قبل ما تقعد مش عاوز أسمع منك ولا كلمة إنجليزي طول ما إحنا قاعدين بنتكلم

وأكمل بتأكيد عليه:

-مفهوم  ؟


أومأ لهُ عمر عدة مرات متتالية دلالة علي التأكيد وسـ.ـحب مقعداً وجلس مترقباً حديث والدهُ، أخذ عز نفساً عميقاً لضبط إنفعالاته وتحدث متسائلاً:

-هي الهانم مراتك مش ناوية تخلف لك حتة عيل يشيل إسمك ولا إيه؟


تنهد عُمر حينما تذكر ذاك الموضوع الذي يؤرقهُ وزو جتهْ ثم تحدث بنبرة متأثرة:

-لمار لسة متأثرة من اللي حصل معاها في البيبي الأول يا باشا


واسترسل وهو يهز رأسهُ بتأثُر:

-اللي حصل معاها مش قليل،  دي واحدة فقدت بنتها أثناء الولادة وملحقتش حتي تشيلها وتضُـ.ـمها في حُـ.ـضنها


هتف عز بنبرة حـ.ـادّة تَنّمُ عن مّدي غضـ.ـبه من تلك اللمار وعدم تقبلهُ لأفعالها:

-وهو كان مين السبب في اللي حصل لها يا حبيبي، مش غبـ.ـائها وتهـ.ـورها وتصرفها الأرعن الغير مسؤل ؟


واسترسل بنبرة حادّة وهو ينظر إلي طارق موجهً إليه الحديث:

-فيه عقل في الدنيا يقول إن ست حامل في شهرها التاسع تسافر لوحدها من إسكندرية للقاهرة وهي سايقة عربيتها بنفسها؟!


أجابهُ عُمر مدافعاً عن زو جتهْ:

-وهي كانت هتعرف منين يا بابا إن اللي إسمه إيه ده الطُلق هيجي لها في الطريق، دي لولا الست وجوزها اللي شافوا عربيتها راكنة ونزلوا يشوفوها بعد ما لاحظوا إنها فاقدة الوعي،ونقلوها بعربيتهم وأخدوها علي المستشفي كانت ماتت هي كمان ومحدش حـ.ـس ببها


تأثر طارق بمظهر شقيقهُ الذي يروي تفاصيل تلك الليلة المشؤمة التي مّر عليها أكثر من عام ومازال أثرها غـ.ـارزاً داخل نفسه كأب حُرم من صغيرته حتي من قبل أن يراها ويحتـ.ـضنها


فقد فارقت الصغيرة الحياة بعد خروجها من رحَم والدتها بعدة دقائق وذلك ما قيل له بعدما حضر إلي المشفي هو وطارق ووليد بعد ولادة الصغيرة بحوالي خمسة ساعات، فلم يخطرهُ أحداً مبكراً لشدة خطورة حالة لمار والطِفلة كما أكد لهم الطبيب


وكان الطبيب قد قص علي مسامعهم ان الرجل وزو جتهُ قد وجدا لمار تقطن بداخل سيارتها بالطريق الصحراوي بالقرب من القاهرة،ولما نزلا ليستكشفا الأمر ،وجدا تلك اللمار جالسة بسيارتها وهي فاقدة للوعي تماماً وبحالة يُرثي لها ويبدوا من حالتها أنها في حالة المُخاض


تحركا سريعاً ونقلاها إلي سيارتهما وتوجها بها إلي أقرب مَشفي بالقاهرة وأضطر الطبيب أن يُجري لها عملية قيصرية سريعة حتي يُخرج الصغيرة كي يستطيع إنقاذ حالة الأم الحرجة،


وهذا ما قصهُ عليهم الطبيب وأيضاً الرجُل وزو جته وتأكد منه ياسين الذي عاد من ألمانيا وقام بمعاينة سيارة لمار ووجد بها الأثار التي تدل علي الولادة، وقد قام بهذا لشدة حذرة والشك الدائم الذي بات يلازمهُ فيمن يحيطون به، وليس هذا شكاً بشخص لمار بذاتها ولكنها أصبحت عادته بعدما إرتفع إسمهُ في سماء المخابرات المصرية بفضل العمليات الإستخباراتية الذي قام بها بأواخر السِت أعوام المنصرمة وجعلت من نجمهِ يعلو ويعلو وهذا جعله مستهدفاً أكثر من جهات عِدة ولهذا فقد بات يُشدد من وضع الحراسة علي كل أفراد عائلتهُ


تحدث طارق بنبرة حنون وهو يُربت علي كـ.ـتف شقيقهُ بمؤازرة:

-هون علي نفسك يا عُمر، وماتخليش تجربة عدت تعلم في نفسك إنتَ ومراتك وتوقفوا حياتكم بسببها


تحدث بنبرة حنون تدل علي مدي تعاطفهُ مع زو جته:

-لمار حـ.ـساسة جداً من ناحية الموضوع ده يا طارق، هي مش قادرة تتخطي اللي حصل لها لحد الآن ولسة موجـ.ـوعة


واستطرد معللاً:

-دي حتي الجلسات النفسية اللي كانت بتروحها علشان تقدر تتخطي الأزمة النفسية اللي حصلت لها بعد الحـ.ـادثة ، ماقدرتش تفيدها وتخليها تنسي كل اللي حصل لها وهي لوحدها


هتف عز بنبرة حادّة مقللاً من تضخيم نجلهُ لحالة زو جته:

-اللي مـِ.ـراتك فيه ده إسمه دلع ستات ماسخ،

واسترسل مستشهداً:

-ما عندك مِرات ياسين أكبر مثال قدامك أهي، حملت وفقدت الجنين واتـ.ـوجعت وزعلت عليه، ومع ذلك ما كملتش خمس شهور وحِملت تاني وأهي في شهرها الرابع وزي الفُل


أردف عُمر موضحاً لوالده الفرق:

-يا بابا شخصية مليكة غير لمار مراتي خالص،مليكة حد مُسالم وراضية بحالها وعايشة علشان تحقق رغبات جوزها واللي حواليها بدون إعتراض


واكمل مقللاً من شخصية مليكة:

- ويمكن حتي بدون تفكير


واسترسل بقوة وإعجاب:

- لكن لمار شخصيتها قوية ومحدش بيقدر يجبـ.ـرها علي حاجه هي مش عاوزة تعملها، وهي من جواها لسة مش حاسة إنها عاوزة تخوض التجربة مرة تانية


واسترسل وهو يرفع كتفاه:

-أنا ما اقدرش اجبـ.ـرها علي حاجة هتكون مرهقة نفسياً ليها يا بابا


تنهد عز بأسي على حال نجله الذي لا يرتقي لما كان يتمناه، أما طارق، فتحدث بنبرة جادة مدافعاً عن مليكة فهو أكثر الناس بمعرفة شخصيتها:

-مليكة عمرها ما كانت ضعيفة ولا شخصية هشة منقادة يا عُمر علشان تتكلم عنها بالإستخفاف ده، كُون إن مليكة بنت أصول وعاقلة وبتحترم كل اللي حواليها، فده ما يقللش منها ولا يدينا الحق إننا نتهمها بالخضوع والهوان والذُل


أجابهُ بهدوء:

-أنا ما قصدتش من كلامي عن مليكة إني أقلل منها يا طارق، أنا مجرد وصفت شخصيتها واللي أنا شايفها كدة علي الأقل من وجهة نظري


رد عليه عز بنبرة حادّة ساخراً منه:

-وجهة نظرك دي تروح تبلها وتشرب ميتها إنتَ ولمار بتاعتك،


واكمل:

-لما تبقي دي وجهة نظرك في شخصية محترمة زي مليكة، يبقي تروح تكشف نظر يا إبن سيادة اللواء


واسترسل بتهكم:

-مع إن المفروض كنت كشفت من زمان، من وقت ما حبيت البرنسيسة بتاعتك وجبتها لنا هنا علي البيت


كظم عُمر غيظه من حديث والدهُ دائم التقليل من شأنه، فتحدث عز من جديد بنبرة جادة:

-إستـ.ـرجل يا أبني وإنشف شوية مع مـ.ـراتك، أنا عاوزك أشوف لك إبن في أقرب وقت ممكن


واسترسل بنبرة تهديدية:

-يا إما تركن إنتَ علي جنب طالما خايف علي مشاعر الهانم أوي كدة وخليني مني ليها، وأنا بقي هعرف أقنعها بطريقتي الخاصة


واستطرد بنبرة حادّة أخافت عُمر:

- مفهوم يا أبو قلب حنين


إبتلع لعابهُ وتحدث بطاعة:

-مفهوم يا باشا

وقف وتحدث وهو ينتوي الذهاب:

-أنا طالع أخد شاور سريع وأنزل علشان ألحق السُحور


أشار لهُ عز بالإنصراف فتحرك سريعاً بهرولة وكأنهُ طيراً حبيساً أطلق سراحهُ


تنهد عز وهو ينظر علي أثره بتدقيق وتحدث بنبرة صوت مهمومة:

-ما حدش واجع قلبي ومعكر صفو حياتي قد عُمر يا طارق، دايماً قلقان عليه وشايل همه


أجابهُ طارق بنبرة هادئة كي يهون علي والدهُ:

-ليه بتقول كدة يا باشا، ما هو حاله إنصلح أهو وبقي ملتزم في شغله وكمان بيترقي فيه،وساب الشلة البايظة اللي كان ماشي معاهم، وربنا هداه وإستقر وإتجوز


نطق عز بنبرة تنم عن مّدي عدم تقبلهُ وإنزعاجهُ من تلك الزيجة:

-جوازة الشوم والندامة، البِت دي عُمري ما أرتحت لها ولا قِبـ.ـلتها ،عزائي الوحيد إن أخوك بيحبها ومبسوط معاها


أردف طارق بنبرة هادئة:

-هون علي نفسك يا باشا، وزي ما سعادتك لسة قايل،هي قدرت تخليه يحبها وهو مبسوط فعلاً معاها وده كلنا شايفينه بعيونا


وتحدث بدُعابة كي يُخرجهُ من حالة الأسي تلك:

-بس سعادتك خـ.ـدتني في الكلام وما قولتليش مالك،

واسترسل مُداعباً إياه:

-هي منال هانم منكدة عليك ولا إيه؟


أجابهُ بطريقة ساخرة:

-وهي أمك بتعمل إيه في حياتها غير إنها بتنكد عليا حياتي، دي لو لا سمح الله نامت يوم من غير ما تنكد عليا فيه، بصعب عليها وتاني يوم بتديني الجُرعة مضاعفة


قهقه طارق علي دعابة والدهُ الذي وبرغم منصبه العظيم إلا أنه لن يتخلي يوماً عن روح الدُعابة الذي إتسمت بها شخصيتهُ المرحة وعشقهُ الجميع بها


❈-❈-❈


في اليوم التالي، وفي تمام الساعة الواحدة مساءً بتوقيت ألمانيا


داخل الساحة الخاصة بجامعة هايدلبرغ الألمانية المتواجدة داخل دولة ألمانيا، كانت تجاور زميلاتها من العرب والمصريات الوقوف، تتبادلن الأحاديث الشيقة بينهُن ، قطع حديثهم ذاك الدخيل الذي تحدث قائلاً بنبرة رخيمة :

-شلونكم صبايا


ردت عليه جميع الموجودات بلهفة وإهتمام وهُن تسلطن عليه أبصارهُن بإهتمامٍ شديد وإعجاب، عدا تلك الأيسل التي لم تكلف حالها عناء النظر لوجههِ وضلت علي حالها وهي تتحدث إلي إحدي صديقتها غير مبالية بذاك المتعالي الذي أردف بتعالي مكملاً ليُخبرهم وكأن قراراتهُ تنفذ بطاعة عمياء، ولا مجال حتي لمناقشتها بينهم:

- شباب، بكرة كِلّكُم معزومين على الفطور في أفخم مطعم في ألمانيا


إنبهرت جميع الموجودات ونظرن عليه وبدأن بالتعبير له عن مّدي سعادتهن ونثرهِ بعبارات الشُكر والعِرفان عدا تلك التي لا تُعير لحديثهُ إهتمام وكأنهُ هو والعدم سواء مما جعل داخلهُ يستشيط من تلك التي يصفها بالغرور والتعالي عليه، لكنهُ وبرغم غضبهِ الهائل منها إستطاع أن يتمالك من حاله وسألها بترقب شديد:

-ما قِلتي شي أيسل،


وأكمل بغرور وثقة زائدة عن الحَد:

- راح تيچين عزومتي أكيد


بمنتهي البرود حولت بصرها إليه ثم رفعت نظارتها الشمسية لتُكشف عن فيروزتيها الساحرتان والتي رمقته بهما بإستغراب ثم إبتسمت بجانب شِـ.ـفتها وتحدثت بنبرة ساخرة مقللة من شأنه أمام الجَمع:

-وهو أنا أعرفك أصلاً علشان أقبل عزومتك؟


رفع قامته لأعلي بكبرياء وتعاليِ ثم هتف بنبرة متعجرفة مختالاً بحاله:

- ماكو أحد في الكلية كِلها ما يعرف نواف العبدالله


واسترسل بغرور:

- أنا مثل الشمس، واضح ونوري وخيري مغطي علي الچميع وفايض


ضحكت ساخرة وهزت رأسها وهي تنظر إليه بطريقة توحي بمّدي إشمئزازها من طريقته التي تتسم بالغرور والكبرياء، وتحركت من أمامهُ متجاهلة إياه، تاركة المجلس بأكمله كي لا تفتعل معه المشاكل، نظر عليها بغيظ وتحدث إلي صديقتها بيسان بطريقة حادة تؤكد مّدى وصوله للإحتدام من تلك الأيسل:

- مين تِحسِبْ نَفِسْها علشان تكلمني بهالطريقة، لو على الچمال نواف قابل اللي أچمل منها آلاف المَرات


تحدثت إليه إحدي الفتيات وتُدعي بيسان بنبرة صادقة:

-الحكاية مش حكاية جمال وبس يا نواف،  أيسل بنت عيلة كبيرة جداً في مصر، بباها عميد في الجيش المصري تقريباً، وجدها كمان لواء وليه وضعة هناك، زائد إنهم عيلة غنية جداً


ضحك ساخراً حد القهقهة وتحدث بنبرة مُقللة من شأن عائلة أبسل:

-عميد إيش ولواء إيش اللي تتكلمين عليهم،


وأكمل متجبراً رافعً وجههُ لأعلي بشموخ وتعالي وإفتخار بحاله:

-أنا نواف العبدالله اللي لو أشاور  بصُبعي الصغير لچدها اللوا هاذا راح ييچيني ركض وهو يلهث من كُثر الإهتمام، ومو بعيد ينزل يحِب على يدّي.


نظرت إليه بيسان وتحدثت بتوضيح:

- أهو إسلوبك في الكلام بالطريقة دي هو اللي مخليها تعاملك كده، بصراحة يا نواف ومن غير زعل،طريقتك دي تنفع مع أي بنت تانية إلا أيسل


وشنو  الاسلوب اللي ينفع مع بنت سيادة العميد ؟، كان هذا سؤالً طرحهُ ذاك المغرور علي بيسان وهو ينظر إليها بتدقيق مترصداً إجابتها بإهتمام


وأكمل وهو يزفر بضيق:

-أنا جربت معاها كُل الطرق، الهدايا اللي تجيب راس البنات من الأخر مثل ما تجولون عِندكم في مَصِرْ ، چِبت لها أغلي الهدايا ورفضتها كلها


ورفع كتفاه بإستسلام سائلاً إياها بترقب:

-إيش أسوي معاها هالحين لحتي ترضى تصادقني وتمشي وياي


أجابته بيسان بنبرة جادة صادقة:

- مش دي السكة اللي هتجيب مع أيسل وتشدها ليك يا نواف،  أيسل لا محتاجة هدايا من حد ولا حتي فلوس، دي بمجرد ما بتفكر في الحاجة بتكون عندها في لحظتها، بباها وجدها مش مخلينها محتاجة لأي حاجة


قطب جبينهُ وسألها مستفسراً بإكتراث:

- و الحين إيش الطريقة اللي تنفع وياها ؟


وأسترسل حديثهُ بعناد وشراسة:

-أنا أريدها تكون معي، ما في بنت عاندتني مثل ما إهي سوّت فيني.

وأكمل بتكبر وغرور :

- طول عُمري أأشّر للي أريدها بصُبُع يدّي وبلحظة تكون تحت شوري


ردت عليه نور التي كانت تتسمع علي حديثهما بإهتمام وترقُب وذلك لإعجابها الشديد به وبماله الوفير :

- عاوز نصيحتي يا نواف، خرج البنت دي من دماغك لأنها مش من النوع اللي هترتاح معاها ويقدر يبسطك


وأكملت بملامح وجه مشمئزة:

- دي بنت متخلفة ومتعرفش أي حاجة عن التحضر والعلاقات المتحررة

واسترسلت:

-من الآخر كدة عمرها ما هتوافق تصاحبك


نظر لها وتحدث بإصرار ظهر داخل مقلتيه:

_وأنا ماتعودت استسلم،  وللحين ما انخلقت اللي تقول لا لنواف العبدالله،


وأكمل بتحدي وهو ينظر لكلتاهما بإبتسامة واثقة:

_ وبكرة تشوفون


قال كلماته وتحرك مبتعداً عنهما تاركً كلتاهما تنظر إليه بإستغراب لكّم الإصرار والتحدي الذي ظهر بعيناها


تري ما الذي ينتوي فعله ذاك المتهور،  وهل أيسل سترضخ له بالنهاية؟


إنتهي الفصل

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الرابع روز أمين

يا مَنْ هواهُ أضْحَي ليَ الهواءَ

وبدونِ عيناهِ أنا والخَوَاءُ سَوَاءُ

لو غِبتُ عنكَ مُجرَّدُ لحظاتِ

عُدتُ إليكَ ذائبً بألفِ إشتياقِ

رُحماك يا قدريَ السعيدَ بعاشقٍ

ما عادَ يهوي العيشَ إلا في هَناكَ


خواطر ياسين المغربي

بقلمي روز آمين


في الصباح

تملل ياسين بنومته وبدأ يتمطي بتكاسُل ، بسط ذراعهُ بشدة لكنه توقف في الحال عِندما أدركْ وجود تلك الغافية بجواره، إستفاقت من غفوتها جراء حركتهُ، وبلحظة كانت تـ.ـدفن حالها داخل أحضـ.ـانه وتحدثت بنبرة متحشرجة:

-خليك نايم النهاردة في حُضـ.ـني


مَلـ.ـس علي شعرها بكف يـ.ـداه وهمـ.ـس بصوتٍ ضعيف مصحوب بتنهيدة:

-مش هينفع يا حبيبي، عندي شغل مهم في الجهاز ولازم أروح بدري


وضـ.ـمها مُشدداً من إحتـ.ـضانه لها ثم وضع قُـ.ـبلة بين ثنايا عُـ.ـنقها وتحدث قائلاً :

-نامي إنتِ وحاولي ترتاحي علي قد ما تقدري، علشان هنخرج نسهر برة النهاردة في المكان اللي هتختاريه وتشاوري عليه


رفعت وجهها بحماس وهتفت بنبرة مُبتهجة:

- بجد يا ياسين؟


إبتسم عندما رأي شدة إبتهاجها، وضع كف يـ.ـده فوق وجنتها يتحـ.ـسسهُ بحنان قائلاً بتأكيد :

-بجد يا قلب ياسين


وأردف قائلاً بإستسماح وعيناي راجية:

-أنا أسف يا قلبي، أنا عارف إني قصرت في حقك الفترة اللي فاتت بسبب ظروف سفري المستمر لألمانيا

وأسترسل قائلاً بإستحسان:

- بس أنا عارف إن عقلك كبير ومستوعبة الظروف اللي كلنا بنمر بيها ومقدرها، أنا وإنتِ وليالي وحتي أيسل نفسها


أردفت قائلة بصدق ظهر بَين داخل عيناها:

- أنا مقدرة الظروف كويس يا ياسين، وفاهمة إن ده مستقبل سيلا وإنك لازم تقف جنبها وتساندها وهي بتحقق حلمها


وأكملت بإبتسامة حنون:

-وصدقني يا حبيبي مش زعلانة منك في أي حاجة، " بالعكس " أنا مشفقة عليك إنتَ وليالي جداً من معاناتكم مع سيلا


وضع قُـ.ـبلة حماسية بجانب شِـ.ـفتها وتحدث وهو يُداعـ.ـب أرنبة أنفها بأنـ.ـفه:

- يسلم لي حبيبي وقلبه الكبير


سحب جسـ..ـدهُ واعتدل واقفً من فوق فراشه ثم دثرها بالغطاء جيداً مُدللاً إياها ووضع قُـ.ـبلة فوق جبهتها، وتحرك متجهً إلي الحمام ليغتسل وتوضأ وخرج من جديد مُرتدياً الثوب الخاص بالحمام ( البُرنس ) تحرك مُتجهً إلي غرفة الملابس المُلحقة لغرفة النوم


كان يتسحب علي أطراف قدماه بحرصٍ شديد كي لا يُزعجها بغفوتِها، إرتدي ثيابهُ وقام بأداء صلاة الضَحي وبعد الإنتهاء جلس يُناجي ربهُ ويطلب منه أن يحمي لهُ أحبته ويصلح لهُ الحال


وقف وتحرك إلي حبيبته قبل التحرك إلي الخارج،ألقي بصرهُ عليها وجدها غافية بسَباتٍ عميق، شعور بالراحة تخللهُ عندما نظر إلي ملامحها السَاكنة التي يعشق النظر إليها، وتحرك للخارج ليذهب إلي عمله


بعد قليل

وصل إلي مقر عمله، صف سيارته داخل الجراچ الخاص بالجهاز وترجل منها وتحرك متجهً في طريقهُ للداخل ، خطي بساقيه ودلف إلى مبني الجهاز، وجد بطريقهُ الضابط كارم المعداوي والذي يعمل كضابطً مساعدً لياسين

توقف كارم  بِتَقْدِير وَتَبْجِيلٍ فور رؤيته لقدوم ياسين بإتجاهه ونطق بإحترام ونبرة رجولية:

-صباح الخير ياسين باشا


إبتسم لهُ ياسين ورد عليه تحيتهُ قائلاً بنبرة جادة:

-صباح النور يا سيادة الرائد.


تحرك كلاهُما داخل رواق المبني بجـ.ـسدٍ ممشوق رياضي يرتقي بمنصبيهما الرفيع، نطق ياسين مُتسائلاً بإستغراب وهو ينظر إلي كارم مترقباً إجابته:

- إيه الزحمة اللي في الجهاز النهاردة دي يا كارم؟

وأسترسل بنبرة دُعابية:

-هما نقلوا الجمعية الإستهلاكية هنا وبيفرقوا فيها رُز علي البطايق ولا إيه؟


إبتسم كارم بخفوت وعَقبَ علي سؤال سَيدهُ بدُعابة:

- اللي حاصل في الجهاز أهم وأعظم من الرُز والفراخ كمان يا سيادة العميد.


قطب ياسين جبينهُ بإستغراب، في حين أكمل ذاك الساخر شارحً مقصده من حديثهُ:

- النهاردة ميعاد تسليم وظايف الأخصائيات النفسيات اللي هيشتغلوا معانا في الجهاز يا أفندم.


واسترسل ساخراً:

-والحضور النهار دة من رجالة الجهاز حقق رقم قياسي، في مبادرة إنسانية منهم للترحاب بالأخوات الزميلات الجُدد


أردف ياسين قائلاً بنبرة دُعابية جعلت ذاك الكارم يدخل في نوبة من الضحك لا إرادياً:

-عمار يا مَصر، طول عُمر رجَالتِك بيفهموا في الواجب والأصول وسدادين وقت الأزمات يا بلادي


وصلاَ لباب المَصعد الكهربائي وأستقلاه معاً، ضغط كارم فوق زر الصعود وبالفعل تحرك المَصعد، تحَمحَم ياسين ثم عاود النظر إلي ذاك الذي يجاورهُ الوقوف وسألهُ مستفسراً بتعجُب:

-إنتِ يا أبني مش كُنت خاطب وكان المفروض هتتجوز من شهر فات ؟!


أجابهُ كارم بلامبالاة:

- سعادتك لسة فاكر يا باشا، أنا فسَخت من شهرين حضرتك


ضيق ياسين عيناه وهتف متسائلاً :

-وفسخت ليه يا عم الفقري؟


أجابهُ بوجهٍ عابس مداعبً إياه:

-فضلت تزن عليا علشان أخرجها واتهمتني إني مش شخص رومانسي ومابهتمش بيها ولا بصحتها النفسية


واسترسل بحماسة مصطنعة وهو يرفع قامتهُ بتفاخُر:

-فقولت أثبت لها العكس واوريها رومانسية رجالة المُخابرات علي أصولها


وهُنا توقف المصعد وخرج منه كلاهُما ثم نظر لهُ ياسين وسألهُ بإستفهام :

-وخرجتها؟


أجابهُ ذاك الكارم وهو يتحرك بجانب سيدهُ:

-خرجتها سعادتك، أخدتها جولة في المتحف المصري


عَقبَ ياسين علي حديثهُ بلطافة وهو يتحرك بخطوات واثقة:

-عدَاكْ العِيب وأزَحْ


عاود كارم تكملة حديثهُ بتعابير وجه بائسة مُفتعلة:

- قعدنا نتناقش في كيفية تحنيط المُوميَاء، وأنا قعدت أشرح لها وأبين لها عظمة أجدادنا الفراعنة وإزاي أبدعوا في عِلم التَحنيِط وبعدها إتكَلوا وخدوا سّرهُم معاهم وسابونا لحد النهاردة متسوحِين


واستطرد قائلاً بطُرْفَة:

-إختلفنا علي كيفية إدارة الحديث بينا، كلمة مني علي كلمة منها إتنرفزت وغلطت فيا وفي مُومياء المَلكة تِي اللي كُنا واقفين قدامها


كانا قد وصلا إلي باب مكتب ياسين الخاص به، وقف ياسين ونظر له بإتساع حدقة عيناه بذهول مُفتعل وتحدث بنبرة جادة في ظاهرها، ومن باطنها تحمل الكثير من السخرية:

- نهار أبوها مش فايت، طب تغلط فيك إنتَ عادي مش مشكلة ،لكن يوصل بيها القُدر والفسوق إنها تغلط في المَلكة تِي ؟


وأكمل ساخراً:

- دي البِت دي علي كدة قلبها ميت ومستبيعة لدرجة إنها ماعملتش حساب للعنة الفراعنة، اللي إن شآء الله هتصيبها وهتحول خلفيتها لكيم كارداشين


إلتمعت عيناي كارم وأردف بنبرة متلهفة مُفتعلة :

-دي لو إتحولت فعلا للأخت الفاضلة كارداشين أنا مستعد أنسي إهانتها لتِي ونتجوز فوري


أجابه ياسين ساخراً :

_تتجوز مين يا باشا، ده ساعتها هيطلع قرار جمهوري بوضعها في المتحف ومش بعيد يكون في مكان المَلكة تي بذات نفسها


أطلق كلاهُما ضحكاتهما الرجولية والتي صَدحت في المكان، ودلف ياسين وتابعهُ كارم الذي فتح الباب بإحترام وانتظر دخول ياسين الذي تحدث بجدية وهو يخلع عنه حِلة بدلته بعدما فك زرائرها واتجه بها وعلقها في المكان المُخصص لها:

- قولي بقي يا سيادة الرائد، سِيبت خطيبتك ليه؟


أجابهُ كارم بنبرة جادة لشَاب رصّين لا يقبل المهَانة علي حاله مُطلقاً:

-كانت عاوز تمشيني علي مزاجها وأبقي تابع للهانم بنت الأكابر

واستطرد شارحاً:

- وأنا أبويا تِعب عليا ورباني علي إني أبقي راجل بجد، مش معقول أخَذِلهْ وييجي اليوم اللي يلاقيني فيه تابع السِت.


نظر لهُ ياسين بإفتخار وتحدث بإشادة بعدما جلس وأشار إلي كارم في دعوة منه للجلوس :

-جدع يَلاَ ، راجل من ضهر أبوك بجد، علشان كده أنا بعزك


إبتسم كارم برزانة ثم أكمل ياسين بنبرة جادة:

-عملت إيه إنتَ والرجالة في موضوع العِيال بتوع خَلية الدخِيلة؟


نطق كَارم بمهَارة وحرفية عالية :

-كُل حاجة ماشية زي ما أمرت سعادتك بالظبط، حطـ.ـينا كل تليفونات المنطقة بالكامل تحت المُراقبة، وكلها أيام وهبلغ حضرتك بالخبر اليقين


أومأ له ياسين وتحدث بجدية:

-إنجز يا كارم، رجالة الدَاخلية مستنيين المعلومات علشان يتحركوا علي أساسها


أردف قائلاً بإمتثال:

-أمر جنابك يا باشا، يومين بالكتير وكل المعلومات اللي طلبتها هتكون قدام ساعادتك

واكملا حديثهما


❈-❈-❈


بعد إنتهاء محاضراتها

كادت أن تتحرك في طريقها إلي خارج البوابة الخارجية للجامعة كي تستقل سيارة الحراسة التي تُلازمها بناءً علي تعليمات ياسين المغربي، وجدت من يقتـ.ـحم طريقها ويتحدث إليها بملامح وجه مطصنعة الهيام في محاولة منه كي يستحوذ علي مشاعرها :

-وين رايحة يا أيسل، إنتِ نسيتي إنك معزومة علي الفطور اليوم ولا شنو؟


وأكمل امراً بثقة عالية لا تعلم هي من أين أتي بها ذاك الأرعَن:

-إمشي وياي لحتي نروح المطعم بسيارتي لأني مسوّي لك مُفاجأة ورايد تشوفينها وإنتِ ويَاي


عقدت حَاجبيها مُندهشة بغرابة لأمره ولثقتهِ العَجِيبة التي يتحدث بها، خلعت عنها نظارتها الشمسية ورمقته بنظرة تحقير وأردفت قائلة بإستخفاف:

- أنا حقيقي مش فاهمة إنتَ جايب منين الثقة اللي بتتكلم بيها دي، بتتكلم وكأن موافقتي بقت أمر مفروغ منه برغم إنك عارف ومتأكد إني لا يُمكن أقبل عزومتك إنتَ بالذات


ضيق عيناه ونظر لها بتدقيق وأجابها بنبرة صارمة تحمل بين طياتها تحذير:

-نوّاف العَبدالله ماكو بنت قالت له لا من قَبِل

وأكمل مؤكداً بتبجح:

- وأنا أريد أفطر اليوم وياكِ ، وما راح يصِير إلا اللي أنا أبيه يا أيسِل


قال كلماتهُ ومّد يـ.ـده مُتماديً في إنتهاك صَريح منه لحُرمـ.ـتها وأمـ.ـسك كف يـ.ـدها وتحدث ليحـ.ـسَها علي التحرك معهُ في تصرف أرعَن منهْ:

- مَشي معي ولا تضيعِين الوقت، آذان المَغرب قرب والبنات والشباب واقفين برة منتظرين

جـ.ـذبت يـ.ـدها بـ.ـحِدة بالغة وهتفت بنبرة ساخطة:

- إبعد إيـ.ـدك عني يا حيوان يا همجي


إستشـ.ـاط غَضباً عِندما إستمع إلي سَـ.ـبها لهْ، كاد أن يتطاول عليها من جديد لولا تدخُل إيهاب، أحد رجال الأمن المكلف بحراستها،والذي تحرك بسُرعة بديهة عِندما شاهد الموقف من بعيد، حيثُ هرول وقاطعهُ بقِوة وأمـ.ـسَك ذراعاه ولفهما خلفهُ بمهَارة عَالية تدرب عليها سابقًا، ثم قام بسـ.ـحبهِ خارج بوابة الجامعة كي لا تقع عليهم قوانين صّـ.ـارمة من إدارة الجامعة


هرول الحارسان الآخران اللذان كانا يقفان بجانب السيارة وأخرج كلاهُما مُسـ.ـدسهُ المُرخص ووجهاه إلي رأس ذاك النوَّاف الذي هتف بحِنق وغضـ.ـبٍ عارم وهو يتلوي بجـ.ـسدِه في محاولة منه للتملُص ولتخليص جَـ.ـسده من قبضة ذاك القوي:

-إتركني يا غبي، والله إلا تدفعون ثمن اللي سَويتوه غالي يا رِعَاع


وأكمل بغطرسة وهو يتناقل النظر بين الرجُلان الذان يُشهران سِـ.ـلاحيهما بوجهه:

-كِيف تتچرئون وتحطون يـ.ـدكُم القَذرة علي أسّيادكم، الظاهر إنكم ما تعرفون من هو نوَّاف العَبدالله

وأكمل بسُـ.ـباب لاذع:

-والله إلا أوديكم ورا الشَمس يا عِيال الحَرامْ


إلتف جميع أصدقائِهم ينظرون بذهول لذُل ذاك المتغطرس الذي دائماً ما ينظر إلي الجميع بدونية وتعالي، وقد ساعدهُ علي ذلك بعض المُنافقين المُلتفون حولهُ بصورة دائمة ويمجدون من شأنِه كي ينالوا الرضا منه ويغدِقهمْ هو بأمواله التي لا حَصّر لها ولا عدد،ولكنهم الآن يرونهُ ولأول مرة صَاغرٍ يُهَان


هتف إيهاب الذي يُقيـ.ـدهُ من الخَلف ناظراً إلي الحارسان بنبرة أمّرهْ:

-عَاطف،مجدي، خدوا الدكتورة ووصلوها للعربية وخليكم معاها ما تسيبوهاش


بالفعل تحركت تلك التي تقف بجَـ.ـسَدٍ مُرتعب بصُحبة حارسيها بإتجاه السيارة، في حين هَتف ذاك الثائر من جديد بإحتِدام شّديد وهو يحاول تخليص حاله:

_ إتركني يا غبي، إتركني


دفعهُ إيهاب بحِدة كَادت أن تُسقطهُ أرضً لولاَ صديقهُ الذي هرول إليهْ سريعاً وأسندهُ، وتحدث إيهاب وهو يُشير بسَبابتهُ إليه بنبرة تحذيرية:

- لو عاوز تحفظ كرامتك وتصونها من الإهانة يبقي تبعد عن الدكتورة وماتحاولش تضايقها تاني


وأكمل مُهدداً بلهجة صَارمة:

-ولازم تعرف إن اللي حصل النهاردة ده مش هيعدي علي خير، وسيادة العَميد هيدفعك تمن تهورك ده غالي أوي


إهتز جَـ.ـسد نوَّاف من شدة هَيـ.ـاجهْ الذي أصابهُ جراء ما حدث، وأكثر ما أوصلهُ لتلك الحالة الجنونية هو إلتفاف جميع الأصدقاء الذي دائماً ما يتباهي بحاله عليهم وبأموالهُ وبالآخير شاهدوا إهانتهُ اليوم علي يـ.ـد تلك الأيسل وحراستها الخاصة


هتف بسُـ.ـباب غير لائق قائلاً بنبرة مُحتدمة:

-إنت مِنْ تِكون يا إبن ال.... لحتي توقف قدامي بكل چراءة وبعدْ تهددني


وأكمل بوعيدٍ ساخط:

-ورب الكعبة لخلي العميد مالَك يچي لحد عِندي ويترچاني ويحب على رچولي ، لين أسامحه وأعفو عنه من اللي راح يصير فيه،


واسترسل وهو يلوح بكف يـ.ـده بنبرة تهديدية:

-وراح يتعاقب من سلطات بلده شخصياً اللي يحسبها راح تحميه


إعتَـ.ـلت إبتسامة ساخرة ثَغر إيهاب ورمقهُ بنظرة إستهزائية قبل أن يستدير ويعطي ظـ.ـهرهُ لذاك المستـ.ـشاط غضباً والذي ضل يتوعد لهم جميعاً بالرد علي ما حدث وبالأخص أيسل حيت تفوه قائلاً بنبرة حادة بصياحٍ عال:

-ما راح اتركك تتهنين بعد اللي عِملتيه يا أيسل وبكرة راح أذكرك، مُو نوَّاف العبدالله بجلالة قدره اللي يصير فيه كدة من مصرية شَحاتة ما تِسوى فِلسْ أحمر


تركهُ إيهاب يثرثر بفظَاظة ووصل إلي السيارة وأستقلها جالساً فوق مقعد القيادة، وتحرك بالسيارة متجهً إلي محل إقامتهم بالمنزل القاطنين به، والذي اختاره ياسين خصيصاً ليكون قريبً من مقر جامعة صغيرتهْ


نظر إيهاب علي إنعكاس صورة وجهها بالمرأة الخاصة بالسيارة وسألها بإهتمام بعدما رأي علامات الزُعر تعتلي ملامح وجهها:

- إنتِ كويسة يا دكتورة؟


أومات له بإيجاب وتحدثت بنبرة راجية:

- أنا كويسة، بس ممكن من فضلك ما تقولش لبابي علي اللي حصل


قطب جبينهُ وتحدث بنبرة مُستائة رافضة:

- اللي بتطلبيه حضرتك ده مستحيل، لأنه ضد طبيعة شغلي


وأسترسل موضحاً:

-سيادة العميد سايبك أمانة بين إديـ.ـنا ومن واجبنا نبلغه بكل تفصيلة بتحصل حتي لو كانت تافهه وصغيرة من وجهة نظرك، واللي حصل من المجنون ده مش قليل علشان نتغاضي عنه


تنهدت بيأس ومـ.ـطت شـ.ـفتاها بأسي وفضلت الصَمت حتي توقفت السيارة داخل حديقة المنزل وترجلت منها علي عُجالة،


وجدت ليالي تقف بإنتظارها أعلي الدرج المؤدي للداخل وهتفت متسائلة بنبرة قلقة:

-إتأخرتي كدة ليه يا أيسل، وليه مابترديش علي فونك؟!


وأكملت وهي تنظر إلي ساعة يـ.ـدها:

-أذان المغرب فاضل عليه أقل من خمس دقايق


أردفت بنبرة جادة وهي تتحرك سريعاً إلي الداخل بوجهٍ عابس:

-هحكي لك وإحنا علي الفطار يا مامي


تنهدت ليالي وهي تنظر إلي طيفها بإستسلام ثم حولت بصرها من جديد إلي رجال الحراسة وتحدثت إليهم بنبرة هادئة وابتسامة خفيفة علي ملامح وجهها :

- علي ما تغسلوا أديـ.ـكم هتكون مَادي رصت لكم الفطار علي التربيزة


أومأ لها الرجال بإحترام وخطت هي بساقيها إلي الداخل كي تتناول طعام إفطارها مع إبنتها التي اصبحت مؤخراً متمردة علي كُل ما يحيط بها ومُثيرة للمشاكل


❈-❈-❈


في تمام الساعة التاسعة مساءً

صعد ياسين إلي جناحهُ المشترك مع مليكة، دق بابها فاستمع إلي صوتها الرقيق وهي تطلب من الطارق الدخول، وضع كفهُ حول مقبض الباب وأدارهُ وخطي بساقيه إلي الداخل بخطوات واثقة، توقف عن الحركة في الحال وإلتمعت عيناه ببريق الإنبهار الممزوج بالعشق عندما رأي تلك الساحرة التي تقف وتنظر إليه بنظرات مُولـ.ـعة بعِشق حبيبها


كانت ترتدي ثوباً رقيق مزركشً بأرضية بيضاء وبهِ نقشات لزهرة رقيقة باللون الأزرق،وحجابً من اللون الأزرق


نظر إلي وجهها الذي يشع نضارة وسحراً عجيب، جذب إنتباههُ الكُحل العربي التي خطت بهِ عيناها بمهارة فأصبحت جاذبة لأبصار كل من يراها،أما شـ.ـفتاها المُهلكة فزينتها بملمع شـ.ـفاه باللون الوردي مما زاد إشتهاه هذا العاشق لإلتهـ.ـامها علي الفور


إبتلع لُعابهُ وبدأ صـ.ـدرهُ يعلو ويهبط من شدة الإحتياج، تحرك إليها مسحوراً وبدون أن ينطق بكلمة واحدة مال علي كريـ.ـزتيها وألتهـ.ـمهُما وبات يتذوق من شهد حلاوتهُما، إندمجت معهُ وأغمضت عيناها بإستمتاع


لف ساعديه حول خصـ.ـرها وجـ.ـذبها بشدة إليه حتي إلتـ.ـصق جـ.ـسديهما ببعضهما بطريقة مُثيـ.ـرة


إبتعد عن شـ.ـفتاها وتحدث لاهثاً وهو ينظر لداخل عيناها برغـ.ـبة مُلحة ظهرت بيانً داخل عيناه :

-وبعدين معاكِ في اللي بتعمليه فيا ده، هتفضلي لحد أمتي مخلياني غرقان في بحُور عشقك الغريقة اللي مش باين لها أخر دي


وأكمل برغـ.ـبة وهو يُسلط بصرهِ علي كريـ.ـزتيها:

- تقدري تقولي لي هنخرج إزاي بحالتنا دي، إزاي هيجي لي قلب أتجاهل قنبـ.ـلة الجمال والسحر اللي أنا شايفه ده وأخدك وأخرج كده عادي؟


ورفع منكبيه بإستكانة ثم أسند بجبهته علي جبهتها وهمـ.ـس أمام شـ.ـفتاها بطريقة أذابتها وحولتها كفراشة تتطاير في الهواء:

- مش هقدر يا مليكة، مش هقدر أتحكم في عواطفي قدام الناس


همـ.ـست بتبرم مُفتعل وهي تحاول أن تتـ.ـملص بجـ.ـسدها منه:

-ياسين


أجابها وهو يعتـ.ـصر جـ.ـسدها بين ساعديه بطريقة أثارت داخلها:

- يا قلب ياسين من جوة


قال كلماته ثم أنقض علي شـ.ـفتاها، فك سحاب الثوب الخلفي وبلحظات كانت تتمدد فوق تختها بعدما نزع عنها ذاك العاشق جميع ثيابها بتسرع وإستعجال ليغوصا داخل عالمهما الخاص بهما


بعد مدة ليست بالقصيرة، كانت تقف أمام مرأة زينتها تضع اللمسات الأخيرة من إرتداء حجابها حتي زينة وجهها الخفيفة ،يقف بجانبها رجُـ.ـلها، يعقد رابطة عنقة بحرفية وثقة عالية، نظر علي إنعكاس صورتها في المرأة وغمز لها بعيناه وتحدث بوقاحة اخجلتها:

-كُنت هايل وجامد النهاردة يا وَحش


لكزته بخفة بذراعه وتحدثت بنبرة خجلة:

- بَطل كلامك ده


قهقه برجولة وأسترسلت هي بنبرة متعجلة:

- وياريت تستعجل شوية يا حضرة المتـ.ـهور، الوقت أخدنا والساعة داخلة علي عشرة،

وأكملت بتبرم:

- تقدر تقولي هنلحق نخرج أمتي ونرجع أمتي يا ياسين؟


إنتهي من رابطة عنقة وألتف بجـ.ـسده إليها ثم لف ساعديه حول خصـ.ـرها وتحدث بنبرة مطمأنة:

- مش عاوزك تقلقي ولا تتوتري ، هنخرج وهننبسط وهنعمل كُل اللي إحنا عاوزينه


وأضاف قائلاً بتفسير:

- وبعدين قلقانة ليه، أنا قايل لعمتي إننا هنتسحر برة وإنها تخلي بالها من الأولاد لحد ما نيجي، يعني اليوم كُله بتاعنا


ثم جـ.، ذبها إليه ونطق وهو يغمز لها بإحدي عيناه:

- هو إنتِ إحلويتي أوي كده ليه بعد الشاور ؟


تنصلت منه حتي أفلتت حالها وتحدثت وهي تلتقط حقيبة يـ.ـدها وتتحرك سريعاً نحو الباب في طريقها إلي الخارج :

- شكلك كدة إتجننت يا ياسين، أنا مستنياك تحت لأني لو فضلت هنا دقيقة كمان يبقا مش هنخرج النهاردة من الأوضة دي.


تحرك سريعاً خلفها وإلتحق بها وتحركا معاً داخل الممر المؤدي إلي الدرج ونزلا معاً،وجدا ثريا تجلس بصحبة يُسرا ونرمين وزو جيهما وأطفال المنزل جميعاً ، ألقيا عليهم التحية


نظرت نرمين إلي كليهما وتحدثت مستفسرة:

-هو إنتم خارجين ولا إيه يا مليكة؟


أجابتها مليكة بوجهٍ بشوش:

- ياسين عازمني علي السُحور يا نيرو


إنطفأت لمعة عيناها وشعرت بالإحباط من زو جها الذي لا يهتم سوي بعملهِ وفقط، فأردفت مليكة علي إستحياء بعدما لاحظت حُزن نيرمين الذي ظـ.ـهر فوق معالم وجهها:

- ما تيجي تسهروا معانا إنتِ وسيادة العقيد؟


كظم ياسين غيـ.ـظهُ من تلك المتسرعة التي لا تُبالي بكّم إشتياقه للخروج معها وجلوسهُما لحالهما دون عزول، في حين أشار سراج بكف يده وأردف قائلاً بإعتراض هادئ:

-لا يا سيتي بالسلامة إنتم،أنا راجل بيتوتي من الدرجة الأولى وبحب أقعد وأتأنس بوجودي مع حماتي، وبتمزج وأنا بشرب قهوتي ومعاها حتة الكُنافة العظمة


إبتسم له ياسين وتحدث بتأكيد :

-عين العقل والله يا سيادة العقيد


نظرت مليكة إلي ثريا وأردفت قائلة بتوصية:

- خلي بالك من عز يا ماما ليخرج في الجنينة عند البسين


تحدثت ثُريا بنبرة مُطمأنة:

-أخرجي مع جـ.ـوزك وماتشليش هم الأولاد يا بنتي،

وأكملت بحنو وهي تحتضن الصغير الذي يلتهي بلعبته المُمسك بها :

- عز ده في عيون نَانَا من جوة


إبتسم لها الصغير بحب، وشكرتها هي بإمتنان وتحركت بجوار حبيبها وأستقلت بجانبة السيارة التي شغل محركها وقادها بحذر حفاظً علي جنينهُ السَاكن أحشائها


إستدارت بجـ.ـسدِها لتنظر إليه وبدون مقدمات تغنت بصوتها العَذِب مما جعلهُ يحول وجههُ بإتجاهها وينظر إليها بولهْ وعِشق وهي تتغني لوردة الجزائرية وتقول


مالي طب وأنا مالي وأنا مالي، بالأحزان أنا مالي

عايشة في أحلى ليالي ويّا حبيبي الغالي


وأكملت بنظرات مولعة بعِشقهِ الهائل


بحبك أوي يا عيوني، بحبك مهما لاموني

ما يلوموا طب وأنا مالي

طب وأنا مالي، وأنا مالي وأنا مالي، مااااالي


فاجأها ذاك العاشق مُكملاً كلمات الاغنية قائلاً بصوتٍ ونظرات تهيمُ عِشقً


الحُب ومدفينا، الورد ومغطينا، الشمس وطالعة لينا


من فرح الدنيا بينا، من شهدها بتسقينا، وبكرة مستنينا


أكملت بتغني بإبتسامة رقيقة وعيناي هائمة


ناسية هنا ناسية أيام كانت قاسية

ناسياها معاك يا عيوني، وفاكرني هخاف يلوموني

ما يلوموا طب وأنا مالي وأنا مالي وأنا مالي ماااالي


أنهيا غنوتهما وهتفت بصوتٍ مرتفع مجنون عَكس طبيعتها الهادئة :

-بحبك يا ياسين، بحببببببك


ضحك برجولة وأشار لها بيـ.ـده في دعوى صريحة منه لدلوفها داخل أحضـ.ـانه الحانية، إستجابت لدعوته علي الفور وفكت وثاق حزام الأمان وسحـ.ـبت جـ.ـسدها وأقتربت منه ورمت حالها بأحـ.ـضانه، وبدوره لف ذراعهُ حولها برعاية، رفعت عيناها تنظر إليه بنظرات هائمة،فنظر هو أمامهُ يترقب الطريق بعناية وحينما تأكد خلوه من زحمة السيارات، لف حالهُ بإتجاهها وألتقـ.ـط كريزتـ.ـيها وذابَ داخلهُما في قُبـ.ـلةً سريعة، واعتدل وعاد مباشرةً لمراقبة الطريق من جديد


تحدث بنبرة مُتأثرة من شدة سعادته التي غمرته من غنائها له، وأيضاً عِشقها الهائل الذي أصبح يزدادُ يومً بعد الآخر:

- هتعملي فيا إيه أكتر من كده، سحرتيني بحُبك يا جِنية


شعرت بسعادة الدُنيا تقتـ.ـحمُ روحها وتُزلـ.ـزل كيانها أثر تغزُلات رجُلها وتغنيهِ بعِشقها،وضعت كف يـ.ـدها فوق صـ.ـدرهِ وتحـ.ـسسته بإثـ.ـارة أشعـ.ـلت روحهُ مما جعلهُ يتحدث بتوعد مُفتعَل:

-وبعدين معاكِ، شكلك كدة عوزاني أغير الإتجاه، وبدل ما أخدك علي المطعم، نطلع علي أقرب أوتيل وأحجز لك Suite ونقضي فيه ليلة تقعدي عُمرك كُله تحلفي بيها


ضحكت بإنـ.ـوثة ثم سحبت كف يـ.ـدها وأبعدت حالها عنه وتحدثت بتراجع:

-لا وعلي إيه، الطيب أحسن يا سيادة العميد


قهقه برجولة علي تراجعها السريع وهتف مُداعباً إياها:

- أحبِكْ وإنتِ جبانة وبتجيبي ورا


ضحكت بدلال، وبعد قليل صف سيارته، وتحركت تجاورهُ الدخول إلي إحدي الخيام الرمضانية


بعد مدة كانت تجلس بالمقعد المقابل له تتناول كأس المُثلجات الموضوع أمامها بإستمتاع وتلذُذ، كان يشملها بنظراته المغرمة لمتيمة قلبهِ العاشق الذي وبرغم مرور السنين علي زوا جهما إلا أنهُ مازال ينبُض بعشقها العظيم وبقوة جبارة


نظرت إليه بإستغراب لتوقفهُ عن تناول الحلوي خاصته والنظر عليها بترقب شديد ثم سألته بإهتمام :

- مابتاكلش ليه يا حبيبي؟


أجابها بنبرة صوت هائمة أثر عشقها الهائل الذي تملك من قلبه:

- بحب أتفرج عليكِ وإنتِ بتاكلي، وخصوصاً لما يكون الأكل علي مزاجك وبتتمزجي بيه بالطريقة دي


وأسترسل بعيناي عاشقة:

-بتجننيني وتشـ.ـعللي نـ.ـاري بيكي في أي حاجة بتعمليها يا ليكة


ضحكت بإنوثة نالت بها إستحسانهْ وهمـ.ـست بدلال بالكاد وصل لمسامعه:

-طب وإيه يعني لما أجننك، ما أنتَ كمان جننتني وخليت عيوني مابقتش بتشوف غيرك في كل الدُنيا،


وأكملت بنظرات إمرأة عاشقة:

-يا ياسين أنا بقيت بعشق حتي النَفَس اللي بيخرج منك


يا عيني عليك يا ياسين وعلي اللي حصل لك من كلام حبيبة جـ.ـوزها: جُمله نطق بها ذاك العاشق الولهان


ضحكت وجلسا يتسامران بأحاديثهم المُنعشة للقلب والروح وهما يتناولان الحلوي والمشروبات الخاصة بذاك الشهر الكريم ، بعد مرور بعض الوقت، أتي إليهما النادل بطعام السحُور، وما أن أنزل ما بيـ.ـداه ورصهُ فوق طاولة الطعام حتي صَدحَ هاتف ياسين الموضوع فوق الطاولة


أمسكهُ ونظر به وجدهُ إيهاب،الحارس الشخصي لإبنته المرافق لها، حول بصرهِ إلي مليكة وتحدث مُعتذراً:

- معلش يا حبيبي، ده إيهاب عبدالسلام بيتصل ولازم أرد لأنه مابيتصلش غير للضرورة


أومأت لهُ بتفهم وضغط هو سريعاً علي زر الإجابة وتحدث بنبرة جادة :

-أيوة يا إيهاب


نطق إيهاب الواقف داخل حديقة المنزل في الخلاء بنبرة حائرة وهو يتحرك بهدوء:

-ياسين باشا، فيه حاجة مهمة حصلت النهاردة ولازم حضرتك تعرفها


تسائل ياسين بإستفسار قلق بعدما إستمع لنبرات صوته المترددة:

-خير يا إيهاب، إيه اللي حصل ؟


تحدث إيهاب بنبرة صوت مترددة:

- الموضوع خاص بالدكتورة أيسل،

واسترسل سريعاً مُفسراً:

-بس عاوز حضرتك تِطمِن، إحنا إتدخلنا بسرعة ولحقنا الموقف قبل ما يتطور


صاح به ياسين بنبرة حازمة مُفعمة بالغضـ.ـب جراء ما أصابهُ من قلق شديد علي غاليتهُ وزو جته :

- ماتنطق يا بني آدم وتقول لي فيه إيه؟


واسترسل بنبرة حادة مُحذرة:

- إنتِ عارف إن أكتر حاجة بتوترني وتحـ.ـرق دَمي هي المُقدمات دي،إنجز


إبتلعت مليكة سائل لُعابها وأنتفض جَـ.ـسدِها رُعبً من هيئة ياسين التي تحولت بلحظة، ونظرت إليه بترقُب شديد


عبر الهاتف، تحدث إيهاب سريعاً بإرتباك خشية صَب ياسين غضـ.ـبه عليه قائلاً بتروي :

- فيه واحد خليجي زميل الدكتورة في الكلية إتهجم عليها النهاردة ومِـ.ـسك إيـ.ـدها غَصب عنها


جحظت عيناي ياسين وبلحظة تحول بياضها إلي أحمر قَاتم وأشتـ.ـعلت النـ.ـار بصـ.ـدره ونطق بغل وهو يجز علي نواجذهِ مما يدُل علي ما أصابهُ من غضـ.ـبٍ شديد:

-إنتِ بتقول إيه يا إيهاب، إحكي لي كُل اللي حصل بالتفصيل المُمل وقول لي مين ده اللي أمه داعية عليه ووقف في وش بنت ياسين المغربي


إرتعـ.ـبت أوصال مليكة وتسائلت بإرتياب وتلعثم:

- هو فيه إيه يا ياسين؟


نظر لها بعيناي مُشتـ.ـعلة وأشار لها بيده مطالباً إياها بالصَمت الفوري مما زاد من رُعـ.ـبها وارتجـ.ـاف جـ.ـسدها وتابعت النظر له بترقب وهو يستمع إلي إيهاب بإصغاء شديد


بعد مرور حوالي العشر دقائق كان ياسين قد إنتهي من إستماعه لسرد إيهاب لما جري عليه، تحدث إليه متهكمً بنبرة لا تُبشر بخير:

- ولما هو الكلام ده حصل من الساعة ستة المغرب،جاي تقولهُ لي الوقت ليه يا إيهاب بيه


تلعثم إيهاب بالرد قائلاً:

-يا باشا أنا قولت طالما سيطرنا علي الوضع والدكتورة بخير، أسيب حضرتك تفطر وتصلي التراويح وبعدها أبلغ جنابك


صاح بحدة أرعـ.ـبت أوصال إيهاب:

- لا يا راجل ! فيك الخير والله


وأكمل بنبرة تهديدية:

-حسابي معاك لما أجي لك


نطق جُملتهُ وأغلق الهاتف دون كلام، ونظر إلي تلك المُنكمشة علي حالها وتحدث وهو يُخرج من حافظة نقودهُ بعض العُملات وأشار بكف يـ.ـده إلي العامل المختص بإحضار الفاتورة وتحدث إليه بنبرة جادة:

-الشِيك لو سمحت


حضر إليه العامل وبيـ.ـدهِ الفاتورة وتحدث بسؤال مُهذب عندما وجد الطعام لم يُمـ.ـس:

- خير يا أفندم، الأكل فيه مشكلة ولا حاجة؟


هز ياسين رأسهُ بنفي وتحدث بهدوء إصطنعهُ بإعجوبة :

- الأكل والخدمة زي الفل وتسلم أديـ.ـكم، بس إحنا إفتكرنا مشوار مهم ولازم نتحرك حالاً


قام بوضع المال داخل الدفتر ونظر إلي تلك التي تنظر إليه بعيناي مُتسعة مذهولة، لا تفقه شئ مما يفعله وتحدث إليها بهدوء وهو يهم بالوقوف:

-يلا بينا


هبت واقفة من مقعدها وتحركت سابقة خطواته، وصل إليها عِند باب الخروج، أمسك كف يدها وشدد عليه، ومال علي أذنها وهمـ.ـس بنبرة صَارمة:

-إهدي وماتنسيش إن إحنا في وسط ناس


أخرجت تنهيدة حَارة من صـَ.ـدرها تدل علي إشتـ.ـعالها وتحركت بجانبه حتي وصلت إلي مقر إصطفاف السيارة، ضغط زر جهاز التحكم وقبل أن يتجه إليها ليفتح لها باب السيارة كانت هي تفتحهُ وتُلقي بحالها بإهمال فوق المقعد متناسية حملها بجنينها، إستـ.ـشاط غـ.ـضباً من تصرفها وتحرك للجهة الآخري وصعد إلي جانبها وأمسك مقود السيارة وأدارهُ مُتحركاً في طريقهُ للعودة إلي المنزل


تحدث إليها كاظماً غيظهُ الذي أصابهُ من تصرفها الأرعَن دون حتي أن تسألهُ عن ما جري لإبنته ومن ليالي تلك المستهترة التي لم تُكلف حالها عناء الإتصال به وإخبارهُ بما حدث لإبنتها


تجنب غضـ.ـبهُ وأردف بهدوء إصطنعهُ بإعجوبة في محاولة منه لتهدأتها :

-أنا عارف إنك زعلانة علشان قمنا من غير ما نتسَحر وبوظت لك السَهرة، بس فيه مُشكلة خاصة بأيسل حصلت ومكنتش هقدر أكمل السهرة وأنا جوايا بيغلي بالشكل ده


كانت تستمع إليه وهي تنظر أمامها بملامح وجه مُكفهرة،حولت بصرها بإتجاهه بعدما إستمعت إلي إعتذاره وهتفت بنبرة حادة لم تستطع التحكُم بها:

- أنا مش زعلانة علشان مكملناش سهرتنا يا سيادة العميد، أنا اللي قهرني إنك قومتني من المكان من غير ما تفهمني حاجة وسحـ.ـبتني وراك زي الهبلة


زفر بقوة وصف سيارته جانبً، ثم نظر إليها وتحدث بهدوء:

-اللي حصل نرفزني ومكنش ينفع أحكي لك عليه وإحنا وسط الناس وزحمة المكان يا مليكة


تنهدت بقلبٍ مُحملً بأثقال الهموم، وبدأ هو يقص علي مسامعها ما أخبرهُ به إيهاب حتي تُدرك وتلتمـ.ـس لهُ العُذر فيما بدر منه ، ربتت علي يـ.ـده وتحدثت بمؤازرة بعدما رأت كّم السَـ.ـخط والإنفعال اللذان كان يتحدث بهما كُلما تخيل ما حدث مع عزيزة عينه:

-إهدي من فضلك يا ياسين وإن شاء الله كُل حاجة هتبقا كويسة


أومأ لها بملامح وجه مُبهمة وأخرج هاتفهُ وبدأ بالنقر عليه وضغـ.ـط علي زِر الإتصال، سألته بإستفهام:

-هتكلم مين تاني؟


أجابها سريعً:

-هكلم ليالي هانم اللي عايشة حياتها ولا عاملة لوجودي أي إعتبار


بالكاد أنهي جُملتهُ وهتف سريعاً بنبرات ساخطة بعدما أتاه صوت تلك سيئة الحظ:

-إنتِ إزاي يا هانم ما تكلمنيش وتبلغيني باللي حصل لأيسل في وقتها،

وأكمل بنبرة أكثر حِدة:

- أمَال أنا باعتك معاها تهببي إيه عندك ؟


إرتعب داخل ليالي التي ردت مُتلعثمة:

-ممكن تهدي شوية يا ياسين، صدقني اللي حصل مايستحقش غضـ.ـبك ده كله.


هتف بصياحٍ عالِ قائلاً بتهكم :

-ده إنتِ كمان بقيتي تحددي إيه هو اللي يستحق غضـ.ـبي من اللي ما يستحقش


وأكمل متوعداً للشاب بسُـ.ـبابٍ لاذع :

-وحياة أمه لأخليه يتمني إن أبوه مكنش شاف أمه من الأساس ولا كانوا جابوا خلفته ال....


أردفت قائلة بتفسير وصل لفهم ياسين علي أنهُ تهاون منها وتقليل من شأن ما حدث:

-يا ياسين إفهم، الولد كان عازم البنت هي وزمايلها علي الفطار، ولما رفضت عزومته مـ.ـسِكها من إيـ.ـدها علشان يحاول يقنعها توافق تروح معاهم ، والحرس لما شافوه هجـ.ـموا عليه وعرفوه غلطه والموضوع إنتهي،


وأكملت ببرود في محاولة منها لتهدأة ذاك الثـ.ـائر:

- وبعدين الولد شكله معجب بيها، لأن دي مش أول مرة يحاول يتقرب منها، أرجوك يا حبيبي، مافيش داعي تكبر الموضوع وتدي له أكبر من حجمه لأنه فعلاً عادي


جحظت عيناه من إعترافها الصَادم بالنسبة له وصاح بها مُعـ.ـنفاً إياها بغضـ.ـبٍ شديد :

- وإنتِ كُنتي عاوزة يحصل إيه تاني أكتر من كدة يا هانم؟!


واسترسل بتعجُب:

-إنتِ شكلك إتجننتي خلاص يا ليالي، عوزاني أتعامل مع الموضوع وكأن اللي حصل ده شئ عادي علشان الحيـ.ـوان ده يتمادي أكتر مع بنتي؟!


وأكمل بتـ.ـرويع :

-علي العموم أنا جاي في أول رحلة مسافرة لألمانيا، وحسابك معايا لما أجي لك هيكون شديد ، قسماً بربي ما هعدي لك اللي حصل ده بالساهل يا ليالي


إنتفـ.، ض جـ.ـسدها رُعـ.ـباً أثر إستماعها لنبراته الغاضـ.ـبة وكلماته المتوعدة لها وكادت أن تتحدث أخرسها صوتهِ الهادر حين نطق أمراً:

- إخرسي خالص مش عاوز أسمع صوت ، إديني أيسل أكلمها


ناولت التي تجاورها الجلوس بغرفة المعيشة وتترقب ما يدور بإرتياب، تحدثت بنبرة مُزعـ.ـورة خشيةً غضـ.ـب والدها وإنفعالهِ عليها مثلما فعل مع والدتها:

- أيوة يا بابي


سألها متلهفً بنبرة حنون عكس توقعها:

-إنتِ كويسة يا قلبي ؟

الولد ده أذاكي أو عمل لك أي حاجة؟


إطمأنت لصوت أبيها وأجابتها بطمأنة:

- إطمن يا بابي أنا كويسة ماتقلقش


أكمل هو بطمأنة :

_ أنا جاي لك بكرة أو بعده بالكتير وهوقف لك الحـ.ـيوان ده عند حده


وأكمل بتوعد حادّ:

-قسماً بالله لأكمل له وأعلمه الأدب اللي أبوه وأمه قصروا معاه فيه،وهخليه لو شافك بعد كدة ماشية في شارع يلف من الناحية التانية علشان مايضايقكيش بشوفة خلقته ال.....


أنهي مكالمته ونظر علي تلك التي تستند بكفها علي فكها ويبدوا علي ملامحها الحُزن والألـ.ـم


سألها مُستفسراً بترقب:

-فيه إيه يا مليكة، مالك قلباها غم كدة ليه؟


نظرت إليه وتساءلت بنبرة متألـ.ـمة:

- إنتَ فعلاً هتسافر ألمانيا ؟


أجابها متهكمً بتعجُب:

-أمَال عوزاني أسيب بنتي في الموقف ده وأخليها تحـ.ـس إن ملهاش ضهر تتسند عليه وقت الشِدة؟!


أجابته بهدوء:

-أنا ماقولتش إنك تسيبها يا ياسين، بس إنتَ ممكن تحل الموضوع وإنتَ قاعد في مكانك هنا من غير ما تضطر تسافر


وأضافت مفسرة:

- وده طبعاً بحكم مركزك الكبير في المخابرات

واسترسلت بتذكير:

- وبعدين إنتَ لسه راجع من ألمانيا ماكملتش يومين


إتسعت عيناه بذهول وهو يستمع لكلماتها الصَادمة له وسألها مّترصداً ردة فعلها بدقة:

-لو كان اللي حصل لأيسل ده كان حصل لحد من أولادك كان ده بردوا هيكون رد فعلك ؟


زفرت بضيق وتحدثت مفسرة :

- لتاني مرة بقول لك إني مابطلبش منك تتخلي عنها


هتف بها قائلاً بحِـ.ـدة وذهول :

-إنتِ مش ملاحظة إنك بقيتي أنانية أوي؟


هتفت بنبرة حَـ.ـادّة :

-وإنتَ مش ملاحظ إن كُل خناقتنا بقي سببها الرئيسي هو سيلا ودلعها المبالغ فيه ؟


وكادت أن تُكمل أوقفها بأشارة حَـ.ـادّة من كف يـ.ـده وأردف قائلاً بنبرة صَارمة مصدومة:

-كفاية يا مليكة، مش عاوز أسمع كلام يصدمني فيكي أكتر


نزلت دموعها وتحدثت بنبرة حَـ.ـادّة لعدم تقديرهُ لموقفها وشعورها بل وصل به الآمر بإتهامهُ لها بالأنانية وعدم تقديرها له:

-رجعني البيت حالاً يا ياسين


زفر بضيق لرؤيتهُ لدموعها التي وبرغم إستيائهُ منها، إلا أنها كانت تنزل علي قلبه العاشق وكأنها سَوط ينزل بقوتهِ علي كل إنشٍ به فتكـ.ـويه بجـ.ـلداته المُوجـ.ـعة، لكنه مازال غاضباً من حديثها ولذلك قاد سيارته وتحرك بها إلي منزلهما في صمتٍ تام


❈-❈-❈


في حُجرة سارة الخاصة بها داخل المنزل الذي إشتراهُ سليم لعائلته، كانت منكبة علي مكتبها تُراجع دروسها، أخرجها من تركيزها صوت رنين هاتفها، أمسكته ونظرت بشاشته ثم وبلحظة إنفرجت أساريرها حتي ظهرت نواجذها عندما رأت نقش إسم حبيبها، ضغطت علي زر الإجابة سريعاً وأردفت قائلة بنعومة:

- ألو


رد عليها ذاك المُحب الولهان:

- وحشني صوتك من إمبارح للنهاردة


إبتسمت خجلاً وشعرت بقشعريرة تسري بجـ.ـسدها بالكامل، قررت الخروج من تلك الحالة بتغييرها لمجري الحوار وسألته بنبرة جادة:

- هتيجوا تنوروا إسكندرية أمتي يا باشمهندس؟


إبتسم عندما فهم بفطانته أنها تريد تغيير الموضوع وأجابها موضحاً:

-أبويا كان بيبلغ ماما النهاردة علي الفطار ويقول لها تجهز نفسها علشان هنسافر إسكندرية بعد يومين بالظبط،


وأكمل بنبرة سعيدة ظهرت عبر الهاتف:

-ما تتخيليش فرحتي قد إيه إني أخيراً هشوفك

وأكمل بتساؤل:

-ماقولتليش، عوزاني أجيب لك إيه معايا من أسوان؟


إبتسمت وأجابته علي إستحياء:

- عاوزة سلامتك، عوزاكم تيجوا بالسلامة وتنوروا إسكندرية كُلها


ثم استرسلت قائلة بصدق:

-أقول لك علي حاجة يا رؤوف


إنتعش قلبهُ ككُل مرة يستمع فيها إلي إسمهُ يُنطق من بين شـ.ـفتيها، وما شعر بحاله إلا وهو يجيبها بحنان :

- قولي يا حبيبتي


شعرت بالخجل الشديد من نطقهِ لكلمة حبيبتي، لكنها تحاملت علي حالها وأردفت قائلة إستكمالاً لحديثها:

-أنا من وقت ما رجعت من أسوان وأنا بدور علي نفسي ومش لقياها ، هناك كُنت مبسوطة وكُل حاجة حواليا حتي ولو بسيطة كانت بتسعدني


وأكملت بنبرة صادقة :

- كُل حاجة عندكم في أسوان بتدي للإنسان positive energy وده كان بيساعدني علي إني أقدر أخَرج أفضل ما عندي، سواء في مهاراتي الحياتية أو حتي في تحصيلي العِلمي


وأكملت بإستحياء:

- ده غير إني كُنت حاسة إني في وسط ناس قلوبها صافية وبتحبني بجد


تنهد بحرارة وأردف بنبرة صوت واثقة :

- إحسـ.ـاسك ده ماوصلكيش من فراغ يا سارة، إنتِ حـ.ـسيتي بالشعور ده لأن أسوان هتبقا بلد جـ.ـوزك وأولادك


وأكمل بنبرة عاشقة أخجلتها:

- أما بالنسبة لروحك اللي لقتيها هنا، فدي هي أنا يا حبيبتي، لأن أنا روحك اللي كانت تايهة منك وكُنتي بتدوري عليها


تراقص قلبها علي نغمات كلماته الساحرة وأكملا حديثهما المُثـ.ـير لمشاعر كلاهُما


❈-❈-❈


وصل ياسين بسيارته داخل جراچ العائلة، وقبل أن يصفها كانت تلك الغاضـ.ـبة مُترجلة منها وتحركت بخطوات سريعة داخل منزلها ومنهُ إلي صعود الدرج لتصل إلي جناحها، ألقت بحالها فوق التخت بإهمال ثم دخلت في نوبة من البكاء شديدة


أما ياسين الذي عاد إلي منزل والده، وتحرك معه ودلفا إلي المكتب الخاص بأبيه بعدما طلب منه التحدُث علي إنفراد، جلس عز فوق الأريكة الجانبية وتلاهُ ياسين بالجلوس


تحدث عز بفطانة بعدما رأي تجهُم ملامح وجه نجلهُ التي تُنذر بحدوث شئً ما:

- هات اللي عندك يا ياسين، ويارب يكون خير يا أبني


تشجع ياسين وبدأ بقص ما حدث علي مسامع والده، وبعد مُدة تحدث عز بنبرة عاقلة بعدما رأي غضـ.ـب ولدهُ الشديد وهو يتوعد لهذا الشاب:

- حاول تتحكم في أعصابك أكتر من كدة يا سيادة العميد، الموضوع حـ.ـساس ومحتاج يتعالج ويتحل بحكمة، لأن واضح من الكلام اللي بلغهولك الحارس عن الولد إنه من عيلة كبيرة

واسترسل بإرتياب:

-ده إذا مكانش من العيلة المَكِلية نفسها


إشتعـ.ـلت عيناي ياسين جراء غضـ.ـبه وهتف سريعً بنبرة إعتراض:

- إن شاله يكون ولي العهد بذات نفسه، دي بنتي يا باشا واللي يقرب لها أكله بأسناني


وأكمل معتزاً بحاله وبدولته :

-وحتي لو طلع من العيلة الملكية زي ما حضرتك بتقول، فأنا إبن جهاز المخابرات المصرية اللي الكل عارف قيمتنا كويس


وضع عز كف يـ.ـدهُ علي كتف نجلهُ وتحدث بموافقة وطمأنة:

-أنا ماقولتش إننا قُليلين قدام أي حد يا أبني، أنا كُل اللي أقصده إننا نتعامل مع الموضوع بحِكمة لعدم إثارت الفتنة بينا وبين إخواتنا العَرب


واسترسل بتأكيد:

-فاهمني يا ياسين؟


أومأ لهُ بتفهم قائلاً بإحترام:

-فاهم سعادتك يا باشا


إنتهي من حديثهُ مع والده وتحرك إلي الخارج، إتصلت به إحدي مسؤلي شركة الطيران لتؤكد له أنه تم حجز تذكرة ذهاب وعودة إلي ألمانيا غداً


❈-❈-❈


كانت تجلس فوق الفراش مُتكأة علي ظـ.ـهر التخت تستند عليه ومازالت دموعها تجري فوق وجنتيها بغزارة وألـ.ـم


وجدت من يفتح باب الجناح بإحدي ساقيه ويتحرك إلي الداخل، حاملاً بين ساعديه صَنيّة محملة بعدة أصناف من الأطعمة الخفيفة المناسبة لوجبة السُحور، وضعها فوق الطاولة

وتحرك إلي تلك الباكية وجلس بجانبها، أمسك مؤخرة رأسها بكف يـ.ـده وقام بوضع قُـ.ـبلة علي جبينها كـ بادرة إعتذار منه ، وبدون سابق إنذار سـ.ـحبها وأدخلها إلي أحضـ.ـانه ولف ذراعيه حولها بإحتواء، شعرت بغصَة مـ.ـؤلمة وأجهشت ببكاء شديد خرج بشهقاتٍ عالية


وتحدث هو لمراضاتها بنبرة حنون متأثرة:

- علشان خاطري كفاية عياط، ماتوجعيش قلبي عليكِ


أردفت قائلة بنبرة معاتبة أخرجتها بصعوبة بالغة من بين شهقاتها المتقطعة :

-أهمك أوي وبتخاف عليا؟!


أبعدها عن أحـ.ـضانه ونظر داخل عيناها رافعاً حاجبيه بتعجُب وسألها معاتباً إياها بملامة:

- إنتِ عندك شك في غلاوتك في قلبي يا مليكة؟


زادت شهقاتها التي أدمَـ.ـت قلبهُ وهي تنظر إليه بنظرات مؤنبة، أخرج تنهيدة حارة من أعماق صـ.ـدرهُ وتحدث إليها بنبرات تقطرُ صِدقاً:

- ده أنا بخاف عليكِ من نسمة الهوا الطايرة، أنا ماقدرتش أسيبك تنامي وإنتِ زعلانة مع إن المفروض إنتِ اللي مزعلاني


وأكمل بعيناي تشعُ حنانً وهو يحتـ.ـضن وجنتيها بكفاي يـ.ـداه:

- وجيت لك علشان أصالحك ونتسحر سوا وأنيمك في حُضـ.ـني


واسترسل بعيناي مُلامة:

-وبعد كل ده تقولي لي أهمك أوي؟!


لانت ملامحها بعض الشئ ، مال هو علي وجنتها وقام بوضع قُبـ.ـلة حنون فوقها مما جعلها تشعر ببعضٍ من الراحة والإطمئنان فور شعورها بصدق كلماته الحنون ، وقف منتـ.ـصب الظـ.ـهر،ثم أمـ.ـسك بكف يـ.ـدها وجـ.ـذبها ليحـ.ـسها علي النهوض والتحرك إلي موضع الطاولة قائلاً بنبرة حنون:

-يلا يا حبيبي علشان نلحق نتسحر قبل الفجر ما يأذن


هزت رأسها برفض وتحدثت بخفوت :

-كُل إنتَ، أنا مليش نفس


رد عليها بإصرار ومازال ممـ.ـسكً بيـ.ـدها بإحتواء :

-لو ما أكلتيش معايا مش هاكل وذنبي لما أجوع بكرة هيبقا في رقبتك، ده غير بنتي اللي هتجوعيها هي كمان


مالت برأسها تتوسلهُ بعيناها أن يتركها لكنهُ أصر قائلاً:

- ماتحاوليش، هتاكلي يعني هتاكلي.


ثم نظر لها واسترسل مترجياً بعيناه:

-وحياة ياسين لتقومي تاكلي


لم تستطع الصمود أمام عيناه ورجائهْ، وقفت وتحركت معهُ وجلست بالمقعد المجاور له وبدأ بوضع الطعام بفمها بإهتمام شديد تحت إبتسامتها الخافتة، بعد إنتهائهما من تناولهما وجبة السحور، دلفا للحمام وتوضأ كلاهما وقاما بأداء صلاة الفجر


بعد الصلاة توجها إلي التخت وتمدد براحة وأخـ.ـذها داخل أحـ.ـضانه وقام بتقـ.ـبيل جبهتها وتحدث بنبرة حنون:

- تصبحي علي خير يا حبيبي


أطلقت تنهيدة حارة وأردفت قائلة بتوصية بنبرة مُتأثرة :

- ممكن يا ياسين تخلي بالك عليا أكتر من كدة، بلاش تخلينا نخسر حُبنا أرجوك


رفع رأسهُ سريعً من فوق وسادته ونظر لها بعيناي متسعة من شدة ذهولهما، وسألها متعجبً بعتاب :

- هو إيه اللي كان حصل علشان تقولي كلامك دة يا مليكة ؟

وأكمل مصدومً:

-كل ده علشان هسافر لبنتي وأقف جنبها ؟


حركت رأسها عدة مرات متتالية دلالة علي نفيها وتحدثت بتوضيح:

- أنا مش تافهه يا ياسين علشان أفكر بالسطحية دي لمجرد موقف حصل، أنا بتكلم عن مواقف كتير حصلت علي مدار السنتين اللي فاتوا وعملت جوايا تراكمات


وأكملت بنبرة متأثرة تُظهر كّم التألُـ.ـم الذي بات يُسيطر علي قلبها :

-ياسين أنا حامل وفي شهوري الأولي، هرموناتي كلها متلغبطة بسبب الحَملْ ودي أكتر فترة أنا محتاجة لك تكون فيها جنبي، محتاجة أحِـ.ـس بإهتمامك وإنك محتويني ومحتوي التغيرات النفسية والجـ.ـسدية اللي بتحصل لي


نظر لها بإستغراب وتسائل مستفسراً :

- وهو أنا مش مهتم بيكِ ولا مراعي نفسيتك يا مليكة؟


هزت رأسها بأسي وأجابته:

-إنتَ ليه مش قادر تفهمني ، يا ياسين أنا وصلت معاك لدرجة عشق جنونية وبقا عندي هوس وخوف ملازمني من إني أخسرك أو ييجي يوم وتسيبني لأي سَبب كان


إبتسم بشدة بينت صَفي أسنانه البض وتحدث بحنان:

-إطمني يا قلب ياسين من جوة، اليوم اللي هسيبك فيه تأكدي إنه هيبقا يوم رحيلي من الدُنيا كُلها


واكمل علي عجالة:

-وحتي في الحالة دي هبقي بسيبك بجـ.ـسدي بس، لأن روحي ساكنة جواكِ ومش هتطلع منك غير بفراق الجـ.ـسد عن الروح


وضعت يدها علي وجنته النابتة وتلمـ.ـستها بحنان وتحدثت بعيون تقطر صِدقً:

-ربنا يجعل يومي قبل يومك، لأني ماليش حياة بعدك يا حبيبي


إبتسم وأردف قائلاً بنبرة حنون خارجة من أعماق قلبهُ العاشق:

-لازم تكوني مُتأكدة من جواكِ إنك سَبب سعادتي في الدُنيا دي وإنك أغلي ما أملك، إنتِ الوحيدة اللي قلبي بينبض وبيصـ.ـرخ بعشقها، واللي لولا وجودها في حياتي كان زمان ياسين عايش ببقايا إنسان


أراح رأسه ووضعها من جديد فوق الوسادة وقام بسـ.ـحب رأسها وألصقها بصَـ.ـدره وتحدث وهو يُمـ.ـلس علي شعر رأسها بحنو:

- نامي وطمني روحك يا ساكنة الروح


تنفست بإنتشاء وراحة وصلا لقلب حبيبها وأراحته، إبتسمت بشدة وهمـ.ـست بنبرة عاشقة وهي تُلصِق وجهها وتتمسح بصـ.ـدرهِ أكتر :

-بحبك يا ياسين


تنهد براحة وتحدث بهيام عاشق :

-وأنا بعشقك يا عيون ياسين


هتفت بنبرة حماسية وهي تُدفـ.ـن حالها أكثر بأحضـ.ـانه الدافئة، ملاذها الأمن:

-تصبح علي خير يا حبيبي


أجابها:

-وإنتِ من أهله يا قلب حبيبك


بعد قليل إستمع إلي إنتظام أنفاسها مما يدُل علي غَرقِها داخل غفوتها، تنهد بحرارة وبات يفكر في حال زو جتاه وكيف يستطيع العدل بينهما دون إيـ.ـذاء مشاعر كِلتاهُما وكيفية مراعاته لحالة مليكة وأخذ حالتها المزاجية المصاحبة للحمل في الإعتبار


نظر عليها ثم وضع قُـ.ـبلة حنون فوق جبهتها وتنفس براحة ودخل هو الآخر في سَباتٍ عميق


إنتهي الفصل

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الخامس روز أمين

لا أشبهُ أحداً من البشرِ سِوي حالى

صَنعتُ ذاتى وأختطفتُ مكانتى بدهائى

العقلُ والذكاءٌ والدهاءُ والمكرِ هم سِلاحى

ومادمتُ للمشاعرِ لاغيةً سأصلُ لابتغائى

أنا هي لمار ،أنا تلك الحَسناءِ


خاطرة لمار الخضيري

بقلمي روز آمين


في الصباح

إستيقظ ياسين من نومهِ، نظر علي تلك الجميلة التي تجاورهُ النوم بإسترخاء، إبتسم تلقائياً عندما شاهد ملامح وجهها الملائكية،سحب جـ.ـسدهِ لأعلي بهدوءً شديد،إستعداداً لمغادرتهِ التخت دون أن يُزعج حبيبتهُ الغافية، ولكن خاب ظنهُ عِندما لمحها تُحرك أهدابها عدة مرات متتالية مما يدل علي إستفاقتها هي الأخرى


نظرت إليه وابتسمت بإشراقة في حين تحدث وهو يُميل بجـ.ـسده عليها واضعً قُبـ.ـلة حنون فوق جبينها قائلاً بنبرة صوت متحشرجة من أثر النُعاس:

-صباح الخير يا قلبى


ردت عليه بإبتسامة سعيدة وصوتٍ ناعس:

-صباح النور يا حبيبي

وأسترسلت مُتسائلة عندما لاحظت عزمهِ علي النهوض من فوق التخت:

-إنتَ صاحي بدري كدة ليه!مش النهاردة الجمعة؟


وضع كف يـ.ـده فوق وجهه وقام بفركهِ في حركة عفوية ثم أجابها بنبرة مُرتابة مترقباً ردة فعلها،خشيةً إصابتها بالحُزن والإحباط كما حدث بالأمس عندما علمت بأمر إحتمالية سفره من جديد إلي ألمانيا:

-عندي طيارة كمان ساعة ونص ولازم أكون في المطار بعد ساعة إلا ربع بالظبط،


وأسترسل حديثهُ وهو ينظر داخل عيناها مُترجياً إياها ومطالباً بألا تحزن:

-مسافر علشان أحل موضوع أيسل


تنهدت بهدوء وابتسمت له كي لا تُحزنهُ وتحدثت بتفهم:

-توصل بالسلامة يا ياسين، بس أرجوك بمجرد ما توصل إتصل بيا علشان تطمني،ولما إن شاء الله تحل الموضوع تكلمني


أجابها مبتسمً بسعادة لتفهمها:

-أكيد هعمل كدة يا حبيبي

تجهمت ملامح وجهها بتصنُع وتحدثت قائلة بدلال:

-ولما أنتَ مسافر النهاردة،ماقولتليش بالليل ليه؟


ضيق عيناه بإستغراب فأكملت هي بدلال أنثي:

-كُنت أخدتك في حُضـ.ـني أوي وضَـ.ـميتك علشان أصبر نفسي بالحُضـ.ـن ده وإنتَ بعيد عني


شعر بلحظتها بإمتلاكهُ للعالم بأسَره، وبسرعة البرق كان يختطـ.ـفها ويدفـ.ـنها داخل أحضـ.ـانه الدافـ.ـئة، وبدون كلام بات يُشدد من ضـ.ـمته لها تحت شعورها الهائل بالسعادة، وبعد قليل أبعدها عن أحضـ.ـانه وتحدث بنبرة صوت هائمة لرجُلٍ عاشق حتي النخاع:

-مش هتأخر عليكِ يا نور عيني،يوم أو يومين بالكتير أوي وهرجع لحُضـ.ـنك تاني بسرعة


أومأت له بسعادة وتحرك هو بعدما وضع يـ.ـده علي شعر رأسها وملَـ.ـسَّ عليه بحنان وعلي الفور تحرك وأختفي من أمام عيناها داخل الحمام،توضأ وخرج وقام بأداء صلاة الضُحي وتبعته هي وارتدا كلاهُما ملابسهُ الكاملة


بعد قليل كانا ينزلا بجانب بعضيهما من فوق الدرج، وجدا ثريا تجلس فوق الأريكة تُداعب عز الصغير هي وسارة إبنة يُسرا التي فاقت مبكراً من شدة سعادتها عندما أخبرها روؤف أنه وأسرتهْ سيصلون ليلاً إلي الأسكندرية


ألقي التحية ثم إقترب علي ثريا ومال بجذعهِ مُقبلاً مقدمة رأسها بإجلال وتحدث بنبرة سَاكنة:

-صحتك عاملة إية النهاردة يا حبيبتي؟


وأكمل مفسراً:

-سألت عليكِ علية بالليل قالت لي إن السُكر كان عالي عندك شوية وأخدتي أدويتك ودخلتي نمتي


صاح الصغير بإسم والده وأشار عليه فحملهُ ياسين في حين أومأت له ثُريا بإبتسامة خافتة وأردفت قائلة بنبرة ضعيفة تدل علي إرهاقها:

-الحمدلله يا ابني،حاسة نفسي أحسن النهاردة


تحدثت سارة بنبرة دُعابية:

-كُله من مامي،قعدت تزن عليها لحد ما خلتها تاكُل قطعة كُنافة وكمان كانت غـ.ـرقانة في العَسل بتاعها


إبتسمت ثُريا وأردفت مليكة بنبرة صادقة:

-سلامتك يا ماما،والله ما أعرف إنك تعبتي غير من ياسين حالاً


أومأت لها ثريا بحنان وتحدث ياسين بعيناي مترجية:

-خلي بالك من نفسك وعلي صحتك أكتر من كدة يا عمتي،كُلنا محتاجين لك يا حبيبتي


أشارت لهُ بعيناها بطاعة ثم سألتهُ بتعجُب عندما رأته يرتدي حلة ويضع بجانب ساقية فوق الأرض حقيبة صغيرة:

-إنتَ لابس كده ورايح علي فين يا أبني؟


أجابها بهدوء:

-مسافر ألمانيا إن شاء الله

أومأت له بتفهم ونطقت قائلة:

-سيادة اللواء حكي لي على اللي حصل الصُبح لما جه يطمن عليا


وأضافت بنُصح وإرشاد:

-إتعامل مع المُشكلة بحِكمة وماتتهورش يا إبني علشان خاطري


أومأ بطاعة، حركت مليكة عيناها في جميع الإتجاهات وسألت ثريا مستفسرة:

-مروان وأنس فين يا ماما؟

هما لسة نايمين؟


أجابتها بنبرة هادئة:

-صحيوا من بدري وجدهم عز أخدهم علشان يعوموا في حمام السِباحة معاه


هزت رأسها بتفهُم وتحدث ياسين إلي صغيرهُ المشاكس وهو يُمرر أصابع كف يـ.ـده داخل خصلات شعرهُ بحنان:

-وعز باشا الصُغير ما راحش يعُوم مع جدو ليه؟


رفع الصغير منكبيه وهتف بفمٍ مزموم يدل علي إمتعاضه الطفولي:

-جدو جه وأخد مارو وأنوس وساب عزو هنا لوحده


ضحكت ثُريا وتحدثت مُفسرة للصغير:

-مش أنا قُلت لك إنه سأل عليك أول واحد ولقاك نايم؟


هز الصغير رأسهُ برفض، وأردف بنبرة إعتراضية:

-وليه مش صحاني من نومي


ضحك ياسين علي غاليه المشاكس وتحدث:

-طب يلا بينا يا لمض وأنا هوديك بنفسي عند جدو وأصالحكم علي بعض


أجابهُ بتمنُع وكبرياء ورثهما من ذاك الياسين:

-لا يا بابي،هو اللي يجيب نفسه وييجي ياخد عزو


ضحك الجميع حد القهقه علي ذاك الفَطن وتحدث ياسين إليه بدُعابة:

-يليق لك الدلال والتمنُع يا إبن المغربي


ثم أكمل بنبرة جادّة وهو يستعد إلي الإنصراف:

-أنا لازم أتحرك علشان أشوف الباشا قبل ما أروح علي المطار


وتحدث إلي سارة بإبتسامة لطيفة:

-مش عاوزة حاجة أجيبها لك معايا من ألمانيا يا سارة؟


أجابته بسعادة لا توصف جراء إهتمامه بها:

-ميرسي يا خالو،سلم لي علي سِيلا وطنط كتير


أومأ لها ثم خطي بساقيه وتحركت هي بجانبه حتي وصلا إلي الحديقة،قَبـ.ـل جبهتها وتحدث مُتأثراً بحزنها الذي ظهر فوق

ملامحها:

-خلي بالك من نفسك ومن الأولاد،وصدقيني مش هتأخر عليكِ


هزت رأسها دون حديث وهي تنظر إليه بعيناي تلمع بغشاوة من أثر دموعها المُختنقة التي تصرخ وتُريد من يسمح لها بالهبوط


قَبـ.ـل وجنة صغيره الذي تحدث بعفوية:

-بابي،هو إنتِ رايح فين؟


أخذ نفساً عميقاً وزفرهُ بهدوء ثم أجابهُ:

-رايح عند سيلا يا حبيبي


هتف الصغير بنبرة مُلحة:

-خدني معاك يا بابي،المّرة اللي فاتت إنتِ أخدت حمزة ومش أخدت عزو


نظر إلي تلك التي تتماسك بصعوبة،شعر بحاجتها المُلحة للبُكاء، وضع أصابع كف يـ.ـده يتلمـ.ـس وجنتها الناعمة بحِنو،وتحدث وهو ينظر داخل عيناها:

-مش هينفع تسيب مامي لوحدها يا عز،خليك معاها وأنا هجيب أيسل قريب علشان تِحضْر معاك العيد.


هتف الصغير مُهللاً ومُصفقاً بكفاه بطفولية بعدما إقتنع بحديث والده وتحدث:

-طب هات لعزو وأنس شيكولا كتير معاك


أومأ لهُ بطاعة ثم قَبـ.ـلهُ من وجنتيه الحمرويتان والذان يُشبهان الورد بلونيهما،وبسط بساعديهْ إلي مليكة التي تناولته منه بدون حديث وتحرك هو سريعاً قبل أن يضعف أمام عيناها ويضل مُتسمراً بمكانه ويفوتهُ موعد الطائرة


خرج من البوابة الحديدية وتحرك لعدة خطوات حتي وصل إلي بوابة منزل والده،دلف بقلبٍ محملاً بأثقال الهموم، جذب إنتباههُ تلك الأصوات الصاخبة التي تخرج من أطفال العائلة وهم يسبحون ويلعبون بالكُرة داخل حوض السباحة بمرح وسعادة


وجه نظرهُ إليهم وأبتسم تلقائياً رغم الحُزن الذي يسكُن قلبه، وجه بصرهِ علي أباه وتَبَسَّم عِندما وجدهُ يلهو بالكُره المائية ويتبادلها مع الأطفال بمرح وسعادة،تحرك في طريقهُ إليهم


وما أن رأتهُ منال حتي إنتفضت واقفة من مقعدها أمام المَسبح وتحركت سريعاً إليه لتقطع طريقهُ قائلة بملامح وجه حنون:

-مسافر خلاص يا ياسين؟


أومأ لها بإيجاب فاسترسلت هي بتوصية وتمني:

-علشان خاطري ماتزعلش البنت هي وليالي،هما ملهومش ذنب في اللي حصل


وأكملت بنبرة مترقبة حَذرة:

-وياريت تتكلم مع الولد الأول بهدوء وأسمع وجهة نظره


قطب جبينهُ وهو ينظر إليها مُترصداً تكملة حديثها بترقُب، بالفعل أكملت ونطقت بما جعل عيناه تتسع بذهول:

-ليالي قالت لي إن أيسل بتقول إن الشاب من عيلة كبيرة جداً وغنية


وأكملت تحت نظراته المُنتظرة تكملة حوارها متسائلة بتمني:

-مش يمكن يكون مُعجب بيها وعاوز يخطبها؟


هز رأسهُ بذهول ونظر لها بعدم إستيعاب عقله لحديثها الذي صدمهُ،هدر متحدثاً بعدما طفح به الكيل من حديثها المُهين لكرامة إبنته:

-إنتِ بتقولي إيه يا ماما؟


وأكمل متسائلاً بغرابة:

-حضرتك سامعة نفسك كويس؟!

إنتِ بتبرري للحيوان ده تعديه علي بنتي؟


كادت أن تُكمل فقطع حديثها هادراً بنفاذ صبر وهو يتحرك إلي الأمام في طريقهُ إلي أبيه:

-كفاية يا أمي مش عاوز أسمع كلام فارغ يغير فكرتي عنك.


ثم تحدث إلي أبيه بنبرة جادة وملامح وجه مبهمة، فسرها عز علي أنها من أثر توترهُ:

-صباح الخير يا باشا


رد عز التحية قائلاً:

-صباح الخير يا سيادة العَميد


هتف أنس المجاور لعز قائلاً بإستفسار:

-إنتَ رايح فين يا بابي؟


نظر إلي الصغير وأجابهُ بإبتسامة حنون:

-رايح عند أيسل يا حبيبي


أردف الصغير بتوصية:

-طب متنساش تجيب لي اللعبة اللي قولت لحضرتك عليها


أجابه بهدوء:

-مش هنسي يا أنس،إن شاء الله هجيب لك كُل اللي إنتَ عاوزه معايا


واستطرد موجهً حديثهُ إلي حمزة ومروان:

-حمزة ومروان، خلوا بالكم من إخواتكم الصُغيرين


أومأ لهُ مروان ببرود،في حين هتف حمزة قائلاً بنبرة حماسية:

-ماتقلقش يا بابي،وراك رجالة


إبتسم بخفة ثم حول بصره إلي أبيه وتحدث مردفاً بتفسير:

-أنا جيت أشوف حضرتك لأني لازم أتحرك حالاً في طريقي للمطار

وأكمل متسائلاً بطاعة:

-سعادتك تؤمرني بحاجة؟


أومأ له عز وتحدث بنبرة حنون:

-خلي بالك من نفسك وحاول تتحكم في أعصابك قَدر المُستطاع


وأكمل بإخباره:

-أنا كلمت رئيس الجهاز الساعة سبعة الصُبح وحكيت لهُ اللي حصل،وهو قال لي إنك كلمته بالليل وإنه حدد لك مقابلة مع السفير المصري وسفير البلد الشقيق، وبلغني إن فيه حد من عيلة الشاب كمان هيكون حاضر معاكم


وأسترسل منبهً علي نجلهُ عندما لاحظ تغيُر تعبيرات وجههُ إلي قاسية:

-ماتنساش يا ياسين، ضبط النفس


هز ياسين رأسهُ بمصادقة علي حديث والده قائلاً بطمأنة:

-ما تقلقش يا باشا، أنا ماشي بتوجيهات سعادتك

هز عز رأسهُ برضا وسمح إلي ياسين بالمغادرة، فتحرك في طريقهُ إلي المطار بصحبة السائق بعدما إستأذن من والدتهُ رغم غضبه من حديثها


❈-❈-❈


وصل ياسين إلي مطار برلين الدولي،وجد عُنصران تابعان لجهاز المخابرات المصري ينتظراهُ بسيارة مُصفـ.ـحة بناءاً علي تعليمات رئيس الجهاز شخصياً لضمان أمانهُ والحفاظ علي شخصهُ المُستهدف من قِبل الجماعات المتطـ.ـرفة وبعض الجهات المخابراتية لدول بعينها،إستقل السيارة جالساً بالمقعد الخلفي وتحرك متجهاً إلي المنزل مباشرةً، وما أن ترجل من السيارة وجد أيسل تقف بالحديقة في إنتظار وصولهُ علي أحر مِن الجَمر،وأيضاً رجال الحراسة المنتشرين بأماكنهم المختلفة


أسرع إليه إيهاب وأردف قائلاً وهو ينظر إلي أسفل قدميه خجلاً:

-حمدالله علي سلامة سعادتك يا باشا


رمقهُ ياسين بنظرة ثاقبة وأردف بنبرة حادة:

-لما واحد يتهجـ.ـم علي بنتي ويمـ.ـسِك إيـ.ـدها غصب عنها والحرس موجودين معاها في نفس المكان،يبقي أنا معرفتش أختار رجالتي صح يا إيهاب بيه


نكس إيهاب رأسهُ وتحدث بنبرة خجلة:

-غلطة،وأوعد جنابك إنها مش هتتكرر


قطع حديثهُ قائلاً بنبرة صارمة:

-أكيد مش هتتكرر،لأنها لو إتكررت ساعتها هنفيك من علي وش الأرض إنتَ ورجالتك وهخلي الدبان الأزرق ما يعرفلكوش طريق


قال جُملته وتحرك بقوة تاركاً إيهاب وباقي طاقم الحراسة يبتلعون لُعابهم ويتنفسون بشدة وذلك لكتمهم لانفاسهم أمام ذاك المُتجـ.ـبر شديد الغضب،هرولت أيسل إليه كطفلة ذات الأربع أعوام لتختبئ بأحضان أبيها،بدورهِ ياسين سحـ.ـبها داخل أحضـ.ـانه وضـ.ـمها بقوة وحماية


أردفت بنبرة ضعيفة مُرتابة:

-بابي


أردف قائلاً بنبرة حنون وهو يُمَلـ.ـس علي رأسها ليطمأنها:

-أنا معاكِ يا قلبي


ثم أبعدها عن أحضـ.ـانه وحاوط وجنتيها بكفاي يـ.ـداه وهتف قائلاً بنبرة قوية ليبث بداخلها روح الطمأنينة:

-مش عاوزك تخافي من أي حاجة طول ما أبوكِ موجود في الدُنيا

وأكمل بتأكيد وهو يدقق النظر بعيناها:

-فاهمة يا سِيلا؟


هزت رأسها بإيماء عدة مرات ممتالية ثم تحدثت بإضِطراب:

-مامي قاعدة مستنية حضرتك جوة وقلقانة جداً من رد فعلك


وأكملت بعيناي راجية:

-علشان خاطري بلاش تضايقها بالكلام،هي ملهاش ذنب في اللي حصل.


أومأ لها بهدوء وتحدث:

-ماتقلقيش


وأصطحبها ودلف بها إلي الداخل، وجد ليالي تجلس مُنكمشة علي حالها داخل مقعدها، أخذ نفساً عميقاً لضبط النفس وتحرك إلي ليالي التي هبت واقفة سريعاً لإستقباله،وتحدثت بنبرة صوت مُرتبكة تدل علي رهبتها منه:

-حمدالله علي السلامة يا ياسين


رد عليها وهو ينظر إليها بعيناي جادة وذلك لشدة غضـ.ـبه الذي مازال قائماً منها وما زاد من غضـ.ـبته هو الحديث التي أوصلته إلي والدتهْ:

-الله يسلمك


جلس هو فوق إحدي الأرائِك وأشار بيـ.ـده إلي أيسل في دعوة منه لتجاورهُ الجلوس،وتحدث قائلاً بنبرة جادة:

-إقعدي يا سيلا وإحكي لي علي كل حاجة حصلت من الولد ده من أول يوم شفتيه فيه لحد اللي حصل منه إمبارح


وأكمل بتأكيد:

-وأي تفصيلة مهما كانت صغيرة وتافهه بالنسبة لك، هتبقي ليها قيمة وأهمية عندي


وأسترسل موضحاً:

-أنا هقابل سفير بلده وحد من أهله بعد الفطار،وعاوز قبل ما أقعد معاهم أكون علي دراية بكل حاجة حصلت


تحدثت ليالي بإنسحاب كي تتجنب سَخط ذاك الياسين وصب غضـ.ـبهِ الهائل الذي يظهر بعيناه عليها:

- أنا هدخل المطبخ أجهز الفطار مع البنت


وكادت أن تتحرك أوقفها ذاك الغاضـ.ـب بصوتهِ الجهوري قائلاً بنبرة صارمة:

-ليالي


نظرت إليه وهي تبتلع لُعابها رُعباً فأستطرد قائلاً بنبرة أمرة وهو يرمقها بنظرات ثاقبة كنظرات الصقر:

-إقعدي


إنتفض جـ.ـسدها وجلست فوق مقعدها دون حديث، أما أيسل فقد بدأت تروي ما حدث علي مسامِع والديها بالتفصيل


بعد قليل، إستمع إلي رنين هاتفه معلناً عن مكالمة واردة، أخرجهُ من جيب سترته ونظر بشاشته وجد نقش إسم حبيبته التي يسجلها بـ مليكتي، نظر إلي كلتا الجالستان،ثم ضغط علي زر الإجابة وتحدث بنبرة هادئة مما أثار حفيظة أيسل:

-أيوة يا مليكة


ردت عليه تلك التي تقف بداخل شُرفتها وهي تنظر بإمتداد أمامها علي البحر الذي يظهر أمام عيناها وهتفت متسائلة بإهتمام:

-وصلت يا حبيبي


أجابها بنبرة حنون خرجت بتلقائية رُغماُ عنه:

-إطمني،أنا وصلت من حوالي ساعة


شعرت بالإستياء وتحدثت بنبرة حزينة معاتبة إياه:

-بقي كده يا ياسين،هو ده اللي إتفقنا عليه، مش إنتَ وعدتني إنك أول ما توصل هتطمني عليك


وقف مُنتصـ.ـب الظـ.ـهر وتحرك إلي الخارج بالحديقة لكي يتحدث مع حبيبته بأريحية دون أن يخدش مشاعر ليالي أو أيسل:

-أنا أسف يا حبيبي، صدقيني ماكنش فيه وقت علشان أكلمك،نزلت من الطيارة علي العربية ومنها لهنا علي طول، وحالياً قاعد مع أيسل وليالي، بستفسر منهم علي اللي حصل


تفهمت موقفهُ وتحدثت بإيجاز كي لا تتعدي علي حق ليالي به وتتجاوز حدودها، وتحدثت بهدوء:

-تمام يا حبيبي إرجع لهم،أنا كُنت قلقانة عليك وخلاص إطمنت


أغمض عيناه وأخذ شهيقاً عالياً ثم زفرهُ بهدوء وتحدث كي يُخفف من وَطْأة ألمها الذي وصلهُ جراء نبرات صوتها:

-أنا بحبك أوي يا مليكة وحقيقي أسف علي كُل حاجة


ردت عليه بنبرة تفيضُ حناناً:

-وأنا كمان بحبك أوي


وأكملت بنبرة صوت مختنقة وهي تحثهُ علي الإغلاق:

-يلا روح لهم وبلغهم سلامي،وأنا هبقي أتصل بـ ليالي بعد أذان المغرب إن شآءالله علشان أطمن عليهم


إستمعت عبر الهاتف إلي صوت أنفاسه العالية مما يدل علي قلبهِ الملئ بثُقل الهموم فتحدثت كي تخرجهُ من حالة الإسي تلك:

-بحبك يا ياسين


نزلت كلماتها الصادقة برداً وسلاماً علي قلبهِ المُلتاع بعِشقها، فتنفس براحة وأردف قائلاً بصوتٍ عاشق خرج تلقائياً:

-وأنا بعشقك يا نبض قلب ياسين


إبتسمت حين إطمانت لصوته وتحدثت مضطرة لإنهاء المكالمة:

-لا إله إلاّ الله

رد عليها بيقين:

-محمد رسول اللّه


أغلقت هاتفها ونظرت إلي البحر ثم رفعت قامتها لأعلي وأغمضت عينيها وأخذت نفساً عميقاً للغاية وصل لرأتيها ثم أخرجته وبدأت تُكرر العملية بإنتظام كي تُهدئ من ثـ.ـورة مشاعر الغيرة التي باتت تُسيطر عليها كُلما ذهب ياسينها إلي ليالي


فتحت عيناها ونظرت إلي السماء وبدأت بمناجاة الله:

-أعِني إلهي كي تسكُن نـ.ـار غيرتي الشـ.ـاعلة بقلبي والتي لا تهدأ أبدا،

أعرف أنني الدخيلة علي حياتها ولا يحق لي بتاتاً هذا الشعور أو حتي مجرد الإعتراض

لكني صدقاً لا أستطيع كَبحْ شعور جحِـ.ـيمي وأنا أتخيل رُجـ.ـلي وحبيبي بل ومتيمي يحتـ.ـضنُ غيري من النساء


أعرف أنها زو جتهُ قَبْلا بل وتكاد تكون أحقُ بهِ وبمشاعرهُ مني،لكني حقاً ما عُدتُ أستطيع، شعوراً بالمَرارة يلازم حلقَمي كلما تخيلتهما معاً،نـ.ـاراً شاعـ.ـلة تسكُن فؤادي لا تنطفئُ أبدا


واسترسل صوتها الداخلي بقلبٍ يئِنُ ألماً:

-إنهُ حبيبي،من تقرب من روحي وبات يتسلل حتي إِخْتَرَقَ فؤادي وإسْتَأثَرَ بقوة كل ذرة بجـ.ـسدي، إِسْتَحْوَذَ علي قلبي،فؤادي،وجداني وكل كيانى


لقد تَغلغَل عشقهُ داخلى حتي أصبحتُ هو

"نعم"

فروحهُ أصبحت تسكُن كيانى ومُنذُ حينها ما عُدت أنا

أصبحتُ أبحث عن ذاتى بداخلهُ

وبوجدانى يبحثُ خليلى عن كيانهُ


لقد وصل العشق بداخلنا إلي منتهاه حتي أصبحنا جـ.ـسدين بقلبٍ وروحٍ وحِـ.ـسٍ واحدِ

نعم ياسيني أصبحتُ أنتُ كُلي

فكيف أتقبلُ بإحتـ.ـضانِ كُلي لغيري؟!


فرت دموعها الحبيسة وأسترسلت مناجاتها بأنين:

-أشعر بنـ.ـارٍ شاعـ.ـلة تغـ.ـزو جميعُ جـ.ـسدي وتُذيبهُ وأنا أتخيلك، هل تقوم بإحتـ.ـضانها مثلي؟

أتشعُركَ ضمـ.ـتِها بنفس الأمان الذي يُشعرُك به حُضـ.ـني؟

أتُسكِرُكَ قُبلتـ.ـها وتجعلك مولع بها مثلما قُبـ.ـلتي؟

رائحتها؟ هل تشبة رائحة الجنة كما أخبرتني عني؟

أتتغزل بمفاتـ.ـنها وتُنثرها بأعذب الكلمات مثلما ثُسمعُني؟


أهٍ ياسين،أكاد من فرط الغِيرةِ أذوب وأنتهي

ألم تُدرك يا رجُل بمُر شعوري ومرارة حلقَمي


نظرت إلي السماء وأردفت بترجي:

-أعني يا الله وأزح عني هذا الشعور المُميـ.ـت الذي كاد يسحب روحي ويُقضي عليّ،ساعدني وأحفظ لي ما تبقي لدي من صبرْ


تنهدت بثُقل وجففت دموعها الحزينة وباتت تتأمل مظهر البحر الخلاب وتستنشق عبقهُ علهُ يُزيل عنها ولو القليل من أ لام روحها السَاكنة


❈-❈-❈


داخل غُرفة منال الخاصة،كانت تجلس لحالها لنَيْلها قسطاً من الإستجمام والراحة بعيداً عن ضجيج أهل المنزل،بعدما أخبرها عز قبل أن يرحل أنهُ ذاهب لزيارة شقيقهُ عبدالرحمن ليستأنس بالجلوس داخل حديقة منزلهْ


إستمعت إلى بعض الطرقات الخفيفة تصدح فوق بابها،تحدثت بنبرة جَادة بعدما تبرمت لعدم إستطاعتها خلق الأجواء المهيئة لإسترخائها:

-إدخل


طلت تلك اللمار بوجهها وتحدثت بنبرة هادئة وابتسامة زائفة:

-حضرتك طلبتيني يا aunt


ضيقت عيناها ثم زفرت حين تذكرت أنها بعثت لها بإحدي العاملات كي تستدعيها إلي هُنا فتحدثت:

-تصدقي نسيت خالص إني بعت لك هاجر


وأشارت بيـ.ـدها وهي تطلب منها الدخول:

-إدخلى يا لمار


خطت بساقيها للداخل وبالفعل تحركت نحوها،فأشارت إليها منال في دعوة منها للجلوس، بالفعل جلست بجـ.ـسدٍ ممشوق وتحدثت بإستفهام:

-خير يا aunt, يا تري فيه جديد في موضوع شركة طارق ومليكة؟


إبتسمت منال ونظرت لها بفخراً وتحدثت بإستحسان:

-تعرفي يا لومي إيه أكتر حاجة بتبهرني في شخصيتك


إبتسامة خفيفة رسمتها لمار قوق شـ.ـفتيها وانتظرت تكملة حديث تلك البلهاء التي أردفت بقامة مرتفعة بإطراء:

-ذكائك الخـ.ـارق


واستطرت بثناء علي شخص لمار:

-إنتِ بتفهمى إيه هو الموضوع اللي عاوزة أفاتحك فيه من قبل حتي ما أنطق بحرف واحد


: merci aunt

كانت تلك كلمات نطقت بها لمار بقامة مرتفعة وتفاخر بحالها


تحدثت منال من جديد علي عُجالة:

-أنا هحكي لك اللي حصل بسرعة علشان لازم أقوم اخد شاور قبل ما أتحرك لفيلا ثُريا علشان الفِطار


هزت لمار رأسها بتفهُم فاسترسلت منال حديثها:

-سيادة اللوا رفض الموضوع وقال لى أبلغك إنتِ وعُمر بإنكم تقفلوا الموضوع وما تحاولوش تفتحوه تاني بشكل نهائي


تنفست لمار بصوتٍ عالي مما يدل علي إحباطها وعلي الفور تحدثت وكأن لخطتها البديل:

-حضرتك خليكي بعيد عن الموضوع وأنا هعمل كام محاولة وأكيد هنجح في إقناع طارق ومليكة،أو علي الأقل هقدر أقنع مليكة


أردفت منال بنبرة حَذرة:

-أنا معنديش مانع،لكن خدي بالك كويس وياريت سيادة اللواء مايحـ.ـس بتحركاتك دي


إبتسمت بذكاء وأردفت بمُبَاهاة:

-ما تقلقيش حضرتك،الحَذر ده مَلعبي


هبت واقفة إستعداداً للخروج ثم استرسلت بعملية:

-هسيب حضرتك تاخدي الشاور بتاعك وأروح أجهز نفسي أنا كمان


واسترسلت: bye

قالت كلماتها وتحركت سريعاً إلي الخارج في حين تنفست تلك الرَعْنَاء ثم وقفت لتُشرع في تجهيز حالها


❈-❈-❈


داخل حديقة رائف وقبل إنطلاق تواشيح ما قبل أذان المغرب، خرجن العاملات من داخل المنزل وبدأن برص الطاولات بجانب بعضها بالطول وصف المقاعد حولها حتي تُكفي العدد الهائل من تجمع العائلة اليومي، كانت الأطفال تدور حولهم وهم يلهون ويمرحون بسعادة


أما علية فكانت واقفة تُشرف علي العاملات وتقوم بتوجيههم،دلف عز المغربي من البوابة الحديدية وتوجه إلي حيث وقوف علية وتحدث بهدوء:

-إزيك يا عَلية


هتفت بنبرة سعيدة:

-إن شالله تِسلم من كل شَـ.ـر يا باشا


هز رأسه وسألها بإستيضاح:

-ثريا هانم جوة؟


أومأت لهُ بنعم وتحرك هو إلي الداخل، وجدها تتوسط الأريكة بجلوسها، ترتدي نظارتها الطبية وممسكة بكتاب الله العزيز وهي تتلو بعض أياته، تحرك وجلس قُبالتها دون أن يُخرج ضجيجً كي لا يُزعجها


إنتبهت علي حضور أحدهم من خلال مرور ظِلهِ عليها،أنهت قرائتها وأغلقت "المُصحف الشَريف"وقامت بتقبيلهُ بإجلال وتقدِيس ثم وضعتهُ فوق المنضدة بإحترام ووجهت بصرها إلي عز وتحدثت مبتسمة بوجهٍ بشوش كعادتها:

-أهلاً يا سيادة اللوا


تنهد بيأس مُصطنع وأجابها بمداعبة:

- رجعنا تاني لسيادة اللوا !


وأكمل بنبرة حنون:

-مش قولنا طول ما إحنا لوحدنا تقولي لي يا عز


إبتسمت بخفوت وأجابته بنبرة هادئة:

-إنتَ طلبت لكن أنا ما وعدتش


هز رأسهُ بإحباط وأردف متهماً إياها بنبرة بائسة:

-بتنبسطي إنتِ بوجع قلبي يا ثُريا


نظرت إليه وتحدثت متلهفة بصدق:

-بعد الشر عنك من وجع القلب يا عز، بس إنتِ اللي غاوي التعب لقلبك وليا


أجابها بعيناي تقطرُ عشقاً بعدما إستمع لحروف إسمهِ وهي تخرج من بين شـ.ـفتاها كلحنٍ أبدع عازفهُ:

-سلامة قلبك يا نبض قلب عز


نظرت إليه بملامح وجه مُبهمة وأردفت بنبرة جادّة كي يستفيق من حالة هيامهُ تلك:

-رمضان كريم يا سيادة اللوا


إبتسم بسعادة وأردف بنبرة طائعة:

-الله أكرم ثُريا هانم


تنفس بعمق ثم سألها بإشتهاء لتغيير مجري الحديث بعد ملاحظته لإنزعاجها:

-يا تري عامله لنا إيه علي الفطار النهاردة؟


ردت عليه تلك اليُسرا التي خرجت من المطبخ وتوجهت إليهما:

-عاملين لك محَاشي مِشكلة وديكين رومي مع رز بالخلطة وبط روستو


سألها بنبرة مهتمة:

- والحمام بتاعي، نستوه؟


جاورت يُسرا والدتها الجلوس ثم إبتسمت وأجابتهُ:

-وتفتكر حاجة مهمة زي دي تفوت ماما بردوا يا عمو

واستطردت بتفسير:

-دي مواصية الفرارجي من إمبارح عليه مخصوص


إنتفض قلبه من شدة سعادته بإهتمام متيمة قلبهُ وعشقهِ الأوحد بكل تفاصيله،ونظر لها وتحدث بنبرة حنون خرجت بتلقائية:

-ربنا يخليكي ليا يا ثُريا


ثم إستفاق علي حاله وهتف معدلاً مسار حديثهُ كي لا يلفت إنتباه يسرا له:

-ويخليكي لينا كُلنا ودايماً ممتعانا بأكلاتك ونفسك اللي ملهوش مثيل


إنتبه ثلاثتهم إلي صوت منال التي دلفت من باب المنزل وهي تهتف قائلة بنبرة إستحسانية:

-إيه الروايح اللي تجوع دي يا جماعة


إنتبهت إلي وجود عز مع ثُريا ، ولكن إطمئن قلبها عندما وجدت يُسرا تجلس معهما،عادت إلي هدوئها النفسي وتحدثت وهي تنظر إلي ثُريا وتسألها مستفسرة:

-أنا شامة ريحة ورق عنب


إبتسمت ثريا وأردفت بهدوء:

-انا عملته مخصوص علشان عارفة إنك ما بتاكليش غيره يا منال


وأكملت يُسرا علي حديث والدتها:

-بصراحة يا طنط كُنا هنكسل عنه لأنه مُتعب ومُمل في لفه، لكن ماما أصرت وقالت إن حضرتك ما بتاكليش من أنواع المحاشي كلها غيره


متشكرة يا ثُريا... جُملة شاكرة قالتها بصدق


ثم حولت بصرها إلي ذاك الجالس يستمع دون تعقيب وأردفت متسائلة بنبرة تعجبية:

-إنتَ هنا من إمتي يا سيادة اللوا؟

أنا كُنت فكراك قاعد مع عبدالرحمن في جنينة بيته زي ما قُلت لي


أجابها بهدوء وصدق:

-أنا فعلاً كُنت قاعد مع عبدالرحمن لكن دخل يغير هدومه وأنا جيت على هِنا من حوالي عشر دقايق


ثم حول بصره إلي ثُريا وسألها بإهتمام:

-حسن وعيلته هيوصلوا إسكندرية إمتي يا ثُريا؟


وهُنا أُنير وجهها وابتسمت بسعادة عندما تذكرت رؤيتها لشقيقها الغالي وتحدثت منبسطة الأسارير:

-إن شاء الله هيوصلوا النهاردة علي السُحور


سعد داخلهُ لأجلها وتحدثت منال بنبرة هادئة:

-يوصلم بالسلامة يا ثُريا


إبتسمت لها وشكرتها وتحدث عز من جديد وهو يتبادل النظرات بين منال وثُريا:

-ما تنسوش تجهزوا نفسكم علشان هنروح العجمي نزور العيلة بعد صلاة التراويح إن شآء الله


أجابتهُ ثُريا بإيماء:

-أنا جاهزة وخليت علية جهزت كُل حاجة هناخدها معانا


أماء برأسهِ في حين تحدثت منال بتنصُل من زيارة عائلة زوجها التي لم تتقبلهم بحياتها بَتَاتاً:

-سوري يا جماعة مش هقدر أجي معاكم،لأني حاسة إني داخلة علي دور برد،هفطر وأخد فيتامين وأنام شوية علشان أبقي فايقة لما الباشمهندس حسن وعيلته يوصلم وأقدر أكون في إستقبالهم


رمقها عز بإستياء لعلمهِ حقيقة مشاعرها تجاه أفراد عائلته بالكامل


هتفت يُسرا بنبرة حماسية:

-أنا هاجي معاكم يا عمو علشان أشوف خالي فريد وخالي عَلى


قاطعتها ثُريا قائلة بإعتراض:

-مش هينفع يا يُسرا، خليكي علشان تجهزي سحور كويس مع علية علشان خالك حسن وعيلته


وأستطردت قائلة لإرضائها:

-ييجي بس خالك حسن وإن شاء الله نعزم كل إخوالك علشان ييجوا يفطروا معانا يوم


أومأت لها بطاعة


دلفت چيچي ولمار وأيضاً هالة زو جة وليد عبدالرحمن التي تحدثت إلي ثُريا بعدما ألقي الجميع التحية:

- أخرج البط من الفرن يا عمتي؟


شملتها ثُريا بنظرة حنون حيث أنها الوحيدة التي تأتي يومياً مُنذ الظهيرة وتبدأ مع نساء المنزل تحضير وجبة الإفطار لأفراد العائلة وتحدثت بحِنو:

-خرجيه يا بنتي،كفاية عليه كده


❈-❈-❈


داخل الحمام المرفق بغرفة مروان وأنس،كانت مليكة تُدلـ.ـك جـ.ـسد أنس الماكث داخل حوض الإستحمام بسائل الإغتسال ذو الرائحة العطرة، ثم أوقفته وتحدثت وهي تفتح صنبور المياه ليغمرهُ:

-أقف كويس يا أنوس علشان أشطف لك جِـ.ـسمك وتلحق تلبس هدومك قبل المغرب ما يأذن


أجابها الصغير وهو يقفز تحت الماء الدافئ مستمتعاً به:

-خليني شوية كمان يا مامي


أجابتهُ بإعتراض وهي تُخرج ذاك الذي تخطي عامهُ السابع وتحاوط جـ.ـسدهِ بالمنشفة لتجفف لهُ جـ.ـسدهُ:

- بطل شقاوة ويلا


سحبته من يـ.ـده وخرجت إلي الغُرفة، نظرت إلي مروان الذي بلغ من العمر الرابعةُ عشر وأصبح فتي يافع الجـ.ـسد ويشبه بملامح وجههُ رائف بتطابق كبير مما أثلج صَـ.ـدر ثُريا وجعلها تشعُر بالرِضا والسَكينة


كان مروان قد إنتهي من إلباس عز ثيابه بعدما حممته مليكة وبدأ بتمشيط شعر رأسه بعناية


تحدثت مليكة إلي مروان بنبرة مُتعجلة:

- خلص بسرعة يا حبيبي علشان أذان المغرب قرب خلاص


أومأ لها مروان بطاعة ثم وبدون مقدمات هتف بنبرة جادة:

-ماما،أنا عاوز أزور قبر بابا


إنتفض قلبها وارتجفت يـ.ـدها الممسكة بقطعة الثياب التي تُلبسها لانس، ثم نظرت إليه وتحدثت بنبرة متأثرة وعيناي حزينة:

-حاضر يا مروان، بعد العيد هاخدك إنتَ وأخوك ونزور بابا الله يرحمه


أجابها بإعتراض:

-هو أنا لسه هستني لبعد العيد؟

أنا عاوز أزور بابا بكرة أو بعده بالكتير


أخرجت تنهيدة حَـ.ـارة من داخل صـ.ـدرها الذي صرخ بأنين لأجل ولدها وأجابتهُ بموافقة:

-حاضر يا حبيبي،هكلم نانا وأشوف الوقت المناسب ليها ونروح نزوره إن شاء الله


وأسترسلت بإلهاء كي تُخرج صغيرها من تلك الحالة التي سيطرت عليه:

-يلا يا حبيبي خد إخواتك وإنزلوا عند نانا وجدو عز وأنا هغير هدومي وألف حجابي وأحصلكم


هز رأسهُ بموافقة وبالفعل حمل شقيقهُ الصغير وتحرك أنس بجانبه وخرج من الغرفة، تنهدت بألـ.ـم ثم خرجت خلفهم متجهة إلي جناحها لتقوم بتبديل ثيابها بأخري مُحتشمة


بعد مدة قصيرة من الوقت، نزلت الدرج ومنهُ إلي المطبخ مباشرةً، وجدت ثُريا تُشرف علي العاملات وهُن يقومن بغرف الطعام ورصهُ داخل الصحون وحملهِ إلي الحديقة لوضعة علي الطاولة


إقتربت من ثُريا وتحدثت متسائلة بإكتراث:

-محتاجة مساعدتي في حاجة يا ماما؟


أجابتها بنبرة مسالمة:

-لا يا حبيبتي إحنا خلاص خلصنا، روحي إنتِ إرتاحي برة في الجنينة، كفاية عليكِ لفيتي المحشي معانا، وكمان حميتي الأولاد وإنتِ تعبانة من الحَمل


أومات بموافقة وخرجت إلي الحديقة، وجدت الجميع يلتفون حول الطاولة المستطيلة والعاملات يتحركن حولهم ويقُمن برص الطعام والمشروبات وتوزيعهُ علي الطاولة


تحدثت بنبرة هادئة:

-السلام عليكم،رمضان كريم يا جماعة


رد عليها الجميع وتحركت هي وجلست بجانب نرمين التى يالتها:

-شكلك مرهق كدة ليه؟


أجابتها بأنفاسٍ متقطعة:

-كُنت بحمى الأولاد


قام عز بسؤالها بنبرة حنون واهتمام:

-اخبار صحتك إيه يا مليكة؟


ظهرت إبتسامة رقيقة فوق ثغـ.ـرها وأجابته بنبرة هادئة:

-الحمدلله يا عمو


كعادتها، رمقتها بنظرة مُترصدة تلك الراقية وتحدثت بنبرة تهكمية:

- إلا صحيح يا مليكة،هو سيادة العميد سافر ألمانيا النهاردة زي ما سمعت؟


إختفت بسمتها من طريقة إلقاء تلك الحية الرقطاء بسؤالها الخبيث وتحدثت بعدما تماسكت:

-أه يا طنط سافر


وضعت كف يـ.ـدها علي وجنتها وهتفت دون حياء بإبتسامة ساخرة:

-هي ليالي لحقت وحشته بالسرعة دي


رمقها عبدالرحمن بنظرة حَـ.ـارقة وأردف قائلاً بنبرة حَـ.ـادة صارمة:

-خليكي في حالك وياريت ماتحشريش نفسك في اللي ملكيش فيه

واسترسل متهكماً:

-أنا مش فاهم الناس اللي بيقولوا إن كل بني أدم ليه نصيب من إسمه جابوا الكلام الفارغ ده منين؟


سيادة العميد عنده شُغل مهم في ألمانيا يا راقية،وياريت نستني أذان المَغرب وإحنا ساكتين.. جُملة قالها عز بنبرة حَـ.ـادة كي يحثها علي الصمت وبالفعل حدث


❈-❈-❈


ليلاً

خرجت لمار من فيلا عز تتحرك في طريقها إلي فيلا عبدالرحمن المتواجدة بالصف المقابل، كانت تتحرك بأريحية تامة بعدما علمت بذهاب سيادة اللواء عز المغربي وعبدالرحمن مُصطحبين معهم ثُريا، إلي منطقة العجمي لزيارة أشقاء ثُريا وباقي أولاد عمومتهم والعائلة،فهي دائماً تتلاشي تقرُبها أو حتي الجلوس مع غز لحالها وذلك لعدم تقبُل كلاهُما للأخر


دلفت من البوابة إلي الحديقة،وجدت وليد وزو جتهُ هالة ووالدتهُ راقية يجلسون بإلتفاف حول المنضدة المستديرة المتواجدة بالحديقة يحتسون مشرب بارد مع تناول بعض الحلوى،وأطفال وليد يلهون حولهم


نظرت عليهم وتحدثت بنبرة حماسية:

هاي

رمقتها راقية بنظرات إستخفاف ولوت فاهها ساخرةوتحدثت قائلة بنبرة تهكمية:

-هاي عليكِ يا حبيبتي،يا دي الهنا اللي أنا فيه يا ولاد


وأكملت متعجبة وهي تنظر إليها بإستخفاف:

-يا تري إيه اللي جرا في الدُنيا وخلاكي تتنازلي وتزورينا لأول مرة في بيتنا يا لمار !


نظرت لها لمار وقامت برسم إبتسامة مُصطنعة علي شـ.ـفتاها،وأردفت مُفسرة لتلك المرأة الوقـ.ـحة التي تفتقد أدني أصول الضيافة والذوق العام:

- أكيد هقول لك يا  aunt


قطبت راقية جبينها وهي ترمقها بإستغراب،وتحدثت وهي تُشير إليها بالجلوس بنبرة باردة:

-إقعدي يا حبيبتي


جلست لمار برشاقة وتحدثت بجدية وهي تنظر إلي راقية:

_ Merci


ونظرت إلي هالة وأردفت قائلة بنبرة هادئة كي تُسربها إلي الداخل:

-ممكن يا هالة تعملي لي حاجة سُخنة أشربها

شملتها هالة بنظرة تعجُب فاسترسلت لمار مفسرةً طلبها العجيب:

sorry _

أصلي حاسة إني داخلة علي دور أنفلونزا


نظر وليد إلي زو جته وتحدث ليحـ.ـسها علي التحرك وذلك بعدما إستشف من نظرات عيناي تلك اللمار الزائغة أنها لا تُريد وجود هالة بتلك الجلسة:

-قومي يا هالة إعملي لـ لمار ليمون سخن وإعملي لي شاي وإعملي لأمي قهوة


إتسعت عيناي هالة وهي تنظر إلي زو جها بإمتعاض، وعلمت علي الفور أنهُ وتلك اللمار يريدان التخلص من جلوسها معهم ليتحدث ثلاثتهم بإستفاضة،وقفت منتفضة بغضـ.ـب من جلستها وتحركت للداخل بعدما قررت عدم إعدادها لأية من المشروبات المطلوبة


وما أن تحركت وخطت بساقيها إلي الداخل حتي نطقت لمار بطريقة عملية:

-من الآخر كده وبدون مقدمات،أنا محتاجة لكم معايا في شُغل هنكسب من وراه ملايين


واكملت بنبرة تنبيهية:

-بس أهم حاجة إن محدش يعرف أي حاجة عن الكلام اللي هيتقال بينا هنا


واسترسلت مؤكدة بوضوح :

-وخصوصاً uncle عبدالرحمن


إبتلعا كلاهما ريقهُ بشرهْ، وتبادلا نظرات الإستحسان فيما بينهما، في حين استرسلت لمار حديثها شارحة بحماس بعدما رأت طمعهما يظهر داخل عيناهم:

-أول حاجة لازم تعرف إن أنا وإنتَ فيه بينا تشابه كبير في ظروفنا يا وليد


واستطردت لتبث سُمها داخل قلب وليد:

-إحنا الإتنين منبوذين من العيلة بالنسبة لموضوع رفضهم لشُغلنا في أملاكهم ومشاركتنا ليهم ،وللأسف،ماحدش فيهم مؤمن بقدراتنا الكبيرة وتفوقنا


واكملت بعيناي مليئة بالتحدي والإصرار:

-وعلشان كدة لازم أنا وإنتَ نكَوِن تحالف قوي علشان نقدر نستفيد من خبرات بعض، ونثبت وجودنا ونستعرض ذكائنا قدام العيلة كُلها


ضيقت راقية عيناها وأردفت متسائلة بإستفسار:

-ويا تري إيه اللي حصل وخلاكي محـ.ـروقة منهم أوي كدة، لدرجة إنك تتنازلي وتيجي لحد وليد الغلبان علشان تتفقي معاه ضدهم؟


أخذت نفساً عميق وزفرته بهدوء إستعداداً للرد علي تلك الشمطاء الساخـ.ـطة:

-أنا مش هخبي علي حضرتك وهقول لك علي كل حاجة بصراحة، أنا بعت ال Cv الخاص بيا لشركة أوربية كبيرة في مجال التصدير والإستيراد وطلبت منهم إننا نتعاون مع بعض ويكون بينا شُغل،علي أساس إني كُنت هأسس شركة أنا وعُمر ونبدأ فيها من الصِفر


وأكملت شارحة بإستفاضة:

-والحقيقة هما رحبوا جداً بيا لما لقوني معايا الجنـ.ـسية البريطانية وإني عشت وإتعلمت في London, قبل ما أتنقل علي القاهرة أنا وعيلتي

وكمان لما شافوا مستوي الشركة اللي بشتغل فيها حالياً وإنجازاتي اللي حققتها معاهم إنبهروا جداً بيا


واسترسلت قائلة:

-لكن كان ليهم شرط وحيد علشان يتمموا التعاون ده


ضيق وليد عيناه وسألها قائلاً بإستفهام:

-شرط إيه!، ثم إيه علاقتي أنا بكل الكلام اللي عماله تقوليه ده؟


أخذت نفساً عميقاً وأردفت من جديد:

-شرطهم إن الشركة اللي هيتعاملوا معاها تكون متوثقة من مدة لا تقل عن عشر سنين وليها سُمعة طيبة وثقة عند الجمارك المصرية


قطب جبينهُ وسألها مستوضحً:

-الشُغل ده فيه حاجة شمال؟


وإحنا مالنا إذا كان شمال ولا يمين، إحنا لينا المصلحة اللي هتطلع لنا من ورا الحوار ده كُله... كانت تلك جُملة نطقت بها راقية وهي تلكز نجلها في كتفة بتحذير


هتفت لمار بحماس واستحسان لحديث راقية:

-برافوا عليكي يا aunt

تفكير عملي 100%،


واسترسلت وهي تنظر إلي وليد لتبث روح الطمأنينة داخل سريرتهْ:

-ومع ذلك ما تقلقش يا وليد، الشغل نظيف جداً وأنا بنفسي ضمناه


قامت راقية برسم إبتسامة صفراء علي وجهها ثم أردفت متلهفة بنبرة حنون مصطنعة بالتأكيد:

-كملي يا بنتي،كملي


ضيقت لمار عيناها متطلعة عليها بتعجب لتغيرها السريع معها، لكنها أكملت بنبرة عملية بعدما نفضت تلك الأفكار سريعً من عقلها:

-لما طلبوا مني كدة، أول فكرة جت في بالي هي شركة طارق ورائف،وفعلاً كلمت عُمر وطنط منال، واتحمسوا وكلموا uncle عز


زفرت بضيق وأكملت بنبرة بائسة:

-وللاسف رفض،وحَذر عُمر من إنه يفاتح طارق أو مليكة في الموضوع


سألها وليد الذي يجلس متكئً علي حافة مقعدة ويلعن ثرثرة تلك الأنثي والتي مهما وصلت إلي مراتب عُليا من التعليم والعمل إلا أنها تظل بالنهاية أنثي،تعشق الثرثرة،هكذا حدث حالهِ:

-أنا بردوا لحد الوقت مش فاهم إيه المطلوب مني؟


أجابته بمكر ودهاء:

-مافيش قدامنا غير إننا نتفق ونحاول بكُل قوتنا نقنع مليكة إنها تدينا حق إدارة الأسهم بتاعتها هي وأولادها،

أنا عارفة إنها بدأت تثق فيك هي وطارق ومسلمينك كل حسابات الشركة، وده هيسهل مهمتنا معاها، ويسهل شغلنا في الشركة بعد كدة


وأكملت بحماس وشراهه:

-وساعتها هنتحد أنا وإنتَ ونشتغل،وصدقني ساعتها مش هتعرف تودي الفلوس فين


إبتلع لُعابه بطمع وتحدث بنبرة حماسية أسعدت والدتهُ:

-طالما الموضوع في السَليم وتمام زي ما بتقولي، يبقي أنا معاكِ وهنفذ لك كُل اللي تطلبيه

اراحت ظـ.، هرها للخلف وإبتسمت بإنتصار وراحة ثم هبت واقفة وتحركت بإستئذان قبل عودة عز إلي المنزل


نظرت راقية إلي ولدها بعدم إرتياح وتحدثت بنبرة تحذيرية:

-البنت دي خبيثة أوي وشكلها كدة وراها مُصيبة،خلي بالك منها كويس لأني ما أرتاحتلهاش


حَـ.ـك ذقنهُ بيـ.ـده وتحدث مؤيداً حديثها:

-ولا أنا كمان إرتحت لها،بس أديني معاها لما أشوف أخرتها إيه، مش يمكن تِصدق في كلامها ونطلع من وراها بقرشين حلوين


أردفت قائلة بنبرة تنبيهية:

-بس خلي بالك كويس أوي علشان عمك عز مايغضبش عليك

وأكملت بنبرة تهكمية وهي تلوي فاهها ساخرة:

-إحنا ماصدقنا قلبه حَن وأتصدق عليك بمكتب المحاسبة اللي عملهُ لك


نظر لها معترضً علي حديثها وأردف بإستياء:

-كتر خيره يا ماما، عمي عز مش مطلوب منه أكتر من كده،  وبعدين المكتب شغال زي الفُل وبدأ إسمه يسمع في إسكندرية كلها


لوت فاهها وقامت بسند وجنتها علي كف يـ.ـدها بطريقة تهكمية،خرجت هالة من باب المنزل بعدما نظرت من نافذة المطبخ ورأت تلك اللمار وهي تتحرك بإتجاه البوابة الخارجية، ربعت ساعديها ووضعتهما أمام صـ.ـدرها في حركة إعتراضية وتحدثت وجـ.ـسدها بالكامل يهتز نتيجة ساقها التي تُحركها بغضـ.ـبٍ شديد:

-الهانم اللي هزقتني علشانها كانت عاوزة منك إيه؟


ضيق عيناه وتحدث رافعً حاجبيه بتعجب واستنكار:

-هزقتك علشانها !


وأكمل ساخراً:

-إنتِ سِت أوفر أوي يا هالة


ردت عليه بتذمر:

-وأنا هستغرب من ردك ليه،ما هو ده طبعك طول عُمرك يا وليد


وأكملت بإصرار:

- ويا تري بقى إيه هو السر الخطير اللي الأستاذة كانت عوزاكم فيه وما كانتش عوزاني أسمعه؟


لوحت راقية بكف يـ.ـدها في الهواء بتهاون وتحدثت بنبرة زائفة:

-يا أختي لا سر ولا نيلة، دي جاية تشتكي لنا من اللي إسمها منال وتقول إنها بتعامل ليالي وچيچي أحسن منها


واكملت بنبرة ساخـ.ـطة متصنعة:

-عيلة هَم مايفتكروناش غير وقت المصايب


ضيقت هالة عيناها وهي ترمقها غاضـ.ـبة من إستخفاف تلك الجالسة بعقلها وتحدثت بنبرة إستيائية:

-وأنا بقى المفروض هبلة وهصدق الكلام اللي مايدخلش علي عقل عيلة عندها عشر سنين ده؟

هب وليد من مقعدهِ واقفً وتحدث بنبرة حادة ليُنهي تلك المناقشة عديمة المنفعة بالنسبة له:

- وإحنا هنكدب عليكِ ليه يا برنسيسة؟

وأكمل مقللاً من شأنها:

-يكونش خايفين منك مثلاً ؟

وأستطرد أمراً بسخط كي يجبرها علي الصمت:

-إتحركي قدامي علشان تغرفي لي طبق محشي من اللي بعتته عمتي ثُريا علشان ماعرفتش أكل كويس على الفطار


هتفت راقية مسرعة وهي تبتلع لعابها بتشهي:

- إعملي حسابي أنا كمان مع وليد يا هالة

شملت كلاهُما بنظرة يملؤها الغيظ من شدة برودهما وتحركت إلي الداخل بخطوات تدل علي مدي غضـ.ـبها


إنتهي الفصل

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل السادس روز أمين

للبداياتِ رونقُها وسحرُها الخاصِ الذي يجعلُ القلوبَ مُنقادةَ غيرَ عابئةٍ لحديثِ العقلِ والإلزامْ

ويمنحُ للعقولِ رُخصةً باللينِ والإِرتِخَاءِ كَي ينعمَ المحبوبُ بقربِ حبيبهِ دونَ قيودٍ أو إرغامْ


خواطر رؤوف المغربي

بقلمي روز آمين


بمدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة

بإحدي الإستوديوهات المخصصة لتصوير البرامج التليفزيونية، كان يجلس بأريحية وتمَرُس لتصوير برنامجهُ اليومي الذي يُذاع مُباشر علي الهواء بوجهٍ مُشرق وروح متفائلة،واثقً من حالهْ


وتحدث قائلاً بوجهٍ بشوش ونبرة متفائلة:

-أعزائي المشاهدين ورجعنا لكم تاني بعد الفاصل ومكملين مع برنامجنا "بسمة أمل"


واستطرد بهدوء وبشاشة وجه:

-وما أحوجنا لبسمة الأمل في ظل الظروف الصعبة اللي بيعيشها العالم أجمع وحاسين إنها بتضغط علينا وبتُخنق روحنا

،خلينا نصنع بإدينا بسمة أمل لكل واحد فينا نهون بيها علي بعض


وأكمل بإبتسامة:

-تخيلوا كدة لو واحد ماشي في الشارع وبيفكر في حاجة شاغلة باله ومضيقاه،وفجأة قابل شخص ولا يعرفه ولا عمره شافه، والشخص ده إبتسم له بوش صابح بشوش،قد إيه الإبتسامة دي هتكون بمثابة بسمة أمل وتفاؤل للشخص المهموم


وأكمل بنبرة حماسية وأبتسامتهُ الساحرة المعتادة:

-خلونا نرحب بضيفة فقرتنا التانية واللي هتقول لنا وتعرفنا إزاي نستقبل يومنا ونكملة ببسمة أمل لينا ولغيرنا


وأستطرد مُشيراً بيـ.ـده علي تلك الجميلة التي أظهرتها الكاميرا وهي تجلس واضعة ساقاً فوق الآخري بأناقة:

-معانا هايدي الكاشف، Life Coach  أو زي ما بنسميها، مُدربة التنمية البشرية


تحدثت تلك الجميلة قائلة بنبرة حماسية وابتسامة ساحرة:

-أهلاً بيك يا شريف، ومش قادرة أقول لك قد إيه أنا سعيدة لأني معاك إنهاردة،


وأستطردت بثناء:

-وعلي فكرة،أنا متابعة البرنامج بتاعك هنا وكمان برنامجك اللي بيتذاع علي الراديو، وأحب أقول لك إنك من أكتر الشخصيات اللي بتدي سواء للمشاهد أو المستمع positive energy تخليه يقدر يكمل يومه بشكل نفسي صِحى جداً


تحدث شريف بإبتسامة شاكرة:

-متشكر جداً يا هايدي، كلامك في حقي ده شهادة غالية جداً لأنه خارج من أهل الخبرة


إبتسمت وأكملا فقرتهما


أما بمنزل سالم عُثمان، كانت تجاور سُهير الجلوس وهما تشاهدتان البرنامج،تتناولتان بعض الحلوي المشهور بها شهر رمضان المعظم،إقتطـ.ـعت بشوكتها قطعة من حلوي "الكُنافة" وإقتضمتها بضيـ.ـق وبدأت بمضـ.ـغها بشـ.ـراسة من شدة غيرتها علي حبيبها الوسيم وإلتفاف المعجبات من حوله طيلة الوقت


هتفت سُهير بحماس واستحسان وهي تُشاهد إبنها من خلال شاشة التلفاز:

-ما شاء الله عليك يا حبيبي،ربنا يُحرسك من العين ويعلىّ مراتبك كمان وكمان


وأستطردت بإعجاب:

-البنت دي كلامها حلو أوي


بسرعة شديدة إلتفتت إليها علياء ورمقتها بنظرة غاضـ.ـبة وهتفت بإحتدام:

-هو حضرتك صدقتي الهلفطة اللي بتقولها دي؟

دي حافظة لها كلمتين لزوم الشُغل علشان تطلع تضحك بيهم في البرامج علي عقول الناس وتبين لهم قد إيه هي حد جميل ومتصالح وقادرة تغير حال ونفسية الناس


وأكملت بإنزعاج شديد يرجع لشدة غيرتها علي رجُـ.ـلها:

-أصلاً مدرب التنمية البشرية دي بقت شغلانة اللي ملوش شغلانة


ضحكة مدوية أطلقتها سُهير التي شعرت بغيرة زو جة نجلها عليه مما أثار حفيظة تلك الغاضـ.ـبة وجعلها تتطلع عليها بإستياء


حاولت سُهير بصعوبة إيقاف ضحكاتها وتحدثت بهدوء:

-إنتِ غيرانة علي شريف من الضيفة يا عالية؟


إمتعضت ملامح وجه علياء مما جعل سُهير تضع كف يـ.ـدها وتحتـ.ـضن به كفها برعاية ثم أردفت بنبرة حنون:

-أنا عارفة إنك بتحبي شريف وبتغيري عليه أوي، بس عاوزة أقول لك كلمتين عن إبني تحطيهم في قاموس حياتك وتمشي عليهم علشان تعيشي معاه وإنتِ مرتاحة


وأستطردت بثناء وأستحسان:

-شريف إبني طيب أوي وعنده من المبادئ والأخلاق اللي يمنعوه من إنه يمشي في طريق الغلط

واكملت بعيناي حنون:

-ده غير إنه بيحبك وإختارك تكوني شريكة حياته من بين كل البنات اللي كانوا حواليه


نظرت لها علياء فأكملت سهير وهي تُربت علي كفها وأردفت:

-طمني بالك من ناحية جـ.ـوزك يا بنتي


تنهدت علياء بأسي وتحدثت بتوضيح:

-أنا عارفة كُل الكلام اللي حضرتك بتقوليه ده يا طنط، بس غصـ.ـب عني بمـ.ـوت من الغيرة كل ما ألاقى واحدة بتتكلم معاه أو بتحاول تتقرب منه حتي لو كان في إطار الشُغل،أنا ثقتي في شريف مالهاش حدود وعارفة ومتأكدة إنه بيحبني زي ما أنا بحبه ويمكن اكتر


واسترسلت بإحباط ظهر بصوتها:

-بس ماعنديش أي ثقة في اللي بيتعاملوا معاه


وهنا بقا تظهر شطارتك... جُملة داهية هتفت بها سُهير


ضيقت علياء عيناها بعدم إستيعاب فأسترسلت سُهير قائلة:

-شطارتك إنك تِشغِلي وقت جـ.ـوزك كله ودايماً تجددي من نفسك وإسلوبك معاه، وتحاولي تغيري من روتين حياتكم كل فترة


كل فترة إصبغي شَعرك،مرة قُصيه ومرة طوليه، تغيري إستايل لبسك كل مُدّة،ده غير نظافتك لبيتك وولادك


وأكملت علي إستحياء:

-وطبعاً العلاقـ.ـة الحمـ.ـيمية بينك وبينه لازم تجدديها كل فترة وتكوني جاهزة كل ما يطلبك، وبلاش أعذار إلا في الضرورة القصوي،لأن أكتر حاجة بتخنُـ.ـق الراجـ.ـل من السِت هي كُتر الأعذار


وأستطردت متسائلة:

-فهماني يا بنتي؟


هزت رأسها عدة مرات متتالية وأردفت بنبرة هادئة وملامح وجه تملؤها السَكينة:

-فهماكي يا طنط، وحقيقي متشكرة أوي علي كلامك اللي ريح قلبي


إبتسمت سُهير وتحدثت بنبرة حماسية:

-طب قومي هاتي لي السبرتاية من المطبخ علشان أعمل لك فنجان قهوة يظبط لك الدماغ صح،أهو نتسَلى علي ما شريف ييجى من القاهرة وسالم باشا يخلص سهرته مع أصحابه علي القهوة


إبتسمت لها بسعادة وهبت واقفة وتحركت بحماس متجهة ناحية المطبخ وهي تُردد:

-من عيوني يا طنط


❈-❈-❈


داخل دولة ألمانيا بعد الإفطار بحوالى ساعة وتحديداً بـ Suite فخم بأحد الفنادق الفاخرة،يجلس ذلك المغرور المُتعجرف المدعو بـ نوَّاف العبدالله مُمـ.ـسكً بهاتفهِ الجوال يقلب به بفتور


يُقابلهُ الجلوس إبن عمه ويُدعي فهد، هتف بإعتراض موجهً حديثهُ العاقل لذاك المتغطرس:

-لا نوَّاف،أنا ماني موافقك علي حضورك للمقابلة هاذي، إنتَ بروحتك راح تخلق مشاكل وتستفز الرچال


رفع بصره ونظر عليه وتحدث بعنادٍ شديد:

-لازمن أروح يا فهد لحتي أشوف هاذا الرچـ.ـال اللي يقولون عليه

وتحدث بإبتسامة سامة ونظرات خبيثة:

-أنا محضر له مفاچأة رح تشتت تفكيره وتزغلل عينه واوصل بيها للي أنا أبيه


ضيق فهد عينيه وتسائل بنبرة منزعجة لعلمهِ تفكير إبن عمهْ الأرعّنْ:

-وإيش تقصد بهاذا الكلام؟

علي إيش ناوي يا وِلد عَمي؟


ضحك نوَّاف ساخراً مُتباهياً بدهائهْ،فهتف فهد مستفهماً:

-أريد أعرف ليش البِنت هاذي بالذات اللي مركز معها، فيه مَليون بنت غيرها يتمنون منك نظرة واحده ويرتـ.ـمون تحت رچليـ.ـك


هتف سريعاً بنظرات وملامح وجهْ يملؤها الإشمـ.ـئزاز:

-وأنا ما أريد هاذولي المليون يا فَهد،لأنهم رُخـ.ـاص وموچودين بكُل مكان أروحه،مليت من هاذولي البنات السَهـ.ـلة


وأكمل وهو ينظر إليه بإصّرار:

-أريد أوصل للصعب يا فهد،أريد أوصل لقلب بنت سعادة العَميد مثل ما يجولون لها واخليها تحبني وتدوب في عشق نوَّاف،ما راح يرتاح لي بال إلا لما أشوف اليوم هاذا


وأكمل وهو يجز علي نواجذه ويُخرج الكلمات من بين أسنانه مما يدُل علي شدة غيـ.ـظه:

-ومثل ما فرچت علىّ الناس أمس،وقتها راح أصحيها علي كابوس وأخليها فرچة للچامعة بحالها، وادفعها ثمن غرورها وتكبرها علي نوَّاف العبدالله


جحظت عيناي فهد وتحدث بنصحٍ وإرشاد:

-أرِيد أعرف من وين چايب كل هذا الشَـ.ـر،عمي الله يعطيه العافية ماكو أطيب منهْ


واستطرد مستفسراً:

-والبنت هاذي مرباية وفي حالها وبعمرها ما أذتك،ليش حاطها براسك ورايد تـ.ـأذيها؟


ضغط نوَّاف علي نواجذهِ من جديد وأردف قائلاً بتعجرف:

-لازم تدفع ثمن إنها قالت لنوَّاف لا،ماكو واحدة سَوّتها قبلها


هب فهد واقفً وتحدث بإحباط أصابهُ من حديث إبن عمهْ:

-إنتَ ماكو فايدة من الكلام معك يا ولد عمي،أنا داخل غُرفتي علشان أتوضأ وأصلي قيام الليل،ورح أدعي لك الله يهديك ويبعد عنك شيطـ.ـانك، بس قَبـ.ـل ما امشي أريد أقول لك شي، خـ.ـاف الله يا نوَّاف،خـ.ـاف الله


رمقهُ بنظرة ساخرة وابتسم بجانب فمه، وتحدث بتهكم وهو يُشير بكف يـ.ـده:

ـإي روح يا شِيخنا ولا تشغل بالك فيني،وأنا راح ألبـ.ـس ملابسي عشان أروح عند السفير وأقابل هاذا الياسين ونشوف وِش راح يقول


❈-❈-❈


بعد قليل

داخل السفارة المصرية المتواجدة بالأراضي الألمانية

كان يجلس ياسين بجانب السفير المصري ورجُلان ينتميان لجهاز المخابرات ويعملان بألمانيا، يحتسون قهوتهم منتظرين موعد حضور سفير الدولة الشقيقة وضيفاه الذي أبلغهم بحضوريهما


تحدث السفير إلي ياسين بهدوء:

-ياسين باشا،أنا طبعاً مقدر غضـ.ـبك من اللي حصل من الولد ده لبنتك،بس مش عاوز غضـ.ـبك ده ينسيك التاريخ الأخوي والطويل بينا كدولتين بتجمعنا نفس اللغة ونفس الديـ.ـن


وأكمل برجاء:

-أرجوك حاول تتمالك من أعصابك


واسترسل نافياً:

-ومش معني كلامي ده إني بهون من الموضوع،"بالعكس" لازم تكون واثق من جـ.ـواك إن إحنا عمرنا ما هنفرط في حق بنتنا

وأسترسل بدهاء:

-بس حقها هنجيبه بالعقل وبالإصول


كان يكظم غيـ.ـظه بداخله،فلو كان الأمر بيده بعيداً عن العلاقـ.ـات الدولية للأشقاء العرب، لكان بحث عن ذاك الجـ.ـبان ومن دون مُقدمات إنقَـ.ـض عليه وقَبـ.ـض علي قصـ.ـبتهُ الهوائية ليمنع عنه دخول الهواء لرئتيه وما كان ليترُكها إلا وهو يراهُ يسقط أرضاً كجُـ.ـثة هامـ.ـدة


إنها لكبيرةًُ حقاً عليه كياسين المغربي ما حدث لصغيرته


نظم حركة التنفس لديه ليتمكن من ضبط النفس وتحدث بنبرة هادئة لا تعكس نيـ.ـران صـ.ـدرهُ الشـ.ـاعلة بداخـ.ـله:

-إطمن سعادة السفير،أنا تربية جهاز المخابرات، يعني ضبط النفس والتحكم في الغضـ.ـب أول حاجة بنتدرب عليها


أومأ لهُ سعادة السفير والمسؤلان واطمأنت قلوبهم،إستمع الجميع لبعض الطرقات الخفيفة فوق الباب وظهـ.ـر السكرتير الخاص وتحدث بإحترام:

-سعادة السفير وضيوفه وصلوا يا أفندم


وقف السفير وياسين والمسؤلان وتهيؤا لإستقبال الزائرين


دلف سفير الدولة الشقيقة وتحدث بإحترام ووجهٍ بشوش:

-السلام عليكم،الله يعطيكم ألف عافية يا رچـ.ـال


رد الجميع سلامهُ وتحدث السفير المصري بترحاب وحفاوة:

-أهلاً وسهلاً سعادة السفير،نورتنا جنابك


ثم أشار إلي ياسين قائلاً بنبرة شامخة:

-أحب أقدم لك سيادة العميد ياسين عز المغربي، والد بنتنا أيسل


نظر الرجُل إلى ياسين وبسـ.ـط ذراعهُ إليه إستعداداً للمصافحة وتحدث مفخماً إياهْ بحفاوةً وصِدق ظَهـ.ـر بَيّنْ وأستشفهُ ذاك الداهي بخبرتهْ من نظرات ونبرات السفير:

-إسم سيادة العميد والباشا والده أشهر من نار علي العلم


وأسترسل متسائلاً بنبرة توددية:

-شلونك وشلون الوالد يا سيادة العميد،طمني علي صحته، إن شالله يكون بخير وبأفضل حال


وما كان من ياسين سوي الإبتسامة الصافية والمصافحة بحفاوة لذاك المحترم:

-أهلاً بسعادتك جناب السفير، وشكراً علي سؤالك علي سعادة اللواء

وأكمل بهدوء:

-سعادته بخير الحمدلله وصحته تمام


أكمل السفير المصري تعريف المسؤلان الآخران،وأتي الدور علي سفير البلد الشقيق لتعريف ضيوفهُ الثلاث

قدم المسؤل الأول ورحب به الجميع تلاه الثاني،ثم أشار علي نوَّاف وتحدث وهو ينظر بتمعن إلي ياسين يترقب ردة فعله من ملامح وجههُ:

-وهاذا نوَّاف العبدالله،ولدنا اللي غِلـ.ـط وچاي علشان يتأسف منك ويعتذر يا سيادة العميد


وإلي هُنا ولم يعْد لياسين القُدرة علي ضبط النفس وفقد سيطرتهُ علي حالهْ، فقد تخلي عن هدوئهُ وتماسكهُ وضَـ.ـرب بجميع الأوامر والأعراف بعَرض الحائط حينما رأي وجه من تجرأ علي لمـ.ـس جوهرة أبيها الثمينة


بلحظة غَلـ.ـت الدِ ماء وصعدت إلي أعلىّ رأسه من مجرد التَطلع علي وجه ذاك الوضِيـ.ـع، وتوحَـ.ـشت ملامح وجههِ وباتت هيأتهُ مُخيـ.ـفة لكُل الحاضرين


مما إستدعي قلق السفير المصري،وجعل أيضاً ذاك النوَّاف ينكمش علي حاله ويتواري خلف سفير بلدهِ رُعـ.ـبًا وذُعـ.ـراً من نظرات ياسين المستوحـ.ـشة والتي لا تُنذر بخيرٍ


هو إنتَ بقي المُتـ.ـحرش اللي إتجرأت ولمـ.ـست إيـ.ـد بنتي وتعديت عليها؟.. جُملة غاضـ.ـبة نطق بها ياسين وهو يقترب عليه كالوحـ.ـش الكَاسر حينما يهجم علي فريسـ.ـتهُ


أمـ.ـسك السفير يـ.ـد ياسين لتحجيم غضـ.ـبهِ وهمـ.ـس قائلاً بنبرة تنبيهية لإستفاقته من حالة الغلـ.ـيان التي سيطرت علي جـ.ـسده فجعلت عروقهُ تنـ.ـتفض بالكامل:

-إهدي وحاول تتمالك أعصابك يا سيادة العميد


واسترسل حديثهُ بنبرة لائمة:

-هو ده بردوا اللي إتفقنا عليه؟


أما سفير البلد الشقيق فتحدث كي يمـ.ـتص غضـ.ـب ذاك الثائر علي حق:

-والله عاذرك، ومهما سوّيت أو قِلت معك كِل الحق وما نقدر نلومك

واسترسل كي يستجدي شهامته:

-بس أنا بناشد الرچُل المصري الكريم اللي داخلك، وكلي أمل إنك تعطينا فرصة وتخلينا نقعد ونتكلم بالعقل لحتي نقدر نحل المَشكل


همـ.ـس المسؤل المصري بجانب أذن ياسين الذي يسلط نظراتهُ المُقيـ.ـتة علي ذاك الجـ.ـبان:

-سيادة العميد،أرجوك تماسك، إنتَ كدة ممكن تخلق مُشكلة سياسية بين الدولتين الجميع في غِنى عنها


أخذ ياسين نفساً عميقاً في محاولة منه لضبط النفس وإخـ.ـماد بركـ.ـانهُ الثـ.ـائر وأردف قائلاً بنبرة جادة وهو يتراجع خطوة للخلف ويسحب يـ.ـداه بخِفة من أيـ.ـادي المسؤلين المُكبلة له ليمنعاه من التهور:

-خلاص يا بشوات


واسترسل وهو يحـ.ـدق ذاك الدنيـ.ـئ ويرمقهُ بنظرات يملؤها الإشمـ.ـئزاز:

-أنا بس إتنرفزت وفقدت سيطرتي لما شفت البني أدم ده قدامي

وأكمل وهو ينظر إلي السفير معتذراً بإحترام:

-أعذرني سعادتك، أنا مقُدر وبحترم جداً العلاقـ.ـة المميزة بين بلادنا


وأستطرد مفسراً بنبرة صَارمة:

-بس لما الموضوع يوصل للعَـ.ـرض،كُل حسابات العقل بتتلغي وتتلاشي


أجابهُ السفير بإبتسامة بشوش:

-الله لا يجيب بينا مشاكل يا سيادة العميد

الموضوع أبداً ما وصل للعَـ.ـرض، عرضكم مُصان وماكو أحد يقدر يقرب صّوب بنت سعادتك أو يصيبها بمكروه لا سمح الله


جلس الجميع بعدما أشار لهم السفير المصري،وتحدث السفير ناظراً إلي ياسين:

-أنا چاي وجايب ولدنا نوَّاف لحتى يعتذر منك علي غلطته الكبيرة في حق بنتنا الدكتورة


واسترسل بإحترام:

-والله أبو نوَّاف زعل وتأثر كثير لما دَرى باللي صار من ولده

واستطرد شارحاً:

-الشيخ العبدالله يحب مصر وناسها كثير وبيكن لهم كل إحترام وما عچبه يلي سواه ولده أبد، ولولا كِبر سِنه ومرضه لكان جاه بنفسه لحد عِندكم بمصر وإعتذر منك إنتَ وسيادة اللوا والدك


ثم حول بصره إلي نوَّاف وهتف بنبرة حازمة وعينان حادتـ.ـان:

-نوَّاف،الحين تعتذر لسيادة العميد عن عملتك اللي تسود الوجه وبتوعده إنك ما راح تعيدها


هتف مؤكداً علي حديث سفير بلاده:

-أكيد ما راح أعيدها يا سيادة السفير


راضي يا ياسين بيه؟ جُملة تسائل بها سفير الدولة الشقيق


فتحدث ياسين بنبرة هادئة مصطنعة:

-بالنسبة لي أنا مَرضي من اللحظة اللي إتشرفت فيها بلقاء جنابك


إبتسم الرجل وتحدث بإستحسان:

-هاذا المصري اللي أنا أعرفه،طول عمركم يا المصريين معروفين بالطيبة وكرم الأخلاق


وأكمل وهو ينظر إلي الجميع برضا:

-معناتها متفقين


أومأ الجميع بموافقة في حين تحدث نوَّاف بنبرة لئيمة:

-أكيد متفقين سعادة السفير

وأكمل بنبرة خبيثة وهو يترقب ردة فعل ياسين علي عرضة اللئيم:

-بس أنا عندي طلب لسيادة العميد وأبي ما يخجلني فيه ويحققه لي


قطب ياسين جبينهُ ودقق النظر مُتعجباً مِن أمر ذاك الحقـ.ـير الذي لو بيـ.ـده الأمر لفَتـ.ـكَ به وجعلهُ عِبْرةُ لِمَنْ لا يَعْتَبِر،لكنها العلاقات الطيبة بين الدول الشقيقة هي فقط من منعتهْ وكبـ.ـحت غضـ.ـبتهْ التي لو خرجت لأحـ.ـرقت بطريقها الأخضر واليابس، أما ذاك السفير فتسائل متعجباً هو الآخر:

-وإيش تقصد بكلامك هاذا يا نوَّاف؟!


أجابهُ وهو مازال مُثبتاً نظرهُ بتدقيق فوق ملامح ذاك الياسين:

-أن أبيِ أتـ.ـز وچ من أيسل،أريد تكون زو چـ.ـتي لحتى أثبت لكم حُسن نيتي وإني ما كنت بتهجم عليها متل ما فكروا الشباب مال حراستها


وأستطرد بنبرة زائفة:

-صدقني يا سيادة العميد،أنا كُنت بتقرب منها لحتي تفهم عليِ وأقول لها إني أبي أخطبها وأبيها تكون حلالي


وأكمل مسترسلاً كي يستدعي جشع ياسين:

-وأنا مستعد أثاقلها بالألماظ مو بالذهب متل عِندكم بمصر، والمهر اللي سعادتك راح تقول عليه أنا موافق بيه


نظر الجميع علي نوَّاف بذهول جراء طلبه العجيب،أما ياسين الذي كان يستمع إليه بتمعن وهدوء إستغربهُ الجميع، وتحدث بدهاء:

-خلصت كلامك؟


أجابهُ بثقة وهو يتيقن من أن ياسين سيوافق حتماً علي عرضه الذي لا يُقاوم من وجهة نظرهِ الضئيلة وفكرته الخطأ عن البشر:

-إي خلصت


هز ياسين رأسهُ بهدوء ثم نظر لهُ بعينان حـ.ـادّة كالصقر ونظرات مستـ.ـوحشة وكأنهُ تبدل بلحظات:

-طب إسمع بقي يا إبن الحلال الكلمتين دول علشان أكون خلصت ضميري من ناحيتك قدام البشوات


واستطرد بتوضيح:

-أنا أساساً كُنت ناوي أقولهم لك من الأول بس منعت نفسي بالعافية إحتراماً لوجود البشوات،بس شكلي كُنت غلطان لأن اللي زيك ما ينفعش معاهم كدة


وأكمل بنبرة متوعدة وعينان تطلقُ شـ.ـزراً متلاشياً كُل الأعراف الدولية ومجنباً إياها:

-أول حاجة أنا بنتي جاية ألمانيا علشان تدرس مش علشان تدور علي عريس وتتخطب،أيسل سابت عيلتها وبلدها وجاية تصنع مستقبلها العلمى

وإوعي شيطانك الأهبـ.ـل يوزك ويقول لك إنك ممكن تخدعني بألاعيبك الخايبة دي


واسترسل وكأنهُ توغل داخل رأس ذاك الخبيـ.ـث واطَلع علي ما بها من أفكار غبية صورها لهْ شيطانهُ:

-إنتِ قُلت بينك وبين نفسك بدل ما الموضوع يخلص ويطلع شكلي وحِش قدام الكُل،أضحك علي الأهبل اللي إسمه ياسين وأطلب منه إيـ.ـد بنته،وبكدة أقدر أرافقها بس بطريقة شَرعية


إبتسم بجانب فمه بطريقة ساخرة واستطرد وهو يُشيح بكف يـ.ـده:

-وأخرج معاها وأمـ.ـسك إديـ.ـها براحتي وأعيش لي معاها يومين حلوين، ووقتها هثبت للكل إن مش نوَّاف اللي حبه يترفض من أي بنت مهما كانت هي مين


واستطرد بذكاء مستنبطاً خِطة ذاك الشيطان المَـ.ـاكر:

-وبعدها تسيبها وتبقي بالمرة حققت إنتقـ.ـامك من البنت اللي قالت لك لاء وصَغرتك قُدام أصحابك


كان يستمع إليه بعينان متسعة بذهول ويحدث حالهُ:

-اللعنـ.ـة عليك أيها الشيـ.ـطان،كيف لك أن تستنبط وتكشف ما يدور بمخيلة عقلي بتلك الدقة والمهارة،يالك من داهي حقـ.ـير، أكَادُ أقسِم أنك تخاوي أحداً من العَالم السُفلي وهو من مّدك بتلك المعلومات أيُها الوغـ.ـد

إبتسم ياسين بجانب فمه حين لمح ردة فعل نواف التي ظهرت فوق ملامحهُ وهتف متسائلاً بتهكم:

-مستغرب مش كدة؟


أردف سفير البلد الشقيق قائلاً بنبرة هادئة ويرجع ذلك لطيبة نواياه الحَسنة:

-ليش نفترض سوء النية يا سيادة العميد، مو يمكن نوَّاف صِدْق رايد الز واج من بنتك بحلال الله؟


أجابهُ ياسين بصرامة:

-وحتي لو جنبنا سوء النية جنابك وأفترضنا حُسنها ،أنا بردوا مش موافق لأن المبدأ نفسه مرفوض سواء مني أو من بنتي أو من سعادة الباشا جِدها


واكمل متوعداً بنبرة تحذيـ.ـرية وهو ينظر لذاك الدنـ.ـئ:

إسمع يا أبني،أنا عملت إعتبار للعلاقـ.ـة الطيبة اللي بين بلدي وبلدك وقعدت إتكلمت معاك بمنتهي العقل والهدوء وده عكس تصرفي الطبيعي مع المواقف اللي زي دي،والبشوات عارفين كدة كويس


واسترسل وهو ينظر إلي السفير بمنتهي الإحترام:

-وكل ده إحتراماً لسعادة السفير وتقديراً للعلاقـ.ـات الثُنائية بين البلدين


أومأ لهُ السفير بإستحسان فاكمل ياسين بنظرات تُشبة الصَقر بحِدتِها:

-لكن لحد الكلام اللي قُلته ده وهكلمك بلغتك اللي تفهمها،أنا بحـ.ـذرك قدام البشوات علشان أكون عملت اللي عليا


وأستطرد شـ.ـزراً:

-بنتي خط أحمر، وإيـ.ـدك لو فكرت بس تلمـ.ـسها بيها،وعد مني لأخليك تقضي اللي باقي لك من حياتك تشتاق وتحن لأيام ما كانت ملازمَاك


واكمل متكأً علي كلماته:

-كله إلا العَرض،صدقني وقتها مش هيكون في عندي مكان لأي أعراف دولية ولا إعتبارات لأي دول شقيقة

ونظر للسفير واستطرد:

-طبعاً مع كامل إحترامي لحضرتك سعادة السَفير


أردف السفير المصري قائلاً بمساندة ومَدّد:

-إهدي يا سيادة العميد وكل اللي إنتَ عايزة أكيد سعادة السفير هيعملهُ لك


ونظر إلي السفير قائلاً بنظرة تأكيدية:

-مش كده ولا إيه يا أفندم ؟


إرتبك السَفير من لهجة ياسين الصَارمة وملامح وجهه الحـ.ـادّة وتحدث مؤكداً بعدما إستمع منه إلي ما كان ينتوي ذاك الإمعة فعله وحينها شعر بالخجل من أفعال ذاك التافـ.ـه:

-أكيد يا سعادة السفير، حِنّا أُخوة وإن شالله بِنْتِم لأخر العُمر


وأكمل مؤكداً:

-وكل طلبات ياسين باشا راح تتنفذ


ثم حول بصرهِ إلي ذاك النوَّاف ورمقهُ بنظرة حـ.ـادّة وأردف بلهجة شديدة الغضـ.ـب:

-وانا اوعدك إن نوَّاف من اليوم ما راح يسوي أي شي يضايق فيه بنتنا أيسل،"بالعكس" من الحين راح يكون لها الأخ ولو احتاجت أي شي في بلاد الغَرب بيكون أُوهو أخوها وبيساعدها


هتف ياسين سريعاً برفضٍ قاطع:

-متشكر جدا لتفهم سعادتك للوضع،لكن إسمح لي بنتي مش محتاجة حاجة من أي حد ولو لاقدر الله إحتاجت معاها طقم الحراسة بتاعتها، ده شغلهم اللي هما موجودين علشانه وهما عارفينه كويس

كل المطلوب من الأستاذ نواف إنه ينسي إن فيه معاه طالبة بإسم أيسل المغربي من الأساس


ثم أمال برأسهِ لليمين واكمل ناظراً إليه بنظرات خبـ.ـيثة تحذيـ.ـرية:

-وده طبعاً لمصلحته قبل ما يكون لمصلحة بنتي


لأول مّرة يشعر نواف كّمْ هو ضئيل وبدون قيمة وهذا بفضل ذاك الياسين الذي نظر إليه بإنتصار


كّمْ تمنىّ في ذاك التوقيت وقوفهُ وإمساكهُ بتلك المزهرية الكريستالية الموضوعة جانباً وإنزالها بكل قـ.ـوته فـ.ـوق رأس ذاك الياسين كي يُريح قلبهُ المُحـ.ـترقْ ويُخمد نـ.ـاره المُشتـ.ـعلة،لكنه تمالك من حاله وكظم غيـ.ـظهُ بإعجوبة


في حين تحدث السفير إحتراماً لرغبة ياسين وإعطاءه العُذر فيما تفوه به بل ووضع حالهُ محلهُ وتخيل لو إن إبنته هي من حدث معها ما حدث مع إبنة ياسين لكان احـ.ـرق الاخضر واليابس لأجلها:

-معك كل الحق يا سيادة العميد،وأنا من الحين راح اضمن لك إن نوَّاف ما راح يعِيدها ولا راح يقرب صوب بنتنا الكريمة، وهذا وعدي لك


أومأ ياسين له وهتف شاكراً:

-متشكر لجنابك سيادة السفير وأشكرك علي تفهمك لموقفي، وأسف جداً علي حِـ.ـدتي في الكلام في وجود معاليك والبشوات،


واسترسل بذكاء:

-بس أنا متاكد إن جنابك مقدر حالتي كأب وقادر تغفر لي خطأي الغير مقصود


أجابهُ سفير البلد الشقيق بنبرة صادقة:

-العفو يا سيادة العميد، مغفرة شو الله يسامحك،إِنْتْ وسعادة السفير وجناب اللوا عز المغربي وأهل مصر كِلّكُم فوق راسنا، وصدقني انا عاذرك في أي شَيْ وأي كلام قِلْتَه


وأنتهي الإجتماع بالتراضي بين جميع الأطراف سوي من نواف الذي خرج وهو يلعَـ.ـن ياسين وإبنته وسفير بلدتهْ الذي نصف إبنة ياسين عليه مثلما إعتقد بعقليته ضئيلة التفكير


❈-❈-❈


داخل مطار أسوان الدولي، أَقْلَعَت الطائِرة بإتجاهها إلي مطار الأسكندرية،كانت تجلس بالمقعد المجاور لزو جها مُمـ.ـسكة بكف يـ.ـده،فتحدث وهو يسألها بنبرة حنون وعيناي هائمة بفضل تذكُرهُ للماضي الجميل:

-فاكرة أول مرة ركبنا فيها الطيارة مع بعض وسافرنا إسكندرية؟


غمرت السعادة ملامح وجهها وأبتسمت بشدة حتي ظهرت أسنانها البيضاء وهتفت بنبرة حماسية وكأنها عادت إبنة العشرون من جديد:

-طبعاً فاكرة يا حسن،كان تاني يوم جوازنا وسافرنا علشان عمي صلاح الله يرحمه كان عامل لنا فرح تاني في إسكندرية


إبتسم هو بتأمل وتحدث بنبرة يملؤها الحنين عندما تذكر أباه الحبيب:

-الله يرحمه


إستطردت هي بنفس الحماسة:

-وقتها كُنا بنعيش أحلا أيام عُمرنا يا حسن، بعد الفُراق والتعب والأيام الصعبة اللي عيشناها،ربنا كتب لنا إننا نتجمع وتبقى ليا وأبقى ليك


أخرج تنهيدة حَارة أظهرت كَم الراحة والسَكينة اللتان تشملا روحهُ الطاهرة،رفع كف يـ.ـدها لأعلي ومال برأسهِ عليه ليضع قُبـ.ـلة حنون فوقهُ ثم رفع عيناه ونظر إليها وتحدث:

-إنتِ أحلي حاجة حصلت لي في حياتي يا سمرا،صدفة حياتي اللي هفضل أشكر ربنا عليها عمري كُله


واسترسل بهيام:

-كلام الدنيا كله ما يقدر يوصف شعوري بيكِ والسعادة اللي عيشتها معاكِ يا جميلة الروح يا غالية


إبتسمت خجلاً وأنزلت بصرها للأسفل،أخرجهما من حالة الهيام تلك ذاك الجالس بالمقعد الذي يليهم ويجاورهُ الجلوس شقيقهُ إسلام، حيثُ وقف ومال برأسه بين رأسي والديه وتحدث بنبرة دُعابية:

-أنا بقول أخلي المُضيفة تجيب لكم إتنين ليمون وشجرة نزرعها في النص هنا، وبالمرة نطلب منها تطفي لنا الأنوار المزعجة دي وتولع لنا شمعتين باللون الأحمر يعملوا جو رومانتك يليق بالعشاق


ضحكت إبتسام بشدة علي دُعابة نجلها أما حسن فوضع راحة يـ.ـده علي وجه ولدهُ ودفعهُ برقة للخلف مما جعل رؤوف يرتد جالساً فوق مقعده من جديد وتحدث حسن بنبرة دُعابية:

-إتلم يا إبن المغربي أحسن لك بدل ما أقوم لك


واستطرد متهكماً:

-وبعدين بدل ما انتَ قاعد تنبُر لنا في حياتنا كده إتلحلح وأخطب لك واحدة تتلهي معاها تسيبني أنا والغلبانة دي في حالنا


ضحكت إبتسام وتحدث هو مداعباً اباه بطريقة ساخرة:

-ربنا ما يحرمني من إحترامك ليا يا كبير


أي خدمة يا حبيب أبوك... جُملة ساخرة نطق بها حسن


ضحك الجميع وأعتدل رؤوف بجلسته، همـ.ـس إسلام الذي غمز إلي شقيقهُ بعيناه:

-أهي جت لك مقشرة وجاهزة علي الأكل يا هندسة،أنا لو منك أستغل الفرصة وأفاتحهم في موضوع سارة


أرجع رؤوف ظهـ.ـرهُ للخلف وتحدث بجدية بنبرة صوت خافتة:

-مش هينفع في الوقت الراهن يا إسلام، سارة داخلة علي إمتحانات، وبعدين أنا مستني لما تخلص السنة دي،علي الأقل تكون في ثانية جامعة ومامتها تطمن وتوافق


داخل مدينة الأسكندرية

عَاد عز وثُريا وعبدالرحمن وطارق والفتي مروان من زيارة العائلة،وجدوا الجميع يجلسون في حديقة المنزل بإنتظار عائلة المهندس حسن المغربي الذي شارف علي الوصول هو وأسرته


تحدثت ثُريا إلي مليكة التي تحمل أنس غافياً فوق ساقـ.ـيها ويبدو عليها الإجهاد:

-إيه يا بنتي اللي مخليكي شايلة أنس وهو نايم كدة؟


وأكملت وهي تُشير إلي طارق الذي دلف للتو معهم:

-قوم يا طارق شيل أنس ونيمه جوة في أوضتي


تحرك طارق بطاعة وحملهُ وتحدثت مليكة بنبرة هادئة كعادتها:

-طلب مني أحكي له حدوتة،ونام علي حِجري وأنا بحكيها له


إبتسمت ثُريا عندما وجدت منال تحمل هي الآخري عز الصغير ويغط في نومٍ عميق:

-وعز هو كمان نام ؟


ردت منال قائلة:

-لما لقي أنس نايم في حُـ.ـضن مامته غَار وقعد يزن علشان تقوم أخوه وتنيمه مكانه،وماسكتش غير لما قعدت أحايل فيه وأقول له لو نمت في حُـ.ـضني هكلم بابي وأخليه يجيب لك معاه فانوس تاني


تحدث مروان إلي منال قائلاً وهو يضحك:

-هو أصلاً موصي عمو ياسين وقايل له يجيب له فانوس كرومبو زي اللي شافه في فيلم عَسل إسود


إبتسم له الجميع عَدا تلك الراقية التي ضيقت عيناها الخبيثة فحتي الصغير لم يسلم من تدخلها وحديثها المسـ.ـموم،وسألتهْ بتعجب:

-هو من إمتي بقي عمو ياسين يا مروان،مش كُنت بتقول له يا بابا ؟!


رمقتها ثُريا بنظرة حـ.ـادّة وكادت أن تتحدث لتُخرس تلك الخبيثة وتمنع سِـ.ـمها عن حفيدها الغالي، سبقها ذاك الفتي الذي فاجأ الجميع بقوته وردهُ الحَـ.ـادّ حيث شد من قامته وتحدث إليها بنبرة صارمة:

-حضرتك أنا إسمي مروان رائف أحمد محمد المغربي، يعنى رائف هو أبويا، ومش معني إني نسبت كلمة بابا لحد غيره وأنا طفل ومش فاهم ولا مُدرك، إني أفضل مكمل في الغلط ده


نظرتا لهُ مليكة وثُريا بفخرٍ وأعتزاز بصغيرهم، أما ثُريا فقد ترقرقْ الدَمع داخل عيناها من شدة تأثُرها بصغير فقيدها وشعرت بأن الله قد مّنْ عليها بعد الصبر ورد لها فقيدها علي هيأة مروان


هتف عز بإفتخار وسعادة:

-جدع يا مروان،راجل من ضـ.ـهر رائف المغربي بصحيح


واردف عبدالرحمن بإبتسامة حزينة:

-اللي خلف مامتش يا أبني،الله يرحم أبوك وجدك أحمد ويبارك فيك إنتَ وأخوك


إبتسم لهُما الفتي وشكرهُما،إلتف برأسهِ للخلف لينظر علي ذاك الذي إحتضـ.ـنهْ بعناية من الخلـ.ـف وهو يحتويه بذ راعه حيثُ حاوط به كتفه وتحدث بإمتداح:

-أبوك كان المعني الحقيقي للرجـ.ـولة وحقك تفتخر بيه وماتنسبش كلمة أبويا لحد غيره، حتي لو كان الحد ده عمك ياسين اللي بيحبك وعُمره ما فرق في المعاملة بينك وبين حمزة

واستطرد:

-بس في النهاية لا يَصَحْ إلا الصَحِيح


واسترسل بمُبَاهَاة:

-رائف خلف رجـ.ـالة هيخلدوا إسمه ويشرفوه ويخلوا الناس تترحم عليه كل ما تشوف أخلاقهم وتربيتهم العالية


ثم دقق النظر داخل عيناه وتحدث بتأثُر وتأكيد لاقى إستحسان الفتي:

-كأني شايف رائف قدامي

أخذ الفتي نفساً عميقاً ملئ به رئتيه ثم ابتسم إلي طارق وتحدث بنبرة سعيدة:

-متشكر يا عمو طارق


عَبَثَ طارق بأصـ.ـابع يـ.ـده داخل شعر رأس الفتي بمَرح وتحدث بنبرة حماسية:

-تعالى معايا نلعب لنا دور بلايستيشن فى الإستراحة

علي ما جِدك حسن يوصل بالسلامة


هز الصغير رأسهُ بإيماء وكاد أن يتحرك لولا صوت مليكة التي وقفت وتحدثت إلي طارق:

-خلي البلايستيشن لبعدين يا طارق

وأشارت لنجلها الغالى بكف يـ.ـدها أردفت:

-وإنتَ يا باشا، يلا قدامى على فوق علشان أجهز لك الحمام وتاخد شاور سريع قبل ما جدك حسن يوصل


نظر الفتي إلي والدتهُ وضيق عيناه مع مَيلة صغيرة من الرأس ليتوسلها قائلاً:

-خلي الشاور بعدين يا ماما، هلاعب عمو دور واحد بس وهاجي علي طول


أجابته بإعتراض:

-مش هينفع تقعد بهدومك اللي كُنت بيها برة يا حبيبي، أكيد لعبت مع أولاد إعمامك وجريت كتير وهدومك بقت كلها جراسيم


كاد أن يعترض لولا تدخُل ثُريا التي أيدت حديث مليكة وأردفت:

-إسمع كلام ماما يا مروان وبالمرة إلبس هدوم مريحة علشان تقعد براحتك


تحدث مروان إلي جدته بطاعة:

-حاضر يا نانا

ثم حول بصرهِ إلي مليكة وتحدث مُشفقاً علي حالها:

-خليكي مرتاحة يا ماما وأنا هجهز الحمام لنفسي، أنا خلاص مابقتش صُغير


كادت أن تعترض وتصعد بجانبه لولا ثريا وطارق اللذان أيَدّا حديث الصغير وحَبَّذاه وتحرك بالفعل صاعداً للأعلي


أراد عز أن يُخرج الجميع من تلك الحالة فنظر إلي يُسرا وأردف متسائلاً بإهتمام:

-عُمر ووليد راحوا يجيبوا خالك من المطار يا يُسرا؟


أجابتهُ بهدوء:

-أه يا عمو،إتحركم من قبل ما تيجوا بحوالي نُص ساعة


أومأ لها بهدوء، بإرتياب نظرت إليه منال الجالسة بصمتٍ مُريـ.ـب وسألتهُ بنبرة مغلفة بالهدوء بينما داخلها ينهـ.ـشهُ القلق:

-كلمت ياسين يا سيادة اللواء؟


رمقها بنظرة حَـ.ـادّة كي تصمت وذلك لعدم إرادته لإفصاحهُ عن الموضوع أمام تلك الراقية وتلك اللمار التي تجلس تتابع ما يحدث بصمتٍ عجيب، فهو لا يطمئن لكِلتاهما بتاتاً ولا يعتبرهُما من أفراد العائلة


فاستطردت هي قائلة بنظرات ظهـ.ـر بها القلق علي نجلها وحفيدتها:

-أصلي رنيت عليه كذا مرة أنا ومليكة وماردش علينا


أشفق عز علي حالها كأم تريد الإطمئنان علي نجلها، تلاشي غضـ.ـبهُ وتحول إلي تضامن وأردف قائلاً بطمأنة:

-ماتقلقيش،تلاقيه لسة في الإجتماع الخاص بالشغل وعامل الفون silent


أخرجت تنهيدة من صَـ.ـدرها مُحملة بأثقال من الهموم وأومأت لهُ بخفوت، أما ثُريا التي نظرت إليها وأرتسم الحُزن فوق ملامح وجهها، فهي أكثر الناس علمً بقلب الأم وقلقها علي أبنائها وتحدثت بنبرة حنون مطمأنة:

-طمني قلبك يا منال، إن شاء الله خير.


بالكاد أكملت جُملتها وأستمع الجميع إلي صوت هاتف مليكة يصدح في إعلان منه عن وصول مكالمة، أمسـ.ـكت مليكة هاتفها متلهفة وهي تنظر إلي شاشته بتمعن شديد، وما أن رأت نقش إسم مالكُها حتي لانت ملامحها وتبسمت قائلة وهي تقف متأهبة للتحرك بعيداً عن الجالسون كي تُحدث حبيبها بخصوصية:

-ده ياسين


قالت كلماتها وهرولت مبتعدة، تلتها منال التي وضعت عز الصغير فوق ساقاي ثُريا التي إحتضـ.ـنته برعاية،وأسرعت هي خلف مليكة كي يطمئن قلبها علي نجلها وحفيدتها


نظر طارق إلي والده وتحدث بطريقة دُعابية:

-الباشا كُلنا قاعدين قلقانين عليه واتصلنا بيه بدل المرة ألف علشان نطمن، وسيادته أول ما فتح تليفونه ماشفش من كُل المكالمات الفائتة غير مكالمة واحدة بس، وأول ما جت له الفرصة كانت أول مكالمة من نصيب مليكة هانم طبعاً


قهقه عبدالرحمن،أما عز فأردف قائلاً بتعقل وكلمات متزنة ذات معني:

-القلب له أحكام يا طروق،والراجـ.ـل مِننا مهما بلغت سُلطِته وقـ.ـوته، لما سَهـ.ـم العِشق بيرشـ.ـق في قلبه، بيُملكه وبيتحكم فيه زى لاعب الشطرنج المُحترف ما بيتحكم في القطع ويحركها بمنتهي المزاج والحِرفية


تحدثت تلك السيدة سيئة الطباع مستفسرة بنبرة خبيثة وهي تتناقل النظر بين عز وثُريا، ويرجع ذلك لتيقُنها بعشق عز الجارف إلي تلك الثُريا مُنذُ وفاة زوجها أحمد، وهذا ما قرأتهُ من خلال نظراتهُ العاشقة لها طيلة السنوات المُنصرمة:

-ويا ترى يا سيادة اللوا منال إمتلكت القلب وإتحكمت؟


وأسترسلت بخُبث وهي تتبسم إليه بمكر:

-ولا اللِعب بإحترافية زى ما بتقول،كان من نصيب غيرها ؟


إبتسم بسماجة وأجابها بمكر ودهاء متبعاً معها سياسة التلاعُب النفسي ( سياسة قلب الترابيزة):

-كان من الأولي إنك تسألي السؤال ده لنفسك يا راقية،


وأكمل متسائلاً بنظرة ماكرة:

-إنتِ فعلاً قدرتى تُملكي قلب عبدالرحمن ومشاعره،ولا غيرك طلع أشطر منك ومـ.ـوت لك المَلك بتاعك وامتلك هو الذِمَام؟


قال كلماته وضحك ساخراً وهو ينظر إلي عبدالرحمن الذي ضحك وهز رأسهُ بلا فائدة من أسلوب شقيقهُ الماهر في سياسة التلاعب بالآخرين والتغلب علي إفشال خطتهم


باشا،والله باشا... جُملة قالها طارق بإشادة وهو يُصفق بكفاي يـ.ـداه بإستِحسَان ومُبَاهَاة


إبتسم عز وأمال رأسهُ في حركة شاكرة لنجلهِ متحدثاً:

-حبيبي يا طروق


أما تلك الراقية التي لم يكْن لها نصيبً من إسمها ولو حتي القليل فشعرت بإشـ.ـتعال جَـ.ـسدها بالكامل من تهكم ذاك العِز وزو جها الذي لم يتردد بالضحك والسُخرية من ما تعرضت إليه من إستهزاء عز بها أمام الجميع


أرادت تلك الخلوقة إخراج الجميع من حالة المشاحنة تلك، فتحدثت موجةً حديثها إلي إبنتها قائلة بإستفسار:

-جهزتي السحُور يا يسرا علشان خالك؟


هزت رأسها بإيجاب وأردفت قائلة:

-ما تقلقيش يا حبيبتي، جهزت كل اللي قولتي لي عليه


هتفت راقية قائلة بسماجة متجنبة ما حدث معها مُنذ القليل:

-أهم حاجة تكوني عملتي حسابنا معاكم في السُحور يا يسرا؟


تحدثت ثُريا بهدوء ورضا:

-أكيد عاملين حساب الكُل يا راقية،يعني معقول هتسيبوا حسن وعيلته يتسحروا لوحدهم بعد غيبتهم المُدة دي كلها


رمقها عبدالرحمن بنظرات سَاخـ.ـطة فهتفت قائلة بقُبح:

-بتبص لي كده لية، إحنا قاعدين هنا من بدري نستني وصول الباشمهندس ومعملناش سُحور، وبعدين هالة كانت مع يسرا وعَلية بتجهز معاهم


هز عز رأسهُ وابتسم ساخراً علي تلك النائبة التي آُبتلىَ بها شقيقهُ المسكين طيب القلب والذي لم يستحق ذاك عقاب أبدا، لكنه أيقن أنها إبتلائهُ الدنيوي من الله واللهم لا إعتراض علي أمّره


دخلت سارة من البوابة الحديـ.ـدية يجاورها شقيقها ياسر الذي أصبح شابً في الثانية والعشرون من عمره، كانت ترتدي ثوباً رائعاً أظهر إنوثـ.ـتها الرقيقة وزادها سِحراً،إبتسمت برقة وتحدثت بوجهٍ يشعً إشراقاً:

-مساء الخير


وتساءلت متلهفة:

-هو جدو حسن وعيلته لسة ماوصلوش؟


إبتسم لها عز وأردف بإستحسان:

-ده إيه الجمال والشياكة دي كلها يا سو، كُل ده علشان جدو حسن


إبتسمت له بوجهٍ يشع إحمراراً وانزلت بصرها خجلاً وشكرته، بعد وقت قليل توقفت سيارة وليد وسيارة عُمر وترجل منها حسن وعائلتهُ تحت سعادة جميع العائلة بحضورهم الغالي


هرول حسن إلي ثُريا محتـ.ـضناً إياها وتحدثت وهي تُربت بحنان فوق ظهـ.ـره:

-حمدالله علي السلامة يا حبيبي، نورت إسكندرية كُلها


إبتعد حسن قليلاً وأمـ.ـسك كفاي شقيقتهُ الغالية ووضع فوقهما قُبـ.ـلات متفرقة وتحدث بتلهف:

-وحشتيني يا ثُريا، وحشتيني أوي


أردفت قائلة بإشتياق:

-وإنتَ كمان يا حسن وحشتني أوي


ثم نظرت إلي إبتسام التي هرولت إليها واحتضـ.ـنتها بإشتياق متحدثة:

-وحشتيني يا أبلة ثُريا


اجابتها ثُريا بحفاوة:

-وإنتِ كمان يا بسمة،حمدالله علي سلامتكم يا حبيبتي


إحتضـ.ـن عز حسن وبات يُربت علي ظهـ.ـرهُ بحماس وتحدث بحفاوة:

-ليك وَحشة يا باشمهندس


تبادلت مليكة الأحضـ.ـان مع إبتسام التي تكِن لها محبة كبيرة واحترام وأيصاً حسن ورؤوف وإسلام


أما ذاك العاشق الذي نظر متلهفً علي تلك الخجولة التي كانت تنظر إليه بقلبٍ يرتجف من شدة سعادته وخجله، كّم كانت جذابة ورائعة الجمال بخجلها وعفويتها التي تُميزها عن غيرها


تحرك إليها منساقاً بأمر الهوي، وقف قُبالتها وتحدث بنبرة حنون خرجت عُنوةً عنه وهو يُبسط ذر اعهُ بإتجاهها إستعداداً لمصافحتها:

-إزيك يا سارة


مدت يـ.ـدها المرتجفة إليه علي إستحياء وتحدثت بنبرة خجلة:

_ أزيك إنتَ يا باشمهندس


تلامـ.ـست الأيـ.ـادي وتلاقت الأعيُن وتشـ.ـابكت بنظرات هائمة لعاشقان مبتدأن ويخطوان خطواتهم الأولي في حديث العشق داخل عالم الغرام، أحتضـ.ـنت القلوب بعضها بإشتياقٍ جارف


أخرجهما مما هما عليه ذاك الطارق الذي وضع راحة يـ.ـدهُ فوق كتف رؤوف ونطق بترحابٍ عالِ:

-نورت إسكندرية يا هندسة


إلتفت إليه وتحدث بدبلوماسية وهو يحتـ.ـضنهُ:

-إسكندرية منورة بناسها الكِرام طارق باشا


أنزلت بصرها بخجل وحالة من الهيام سيطرت علي قلبها الرقيق حديثُ العشق، وتحركت إلي حسن ومدت يـ.ـدها للمصافحة ونطقت بنبرة هادئة وبسمة رقيقة:

-إزى حضرتك يا جدو


نظر لها بعيناي متسعة وتحدث بنبرة حماسية:

-إيه الجمال ده كُله يا سارة،إحنا كبرنا وبقينا قمر ما شاء الله


إبتسمت خجلاً وسحـ.ـبها هو لداخل أحضـ.ـانه، ثم نظر إلي الجميع متفحصاً الوجوة وأردف متسائلاً:

-أومال ياسين ونرمين فين؟


أجابهُ عبدالرحمن موضحاً:

-ياسين عنده شغل في ألمانيا وهييجي بكرة إن شآءالله،  ونرمين هي وجو زها وأولادها كانوا بيفطروا عند حماتها النهاردة وهيباتوا عندها


أومأ حسن لهُ بتفهم في حين تحدثت راقية إلي إبتسام:

-والله زمان يا بسمة، عاش من شافك يا حبيبتي


إبتسمت لها تلك السمراء المُشرقة دائماً وتحدثت بإحترام:

-عِيشتي وبقيتي يا أبلة، طمنيني عليكي وعلي صحتك


أجابتها بوجهٍ لا يعرف للإبتسامة طريق:

-الحمدلله يا حبيبتي،أنا زي الفُل


إبتسمت منال بجانب فمها بسخرية علي تلك المرأة غريبة الأطوار وتحدثت وهي تُشير إلي إبتسام وتحثها علي الجلوس:

-واقفة ليه يا بسمة،إقعدي يا حبيبتي


جلس الجميع وبدأوا يتسامرون بالأحاديث الشيقة فتساءلت منال مستفسرة:

-هي عالية ماتعرفش إنكم جايين النهاردة ولا إيه؟


أجابتها إبتسام موضحة:

-عارفة طبعاً،وحتي لسه مكلمانا بعد ما نزلنا من الطيارة وكانت هتتجنن وتشوفنا،بس أنا اللي مارضتش أخليها تيجي بالليل كدة علشان هوا البحر البارد ما يتعبش الأولاد


أردفت ثُريا قائلة بإيضاح:

-أنا عزمتها هي وشريف وسالم بيه وسُهير علشان ينورونا بكرة علي الفطار


نظرت لها لمار وأردفت بملامح وجه مُبهمة يصعُب تفسيرها ورجع ذلك لدهائها:

-واااااو، فكرة حلوة أوي يا Auntie، بيعجبني جداً في حضرتك حُبك وإصرارك وتمـ.ـسُكك بلمة العيلة


واسترسلت بإبتسامة شبه ساخرة لمحها عز:

-مع إن الناس بطلت تهتم بالمواضيع دي من زمااااان


نظر لها عز وتحدث بنبرة ساخرة:

-معلش، نصيبك وقعك في عيلة قديمة شوية، بعيد عنك بتهتم بالأصول والرحمة والإنسانية وبتحب الترابط الأسري

واسترسل:

-بس إنتِ كمان ليكِ حق تستغربي، بباكي أخدكم من صغركم وعاش بيكم في لندن،يعني عيشتي محرومة من لمة العيلة علشان كدة مش عارفة قيمتها ولو مقدراها


إبتسمت له وتحدثت بنبرة هادئة للغاية:

-أكيد حضرتك عندك حق يا Uncle


أتت مليكة بعد قليل وتحدثت بوجهٍ مُشرق:

-السحُور جاهز،إتفضلوا


وقف الجميع وتحركوا بإتجاة الطاولة، جاورت لمار مليكة التحرك وهمـ.ـست بجانب أذنـ.ـها:

-مليكة،كُنت حابة أتكلم معاكِ في موضوع مهم جداً ويخصك


توقفت مليكة عن السَير وأستدارت لها وتحدثت وهي تنظر إليها بهدوء:

-موضوع إيه ده يا لمار؟


تلفتت حولها لضمان عدم إستماع أحدهم عليهما،ثم نظرت إليها بتمعن وتحدثت بإهتمام:

-مش هينفع نتكلم هِنا،لكن كُل اللي أقدر أقولهُ لك علشان تطمني،إن الموضوع اللي عوزاكِ فيه هيفرق جداً في مستقبل أولادك


وأسترسلت بحرص:

-إحنا لازم نتكلم في مكان هادي علشان أقدر أشرح لك بالتفصيل

واكملت لعلمها بطُرقها الخاصة أن عز المغربي لن يكون متواجداً بالمنزل غداً،وذلك لذهابه إلي الطبيب حيث موعد الفَحص الطبي الشامل لديه:

-هستناكي بكرة علي الساعة واحدة الظهر في جنينة ڤيلتنا علشان نكون علي راحتنا في الكلام,Auntie منال هتكون موجودة معانا

ثم تحدثت بعملية وهي تُشير إليها للأمام:

-يلا بينا علشان نتسَحر


وتحركت تحت إستغراب مليكة من حديث تلك غريبة الأطوار التي لم تفهمها ولم تشعُر بإتجاهها بالراحة بتاتاً


هل ستتمكن لمار من خداع مليكة وإقناعها ببيع بعض أسهم صغيريها مقابل حفنة من الملايين المُغرية؟

أم أنه سيكون لمليكة رأياً آخر؟

كل هذا وأكثر سنتعرف عليه من خلال قراءتنا للفصل القادم

كونوا بالقريب


إنتهي البارت

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل السابع روز أمين

لَقَدْ اِنْحَدَرنَا وتَاهتْ معَالِمُنَا بلْ و وَصَلَ بنا الآمر إلى السَّفَه

وأَصْـبَحْنا نَرَى ذَواتِ القَلُوب الَبريئةِ ضُعَفاءُ وننعتهُم بالبُلْهٌ


بقلمي روز آمين


بعدما تناولت جميع العائلة السُحور مع عائلة "حسن"

جلسوا بالحديقة يتبادلون الأحاديث الشيقة وهم يتناولون المشروبات

تحركت "سارة" واتخذت مقعداً جانب سُور الحديقة (دكة خشبية) وجلست فوقها وأمـ.ـسكت هاتفها تتحدث من خلالهُ مع أيسل عبر تطبيق الفيديو كول كي تشاركها فرحة مشاعرها البريئة،وتقص عليها ما شعرت به عندما رأت حبيبها أمام عيناها، فقد كانتا الفتاتان قريبتان وتتشاركا الأسرار فيما بينهما وذلك لمرورهما بنفس المرحلة العمريه وتقارب تفكيرهما


إبتسمت أيسل وهمـ.ـست لها كي لا يستمع لحديثهما والدها الذي يقف أمام مدخل المنزل يتحدث مع إيهاب وتحدثت:

-قال لك إيه يا أول ما شافك يا سو


واسترسلت متلهفة:

-حـ.ـسيتي بإيه لما مِـ.ـسك إيـ.ـدك وبص جوة عنيكي؟


همـ.ـست تلك الرقيقة ذات القلب الأخضر بنبرات هائمة لتحكي ما أصابها من مشاعر بفضل عِشقها الحديث:

-إحـ.ـساس حلو أوي يا سيلا، حـ.ـسيت برعشة لذيذة في جـ.ـسمي كله،وقلبي،قلبي كان هيخرج مني ويجري عليه علشان يُحـ.ـضنه


وأكملت بإعتراف:

-أنا بحب رؤوف أوي يا سيلا،بحبه وحاسة إني محتجاه له أوي في حياتي .


إبتسمت أيسل وهمـ.ـست وهي تُداري فَمِها بكف يـ.ـدها كي لا يصل صوتها لذاك الداهي الذي لا يُخفي عنه شيئاً بتَاتاً:

-تعرفي يا سارة،أنا نفسي أجرب الحُب أوي،تخيلي لحد الوقت عمري ما عشت أى مشاعر تجاة أى شخص


ضحكت سارة وأردفت بدُعابة:

ودى هتعشيها أمتي وإزاى يامِسكينة وسيادة العميد عامل علي حياتك كماشة ومكلبـ.ـشك


تأففت أيسل وتحدثت بإستياء شديد ظهر علي ملامح وجهها:

-إسكتي بقا ومتفكرنيش بمأساتي،أنا بجد زهقت من الحرس اللي بيتحركوا معايا في كل خطواتى دول


وأكملت ساخرة على وضعها بإستنكار:

-المكان الوحيد اللي باخد فيه راحتى وبيسمحوا لي أدخل فيه لوحدى هو التواليت،غير كده مسيو إيهاب ملازمني زي ظلى


أطلـ.ـقت سارة ضَحكة خرجت رُغم عنها،رمقتها أيسل وهتفت بحِنق:

-بتضحكي على إيه إنتِ كمان


تحرك ذاك العاشق وتحدث إلي يُسرا متحججاً ليجلس بجانب فتاتهُ:

-هروح أكلم أيسل مع سَارة


إبتسمت لهُ يُسرا وتحدثت بترحاب:

-روح يا حبيبي


ذهب إليها ووقف قُبالتها،رفعت بصرها تتطلع على طوله الفارع، رمشت بأهدابها عدة مرات متتالية دلالة على شدة خجلها، إبتسم لها وتحدث بإستئذان:

-تسمحي لي أقعد معاكي،عاوز أسلم علي أيسل


تبسمت بارتباك ولم تستطع إخراج حرفاً واحداً من داخل فمِها، في حين هتفت أيسل التي إستمعت إلي صوته:

-إزيك يا باشمهندس،


وأسترسلت مُداعـ.ـبة إياه بمعاتبة ودُودة:

-ينفع كدة جدو حسن يختار الوقت اللي أنا مش موجودة فيه ويجيبكم زيارة لإسكندرية؟


جلس بجانب تلك المُرتبكة وأمـ.ـسك منها الهاتف وتحدث بمشاكسة وهو ينظر إلي أيسل عبر الفيديو:

-لو إستنينا مواعيد سيادتك يبقا ماكُناش هنيجي أصلاً


ضحكت الفتاتان علي دُعابته وتحدثت مليكة بصوتٍ مرتفع كي تُسمع الجميع:

-حد هيشرب قهوة يا جماعة؟


هتف رؤوف بصوتٍ عالى وأردف بنبرة ودودة:

-إوعي تنسي قهوتي المظبوطة يا مليكة


إنتبه ياسين وإلتفت سريعاً إلي إبنته عندما إستمع إلي ذكر إسم معشوقتهُ على لسَان أحدهُم،رفع كف يـ.ـده إلي إيهاب في إشارة منه إلي الإنصراف وتحرك إلي حيث مجلس إبنته


إستمع من جديد إلي صوت ذاك الرؤوف الذي ميزهُ وهو يتحدث بدعابة أحـ.ـرقت روح ذاك الغيور عاشق حبيبته:

-أنا أصلاً بتحجج أجي إسكندرية علشان أشربها من إيـ.ـدك


هتفت مليكة بصوتٍ مرتفع وصل لأذان ذلك الذي يقفُ مستشيطاً:

-من عيوني يا هندسة،حالاً هيكون عندك أحلا فنجان قهوة مظبوط


إبتسم لها رؤوف وأردف مادحاً:

-تسلم إيدك يا ملكة القهوة


ما شعر بحاله إلا وهو يسير بخطوات واسعة ليصل إلي إبنته،وبلحظة إستعاد إتزانهُ وتملك من حالة الغيرة وتحدث برصَانة متسائلاً إياها وهو يُشير إلي الهاتف:

-ده رؤوف إبن جدو حسن؟


رفعت رأسها ونظرت لأبيها وهزت رأسها بإيجاب:

-أه يا بابي هو


فأشار لها بكف يـ.ـده مطالباً إعطائهُ الهاتف، بالفعل ناولته أيسل هاتفها، نظر لذاك الرؤوف وتحدث متعجباً:

-إزيك يا رؤوف،وصلت إسكندرية إمتي؟


أجابهُ رؤوف بإبتسامة بشوش:

-الله يسلمك يا سيادة العميد،وصلنا من حوالي ساعة ونص


إستغرب ياسين حديثه،فلم يكن لديه علم بمجئ أسرة عمهِ وذلك لإنشغالهِ خلال اليومين المنصرمين بالعمل والسفر إلى دولة ألمانيا ولم تأتي مناسبة كي يخبروه، هتف بإستفسار:

-هو إنتَ جاي مع حد؟


أردف رؤوف بإستغراب:

-أنا جاي مع أبويا وأمي وإسلام


ونطق متسائلاً بتعجب:

-هو حضرتك ماكُنتش تعرف إننا جايين ولا إيه؟!


كظم غيـ.ـظهُ من سؤال رؤوف وتجَاوزهُ دون رَد،أراد إنهاء تلك المكالمة فتحدث بعجالة:

-نورت إسكندرية يا رؤوف، أشوفك بكرة علي الفطار إن شاء الله


قال كلماتهُ المقتضبة وبسط يـ.ـده لصغيرته وناولها الهاتف تحت إستغرابها حالة والدها الغريبة،وتحرك عدة خطوات في طريقهُ للخارج،كاد أن يخرج أوقفهُ صوت ليالي الذي صَدح من خلفه قائلة:

-رايح فين يا ياسين،السُحور جهز خلاص؟

إلتف بجـ.ـسده ناظراً عليها وتحدث علي عُجالة:

-هعمل مكالمة سريعة علي ما هالين تطلع السحُور للرجالة


وتحرك سريعً خارجاً إلي الحديقة وأتصل علي رقم مليكة وأنتظر بقلبٍ مُشـ.ـعل،كانت تقف أمام الموقد تصنع قهوتها المُمتزجة بالحُب والإهتمام للجميع،أفرغت ما بداخل الرَكوة داخل الأقداح الخاصة بها وتحدثت إلي مُنى:

-تعالى من فضلك طلعى القهوة برة يا منى


أومأت لها منى بطاعة وأمـ.ـسكت الحامل وتحركت فى طريقها إلى الخارج وتابعت مليكة الركوةَ الآخري، إستمعت إلي رنين هاتفها يصدح من داخل جيب ثوبها الفِضفاض،أخرجته وسريعاً أجابت بقلبٍ سعيد حين شاهدت نقش إسم خاطـ.ـف قلبها وهتفت بصوتٍ يهيم بعشق حبيبها:

-حبيبي


كانت تتحدث بوجهٍ ضاحك متبسم سعيد، إختفت بسمتها فور إستماعها إلي صوته الغاضـ.ـب وهو يُصيح قائلاً بنبرة حادّة:

-عملتي القهوة لرؤوف بيه ولا لسة يا هانم؟


إبتلعت لُعابها ليقينها غيرة زو جها الشديدة من ذاك الرؤوف وذلك لتقربه منها ومداعَـ.ـبتِها بحُكم أنهُ يَكِنُ لها معزة ويعتبرها كشقيقتهُ وهذا ما لم يتفهمهُ ولن يتقبلهُ ياسين بتاتاً


أشارت بيـ.ـدها إلي عَلية لتتابع ركوة القهوة وتحركت هي إلي خارج المطبخ كي تستطيع الرد علي ذاك الثـ.ـائر


وأسترسل هو غاضباً:

-هو إنتِ ليه ماقولتليش إن عمي حسن وأولاده جايين النهاردة؟


إستفهمت بنبرة حنون وهي تتحرك إلي الباب الخلفي للمنزل والذي يطِلُ علي الحديقة الخلفية:

-مالك يا "ياسين"،إيه اللي مضايقك أوى كده يا حبيبى؟!


صاح هو هادراً بها:

-مش عارفة مالي يا مَدام؟

فيه إني قاعد في أمان الله جنب بنتي اللي بتكلم بنت عمتها في التليفون،


وأستطرد بغضب:

-وفجأة ألاقي البَقـ.ـف اللي إسمه رؤوف بيقول لمـ.ـراتي


واكمل وهو يُقلد صوت رؤوف ساخراً:

-متنسيش قهوتي يا "مليكة"، أنا أصلاً بتحجج وباجي إسكندرية علشان أشربها من إيـ.ـدك

وأستطرد بغضـ.ـب أكثر:

-لا والهانم المحترمة بترد عليه وتقول له من عيونى


واسترسل بوعيدٍ غاضـ.ـب:

-وحياة أمّى يا مليكة لما أجي لك لأعرفك إزاى تقولى لراجل غريب كلمة زى دى


إبتلعت ريقها رُعباً من هذا الثـ.ـائر وحِدة صوته،وتحدثت بنبرة هادئة إصطنعتها بإعجوبة كي تستدعي بها هدوئهُ:

-طب ممكن تهدى علشان خاطرى


إستمعت إلي صوت ليالي التي إقتربت منه وتحدثت بدلال:

-يلا يا ياسين


نظر لها وتحدث بهدوء إصطنعهُ بإعجوبة كي لا يُزعج تلك التى لا ذنب لها فيما أصابهُ من جنون على يـ.ـد متيمة قَلبهْ:

-حاضر يا ليالي،إدخلي وأنا جاي وراك حالاً


تحركت بالفعل ليالي وتحدث هو بنبرة أمرة حادّة:

-تاخدي ولادك وتطلعي علي فوق حالاً، مفهوم؟


أما هي فتحولت نـ.ـار الغيرة إليها،وإشـ.ـتعل داخلها عندما إستمعت لصوت ليالي وهي تستدعيه إلي الداخل، هتفت بنبرة غيورة:

-ليالي عاوزة منك إيه؟


حدقت عيناه عند إستماعهُ لسؤالها الغريب وهتف متعجباً:

-إنتِ سمعتي أنا قولت لك إيه؟!


كررت عليه سؤالها بنبرة أضعف وصوت مختنق متجنبه حديثهُ:

-ليالي عاوزة منك إيه يا ياسين؟


صاح بنبرة عالية وعِناد كنوعاً من عقابهُ لها:

-مش هريـ.ـحك يا مليكة،وكلامي يتنفذ بالحرف الواحد،حالاً تسيبى أى حاجة فى إيـ.ـدك وتطلعي علي فوق وأنا هكلم مُنى علشان تطلع لك الأولاد


واستطرد بتساؤل حادّ:

-كلامي مفهوم يا مدَام ؟


فرت دمعة هاربة من عيناها من شدة ألـ.ـمها وغيرتها التي تُشـ.ـعل جَـ.ـسدها عندما تتخيل رجُـ.ـلها بأحـ.ـضان غيرها من النساء،نعم هي تعلم أنها الدخيلة عليهم لكن ما يحدث معها رُغمً عنها

فقد وصلت مراحل عشقها المُولَعُ لذاك الحَبيب إلي ذُرْوتهْ

وفاض القلب وما عَادت تري الدُنيا سوىّ من منظور عيناهْ

ولا تستشعر معنى للوجود ولا لحياتها بِرُمَّتِها إلا فى حَضرتهْ


همـ.ـست بنبرة مُتألـ.ـمة مُستعطفة إياه أن يُريـ.ـح صـ.ـدرها بكلمة حتي ولو كَذباً:

-ياسين


علي الفور لان قلبه و رَق فور إستماعهُ لنبراتها المتوسلة،أخذ نفساً عميقاً لضبط النفس وتحدث بهدوء كي يبث الطمأنينةُ داخل قلبها العاشق:

-داخل اتسحر،إرتحتي!


واستطرد بنبرة آمرة:

-إتفضلي إطلعي على فوق زي ما قُلت لك


إبتسمت بسعادة وأردفت بنشـ.ـوة وهى تُجفف دمعتها:

-أنا بحبك يا ياسين، بحبك أوى


إنتفض قلبه عند إستماعه لصوتها المُنتـ.ـشي ولم يدري بحاله إلا وهو يقول لها بنبرة رجُل هائم بعشق مليكتهُ:

-وأنا بعشقك يا قلب ياسين من جوة

يلا بقى إطلعى علشان خاطرى.. جُمله حنون قالها بإستعطاف عاشق


أجابته وهي تصعد الدرج تقودها ساقيها للاعلى ممتثلة لأمر الهوي وأمره:

-حاضر يا حبيبي


وصلت إلى جَناحها وتحركت مُنى إلى الحديقة بعدما هاتفها ياسين وأملىّ عليها ما ستُبلغ به ثُريا كى يُجمل من شكله وزوجته، وقفت مُنى قُبالة ثُريا الجالسة بين تجمع العائلة وتحدثت بإحترام ووقار:

-ست ثُريا، الست مليكة تِعبت شوية وطلعت ترتاح وطالبة أطلع لها عز وأنس علشان تنيمهم وتطمن عليهم قبل ما تنام


سألتها ثُريا بذُعرٍ ظهر على ملامح وجهها:

-تِعبت إزاى؟


كادت أن تقف لتصعد للأعلى كى تطمئن عليها أوقفتها تلك العمِيلة قائلة كي لا تنكشف خطة سيدها:

-مش تعبانة يا ست هانم، هي بس محتاجة تفرد جِـ.ـسمها علي السِـ.ـرير وهتبقى زي الفُل


أردفت إبتسام موجةً حديثها إلى ثُريا:

-سبيها تنام يا أبلة وإن شاء الله هتقوم بكرة كويسة


تحدثت منال بإهتمام وهى تُخرج هاتفها الجوال من جيب بِنطالِها:

-أنا هكلمها ولو لقيتها تعبانة هتصل بالدكتورة مُنى تيجى تشوفها وتِطمِنا عليها


وبالفعل هاتفتها وطمأنتها مليكة وأبلغتها أنها بخير، وجُلّ ما في الآمر هو مجرد إرهاقاً وسيزول بأخذها لحماماً دافئً وخلودها للنوم


صعدت لها مُنى وهي تحمل الصغير غافياً وابلغتها بأن ثُريا أبقت أنس غافي بتختها كي يُؤنسها،

طلبت من مُنى وضع الصغير داخل تختها كي لا يغفي بمفرده داخل غرفته دون أنس ودثرته تحت الفراش الوثير وتحركت إلي غرفة مروان كي تطمئن عليه قبل أن تخلُد للنوم لتريح جـ.ـسدها بجانب صغيرها


دلفت إلي غُرفة الفتي بعدما طرقت بابهُ بإستئذان وسمح لها هو بالدخول، وجدته يجلس فوق تخته مُمـ.ـسكاً بهاتفهِ الجوال،تحركت إليه وجلست بجانبه وتحدثت بإبتسامة حنون:

-بتعمل إيه يا حبيبي؟


إبتسم الفتي لطلة والدته المُحببة لدى قلبهْ وتحدث بإحترام:

-كُنت بشوف جروب المَدرسة قبل ما أنام ليكون فيه جديد.


تحدثت بنبرة قلقة:

-أنا مش عارفة هتروح المدرسة إزاى وإنتَ مش واخد كفايتك من النوم


أجابها الفتى مفسراً:

-يا مامي النهاردة كان أجازة وأنا قضيت اليوم كُله نوم وأخدت كفايتى الحمدلله


ثم صاح مشاكساً والدته:

-وبعدين يا مامى بَطَلِى تقلقى عليا،أنا خلاص كِبرت ومابقتش مروان الطفل الصُغير اللي حضرتك ونانا ماشيين وراه زى ظله علشان تِحمُوه من المخاطر اللى مش موجودة غير فى دماغكم


ضحكت بخفة واردفت بمشاكسة:

-ولو بقى عندك تلاتين سنة بردوا هنفضل نقلق عليك

هز رأسه بإستسلام وأكملت هي بتساؤل:

-عملت إيه فى العجمى النهاردة؟


إلتمعت عيناى الفتى وتحدث بحَمَاسَة:

-إنبسطت جداً،تعرفي إن كُل اللي شافنى قال لى إنى بقيت نُسخة من بابا الله يرحمه


إبتسمت له بسعادة فاسترسل مُبتهجاً:

-شفتى يا مامى،جدو فريد قال لى إنه فرحان بيا أوى وحجز لى المُهرة اللي الفرسة بتاعته هتخلفها بعد شهر،وجدو عز وعدنى إنه هيعملنى ركـ.ـوب الخيل فى النادى


كانت تستمع إليه بسعادة لا متناهية لأجل تهَلُّل ملامح وجه ولدها الغالى،وضعت كف يـ.ـدها وتحـ.ـسست بها وجنته بحِنو وتحدثت بعيناى فخورة:

-كُلنا فرحانين بيك يا حبيبي علشان إنتِ وأنس عوضنا عن خُسارتنا الكبيرة لرائف الله يرحمه،بس اللى أفضل من إنك تكون شبهه،إنك تكون على نفس أخلاقه وطيبته


واسترسلت بعيناى مُتألـ.ـمة وقلبٍ ينـ.ـزف لأجل رفيق دربِها السَابق والذى عشقها بكل جوارحهُ وغمرها بحنانه وهذا ما جعلها تحتفظ بذكراه الغالية بداخل قلبها رُغم عشق ذاك الذى إقتحـ.ـم قلبها وغـ.ـزاهُ بقوة:

-رائف كان أحسن وأحن راجل فى الدُنيا كُلها،عُمره مازَعل حد منه ولا إتسبب فى مُشـ.ـكلة لأى إنسان


واستطردت بتأثـ.ـر:

-عاش حياته ومّرْ زى النِسمة الهادية فى حياة كُل اللى حواليه،وكأنه كان عارف إنه هيكون ضيف خفيف جاى فى زيارة سريعة وراحل على طول.


إطمئن قلب الصغير وتنفس براحة عِندما لَمح حُزن والدته وألمـ.ـها على والدهُ الغالى وشعر بأنها مازالت تكِن لهُ الحُب وكّم أنها مازالت مُستاءة لرحيلهُ


سألها الفتى مُستفسراً وهو ينظر لعيناها بترقُب شديد:

-أنا عارف إن حضرتك لسة بتحبى بابا ومانستيهوش


واستطرد بعيناى شبه لائمة:

-بس اللى دايماً محيرنى ومضايقنى،هو إنك إزاى قبلتى تتجوزى راجل تانى بعد موته؟


إنتفض قلبها من سؤال الفتى وأبتلعت لُعابها وتحدثت بدبلوماسيّة:

-الموضوع كان مُعقد وأكبر من إن يكون ليا رأى سواء بالموافقة أو الرفض،ساعات الدُنيا بتجبرنا ونضطر نمشى في طريق عُمرنا ما كنا نتخيل فى يوم إننا ندخله


واسترسلت لغلق الموضوع:

-فيه حاجات كتير حصلت وتفاصيل إنتَ ما تعرفهاش،بس لما تكبر وتكون قادر تستوعب أكيد هحكيها لك،ويمكن وقتها تِقَدَّر


وهمت بالوقوف عِندما وجدت كلمات وأسئلة عِدة داخل عيناى صغيرها وتحدثت بهروب وهى تنتوى مغادرة الغُرفة:

-حاول تنام الكام ساعة اللى فاضلين علشان تقوم فايق قبل باص المدرسة ما يوصل


واسترسلت بإهتمام:

-بلاش تظبط منبهك علشان تعرف تنام كويس من غير توتُر،أنا هصحى أنس لمدرسته وأفطره،وهبقى أجى أصحيك إنتَ كمان


إبتسمت له ومالت على رأسه واحتوتها بكفاها وقَبـ.ـلتها بحنان وحُب وأردفت:

-تصبح على خير يا بَطلى


تنهد الصَبى وتحدث بإبتسامة جانبية:

-وحضرتك من أهله


خرجت بعدما تأكدت من إندثارهِ التام تحت الأغطية وأطفات الضوء وتحركت إلى جَناحها،تمددت بجانب صغيرها الغافى وأبتسمت حين نظرت إلى وجههِ الملائكى الذي يُدخل على قلبها السرور،مالت عليه وقامت بوضع قُبـ.ـلة شغوفة فوق وجنتهُ الوردية،ثم إعتدلت من جديد وأسندت ظهـ.ـرها علي خَلفية التخت، بسطت ذراعها فوق الكومود وأمـ.ـسكت بكتاب الله العزيز وبدأت تتلو أياته لحين أذان الفجر كى تُصلى فرضها بوقته وبعدها ستغفوا


❈-❈-❈


أما عن ياسين،فقد دخل إلى منزله بعدما إنتهى من مهاتفة عميلتهْ السّـ.ـرية، وجلس حول الطاولة ثم شرع بتناول وجبة سحورهُ مع زو جته وإبنته،تحدث بتنبيه وهو يتناول إحدي اللُقيمات:

-أيسل،مش عاوزك تحتـ.ـكي بالولد الخليجي ده نهائي،الولد ده مش مظبوط


أومأت الفتاة بطاعة عمياء ويرجع ذلك لثقتها الكبيرة فى أبيها:

-أوكِ يا بابي


نظرت ليالي إليه بإرتياب وأردفت بنبرة قلقة:

-إنتَ هتقلقني ليه يا ياسين،إنتَ مش قولت إنك حليت الموضوع خلاص؟


أجابها بثقة وهدوء:

-أنا فعلاً عملت كده، وسعادة السفير طلع راجل محترم وكان حَازم جداً مع الولد،أنا كمان يُعتبر هـ.ـددته قدام الحضور وكنت صارِم جداً معاه


واستطرد وهو ينظر لإبنته قائلاً بحذر:

-لكن ده مايمنعش إن سيلا تاخد حَذرها منه وما تحاولش تدي له الفرصة اللي تخليه يتخطي حدوده معاها مرة تانية،الولد بكل بجاحة طلب يتجـ.ـوزها،يعني شكله مش عاوز يستسـ.ـلم وممكن يحاول يتقرب منها تاني


وأشار بسبابته قاصداً قُرة عينه:

-ده لو إنتِ إديتي له الفرصة


سألته مستفسرة:

-طب ممكن يا بابي تفهمني أعمل إيه علشان أتجنب شـ.ـره


أجابها موضحاً:

-تتجنبي كل مكان ممكن يكون متواجد فيه،ولو واقفة مع أصحابك وقرب وانضم ليكم تسيبي المكان فوراً وتبعدي،وياريت أول ماتخلصي محاضراتك تخرجي لـ إيهاب وترجعى معاه علي البيت علي طول


هزت رأسها بطاعة وأردفت بإمتثال:

-أوك يا بابي.


نظر لداخل عيناها بثبات ليمدها بالقوة ويبث داخل نفسها الطمأنينة وتحدث قائلاً:

-أنا مش بقول لك الكلام ده علشان تخافى وتقلقى،أنا بقولهُ لك علشان لازم تتعلمى إنك تحُطى حدود وثوابت لكل حاجة في حياتك


واسترسل بإعلام:

-أنا نبهت على إيهاب والرجالة يشددوا الحراسة عليكى وعينهم ماتغفلش عنك ثانية واحدة طول ما أنتِ برة البيت، لكن طبعاً ده برة الجامعة بحكم إنهم مش هيقدروا يكونوا معاكى جوة الحَرم الجامعى، علشان كدة سلامتك جوة الجامعة دى هتبقى مُهمتك إنتِ،فهمانى يا سيلا؟


هزت رأسها عدة مرات بطاعة

أمـ.ـسك ياسين بعض المحارم الورقية ونظف بها فمه وكفاى يـ.ـداه ثم هم واقفاً وتحدث بحمد واكتفاء:

-الحمد لله


نظرت ليالي إليه وأردفت بإستفسار:

-أخلي هالين تعمل لك حاجة تشربها؟


وقف وتحدث وهو يهز رأسهُ برفض:

-لا يا حبيبتي متشكر،أنا هقفل الباب وأمنه وهطلع أنام علشان عندي طيارة بدرى،عندى شغل ضرورى فى الجهاز وهنزل من الطيارة عليه على طول


واسترسل:

-وإنتوا لو خلصتم سحُور يلا إطلعوا معايا

أومأت كلتاهما له وتحدثت ليالي إلي العاملة كي تُلملم الأشياء المتواجدة فوق المنضدة وان تُعيد ترتيب المكان،ثم تحرك ثلاثتهم ناحية الدرج وصعدوا بالطابق الأعلي كي يغفوا بسلام


❈-❈-❈


ظهر اليوم التالي وقَـ.ـبل وصول ياسين من ألمانيا

داخل غُرفة لمار وعُمر الغافى فوق تخته يغط في سَبات عميق

خرجت لمار من داخل الحمام تحاوط شعر رأسها بمنشفة كبيرة لتجفيفهُ مُرتدية الثوب الخاص بالإستحمام( البُرنس)، وقفت أمام مرأتها وبدأت تضع بعض الكريمات المرطبة فوق بشرتها، بعد مدة كانت قد صففت شعرها جيداً وأرتدت ثيابها


حولت بصرها ونظرت على ذاك الغافى وأبتسمت ساخرة،ثم أخذت نفساً عميقاً كى تستعد لمعاملة ذاك المُدلل بالطريقة اللائقة به والتي جذبت بها أنظاره،ثم تحركت إليه وجلست بجانبه،ثم وضعت كف يـ.ـدها فوق ظهـ.ـره وبدأت بتدليكه له في حركات مُدللة لاقت إستحسان ذاك الغافى الذى إبتسم تلقائياً وهو مازال مُغمض العيناي


تحدثت بنبرة حنون:

-صباح الخير يا موري،يلا يا بيبي قوم الساعة بقت إتنين


تمطي ذاك المُدلل وتحدث بصوتٍ متحشرج متأثراً بنُعاسه:

-سيبينى نايم يا لومي،النهاردة أجازة من شُغلنا وأنا محتاج أعوض جِـ.ـسمى بالنوم، وبعدين هقوم أعمل إيه وأنا صايم


تنفست بهدوء كى تُعيد هدوئها النفسى ولا تفقد ضبط النفس وهي تحادث ذاك المُرَفَّه:

-مش أنا قُلت لك قبل ما ننام إننا هنفاتح مليكة النهاردة في موضوع أسهم أولادها؟


زفر بضيق وتحدث وهو يضع وسادته فوق رأسه:

-وأنا قُلت لك إنى مش معاكى فى الخطوة دى وإن بابا لو عِرف مش هيعدى لنا الموضوع


واستطرد لغلق الحديث:

-ومن فضلك إقفلى النور وسبينى أنام


رمقته بنظرة حاقدة ثم زفرت بضيق وتحركت إلي الخارج بعد أن اغلقت له الإضاءة


بالأسفل

أرسلت منال إحدي عاملات المنزل إلي مليكة كي تستدعيها للتحدُث معها في محاولة منها ولمار ووليد الذي جاء بناءً علي إتفاق وموعد سابق أخبرته به لمار، إجتمع ثلاثتهم لإقناعها ببيع بعضاً من حِصتها في الشركة إلي عمر ولمار


حضرت مليكة وجدت ثلاثتهم يجلسون أمام المسبح،تحدثت بإبتسامة هادئة:

-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ردوا السلام وأشارت منال لها بالجلوس، أردفت مليكة مُستفسرة وهي تستند علي حافة المقعد وتجلس بترقب ويرجع ذلك لإرهاقها الشديد جراء حَملها:

-خير يا طنط،موضوع إيه اللي حضرتك عوزاني فيه إنتِ ولمار ووليد؟!


أجابتها منال بنبرة حماسية:

-لمار جايبة لك عرض هتكسبي من وراه ذهب وإنتِ قاعدة في مكانك


ضيقت عيناها وهي تنظر إلي لمار فبدأت لمار تقص عليها ما يدور برأسها وخططت له هي وتلك المنال بالإشتراك مع وليد


بعدما إنتهت من السَرد تساءلت بإستفسار وترقُب شديد:

-ها يا مليكة،إيه رأيك في اللي حكيتهُ لك؟


هتف وليد في محاولة لإقناعها:

-لازم توافقي يا مليكة علشان مصلحة أولادك،الموضوع ده لو تم ثروة أولادك هتتضاعِف وإحتمال أكتر كمان


نظرت إلي ثلاثتهم بتعجب وحدثت حالها...ألهذا الحَد تظنونني حَمْقَاء بلهاء كي يتهافتُ علىّ كل حاقدٍ وطامع لينتزع حق صغيراي من بين قبضتي؟

لما دائماً تنظرون إلىّ بعينٍ صَاغرة ساخرين من حُسن خُلقى مع الجميع، أوجب علىّ وضع حدود لتعاملي مع الآخرين كي ترونى بعين الإحترام وتعاملوننى بسِمو؟


أخذت نفساً عميقاً ثم زفرته وأردفت بفطانة إكتسبتها من ياسين خلال عِشرتها معه:

-إنتِ ليه ماروحتيش لطارق وعرضتي عليه الموضوع ده؟


واسترسلت:

-وخصوصاً إنك بتقولي إن الأسهم هتبقي بإسم عُمر، يعني أكيد طارق مش هيكره الخير لأخوه


أجابتها شارحة بإستفاضة وكأنها ألة مبرمجة علي الرد:

-كُل اللي حواليا نبهوني وقالوا لي إن طارق هيرفض،تقدري تقولي كدة إني محبتش أدخل محادثة نهايتها محسومة وكل اللي هاخده منها هو إهدار وقتي، ولما قعدت مع نفسي وفكرت لقيت إن فرصتي معاكِ هتكون أكبر بكتير من طارق


أردف وليد قائلاً بنبرة حماسية في محاولة منه لإستقطاب مليكة:

-فكري بعقلك وشوفي مصلحة أولادك فين يا مليكة


ردت عليه بنبرة واثقة:

-سبق وعرضت عليا موضوع إنك تدير لي نصيبي في الشركة وأنا رفضت، وقُلت لك إني واثقة في إدارة طارق لنصيب أولادى


وأسترسلت وهى تهز رأسها تأكيداً علي رفضها:

-اظن مافيش حاجة إتغيرت علشان أغير رأيي أنا كمان


أجابها وليد بنبرة جادة:

-الموضوعين يختلفوا عن بعض تماماً يا مليكة،عَرضي ليكي وقتها كان بالإدارة،لكن عرض لمار شراكة، وكمان جايبة لك الصفقات اللي هتكسبي منها علي الجاهز وإنتِ قاعدة في بيتك حاطة رِجل على رِجل


وأكمل بنيرة خبيثة كى يُزعزع ثقتها الكبيرة بطارق:

-ماحدش يقدر ينكر إن طارق رجُل أعمال شاطر،وبني الشركة من الصِفر هو ورائف ونجحوها في وقت قياسي،لكن بعد موت رائف الشركة نموها وقف،أو نقدر نقول نموها بقي بطئ في ظِل العولمة اللى أصبحت تغـ.ـزو سوق العَمل


وأسترسل بإستخفاف تحت إستشاطة منال لأجل نجلها الغالى طارق،لكنها كظمت غيظها فليس هذا وقت المُحاسبة،فكُل ما يَشغَل بالها الآن هو خلق فرصة وتأسيس عمل جيد لصغيرها المُدلل وفقط:

-طارق بيفكر بعقلية بيرُوقراطية ودايماً بيحب يمشي في المضمون،مش عاوز يغامر علشان ما يعرضش الشركة لأى إحتمالية للخسارة


واستطرد شارحاً:

-وسوق العَمل ما هو إلا مُغامرة كبيرة،اللى مش هيغامر فيه ويُدخل بقلب جَامد هيفضل واقف محَلك سِر زي ما هو


أردفت منال قائلة فى محاولة منها لإقناعها:

-إسمعي الكلام وإعقليه كويس وبلاش تضيعي الفرصة من إيـ.ـدك يا مليكة


وقفت مليكة وتحدثت بإستقطاب لإنهاء المُقابلة:

-أنا أسفة يا جماعة،بس أنا كمان ببص للموضوع من وجهة نظر طارق وراضية بالمكسب المضمون حتي لو كان قُليل زى ما بتقولوا،ومش عاوزة أعرض حق أولادي للخسارة


وأستطردت مُفسرة بنبرة صَارِمة:

-ده مَال يتَامي وأمانة عندى، ومش من حقي أغامر بيه في لعبة مش مضمونة


لعبة؟!، إنتِ بتسمي عرض كبير زي ده أكبر شركات الإستيراد والتصدير فى البلد تتمني تحصل علي رُبعه، لعبة؟

كلمات مُستاءة متعجبة نطقت بها لمار وهي تنظر إلى مليكة بتقليل من مستوى الفِكْر لديها


هتف وليد مُحفزاً إياها:

-الفرصة مابتجيش للإنسان غير مرة واحدة في العُمر يا مليكة، والغبي بس هو اللي بيسيبها تضيع من بين إيـ.ـده


أجابته وهي تتأهب للتحرك إستعداداً للرحيل:

-إعتبرني غبية يا وليد،ولو فعلاً الفرصة حلوة زي ما بتقولوا، إعرضوها علي طارق وأنا واثقة في ذكائه وحِكمته


بعد إذنكم علشان سايبة عز مع ماما وزمانه مغلبها معاه.. قالت كلماتها وتحركت بالفعل بإتجاه البوابة الحديدية دون إنتظار رد أحدهم مما جعل ثلاثتهم يستشـ.ـيطون غضـ.ـباً منها


رمقتها منال بضيـ.ـق وهتفت بحِـ.ـنق:

-غبية،غبية


تنفس وليد وتحدث بإحباط:

-أنا كنت متأكد إنها مش هتوافق، ربنا يستر وماتروحش تقول لياسين


إرتعـ.ـبت أوصال منال من مُجرد الفِكرة،حين

هتفت لمار وهي ترمقهُ بنظرات مشمـ.ـئزة:

-بطل نَدب وفَكر معايا إيه اللي ممكن نعمله علشان نقدر نقنع طارق


وقفت منال وتحدثت وهي تتأهب للدخول إلي المنزل:

-ريحي نفسك،طارق مش هيوافق يديكي حتي ربع سهم


واسترسلت:

-أنا شايفة إن كفاية لحد كدة وشيلي الموضوع من دماغك زي ما قال لك عُمر،أصلاً سيادة اللوا لو عِرف إنك إتكلمتي مع مليكة في الموضوع هيقوم الدنيا علينا


واسترسلت بإرتياب:

-أنا مش عاوزة مشاكل يا لمار،عز باشا لو أخد خبر مش هيبقي حلو لا علشانك ولا علشاني


إنسحبت منال من الجلسة ودلفت إلي الداخل، نظر وليد إليها قائلاً بعد تفكير:

-بصي بقى، إنتِ إختيارك لمليكة كان غلط من الأول،مليكة دي واحدة هَبلة ولا بتعرف تحل ولا تربط


وأكمل بذكاء:

-إحنا سِكتنا مع طارق بس من غير ما تفاتحيه في بيع أسهم والكلام اللي هينرفزه ده، إحنا ندخل عليه بالعرض اللي جاي لك، إحنا بالمجهود وهو بإسم وملف شركته ونتقاسم الأرباح


وأسترسل بتعقل:

-وبكدة طارق هيوافق لأنه مش خسران حاجة،بالعكس ده هيكسب ملايين وهو قاعد مكانه

وأستطرد متسائلاً بترقب:

-ها،قولتي إيه؟


كانت تستمع إليه بإعجاب بطريقة تفكيرهُ وأردفت بإطراء:

-ده انتَ شكلك داهـ.ـية يا وليد، أنا موافقة طبعاً


وأكملت وهي تُشير إليه:

-كلم إنتَ طارق وحدد لنا معاه ميعاد في الشركة علشان نتكلم بحريتنا


أومأ لها بموافقة وتحرك مغادراً المنزل


❈-❈-❈


قبل موعد أذان المغرب بحوالي نصف ساعة

داخل حديقة رائف حيث تجمُع العائلة اليومي،بجانب أسرة حسن حضرت أيضاً عائلة سالم عُثمان التي دعتهم ثُريا للترحيب بأسرة حسن ولجمع شمل علياء بوالديها وشقيقاها


أعدت ثُريا وليمة ضخمة جهزت بها كُل ما لذ وطاب من الطعام وذلك كي تتناسب مع أذواق جميع الحضور، وطلبت من العاملات بمد طاولات بطول الحديقة بأكملها كي تحتوي ذاك العدد الكبير


حضر ياسين من عمله وقام بالترحاب بحفاوة بعائلة حسن وأيضاً عائلة مليكة التي سعدت كثيراً بإلتفاف جميع أحبتها من حولها،وما كان حال علياء ببعيداً عنها،فقد شعرت بإمتلاكها العالم أجمع بحضور عائلتها حيثُ كانت تشتاقُ إليهم كثيراً


وقف ياسين أمام سُهير وأحتضـ.ـنها ثم تحدث بترحاب:

-إزيك يا ماما، أخبارك إيه يا حبيبتي


فقد أصبحت علاقتـ.ـهُ بأسرة مليكة وطيدة للغاية وبات ينادي سُهير بأمي من شدة عِشقه الجارف لمليكة فؤادهُ


إنفرجت أسارير سُهير وأردفت قائلة بإبتسامة حنون:

-بخير يا إبني طول ما أنتَ ومليكة بخير


ثم تحرك إلي سالم وشريف وقام بالترحيب بكلاهما بإحتفاء


وبعد قليل إنطلق مدفع الإفطار

وقام المؤذن برفع الأذان،تحرك الرجال ليؤدوا صلاة المغرب، بعد الصلاة إلتف الجميع حول الطاولة، وتحدث حسن إلي ياسين متسائلاً:

-ليالي وسيلا أخبارهم إيه يا سيادة العميد؟


نظر لهُ ياسين وتحدث وهو يتناول طعامه:

-بخير يا عمي الحمد لله


ثم حول بصرهُ إلي إبتسام وأردف مرحبً بحفاوة:

-منورة إسكندرية كلها يا هانم


إبتسمت له بهدوء وأردفت بشكر:

-إسكندرية منورة بناسها يا سيادة العميد،مع إني زعلانة علشان كان نفسي أشوف مدام ليالي وسيلا


أجابها بهدوء:

-إن شاء الله هيكونوا موجودين علي العيد، وطبعاً حضرتك وعمي والشباب مشرفينا لحد العيد


ضحك حسن وتحدث موضحاً:

-عيد إيه بس اللي هنحضره هنا يا ياسين، ده أنا ورؤوف خطفنا الإسبوع ده من بُق الأسَد زى ما بيقولوا، إنتَ ناسي إننا في موسم والسياحة شغالة في أسوان


يعني مش هتحضر معايا العيد يا حسن ؟ كانت تلك جُملة حزينة نطقت بها ثُريا بصوت يملئ نبراته الشَجن


نظر بأسي لحال شقيقتهُ الحنون وتحدث بنبرة متفائلة كي يُراضيها:

-إن شآء الله هحاول أجي لك يا حبيبتي،ولو ظروف شُغلي منعتني هبعت لك رؤوف يجيبك إنتِ ومليكة والأولاد تقضوا معانا أجازة العيد كلها


علي ذِكر إسم رؤوف، إكفهرت ملامح وجه ياسين وحول بصرهُ سريعً إليه،وجدهُ بعالم أخر،فقد كان يجلس مقابلاً لتلك الرقيقة ويختلسان النظر من الحين للأخر مع أخذ الحيطة كي لا يلاحظهما الحضور،ولكن مع صَقر المخابرات لا شئ يبقى في الخفاء


شعر بالإستياء من ذاك الرؤوف الذي تجاوز الحَد وبدأ بتقـ.ـطيع الطعام بحِـ.ـدة مما أصدر ضجيجاً ناتجاً عن إحتـ.ـكاك الشوكة والسكين بالصَحن،شعرت به الجالسة بجواره فهمـ.ـست له بهدوء:

-مالك يا ياسين؟


أخرجه من حالته تلك صوتها الحنون فنظر إليها وتحدث بهدوء بعدما عاد لتوازنهُ:

-سلامتك يا قلبي


أمسـ.ـكت قطعة من اللحُوم بالشوكة والسكين ووضعتها أمامهُ قائلة بإبتسامة عذبة:

-كُل يا حبيبي


إبتسم بسعادة ونظر لها بعيناي تكاد تتأكلُ كُل إنشٍ بملامح وجهها


تحدثت ثُريا إلي عائلة سالم عثمان مرحبة بهم:

-نورتنا يا سالم بيه إنتَ وسُهير هانم


واسترسلت بإستفهام:

-مليكة كانت قالت لي إن الدكتور سيف هيجيب نُهي والأولاد وينزل مصر يحضر رمضان والعيد معاكم


تبسمت سُهير وأجابتها بملامح سيطرت عليها البهجة:

-إن شآء الله هييجي بعد يومين


وجهت منال حديثها إليها بإبتسامة مجاملة:

-يوصل بالسلامة يا مدام سُهير


أومأت لها سُهير بشكر وأردفت راقية:

-ربنا يبلغه السلامة يا حبيبتي


نظر ياسين إلي رؤوف وتحدث وهو يرمقهُ بنظرات مبهمة:

-منور يا باشمهندس رؤوف


إرتبك رؤوف وسحب بصرهُ الذي كان مصوباً بتركيز علي سارة ونظر إلي ياسين وتحدث بصوتٍ مُرتبكاً:

-ده نورك سيادة العميد


نظر عز إلي حسن وتحدث بجدية:

-أخبار السياحة في أسوان إيه يا حسن، إتحسنت بجد زي ما بنسمع كدة،ولا ده كلام جرايد؟


تحدث حسن:

-لا طبعاً مش كلام جرايد يا سيادة اللواء، السياحة إتحسنت جداً عن التلات سنين اللي فاتوا وخصوصاً الموسم ده


وتدخل عثمان وشريف وباقي الرجال في الحوار،


بعد إنتهاء الجميع من تناول الإفطار، جلس الرجال وبدأوا يتحدثون وأيضاً النساء اللواتي بدأن بالثرثرة المعتادة


❈-❈-❈


أما عن عُمر المغربي، دخل إلي جناحه الخاص، وجد لمار تجلس فوق المقعد المجاور للتخت، تتحدث عبر الهاتف لكنها سُرعان ما أغلقته عند دلوفه، سار بخطوات واسعة حتي وقف أمامها ومال علي وجنتها ووضع قُبـ.ـلة حنون وتحدث مستفسراً:

-كنتي بتكلمي مين يا بيبى؟


أجابتهُ بنبرة واثقة:

-دي سيرينا صاحبتي


واسترسلت وهي تُشير إليه وتدعوه للجلوس بالمقعد المجاور:

-إقعد يا عُمر، عاوزة أتكلم معاك شوية


وكعادته إنقاد لأوامرها وأطاعها ومال بجـ.ـسده ليجلس وتحدثت هي بنبرة عملية:

-أنا خليت وليد إتصل بطارق وأخد لنا منه ميعاد بكرة في الشركة،


واستطردت بملامح وجه جادة:

-عوزاك تكون موجود معانا وإحنا بنفاتح طارق


زفر بضيق وأردف قائلاً بتملل ونبرة متذمرة:

-وأنا قُلت لك فكك من الحوار الفاكس ده لأن طارق مستحيل يوافق عليه


واسترسل موضحاً بنبرة ساخرة:

-إذا كانت مليكة اللي عاملة زي القُطة المغمضة وملهاش في أي حاجة رفضت العرض،عاوزة طارق رجُل الأعمال المُحنَك يوافق؟!


إستشاط داخلها من ذاك المستهتر عديم الطموح لكنها وكعادتها إستطاعت كَبـ.ـح غضـ.ـبها وأظهرت عكسهُ حيث تحدثت قائلة بهدوء:

-ما تقلقش،وليد إداني فكرة كويسة غيرت بيها العرض


واسترسلت شارحة:

-إحنا مش هنشتري منه أسهم زي ما كُنا متفقين،أنا هخليه يكسب عشر أضعاف اللي بيكسبه من غير ما يفقد سهم واحد من شركته


وأستطردت وهي ترفع حاجبها له بتفاخر بذكائها:

-أظن كده مش هيكون له حجة علشان يرفض عَرضى


قطب جبينهُ بإستغراب وسألها:

-طب وإحنا كدة إيه اللي هنستفاده لما مش هنشتري الأسهم ؟!


أمـ.ـسكت كف يـ.ـده كي تستطيع السيطرة علي تفكيرهُ وتحدثت:

-مش مهم الإستفادة في الوقت الحالي يا عُمر، المهم إننا نحط رِجلنا ونثبتها جوة الشركة، وبعدها نفكر إزاي هنقدر نستفيد


رفع حاجبهُ الأيسر وسألها وهو ينظر إليها بتعجُب:

-أنا مش قادر أفهم إيه السّر ورا إصّرارك العجيب لدخولك شركة طارق بالذات؟!


قلبت عيناها بتملُل وأردفت قائلة بتأفُف:

-تاني يا عُمر! ما أنتَ سألتني السؤال ده قبل كدة وجاوبتك


واسترسلت بنبرة حادة:

-وقُلت لك إن المُورد طالب شركة تكون موجودة في السوق من مدة طويلة علشان تكون موثوق فيها من الجمارك


هتف سريعً متسائلاً بإستفسار:

-أيوا، السؤال ده بالذات اللي عاوز أعرف إجابته،هو ليه مُصِر علي إن يكون فيه ثقة بين الشركة وبين الجمارك؟


وأكمل متسائلاً بتشكيك:

-هو الراجل ده عاوز شركة تغطي علي شغل شِمال ومُخالف يا لمار؟


جحظت عيناها بذهول مُصطنع وتحدثت بنبرة حزينة:

-هى دي نظرتك ليا يا عُمر؟

معقولة تفكيرك يوصل بيك إني ممكن أشارك في حاجة تأذي حد من عيلتك؟


واسترسلت لإقناعه:

-طب ما أنا وإنتِ كمان أول الناس اللي هتتأذي لو كلامك ده طلع صح


أجابها وهو يُشدد من مـ.ـسكة يـ.ـدها كى لا تحزن:

-أكيد يا حبيبتي ما أقصدش المعني اللي وصل لك، أنا بس قلقان من الموضوع ومش مرتاح،وبقول خلينا في شُغلنا أحسن بدل الباشا الكبير ما يقلب علينا


واسترسل بقناعة ورضا نابعتان من بذرتهِ الطيبة:

-إحنا كويسين جداً في شُغلنا يا لومي،أنا في مُدة قصيرة إترقيت تلات مرات ومرتبي محدش في سِني يحلم بربعه،

وإنتِ كمان أثبتي كفائتك في الشركة وبقيتي مسؤلة العلاقات العامة


بطريقة عنيـ.ـفة جـ.ـذبت كف يـ.ـدها من ببن راحته، وهبت واقفة من مقعدها وتحدثت بإهانـ.ـة غير مباشرة وهي تنظر إليه وتحرك رأسها يميناً ويساراً في حركة إستسلامية يائسة:

-إنتَ مافيش فايدة فيك يا عُمر، هتفضل سلبي ومتواكل كدة لحد إمتي؟


واسترسلت كي تبث بداخلهُ روح الغيرة والحقد علي شقيقاه:

-مش شايفك إخواتك واللي وصلوا له؟

ياسين ومنصبه الكبير اللي وصل له، ولا المكافأت الخيالية اللي بتنزل عليه زى المطر من العمليات اللي بيقوم بيها في الجهاز


واستطردت بنبرة حَـ.ـادّة:

-ولا طارق والمكانة اللي شركته وصلت لها، دي حتي مليكة ثروتها هي وولادها بتزيد كل يوم مش كل شهر، كل واحد منهم عنده ماليته الخاصة بعيد عن أملاك العيلة


وسألتهُ بطريقة تهكمية:

- تقدر تقول لي إنتِ عملت إيه علشانا؟

رفعت كتفيها وتحدثت بإحباط:

-ولا حاجة.


تنهد بضيق ثم هتف بتَذْكير:

-أنا لا سلبي ولا معنديش طموح يا أستاذة،أنا كام مرة فاتحتك في إننا نفتح شركة إلكترونيات خاصة بينا وإنتِ رفضتي؟

واهو علي الأقل هنكون بنشتغل في مجالنا اللي بنفهم فيه،

ده غير إن الباشا وعدني إنه هيمول لنا تأسيس الشركة كهدية منه لينا


زفرت بضيق وهتفت بنبرة حـ.ـادّة:

-وأنا قُلت لك قبل كدة إني مش حابة أشتغل في مجال الإلكترونيات

واستطردت مفسرة:

-مش لاقية نفسي فيه يا عُمر


رفع حاجبهُ مستغرباً حديثها وسألها بتهكم:

-مش لاقية نفسك في مجال دراستك؟!

طب ولما إنتِ مش حابة المجال ومقررة إنك مش هتشتغلي فيه،كُنتي بتدرسيه ليه من الأول؟


أجابتهُ بتفسير:

- أنا مش أول ولا أخر حد يدرس حاجة وبعدين يكتشف إنه مش حابب يكمل في مجال شُغلها، عادي، ياما حصلت مع ناس كتير

ثم أنا حاسة إني هلاقي نفسي في مجال الإستيراد والتصدير أكتر،ده غير إن عرض الشركة الأوربية مُغري جداً، وبصراحة لو فوت الفرصة أبقي غبية


واسترسلت وهي ترفع قامتها بتعالى:

-وأنا عُمري ما كُنت غبية يا بيبى


تنهد بضيق وتحدث وهو يتحرك بإنسحاب مُخزي:

-إعملي اللي يريحك، بس أنا مش هروح معاكي عند طارق، أنا مش عاوز مشاكل مع الباشا


قال كلماتهُ وسار نحو الباب، خرج منهُ ثم أغلقهُ بحِـ.ـدة مما إستدعي غضـ.ـب تلك اللمار التي حدثت حالها وهي تدور حول نفسِها بإشتـ.ـعال:

-يا لك من أَرْعَن عديمُ المنفعة


وأسترسلت ساخرة من حالها:

-وماذا كُنتي تنتظرين من إبن أمِهِ أيتها الحمقاء


توقفت عن الحركة واستطردت بعدما إتخذت قرارها:

-من الآن فصاعد وجبَ عَليّ التصرُف بمفردي وعدم الإعتماد علي ذاك الإمعة عديمُ الفائدة


❈-❈-❈


كان يُسكنها داخل ضمـ.ـته، يحملها فوق سـ.ـاقيه ويلف ذراعيه حولها برعاية بين أحضـ.ـانه ويشدد عليها كمن يحمل رضيعهُ، دافـ.ـناً أنفهُ داخل خصلات شعرها يشتم رائحتهُ المِسكية بإنتشاء،ضيق إحدي عيناه بتفكُر وابتسم ثم وضع راحة يـ.ـدهُ علي أسفل بطـ.ـنها وتحـ.ـسسها بحنان ثم قرب فـ.ـمه بجانب أذنها وهـ.ـمـ.ـس:

-مِسك


إبتسمت وتمـ.ـسحت بوجنتها علي صَـ.ـدره كقطة سيامي ظنناً منها أنهُ يُشيد برائحة شَعر رأسها،فأعاد على مسامعها الكلمة مرةً آخري ناطقاً بتفسير:

-مِسك ياسين المغربي.


رفعت بصرها سريعاً تنظر عليه فأكمل هو بإبتسامة:

-مِسك يا مليكة،بنتي منك هيبقي إسمها من ريحتك، مِسك


لفت ذراعـ.ـيها حول عُنق زو جها وتحدث بدلال أثار ذلك العاشق:

-مِسك، حلو أوي يا ياسين


مال عليـ.ـها ووضع قُـ.ـبلةً شغوفة فوق شـ.ـفتاها ثم داعـ.ـب أنفهُ بأنفها وتحدث وهو يغمر لها بإحدي عيناه:

-هو إنتِ إزاي بتحلوي كل يوم عن اللي قبله كدة؟


ضحكت و رمت حالهـ.ـا داخل أحضـ.ـانه،ضلت ملتصـ.ـقة بصـ.ـدره لبعض الوقت،وفجأة تنهدت بصـ.ـدرٍ مهموم وأردفت بنبرة خافتة تُظهر مدي حُزنها:

-ياسين


أجابها مهمهماً بهيام:

-أممم


أخرجت تنهيدة حارة وتسائلت بصوتٍ يملؤه الغيرة والألـ.ـم:

-هو أنتَ وليالي


واسترسلت بحيرة ممزوجة بخجل:

-يعني،كان فيه وقت تكونوا مع بعض فيه، ولا


لم يدعها تُكمل حديثها لشعورهُ بوجـ.ـع روحها وتألـ.ـمها، أمـ.ـسك ذقنها ورفع وجهها لتواجههُ ثم نظر داخل عيناها الحزينة وتحدث بنبرة حنون:

-مش أنا قُلت لك قبل كدة ماتفكريش في الموضوع ده طالما بيضايقك؟


مالت رأسها وأردفت بوجـ.ـع:

-حاولت،والله حاولت،بس ماقدرتش،غصب عنى الغيرة بتقـ.ـتلني لما بتخيلك مع واحدة غيري


وأسترسلت موضحة:

-أنا عارفة إن أنا اللي دخيلة علي حياة ليالي ومش من حقي أعترض أو أغير،بس مش بقدر


وأستطردت قائلة بصـ.ـدرٍ مشتعـ.ـل:

-كل ما اتخيلك وإنتَ معاها ببقي هتجنن، وبقعد أسأل نفسي، ياتري بتكون معاها زي ما بتكون معايا،طب بتقول لها نفس كلام الغزل اللي بتقوله لي


وأكملت بضغف ونظرات تكاد تصـ.ـرخُ من شدة تألـ.ـمها:

-بتبص لها إزاي يا ياسين، بتقول لها يا حبيبي زي ما بتقول لي؟


زفر بضيق لأجلها وأردف قائلاً:

-أنا مش قُلت لك قبل كدة ماتخليش الأفكار السودة دي تسيطر علي عقلك وتشتتك


وأسترسل مفسراً:

-عاوزة تعرفي إيه أكتر من أني بحبك وبعشق التراب اللي بتمشي عليه؟


عاوزة أعرف هي إيه بالنسبة لك؟ سؤال غبى تفوهت به بألـ.ـم


أجابها سريعً:

-مراتي وأم أولادي وعشرة عُمري وبحترمها جداً


نطقت علي عُجالة بنظرات متوسلة:

-بس إنتَ مابتحبهاش،إنتَ عُمرك ما حبيت حد غيري يا ياسين، صح؟


إحتـ.ـدت ملامحهُ وهتف بنبرة غاضـ.ـبة لأجل الحالة التي وصلت لها، وأيضاً أراد ان يضع حَداً لها في الحديث عن ليالي، فحتي وإن لم يكُن يعشق ليالي فهي زو جتهُ ويحترمها ويكن لها مشاعر إيجابية كثيرة:

-مليكة،بلاش الإسلوب ده علشان ماتخلنيش أخد فكرة مش كويسة عنك،طول عُمرك وإنتِ التسامح والحب عنوانك،لو سيبتي نفسك ومشيتي في السكة دي هتخسري روحك النقية اللي كلنا عرفناكي وحبناكي بيها


وياريت ماتنسيش إن ليالي هي كمان مِراتي وليها عليا حقوق زيها زيك بالظبط،وأول حقوقها إني أحترمها واحافظ علي كرامتها وما أسمحش لأي حد إنه يقلل منها


وأستطرد بترسيخ:

-حتي لو كان الحد ده هى السِت اللي بعشقها وبتمني رضاها


قال كلماته وبكل هدوء أنزلها من أحضـ.ـانه وهب واقفً، أمـ.ـسك رداء النوم ( الروب) وقام بارتدائه، تناول علبة سجائرهُ الموضوعة فوق الكومود وتحرك بها إلي الشرفة،أخرج واحدة وقام بإشعالها ونفث دُخانها بعُـ.ـنف


تحركت هي الآخري وقامت بارتدائها للرداء وقامت بوضع غطاء الرأس وتحركت إليه،وقفت بجانبه،وضعت كف يـ.ـدها علي يـ.ـده المُمـ.ـسكة بسُور الشُرفة وتحدثت وهي تنظر لهُ بخجل:

-أنا أسفة يا ياسين،وأوعدك مش هتكلم تاني في الموضوع ده،


وأسترسلت بحُزن:

-شكلي إديت لنفسي حق ومساحة أكبر من اللي مسموح لي


زفر بضيق ونظر لها وتحدث بنبرة ملامة:

-يعني بعد كل اللي قُلته ده ومش قادرة تفهمي إني زعلان علشانك مش منك يا مليكة؟


نظرت له وامتلئت عيناها بالدموع وأنسحبت سريعاً إلي الداخل،لم يتحمل شجنها وقام سريعً بإطفاء السيجارة وتحرك خلفها للداخل


وجدها تجلس القُرفصاء فوق الأريكة ودموعها تسري فوق وجنتيها بهدوء، تحرك وجلس بجانبها وسحـ.ـبها داخل أحضـ.ـانه وتحدث:

-ليه مُصرة علي إنك تنكدي علينا في عز لحظات سعادتنا


أبعد وجهها وأمـ.ـسك ذقنها وتحدث وهو ينظر داخل عيناها بهيام:

-يا مليكة أنا بموت فيكي ومابقتش بحـ.ـس بوجودي وإني عايش غير وأنا جوة حُضـ.ـنك،حتي عيوني مابقتش تشوف في الدنيا كلها غيرك، وأظن ده اللي يهمك في الموضوع كله


وأستطرد مناشداً إياها:

-ممكن علشان خاطري تريحي نفسك من العـ.ـذاب ده وتريحيني معاكِ


أومأت لهُ بطاعة وأبتسامة خفيفة بعدما شعرت بالإطمئنان والراحة جراء حديثهُ المريح لقلبها،فسـ.ـحبها من جديد لأحضـ.ـانه وتحدث وهو يُشدد من ضـ.ـمتها:

-ربنا يهديكي ليا يا قلب ياسين


تنفست براحة ودفـ.ـنت حالها أكثر داخل أحضـ.ـانه الدافئة مما جعلهُ يصل لقمة سعادته


بعد قليل،دخل إلي الحمام وقام بأخذ حمامً دافئً تطهر به كي يستعد للصيام وللقيام بصلاة الفجر،خرج وجدها تُحضر ثياباً من خزانتها للإستعداد لأخذ حمامها هي الآخري، قَبـ.ـل جبهتها ودخلت هي إلي الحمام


خرج إلي الشُرفة كي يُشعل سيجارة وجد ذاك الرؤوف يتحرك بالحديقة ويهاتف أحدهم من خلال هاتفه الجوال،نظر تلقائياً إلي شرفة غرفة سارة وجد الضوء شاعـ.ـلاً،إشـ.ـتعل داخلهُ وامتلئ بالغضـ.ـب وبلحظة كان يتحرك سريعاً نحو الدرج ومنه إلي الحديقة


في أثناء ما كان هائـ.ـماً سارحاً في سماء العشق، يُحادث حبيبته الرقيقة التي تتَمـ.ـدَّد كالفراشة فوق تختها وتحادثهُ بنعومة وحالة من الهيام والغرام تُسيطر علي كيانها بالكامل،إرتعب جـ.ـسده وأهتز هاتفهُ من يده فجأة وكاد أن يسقط أرضاً، حينما وجد قبضة أحدهم قد وُضِعَت بحِدة وأعتصـ.ـرت كـ.ـتفه، إستدار سريعاً بعيناي مُتسعة ليكتشف من صاحب تلك القبضة الحـ.ـادّة،نظر إليه بذهول


من غيرهُ ذاك الياسين،أخذ نفساً عميقاً في محاولة منه لتهدأة حالة الزُعر التي أصابته ونظر له مضيقً عيناه وتسائل مستفسراً بدهشة:

-خير يا سيادة العميد، فيه حاجة ؟


تري ما سيكون رد ياسين علي ذاك العاشق ؟


إنتهي الفصل

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الثامن روز أمين

إندهش رؤوف من تصرف ياسين العجيب،ثم أخذ نفساً عميقاً وزفرهُ في محاولة منه لتهدأة حالة الزُعر التي أصابته ونظر له مضيقاً عيناه وتسائل مستفسراً بدهشة:

-خير يا سيادة العميد،فيه حاجة؟


إبتسامة سَمجة خرجت من جانب فَمْ ياسين وأردف قائلاً بتساؤل وهو مازال قابضاً بكف يَـ.ـده بشدة علي كتف ذاك الرؤوف:

-ما هو أنا جاي لك مخصوص علشان تقول لي


وأسترسل مضيقاً إحدىّ عيناه بطريقة مُخيـ.ـفة وهو يتبادل النظر بينهُ وبين شُرفة سارة:

-هو فيه إيه بالظبط يا رؤوف؟


إرتبك رؤوف وقام بغلق الهاتف الذي كان مازال مفتوحاً وتحدث بتخَابث:

-تقصد إيه حضرتك،أنا بجد مش فاهم


قاطع حديثه بحِدة وهدر به بنظرة غاضبة:

-ولاّاااا، لؤم ولاد المغربي ده تعمله علي حد غيري

وأكمل بنظرة حَـ.ـادّة ونبرة صوت حازمة:

-عاوز إيه من سارة بنت يسرا ؟


إعتدل رؤوف بوقفتهُ وانتصـ.ـب وهو ينظر داخل عيناه،وعلم أن الإنكار لن يأتي بنتيجة مع ذاك الصَقر،فتحدث بجرأة وصِدق:

-بحبها


فَك ياسين قبضـ.ـتهُ من فوق كتفه،ثم أدخل كفاي يـ.ـداه داخل جيباي بِنطالهْ ونظر لهُ وتساءل مُستفسراً:

-وبعدين؟


قطب رؤوف جبينهُ وهز رأسهُ بعدم فهم وتسائل مُتعجباً:

-مش فاهم؟!


أجابهُ ياسين متهكماً بكلمات خرجت من بين أسنانه بحِـ.ـدة:

-يعني إيه الخطوة اللي جنَاب معاليك هتاخدها بعد الحُب والمسخرة دي؟


إستوعب رؤوف سؤاله وأردف بنبرة جادة متجنباً سخريتهُ منه:

-الجواز طبعاً


ولما سيادتك ناوي علي جواز، داخل البيت من بلكونته ليه يا حبيبي...سؤال حادّ وجههُ ياسين لرؤوف وهو ينظر إلي شُرفة تلك التي تقف مُختبأة خلف الشِيشْ تتلصص عليهُما بحَذرٍ وجَـ.ـسدها ينتفضُ رُعباً


تنهد رؤوف وتفوه بنبرة صادقة:

-أنا فعلاً فاتحت سارة في الموضوع ده وطلبت منها أجي لعمي عز وأطلبها منه،وبعدها كُنت هروح أنا وبابا لجدها وأعمامها ونطلبها منهم رسمي


واسترسل موضحاً:

-لكن هي طلبت مني أصبر السنة دي لحد ما تكون خلصت سنتها الأولي من جامعتها


وأسترسل مفسراً بإستفاضة:

-وكمان أنا كُنت قُلت لها قبل كدة إني هترقي في شُغلي على آخر السنة،فقالت لي إنها حابة تستني،وإن الوقت ساعتها هيبقي مناسب أكتر علشان شكلى قدام أهل بباها


أخرج كف يـ.ـدهُ من جيبه ووضعها فوق ذقنه وحـ.ـكها بتسلي وتحدث ساخراً:

-حلو أوي الكلام ده يا إبن المغربي،عجبني،لا ومترتب علي الشَعْرة


واستطرد بكلمات مقصودة مُؤنِباً إياه:

-بس فيه حاجة مُهمة سعادتك نسِيتها يا أبن البشمهندس حسن،إنك تخطيت الأصول ودخلت الباب من شِبَاكه بحِجة إن دى رغبة سَارة،ونسيت إن البنت لسة صُغيرة وبريئة ومش فاهمة حاجة عن الأصول واللي يصَح من اللى ما يصحِش


رفع رؤوف رأسهُ ونظر داخل عيناه بانزعاج فاسترسل ياسين حديثهُ بنبرة جَادّة:

-بص يا إبني، من الآخر كدة أنا الهري بتاعك ده كله ما ياكولش معايا ولا يدخُل ذمتى بمليمْ أحمر،آخر الكلام يُسرا لازم تعرف، علشان عيب أوي تبقي مستغفل بنت عمتك وعامل لي فيها روميو ومقضيها مكالمات نص الليل مع بنتها


مش حِلوة في حق أبوك يا هندسة... جملة مؤنبة وجهها له ياسين قبل ان يستمع إلي تلك العاشقة التي هتفت بصوتها وهي تنادي عليه من خلال شُرفتها بعدما خرجت من الحمام وتفاجأت بعدم تواجدهُ:

-فيه حاجة يا ياسين؟


إستدار برأسه ونظر عليها وتحدث بطمأنة:

-مفيش يا حبيبي،أنا كنت بدردش شوية مع رؤوف وطالع لك حالاً


نظر إلي رؤوف من جديد وربت علي كتفه بطريقة لينة فتحدث رؤوف بنظرات مطمأنه:

-إطمن يا سيادة العميد،أنا هقعد بكرة مع أبلة يُسرا وهفاتحها في الموضوع واللى تؤمر بيه كُله أنا موافق عليه


وأنا كُنت واثق إن تربية حَسن المَغربي ومدام إبتسام مش هتخرج لنا غير راجِل بجد...كانت تلك كلمات إطرائية نطق بها ياسين قبل مغادرته وصعوده لتلك العاشقة التي ما عادت تغفوى سوى بداخل أحضـ.ـانهُ


زفر رؤوف بضيق ولعَـ.ـن حالهُ علي الوضع المُهين الذي بَدا عَلَيْهِ أمام ذاك الدَاهي الذي كَشف ما بداخلهُ من أول لقاء،أمـ.ـسك هاتفه ليتحدث إلي تلك التي تنكمش علي حالها بالأعلي وتكاد تَزهقُ روحِها مُنذ أن إستمعت إلي صوت ياسين عبر الهاتف


أسرعت إلي الهاتف الموضوع فوق تختها والتقطته سريعاً وأجابت بإرتباك شديد:

-طمني يا رؤوف،أنكل ياسين كان عاوزك في إيه؟


أخذ نفساً عميقاً وتحدث بهدوء مطماناً إياها:

-إطمني يا حبيبتي،ما بقاش فيه حاجة نقلق منها خلاص


وبدأ بقص كل ما حدث عليها تحت خَجلها الشديد وشعورها بعدم إستطاعتها للنظر في عيناي ياسين مرةً آخري


إنتهى من محادثتها ثم تحرك وخَطى بساقية إلى داخل منزل عمته ثُريا حيثُ مكوثهُ هو وعائلتهُ بالطابق الأسفل


وجد والدتهُ وعمته تجلستان فوق الأريكة المتواجدة ببهو المنزل،ترتديان ثوبيهما الخاص بالصلاة وكُلٍ منهما مُمـ.ـسِكةً بكتاب الله العزيز وتقرأتان به،يجاورها حسن مُمـ.ـسكاً بمسبحته يُقلب بحباتها بين أصابـ.ـع يَـ.ـده مُستغرقاً فى الإستغفار بصوتٍ خفيض،فى إنتظارهم لأذان الفجر كى يؤدون الصلاة فى وقتها


إقترب عليهم وتحمحم كى يُلفت أنظارهم لحضوره،ثم تحدث بهدوء:

-بابا،عاوز أتكلم مع حضرتك إنتَ وماما وعمتى فى موضوع مُهم


رفع حسن بصرهِ ونظر إلى نجله الغالى وسألهُ بنبرة لائمة:

-إنتَ يا أبنى مش شايفنا قاعدين بنقرأ قرأن وبنسبح ربنا؟!

ولا هو الموضوع المُهم بتاعك ده ما ينفعش يستنى شوية لحد ما الفجر يأذن ونصلى؟!


تحرك وجلس بمقعدٍ مُقابلاً لأريكتهم،صدقت ثُريا وأغلقت المُصحف الشريف وتحدثت بإستفسار بعدما وجدت علامات القلق والتوتر تعتـ.ـلى ملامح نَجل شقيقها الغَالى:

-مالك يا حبيبي،إنتَ كويس؟


تنفس بهدوء ونظر لثلاثتهم وبدون مقدمات أردف قائلاً:

-أنا عاوز أتجوز سَارة


حالة من الدَهشة والإستغراب أصابت ثلاثتهم،أما تلك التى غـ.ـزت السعادة قلبها الطيب فتحدثت سريعاً:

-قصدك سَارة المعداوى،بنت يُسرا؟


هز رأسهُ بإيجاب ونظر بترقب لوجهى والده وعمته، فهتف حسن بنبرة مُهللة تدل على شدة إبتهاجه:

-يا زين ما أختارت يا ابنى،أصل وأدب وأخلاق

واسترسل بتمنى:

-ولو ربنا بيحبك بجد تكون سَارة من نصيبك


ثم حول بصره وتحدث إلى ثُريا التى تنظر لإبن شقيقها بمعالم وجه مُبهمة وذلك لتخبُط فِكرها:

-ولا إنتِ إيه رأيك يا أم رائف؟


إنتبهت على سؤال شقيقها فتحدثت وهى تنظر إلى رؤوف بإبتسامة حنون:

-دى تبقى أمها داعية لها اللى هتكون من نصيب الباشمهندس


سألها مُتلهفاً:

-يعنى حضرتك ماعندكيش مانع يا عمتى؟


أجابته بإبتسامة حنون:

-طبعاً يا حبيبى ماعنديش مانع،بس أنا رأيى هيفيد بإيه،الرأى المُهم فى الآول وفى الآخر رأى سَارة وأهل أبوها


واستطردت وهى تنظر إلى شقيقها وتساءلت:

-مش دى الأصول بردوا ولا إيه يا حسن؟


وافقها حسن وابتسام الرأي وإنفرجت أسَارير الشاب وتحدث بلهفة ظهرت فوق ملامحهُ:

-بعد إذن حضرتك يا بابا،أنا هفاتح أبلة يُسرا بُكرة فى الموضوع وأشوف رأيها


مش هتاخد رأى سَارة هى كمان،ولا ضامنه يا باشمهندس... جُملة مشاكسة خرجت من إبتسام لنجلها


إبتسم خجلاً وضحك الجميع حينما تيقنوا أن ذاك الرؤوف قد لحق بقطار العاشقين مصطحباً معهُ تلك البريئة لينطلقا داخل رحلتيهما معاً


❈-❈-❈


في صباح اليوم التالي

فاق رؤوف مُبكراً وتحرك من منزل ثُريا وخطي بساقيه لداخل منزل سليم المتواجد بنفس الصَف والذي يبتعد عن منزل رائف بحوالي عدة أمتار قليلة،طلب من يُسرا الجلوس معها علي إنفراد وتحدث إليها وصارحها بكل وضوح بعشقهِ لسَارة وابلغها بمعرفة ياسين بالآمر مما جعل يسرا تنظر إليه بعين الإحترام وبالطبع رحبت بالموضوع حين علمت منه بموافقة إبنتها


بعثت يُسرا بالعاملة لتقوم بإستدعاء سَارة حيثُ كانت ترتدى ثيابها بغرفتها بالأعلى إستعداداً منها للذهاب إلى جامعتها، ترجلت سَارة إليهما بخطواتٍ مُتعثرة وبصعوبة أخرجت صوتها متسائلة بنبرة متلعثمة وهي تنظر للاسفل من شدة خجلها عندما رأت رؤوف:

أفندم يا ماما


إبتسمت لها يسرا بتفهم لحالتها ووقفت قُبالة إبنتها وابتسمت وأردفت بعيناي ترقرقت بهما دموعٍ ممزوجة بالفرح والقلق:

-كِبرتي يا سارة؟


إرتبكت بوقفتها فطمأنتها يُسرا وسحـ.ـبتها لتستقر بداخل أحضَـ.ـانها،إشتدت سعادتها وهي تنظر علي حبيبها الذى أومأ لها بأهداب عيناه مطمأناً إياها


في تلك اللحظة كان ياسين يتحرك بسيارته في طريقهِ إلي العمل،توقف وترجل من سيارته عندما رأي من بوابة منزل سليم يُسرا وهي تحتـ.ـضن صغيرتها،خطي بساقيه حتي إستقر لمكانهم ونظر برضا علي ذاك الجالس الذي وقف سريعاً إحتراماً لحضوره، وتحدث بنبرة هادئة:

-صباح الخير


إنتبهتا يسرا وسَارة واستدارتا إليه وتحدثت يسرا وهي تشكرهُ بعيناها بإمتنان:

_صباح الخير يا ياسين


أما عن تلك التي شَـ.ـعرت بحالها ستختفي وتتبخر من شدة خجلها،تحرك إليها ياسين وقام بوضع كف يـ.ـده فوق غطاء رأسها وأردف بإبتسامة حنون:

-إزيك يا سارة


تبسمت له بخفوت وهزت رأسها وأردفت بنبرة خجلة متلعثمة:

-الحمدلله يا خالو


تحدثت يسرا إليه بإهتمام:

-إقعد يا ياسين واقف ليه


وضع راحة يـ.ـده علي كتف رؤوف لكن بتلك المرة ربت عليها وهو ينظر لعيناه بفَخر وقال مفسراً:

-معنديش وقت يا حبيبتي، يدوب الحق شغلي،أنا بس لقيتكم متجمعين قولت أنزل أصَبح عليكم


ثم سألها وهو يستعد للمغادرة:

-عاوزة حاجة يا يُسرا


أجابته بإمتنان:

-سلامتك يا ياسين


نظر إلي رؤوف وتحدث بملامح وجهٍ بشوش:

-سلام يا رؤوف،أشوفك لما أرجع من شغلي إن شاء الله


تهلل وجه رؤوف وابتهج من تغير إسلوب ياسين الكُلي معه وتحدث بإحترام:

-إن شاء الله يا سيادة العَميد


❈-❈-❈


داخل جناح مليكة

بعد ذهاب طفلاها إلى مدارسهم ومُغادرة ياسين المنزل مُتجهً إلي عمله،أمـ.ـسكت مليكة هاتفها وطلبت رقم هاتف طارق، أتاها ردهُ سريعاً حيثُ تحدث بمشاكسة وهو يقود سيارته في طريقهُ إلي الشركة:

-الليدي مليكة هانم عُثمان بجلالة قدرها بتتصل بيا


إبتسمت لدعابات طارق لها وتحدثت بنبرة هادئة كعادتها:

-صباح الخير يا طارق


رَد عليها الصباح فاكملت بإستعلام:

-فاضي نتكلم شوية؟


آه طبعاً إتفضلي...كلمات سريعة نطق بها طارق


أخذت نفساً مطولاً إستعداداً للحديث ثم قالت بنبرة جادة:

-كُنت حابة أنبهك من موضوع خاص بـ لمار ووليد


وبدأت تروي له جُل ما حدث،بعدما إنتهت تحدث هو بإبتسامة:

-أنا عارف كُل اللي حصل يا مليكة،وعارف كمان إن لمار قدرت تقنع ماما وعَمر وتخليهم فى صفها للأسف


وأكمل بإشادة:

-وكُنت واثق ومتأكد من إنك مش هتنخدعي بعرض لمار المُغرى وإن فلوس الدنيا كلها مش هتخليكي تفرطي في حق أولادك


أردفت مليكة بتأكيد:

-أفرط في إيه بس يا طارق،ده أنا أكتر واحدة شاهدة علي تعبك إنتَ ورائف الله يرحمه في الشركة دي


وأكملت بنبرة صوت متأثرة حينما تذكرت ذاك الطيب:

-الشركة دي رائف بناها علي أكتـ.ـافه وكانت غالية عليه جداً، وكان بيحلم إنها تبقي من أكبر شركات الإستيراد والتصدير في الشرق الأوسط كله


وأسترسلت بإصرار قوى:

-وأنا لا يمكن أضيع أو أفرط في حلمه أبداً،وبكرة مروان وأنس يكبروا ويكملوا حِلم أبوهم


تحدث بتأكيد:

-إن شاء الله،

وأستطرد بإعلام:

-علي فكرة،وليد كلمني إمبارح بالليل وقال لي إنهُ هيزوني هو ولمار النهاردة في الشركة،شكلهم لسه عندهم أمل


أجابتهُ بتعجب:

-غريب أوي إصرارها ده،إبقى خد بالك منها يا طارق


واسترسلت بنبرة حَرجة:

-ما تزعلش منى بس البنت دى أنا مش برتاح لها


وافقها الرأي وتحدث بتأكيد على شعورها:

-وأنا هزعل منك ليه إذا كُنت أنا كمان عندى نفس الشعور تجاهها


وسألها مستفسراً:

-مليكة،هو إنتِ قولتي لياسين حاجة عن الموضوع ده؟


ردت عليه بنفي:

-مجتش فرصة،بس أكيد هقول له


تحدث مطالباً إياها برجاء:

-ياريت بلاش

وأستطرد بإيضاح:

-ياسين لو عرف مش هيعدى الموضوع وأكيد هيتكلم مع لمار ويحذرها علشان تبعد عنك،وعمر هو كمان هيتدخل ويدافع عن مِـ.ـراته،وأنا مش عاوز علاقـ.ـة إخواتي تتأثر


واسترسل مؤكداً :

-وأنا لما لمار تيجي لي الشركة هاصُدَها وهقفل معاها الموضوع للأبد.


تحدثت مليكة بنبرة حاسمة:

-أنا أسفة يا طارق،مش هينفع أخبى عن ياسين حاجة مُهمة زى دى،ياسين لو عِرف الموضوع من حد غيرى وده أكيد هيحصل، مش هيعدى لى إنى خبيت عليه


واستطردت وهى تهز رأسها برفض للفكرة:

-وأنا مش قد زعل ياسين وغضبه يا طارق


ثم استرسلت بطمأنة:

-ولو على موضوع خوفك من إنه يتكلم مع لمار ماتقلقش،أنا هطلب منه ما يتكلمش مع أى حد فى الموضوع وكأنه ماعرفش من الأساس


إبتسم وتحدث بمساكسة:

-ومالك بتتكلمى بثقة قوى كدة وكأن ياسين فعلاً هيسمع كلامك وينفذه؟


واسترسل بمرح:

-قد كدة بقيتى مسيطرة على وَحـ.ـشْ المخابرات ومكلبشاه؟


إبتسمت وتحدثت بنبرة خجلة:

-وبعدين معاك يا طارق


ضحك وقرر غلق الموضوع كى لا يُزيد من خجلها،وأنهى المكالمة بعدما وافقها الرأي على أن تُخبر ياسين بما جرى


❈-❈-❈


بعد الظهيرة

إستقبلت مليكة طفلاها مروان وأنس اللذان عادا إلي المنزل بعد إنتهاء يومهما الدراسي،دلف مروان إلي حمام حُجرته واغتسل وارتدى ثياباً نظيفة،فقد أصبح فتي يافـ.ـع ويستطيع الإعتماد علي حاله،صفف شعر رأسهْ ونثر عطره الهادئ وتحرك إلى غرفة شقيقاه الصغيران


خطى للداخل واستمع إلى صوت والدتهُ يصدح من داخل الحمام وهى تتحدث إلى أنس الذي مازال بعمرٍ صغير ولا يستطيع الإعتماد على حالهِ في إغتساله لجَـ.ـسده الصغير،أخرجته مليكة مُرتدياً رداء الحمام وهي تخطو خلفهُ وتجفف لهُ شعر رأسه بالمنشفة، وبدأت بمساعدته في إرتداء ملابسهُ مع مراعاتها لتعليمه كيفية الإعتماد علي حَاله كى تُهيئهُ لمرحلة البلوغ


كان مروان يقف بشُرفة شقيقاه الصغيران يتطلع إلى السماء بتأنى،خطي بساقيه لمكان وقوف والدتهُ وهتف بنبرة بَداَ عليها الإنزعاج:

-هو أنا مش طلبت من حضرتك وقُلت لك إني عاوز أزور قبر بابا الله يرحمه؟


وأسترسل بنبرة شديدة الحِدة:

-إنتِ ليه مطنشانى ومعتبرانى ولا كأنى موجود؟


إنزعجت من رؤيتها لصغيرها بتلك الحالة الغاضـ.ـبة،أردفت بنبرة هادئة في محاولة منها لإمتصـ.ـاص غضب نجلها الغالي:

-ممكن تهدي يا حبيبي وتوطي صوتك وإنتَ بتتكلم معايا


إنتبه على حاله وأستطردت هى بإفصاح:

-أنا وعدتك إني هتكلم من نانا ونختار يوم مناسب ونزور فيه بابا


واستكملت مُعللةً:

-لكن زي ما أنتَ شايف،اليوم في شهر رمضان بيكون مُزدحم جدا وبيمر بسرعة، ده غير الزيارات والعزومات،وحضور جدو حَسن وعيلته لبيتنا


كان يستمع إليها بجَـ.ـسد كل ذرة به تنتـ.ـفض،نظرت إليه مُستغربه حالتهُ تلك،هى لا تعلم أسباب كل هذا الغضـ.ـب الذي إعتـ.ـراه دفعةً واحدة،سارت بخطوات هادئة حتي وقفت قُبالته ثم وضعت راحة يـ.ـدها فوق وجنتهُ وتلمـ.ـستها بحنان وأردفت قائلة بنبرة عطوفة أرادت بها سـ.ـحب تلك المشاعر السلبية التى تملكت منهْ:

-وعد مني هكلم نانا في الموضوع النهاردة، ويومين بالظبط وإن شاء الله هنروح نزوره


نظر إليها الفتي وسألها بترقب:

-ماما،هو حضرتك لسه فاكرة بابا؟


تفوهت سريعاً بنبرة صادقة متأثرة:

-ما أنا قُلت لك إمبارح يا حبيبى،اللي زي بباك عمره ما يتنسي،كفاية إنى عِيشت معاه أهدى أيام حياتي،وعُمره ما زعلنى ولا أهاننى في يوم

وأستطردت بمداعـ.ـبة وهى تتلمـ.ـس شعر رأسهْ في محاولة منها للخروج من تلك الحالة:

-وبعدين أنساه إزاي وإنتَ وأخوك نسخة منه


إنفرجت أسارير الفتي وبدأت ملامحه تلين قليلاً ثم سألها من جديد:

-لسه بتحبيه زى الأول؟


تفاجأت من سؤال صغيرها وأستغربته،لكنها أجابته لإشبـ.ـاع حنينهُ لذكرى أبيه ومحاولاته المستديمة مؤخراً بفـ.ـرض سيرة والدهُ أمام الجميع وهذا ما لاقى إستحسانها هى أيضاً:

-أكيد بحبه وبحترم ذِكراه جداً،ده بباكم


أنا قصدي بتحبيه زي عمو..

لم يكمل حديثهُ لدخول ياسين حاملاً صغيرهُ ولحسن حظ مليكة لم يستمع لحديثها لإنشغاله بثرثرة الصغير،تلفظ قائلاً بإبتسامة:

-أخبار الوحُـ.ـوش بتوعي إيه


إبتلعت لُعابها وحمدت الله داخل سَرِيرَتها،رفع أنس ذراعه لأعلي في الهواء وهتف بقوة:

-الوحُـ.ـوش تمام يا بابي


تحرك إليه وملـ.ـس علي شعر رأسه وتحدث بحنان أبوى حَق:

-أخدت الشاور بتاعك يا بَطل؟


أومأ الصغير له بسعادة وأردفت مليكة بحِنو:

-حمدالله علي السلامة يا ياسين،رجعت من الشغل إمتي؟


أجابها بعيناى تائهة إشتاقت للنظر لكُل إنشٍ بملامح وجهها:

-الله يسلمك،لسه واصل من شوية،عديت الأول علي بيت الباشا غيرت هدومي وإطمنت علي حمزة وجيت أشوفكم


وأسترسل من جديد وهو ينظر إلي صغيره الذي يحملهُ:

-مزعلين عز باشا الصُغير منكم ليه؟


مَـ.ـط الصغير شِـ.ـفتهُ السُفلية للأمام في حركة تعبيرية تنم عن غضـ.ـبه وتحدث بنبرة طفولية:

-أنا مخاصمهم كلهم ومش بكلمهم يا بابي،علشان قاعدين هنا وسابوا عزو تحت لوحده.


خطت مليكة إلي وقفة ياسين وتكلمت بدلال وهي تتلاعـ.ـب بأصابـ.ـعها داخل شعر رأس الصغير وتتخللهُ:

-حبيب مامي القمر


وسألته بعيناي مُستعطفة وشِـ.ـفتان ممدُودة للأمام لإستدعاء حنانهُ تجاهها:

-معقولة عزو حبيب مامى زعلان منها؟


مال ياسين علي أذنـ.ـها وهمـ.ـس بملامح جادّة كي لا يلاحظ الصغار:

-خلي بالك علشان حضرتك كدة هتجنني أبو عزو ورمضان كريم يا حرمنا المصُون


إبتسمت بخفة وتحدث الصغير وهو يرتمي داخل أحضـ.ـانها بإشتياق:

-خلاص يا مامي، عزو صالحك

كَتك خيبة طالع أهبـ.ـل زي أبوك، بإشارة منها بتيجي علي بوزك وتريـ.ـل.. جُملة ساخرة نطق بها ياسين وهو يرمق صغيرهُ بنظرات إشمئزاز مصطنعة


نظرت له بعيناي مُتسعة وهي تنبههُ بإشارات تحذيـ.ـرية من عيناها لينتبه لوجود مروان وأنس


تحمحم عندما إنتبه،حَمل عنها الصغير ووضعهُ فوق التخت كى لا يُرهقها وتحركت هى وجلست بجانب صغيرها وقامت بإحتضـ.ـانه

إستدار من جديد ثم تقدم خطوة حتي وصل لوقوف أنس وقام بحمله بساعديه وثبتهُ داخل أحضـ.ـانه،وضع كف يـ.ـده علي شعره ليمسح بها عليه بحنان وقَبـ.ـلهُ بوجنتيه ثم نظر إلي مروان المُتسمر بوقفته يشاهد بصمتٍ تام واردف متسائلاً بإهتمام:

-مروان باشا،أخبارك إيه؟


الحمد لله...كلمات نطق بها الفتي بإقتضاب وملامح وجه عابـ.ـسة تدل علي شدة غضـ.ـبه وعدم راحته.


قطب ياسين جبينهُ وتسائل مستفسراً:

-مالك يا مروان،فيه حاجة مزعلاك؟


نطق أنس سريعاً ليخبره لما أستمعهُ مُنذُ القليل:

-مارو زعلان من مامي علشان عاوز يزور بابى رائف ومامى طَنشنِتُه


نظر ياسين لذاك الذي يقبع فوق ذراعهُ وتسائل بمشاكسة وهو يضيق عيناه بطريقة مُضحكة:

-طَنشنِتُه؟

ثم حول بصره إلي مليكة وتحدث ساخراً كي يُخرج مروان من حالته تلك:

-إنتِ إزاي يا هانم يا محترمة تطنشنتيه لمروان؟!


ضحكت مليكة وأنس وحتي الصغير الذي لا يفقه شئ مما يُقال عدا ذاك المنتصـ.ـب متجمداً بوقفته، فأحال له ياسين بصره ونطق بنبرة سَاكنة:

-إن شاء الله بكرة بعد العصر هاخدك إنتَ ونانا وأنس ونروح نزور بابا


هتف الفتي سريعاً معترضاً بحِنق:

-لا،أنا عاوز أروح أنا وماما ونانا وأنس وبس


إنتبه ياسين وتيقن حينها أن الفتى أصبح يغار علي أمه منه ويشتاق أيضاً لذكري والده،

إقترب عليه ومازال حاملاً أنس وتكلمَّ بتفهم وإدراك لحالة الفتي برغم غيرته الشديدة علي مليكة من زيارتها لقبر زو جها السابق:

-حاضر يا مروان، زي ما تحب


وأستطرد مُفسراً:

-بس عاوزك تفهم حاجة مُهمة،أبوك الله يرحمه كان إبني اللى ماخلفتهوش،أنا اللي مربيه مع أبويا بعد وفاة عَمى أحمد،وماحدش في الدُنيا حبه وخاف عليه قدى


وأكمل متأثـ.ـراً بنبرة تقطِرُ صِدقاً تحت تأثر مليكة وحُزنها:

-وماحدش إتوجَـ.ـع علي موته زي ما أنا وعمك طارق ما أتوجعنا،كفاية إن أول مّرة دموعى تنزل قدام حد كانت علي أبوك يا إبني


سحـ.ـبهُ من يـ.ـده وسَار به حتي وصل إلي التخت المقابل لمليكة وجلس على حافته،ثم جَـ.ـذب كف يـ.ـده بلِين لحِثِهِ علي الجلوس،وضع أنس بجواره وأمـ.ـسك كتـ.ـف الفتي وتحدث بنبرة لينة:

-أنا عارف إنك كبرت وعاذر طريقة تفكيرك اللي بدأت تختلف عن زمان، ومقدر مشاعرك كويس،بس عاوزك تفهم حاجة،أنا يا أبنى إتجـ.ـوزت ماما علشان أحافظ عليها وعليكم


وأسترسل بصدق:

-لما رائف الله يرحمه مات،الطمع في مالك إنتَ واخوك وامك زَاد،بدون ذِكر أسماء وخوض فى تفاصيل ماتهمناش،بس للأسف فيه ناس نفوسها ضعيفة وفكرت إزاي تستغل غياب أبوك وتسـ.ـتولي علي مالكم،

ومن ناحية تانية جِدك سالم كان عاوز ياخدك إنتَ وأنس وماما علشان تعيشوا عنده، وجدتك ثُريا وقتها ما اتحملتش وحصل لها أزمة قلبية ونقلناها علي المستشفي وربنا نجاها بإعجوبة


واستطرد بزيف إحتراماً لمشاعر الفتي:

-ماكانش فيه قدامنا حل وقتها غير إني أتجـ.ـوز مليكة وأحميكم وأحمي مالكم، وأظن إني قدرت أصون الأمانة،بدليل إن املاككم وفلوسكم إنتَ وأنس وماما ما اتلمستش من ساعة وفاة رائف الله يرحمه لحد الآن


وأكمل بنبرة صادقة:

-أنا يا أبني مِراعي ربنا فيكم علي قد ما ربنا مقدرني،وعمري ما فرقت ولا هفرق بينكم وبين أولادي من ليالي،وإن كُنت ملاحظ إهتمامي الزايد بـ عز فده طبيعي لأنه الآصغر فيكم،والصُغير دايما بيحتاج رعاية وإهتمام أكتر من كل اللي حواليه


وأكمل وهو يُشير إلى عز السَاكن بأحضـ.ـان مليكة الجالسة قُبالـ.تهم قائلاً بجدية:

-وبعدين إنتَ خلاص كبرت وبقيت راجل والمفروض تساعدني في تحمل مسؤلية إخواتك،إنتَ أخوهم الكبير ومن النهاردة إنتَ مسؤل معايا عنهم


واكمل مؤكداً:

-مفهوم يا مروان؟


لانت ملامح الفتي وشعر براحة إجتاحت روحهُ من حديث ذاك الدَاهي الذي وصل لأعماق روح الفتي وتوغـ.ـل بداخلها وزرع بها الطمأنينة والسلام النفسي،فابتسم لهُ وهز رأسهُ بإيماء وأردف بنبرة صوت حماسية بعدما شعر بأهميته:

-مفهوم يا عمو


إبتسم له وتحدث بإستجواد:

-علي فكرة،أنا مبسوط منك أوي إنك بدأت تقولي يا عمو بدل بابا،


قطب الفتي جبينه بعدم فهم فهو كان يتيقن أن ياسين سيستاء،واسترسل ياسين حديثه مُتسائلاً:

-عارف ليه؟


هز الصغير رأسه بنفي فأستطرد ياسين بإعجاب:

-علشان أثبت لي إن رائف المغربي خلف راجل مُعتز بإسمه وماينطقش كلمة أبويا ولا يقولها لحد حتي لو كان الحد ده هو أنا


كانت تستمع إليه بقلبٍ هادئ وروحٍ سالمة من حديثه المثلج لصَـ.ـدر صغيرها قبل صَـ.ـدرها،وقف وخطي إلي جلوس مليكة وبسط لها ذراعيه وتناول منها صغيرهُ وتحدث مُغيراً للموضوع وهو ينظر إلي مروان:

-هات أخوك ويلا علشان ننزل،جِدك عز وجدك حسن وعبدالرحمن قاعدين تحت في الجنينة وبيلعبوا شطرنج


وأكمل وهو يغمز بإحدى عيناه:

-هلاعبك دور شطرنج


رفع الفتي كتفاه للأعلي وأردف بخيبة أمل ويأس:

-بس أنا مش بعرف ألعب شطرنج،بقعد كتير قدام جدو عز وجدوا عبدالرحمن وهما بيلعبوا ومش بفهم منهم أي حاجة


يَلاَ عيب عليك تبقى مغربي وتقول مابفهمش في الشطرنج... كانت تلك كلمات مشجعة نطقها ياسين كي يحث الفتي علي الحماس والخروج من تلك الحالة


واسترسل بترغيب:

-هو إسبوع واحد وإن شاء الله هاخليك لاعب شطرنج محترف


تهللت أسارير الفتي وهتف متسائلاً بنبرة حماسية:

-بجد يا عمو؟ هتعلمني حقيقي؟


أجابهُ بتأكيد:

-أنا عُمري وعدتك بحاجة وخلفتها؟


هز الصغير رأسة بنفي عدة مرات ممتالية دلالة علي التأكيد، وأمـ.ـسك راحة يَـ.ـد شقيقه وترجل خلف ياسين الذي نظر إلي مليكة وطمأنها بعيناه وأنطلق بالأطفال بإتجاه الدرج


❈-❈-❈


نَزل الدرج بصحبة الصغار،وجد ثُريا تتوسط الأريكة بجلوسها مُمسكة بكتاب الله (القرأن الكريم) وتتلو أياته،إجتازها مُتجهً بالصغار إلى الخارج دون حديث كي لا يقطع إندماجها،أما مليكة فنزلت الدرج واتجهت إلى المطبخ لتتابع تجهيز الطعام مع نساء العائلة


وصل للحديقة وجد عز يجلس بصحبة حسن ويلعبان الشطرنج معاً يجاورهم عبدالرحمن المُمسك أيضاً بكتاب الله ويقرأ به،

أنزل الصغير الذي أسرع بصحبة أنس إلي غرفة ألعاب بحر الكور الخاصة بهما والتي أنشأها لهما ياسين خصيصاً


وأشار إلي مروان وأردف قائلاً بوجهٍ بشوش:

-روح إنده حمزة علشان أعلمكم مع بعض


أومأ له الفتي وأردف بنبرة حماسيّة:

-حالاً يا عمو


هرول مروان إلي الخارج وسار ياسين بخطوات واسعة حتي وصل إلي جلوسهم،نظر عليهما وتساءل بإستفسار مشاكس:

-يا تري مين في البشوات اللي مَـ.ـوِت المَلِك للتاني


هز عز رأسهُ بسعادة وهتف بنبرة حماسية:

-أنا ماحدش يقدر يقرب من المَلك بتاعي وإنتَ أكتر واحد عارف كدة

واسترسل بمشاكسة:

-ده أنا عز المغربي يا إسكندرانية


أردف حسن مُقللاً من قدراته:

-علي فكره بقى يا عز،إنتَ فوزت بضربة حظ مش أكتر.


قهقه عز عالياً وهتف متسائلاً بطريقة ساخرة:

-وبالنسبة للخمسة ألاف مرة اللي قبل كده، كانوا ضربة حظ بردوا؟


وأسترسل بتوجيه ساخر مُداعباً به إبن عمهْ:

-خليك جرئ وأعترف بهزيمتك يا هندسة،ده الإعتراف بالحق فضيلة


تحدث ياسين مادحاً أباه بإشادة:

-بصراحة يا عمي والحق يُقال، الباشا مافيش حد لعِب معاه وقدر يتخطاه لحد النهاردة


واسترسل بنبرة دُعابية:

-يا مؤمن ده جاب لي إحباط وخلاني إعتزلت اللعبة


قهقه حسن وعز وحتي عبدالرحمن الذي إنتهي من تلاوتهُ لكتاب الله وأنضم إليهم، فأكمل عز وهو يُشير إلي عبدالرحمن:

-وعمك عبدالرحمن إستسلم خلاص، بقا بيلعب معايا وداخل وهو واثق من خسارته،بيلعب حلاوة روح زى ما بيقولوا


أردف عبدالرحمن مادحاً شقيقه بطريقة ساخرة:

-طول عمر حظك حظ عوالم يا عز يا أخويا


قهقه الجميع بشدة وهتف عز ساخراً:

-الحظ ده بتاع النِسـ.ـوان والولاَيا يا عُبد،في الشطرنج بالذات البقاء للأذكي


واستطرد ببيت من الشعر:

-وعلي رأي أمير الشعراء، وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي. وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا


وأسترسل وهو يُشير علي مقدمة رأسهُ:

-إفهموها بقا علشان ترتاحوا


إنتبه للتي تُسير في طريقها إليهم وشَـ.ـعر بفرحة عارمة إجتـ.ـاحت قلبه بدون مقدمات،وبدون وعي إبتسم تلقائياً، لكنه تلاشي النظر سريعاً وأستغفر ربه بسَريرته خشيةً إفساد صيامه


إقتربت منهم ثُريا وتحدثت بإبتسامة لوجهٍ بشوش:

-خير اللهم أجعله خير،ضحككم جايب لاخر البيت من جوة


أجابها حسن بدُعابة وهو يُشير إلى عِز:

-إبن عمك يا ستي،عامل زيطة وهوليله علشان كسبني دور شطرنج


إبتسمت وهى تنظر إلى عز،ثم أردفت بنبرة جادة:

-طب سيبكم بقى من الشطرنج وقولوا لي رأيكم في فطار النهاردة، واللي نفسه في حاجة تانية يقول علشان ازودها


وأردفت بسرد الأصناف التي أشرفت بنفسها علي تجهيزها وتتبيلها


إنسحب ياسين بعدما حضر حمزة ومروان وابتعد عن مجلس العائلة كي يستطيع التركيز هو والصَبيان،وبدأ بشرح قواعد اللُعبة مع تركيز كِلاهما الشديد


عودة للحوار

تحدث عز بدُعابة:

-أهم حاجة إنك مانستيش الحمام علشان نغذي الباشمهندس كويس


ردَ عليه حسن بمشاكسة:

-علشان الباشمهندس بردوا ولا علشان سيادة اللواء،

إنتَ هتجيبها فيا وتعمل نفسك مجاملني،ما كلنا عارفين إنك بتعشق الحمام من صُغرك


تبسم عبدالرحمن ووجه حديثهُ إلي ثُريا بتذكير:

-فاكرة يا ثُريا لما كان في الثانوية العامة،لما كان يحب ياكل حمام من إيـ.ـد جِدتك،ولأنه كان ذكي من يومه وكان عارف إن جِدى وجِدتى الله يرحمهم بيحبوا يكرموا الضيوف،كان يقول لهم إنه عازم واحد صاحبه يتيم الأم وهيجيبه معاه علي الغدا


واستطرد مُتبسماً وهو يُشير بيـ.ـده إلي عز:

-ولما الباشا يوصل من المدرسة هو وصاحبه،يلاقي الطبلية مرصوص عليها كُل ما لَذ وطاب وخصوصاً الحمام المحشي فريك وبِرام الرُز المعمر بالحمام اللي مستوي في الفُرن البلدي.


واستطرد وهو ينظر إلى شقيقه ويُطرِي عليه بثناء:

-ويبقى الباشا ضـ.ـرب تلات عصافير بحَجر واحد،أخد ثواب إطعام يتيم وكِبر فى عين جِدى وأبويا وعمى،وفى نفس الوقت أكل الحمام اللى كان نِفسه فيه


قهقة الجميع بشدة حتى ادمعت عيناهم،وتحدثت ثُريا من بين ضحكاتها وهي تنظر إليه:

-من يومك وإنت مُراوِغ يا عز


من يومى وأنا مسكين وبتفهم غلط يا ثُريا...جُملة قالها عز بمراوغة ليُدافع بها عن حَاله


نظر لهُ الجميع بعدم تصديق وأكملوا ضحكاتهم،أردف حسن أيضاً بمداعـ.ـبة:

-الباشا كان عنده حِس مُخابراتي عالى من صُغره


واسترسل مفسراً:

-بس انا بصراحة ماحضرتش سيادة اللوا غير وهو ظابط عاقل رزين ومحترم،وقت الكلام اللي بتقولوه ده أنا كُنت يادوب عندي كام سنة


عقبت ثُريا علي حديث شقيقها مادحة في ذاك العز:

-الحقيقة عز طول عمره وهو عاقل ورزين ومحترم،هو بس كان بيحب يناغش جدتى وماما وعمتي منيرة الله يرحمهم


ضحك الجميع بشدة حتي أدمعت عيناهم وتحدث هو قائلاً بحنين لماضيه:

-فكرتونا بأحلي أيام عِشناها،كانت أيام كُلها خير وبركة،الله يرحم الجميع اللي فارقونا ووحشونا،ويبارك في لمتنا


أمن الجميع علي دعائة واكملوا أحاديثهم الجميلة


❈-❈-❈


داخل مكتب طارق، كان يجلس فوق مقعده خلف مكتبهُ الخشبي ذو المظهر الفاخر،مُمـ.ـسكاً ببعض الملفات ويقوم بمراجعتها بدقة وتركيز،دخلت السكرتيرة وتحدثت بإحترام:

-طارق بيه،أستاذة لمار الخُضيري واستاذ وليد المغربي وصلوا يا أفندم وطالبين يدخلوا لحضرتك.


رفع وجههُ لها وتنهد بقوة إستعداداً للمقابلة وتحدث بنبرة خافتة:

-دخليهم يا يُمنى.


أومأت لهُ بطاعة وخرجت وبعد ثواني خطت إليه لمار بالمقدمة تلاَها ذاك التابع وليد،وقف طارق إحتراماً لهما وأشار بيـ.ـده وهو يُشير إلي المقاعد المصطفة أمام مكتبهُ:

-أهلاً وسهلاً،إتفضلوا إقعدوا


أخرجت لمار إبتسامة خفيفة من جانب فَمِـ.ـها وتحدثت:

-شكراً يا طارق


ثم جلس وليد وتحدث بلطافة:

-أخبارك إيه يا طروق؟


أجابه بإقتضاب:

-أنا تمام يا وليد


تحمحم وليد عِندما رأى ملامح طارق،وتحدثت تلك اللمار بطريقة عملية:

-أنا عارفة إن عندك شغل مهُم ووقتك محسوب بالدقيقة، فعلشان ما أضيعش وقتك أنا هادخل في الموضوع علي طول


واستطردت بترغيب ذكى:

-بص يا طارق،من الآخر كدة أنا جاية لك بعرض هايل وما يترفضش،فرصة هتنقل شركتك في حتة تانية في ظرف سنة بالكتير.


وبدأت تروي علي مسامعهُ كل ما لديها وهي تُزين لهُ العرض كي يطمع في الربح السريع


كان يجلس سانداً ظهـ.ـرهُ خلف المقعد ويُحركهُ يساراً ويميناً بإستخفاف،واضعاً كف يـ.ـده على ذقنه ويحـ.ـكها وهو يستمع لها بتمعن شديد وإنصات تام،تحدثت هي متسائلة بعدما إنتهت من سرد التفاصيل:

-إيه رأيك يا طارق؟


أجابها ببرود أشعـ.ـلها:

-في إيه؟


أخذت نفساً عميقاً كي تستدعي هدوئها حتى تستطيع تحمُل ذاك البارد الذى يتفنن دائماً بإثـ.ـارة غضـ.ـبها بأفعاله الباردة،تعلم جيداً من داخلها أن محاولة إقناعهُ صعبة إذ لم تكُن مستحيلة، لكنها مُجبـ.ـرة علي إتمام تلك الشراكة وهذا ما جعلها تُقدم علي خطوة إقناعه الصعبة تلك،وتحدثت بهدوء:

-في العرض اللي أنا قولته.


حول طارق بصرهُ علي ذاك الجالس يترقب بقلب وعقلٍ مُشتتان ومرتبكان، ثم قام بتوجيه سؤالاً له مُتجاهلاً حديث تلك الحية الرقطاء:

-وإنتَ بقي إيه دورك في القصة دي يا وليد باشا؟


إبتلع وليد لعابه بتوتر،خشيةً سخط طارق عليه وسحـ.ـب الإمتيازات التي أعطاها مؤخراً لمكتب المحاسبات التابع له في الأمور الحسابية الخاصة بالشركة فأجابت لمار نيابةً عنه بعدما وجدته مُتلبكً:

-أنا اللي طلبت من وليد ييجي معايا،لأن لما يحصل بينا إتفاق أكيد مكتبه هو اللي هيمـ.ـسك حسابات عمليـ.ـات الإستيراد اللي هاتتم


هز طارق رأسهُ بتفهم فاستطردت هي متسائلة من جديد:

-ما ردتش عليا يا طارق؟!


أخرج طارق تنهيدة طويلة ثم تحدث قائلاً:

-بصي يا لمار،الشركة دي بنيناها أنا ورائف الله يرحمه علي أكتافنا،وماعنديش أى إستعداد إني أغامر بخسـ.ـارة سهم واحد منها مهما كانت المُغـ.ـريات،


واسترسل مشككاً:

-ثم إن المكاسب اللي بتتكلمي عنها دي مهولة وبصراحة كدة تدعوا للقلق والشَك


أردفت قائلة بنبرة حماسية في محاولة منها لإقناعه:

-إفهمني يا طارق،الشركة اللي أنا جيباها لك دي من أكبر شركات التصدير والإستيراد الموجودة في أسواق أوروبا كُلها،فمن الطبيعي تكون ارباحهم بالحجم ده،زائد إن أنا ضمناهم جداً وواثقة فيهم لأبعد حَد،وياسيدى أنا اللى مسؤلة قدامك لو حصل أي حاجة


ثم حولت بصرها إلي ذاك الجالس يتابع بصمت متخذاً دور المستمع وتحدثت لتحثهُ علي مساعدتها:

-ما تتكلم يا وليد


إعتدل بجلسته وكاد أن يتحدث قاطعه طارق قائلاً برفضٍ قاطع:

-مفيش داعي لكلام وليد لأنه مش هيفرق ولا هيغير في قراري


لم تستسلم بسهولة وباتت تقنعه بشتى الطُرقْ وما وجدت منه إلا الرفض القاطع،فوقفت بإستسلام وتحدثت بملامح وجه مُبهمة:

-أنا همشي، بس عندي أمل إنك تقعد مع نفسك وتحسبها ك  business man مُحترف وتفكر في حجم المكاسب اللي هتحققها شركتك من ورا العرض ده


وقف إحترامً لوقفتها وهز رأسهُ برفض وتحدث:

-صدقيني لو هتستني ردى هتبقي بتضيعي وقتك علي الفاضي


تحدث وليد إليها:

-إسبقيني إنتِ علي برة يا لمار علشان عاوز طارق في موضوع شخصي


رمقته بنظرة حَادة وتحركت سريعاً إلي الخارج ومنه إلي الجراچ لإنتظار ذاك الجبان


تحدث وليد كي ينأي بحاله من غضـ.ـب ذاك الطارق عليه أو إبلاغه عز وياسين بما جري:

-طارق،أنا ماليش دعوة بأي حاجة عن الموضوع ده،هى طلبت منى أجى معاها وجيت وانا عارف إنى غِلطت لما سمعت كلامها


واسترسل بنظرة إستعطافية:

-ياريت لو هتبلغ عمى وياسين باللى حصل ما تقولش إني جيت معاها ولا تجيب سيرتى،علشان خاطرى يا طارق


رمقهُ بنظرة إشمئزاز وتحدث بنبرة حادة وهو يُشير له نحو الباب:

-إمشي يا وليد علشان تلحق الهانم اللي سحـ.ـباك وراها وجيباك لحد هِنا


أنزل بصره أرضاً من شدة خجله وتحرك إلي الخارج ومنه إلي الجراچ،وجد تلك المُستشـ.ـاطة بإنتظاره،هتفت بنبرة مُوَبِّـ.ـخَة إياه فور رؤيتها له:

-ما كنتش أعرف إنك ضعيف بالشكل ده،ولو كنت أعرف كُنت وفرت مجهودى ووقتى اللى ضيعته معاك وأنا بحاول أقنعك تكون معايا


هتف بنبرة حادّة:

-وفري ندبك وكلامك ده لنفسك،أنا اصلاً غلطان إني سمعت كلامك من الأول، مانبنيش من المشوار ده كله غير إني خسرت ثقة طارق اللي ما صدقت إني أبنيها في سنين


واسترسل بملامح وجه غاضـ.ـبة وهو يُشير بسـ.ـبابته أمام وجهها:

-إسمعي يا بنت الناس،من النهاردة أنا في طريق وإنتِ في طريق تانى،خرجيني من حساباتك وخِطتِك الفاشلة دى،أنا مش حِمل غَضـ.ـب وغدر ياسين وطارق


وأكمل بنصح وتوعية:

-ونصيحة مني إبعدي عنهم لأنك ماتعرفيش قلبتهم ولا دُوقتي مرارة غـ.ـدرهم باللي يقرب منهم ومن اللي يخصهم،


واسترسل محذراً:

-ولو باقية علي نفسك ووجودك مع جـ.ـوزك وخايفة علي حياتك تبعدي خالص عن مليكة، لأن الدنيا كلها عند ياسين كوم،ودي لوحدها فى كوم تاني،اللي بس هيفكر يقرب منها هيشوف الوش الثاني لياسين المغربي، وما أدراكِ ما جبروت ياسين


وأكمل محذراً بسبابته:

-ياسين المغربي قرصته بتطلع بالد م ومكانها بيفضل معلِم


قال كلماته وارتدي نظارته الشمسية ثم استقل سيارته وقادها بسرعة تاركاً المكان بأكمله وتلك التي تقف وقلبها يغلىّ كفوران الحِـ.ـمم البُركـ.ـانية،ويملؤها الحِقد على الجميع


❈-❈-❈


قبل إنطلاق مدفع الإفطار بحوالي ساعة،داخل مطبخ ثريا

تقفن جميع النساء علي قدمٍ وساق لينتهوا من تجهيز طعام الإفطار قبل إنطلاق المـ.ـدفع،تقف مليكة أمام الموقد تتابع تحريك الحَساء الذي يحبذونهُ صغارها بالملعقة الخشبية


في حين تجلس ثُريا ومنال وإبتسام وراقية حول الطاولة المستديرة المتواجدة بمنتصف المطبخ تتحدثن وهُن يصنعن السلطات المتنوعة

فتحت يُسرا موقد الخبيز وأخرجت منهُ إحدي الصَوَانِي وألتفت بها بإتجاه والدتها وسألتها:

-وش المكرونة حلو كدة يا ماما ولا أسيبه شوية كمان؟

دققت ثُريا النظر به وأردفت قائلة:

-دخليها تاخد دققتين كمان يا يُسرا وشوفي الرُقاق في الفرن التاني للوش بتاعه يتلسع


نظرت راقية إلي الصَوَانِي المُتراصة فوق رخامة المطبخ وتساءلت وهي تنظر إلي الطعام بتشهي:

-البط ده أسواني يا ثُريا؟


أجابتها وهي تقرأ المعوذتين في سَريرتها:

-أه يا راقية،إبتسام جبتهُ لنا معاها من الحبيبة أسوان

حولت بصرها إلي إبتسام وتحدثت بملامح وجه كالحة وأتكأت علي نُطقها لحروف الكلمات:

-تعيشي وتهادي حبايبك يا بسمة

تحمحمت إبتسام وتحدثت شاكرة:

-تسلمي يا أبلة راقية

واسترسلت بنبرة خجلة حين علمت مغزى حديث راقية:

-معلش أنا ماعملتش حسابك في البَط إنتِ وأبلة منال المرة دي،لأني عارفة إنكم متجمعين كلكم في شهر رمضان عند أبلة ثُريا،فجبته كله هنا

واسترسلت بوعد:

-بس إن شآء الله الزيارة الجاية هجيب لكم معايا أحلا بط أسواني


اومأ لها الجميع بموافقة وشكروها علي ذوقها العالي،ثم أردفت منال متسائلة بوجهٍ بشوش:

-مش هتخطبي لرؤوف ولا إيه يا بسمة؟

الولد ماشاء الله بقى مهندس قد الدنيا وبيشتغل خلاص


حولت إبتسام بصرها إليها وأردفت بإبتسامة سعيدة دون الخوض فى تفاصيل إحتراماً لإنتظارها لرأى أهل سَارة:

-إن شاء الله قريب قوى يا أبلة منال هنسمع اخبار حلوة ونفرح كُلنا


كانت تقف تلك الرقيقة بجانب مليكة، شعرت بالد ماء تضـ.ـخ بشدة في جميع جَـ.ـسدِها جراء سعادتها المُفرطة،نظرت يسرا إليها وابتسمت لها مما أخجل تلك السَارة وجعلها تنظر أرضاً


هتفت هالة زو جة وليد بنبرة حماسيّة:

-إن شاء الله لما تيجى تجـ.ـوزي رؤوف يا طنط هجيب أولادى واجى أقعد عندك إسبوع بحالة علشان أساعدك فى تجهيزات الفرح


إبتسمت تلك الجميلة وتحدثت بنبرة ودودة نابعة من أصلها الطيب كَكُل أهل أسوان ذوات القلوب النقية:

-تيجى وتنورى أسوان كُلها يا هالة وإن ما شالتكيش الأرض أشيلك على راسى يا حبيبتى


تسلمى يا طنط ويسلم ذوقك... جُملة شاكرة أخرجتها تلك الهالة


بعد قليل صعدت مليكة إلى جناحها كى تُبدل ثيابها قبل إنطلاق مدفع الإفطار،شعرت ببعض الأرق فتسطـ.ـحت على ظهـ.ـرها فوق التخت لتستريح قليلاً،وجدت من يطرق فوق بابها ودلف بعدها،إنهُ ذاك العاشق الذى شعر بقلب حبيبته فصعد ليطمئن عليها


إقترب منها وجلس على طرف الفراش وسألها بنبرة قلقة:

-مالك يا حبيبي،إوعى تكونى تعبانة؟


هزت رأسها بنفى مع ظهور إبتسامة خفيفة فوق ثَغرها واجابته بطمأنة:

-مافيش حاجة يا حبيبي،أنا كويسة،أنا بس حسيت ضـ.ـهرى واجعنى شوية فقُلت أفرده


وضع كف يـ.ـده فوق وجنتها وتحدث بمداعـ.ـبة:

-دى بركات الأستاذة مِسك اللى هَلت علينا

إبتسمت بخفة فتحدث وهو يجـ.ـذب يَـ.ـدها برقة ليحثها على النهوض:

-طب يلا يا قلبي ننزل علشان المغرب خلاص على وَشَك


جـ.ـذبت كفه برقة وتحدثت:

-ياسين،عاوزة أقول لك على حاجة ضرورى ومش هتاخد أكتر من خمس دقايق


ضيق عيناه بإستغراب حين وجد حيرتها بعيناها فهز لها رأسهُ لتتحدث فقصت عليه ما حدث معها من لمار ووليد ووالدته


سحـ.ـبها ليُجـ.ـلسها ثم نظر لداخل عيناها وتحدث بطمأنة بنبرة شديدة الهدوء إستغربتها مليكة:

-كويس إنك رفضتى


واسترسل بإبتسامة هادئة:

-حبيبى،أنا عاوزك كدة على طول،أى حاجة تحصل معاكى حتى لو إنتِ شيفاها مش مهمة تيجي تقوليها لى


ضيقت عيناها وسألته متعجبة:

-بس كدة،هو ده ردك على اللى أنا قُلته؟!

أنا كُنت فكراك هتزعـ.ـق وتتنرفز أو على الأقل تزعل منى إن قُلت لطارق قبل ما أبلغك؟!


إبتسم لها وتحدث وهو يتحـ.ـسس وجنتها بحنان:

-أنا عارف ومقدر إن ماكانش فيه وقت كافى علشان تحكى لى على اللى حصل قبل ما تبلغى طارق


كانت تستمع أليه والحيرة والإستغراب هما سيد موقفها، فتحدثت من جديد بتنبية:

-طب ممكن علشان خاطرى ما تتكلمش مع لمار فى الموضوع ده


أجابها بهدوء تام:

-أكلمها أقول لها إيه بس يا حبيبي،هى البنت عملت إيه علشان أحاسبها عليه؟


واستطرد شارحاً:

-لمار دى مجرد واحدة بتسعى وعاوزة تطور من نفسها وتخلق فرصة تنجح بيها،هى عاوزة تثبت وجودها قدام كُل العيلة وده حق مشروع ليها وماحدش يقدر ينكره عليها


واكمل ببرود:

-هى دورت بذكاء وجابت لكم عرض كويس من وجهة نظرها وإنتوا رفضتوه،أنا مش شايف إن الحكاية كلها تستدعى أى كلام من الأساس


قال كلماته ووقف سريعاً وأوقفها معه وتحدث وهما يتحركان بإتجاه الباب كى يُغلق معها الحديث:

-يلا ننزل علشان المـ.ـدفع ضَـ.ـرب من بدري وفاضل تلات دقايق بالظبط على الآذان


بالفعل نزلا وتحركا إلى الحديقة وجدا الجميع يلتف حول تلك الطاولة المليئة بالكثير من الاطعمة اللذيذة والمتنوعة  لتتناسب مع جميع الأذواق المختلفة،إنطلق الآذان وبعد قليل كان الجميع جالسون كُلٍ بمقعده


تحدث ياسين بنبرة هادئة موجهً الحديث إلي الجميع وهو يتناقل النظر بينهم:

-إعملوا حسابكم إن أنا عازمكم كلكم علي السحُور النهاردة حتى الأطفال


واستطرد:

-هوديكم خِيمة رمضانية هترجعكم عشرين سنة لورا وتشـ.ـموا فيها ريحة رمضان بتاع زمان

تبسمت إبتسام وأردفت بطيبة وحديثٍ صادق خارج من القلب:

-مافيش داعي تكلف نفسك يا سيادة العميد،صدقني الفرحة والبركة كلها في لمتنا، لقمة نعملها بسماحة نية وناكلها مع بعض تكفي وتفيض،وضحكة صافية تطلع من قلوبنا تسعدنا، وحكاوينا وكلامنا اللي بيطلع من القلب يدخل علي أرواحنا يدفيها


نظر لها عز وتحدث بإعجاب:

-ماشاء الله عليكِ يا بنت أسوان،كلامك بيمـ.ـس القلوب ومترتب وكأنه أبيات شعر متناسقة


أمسـ.ـك حسن كف يـ.ـدها ورفعها إلي مستوي فَـ.ـمه وبجراءة قام بوضع قُبـ.ـلة بباطنه وتحدث بإعتزاز:

-هي بنت النيل سحرتني وخطـ.ـفت قلبي من قُليل يا سيادة اللوا


هتف طارق مهللاً بمزاح:

-الله عليك يا هندسة،يا باشا بالراحة علينا مش كدة إحنا مش قدك،سعادتك كدة ممكن تقـ.ـلب علينا الهوانم.


قهقه الجميع علي دُعابة طارق عدا تلك "اللمار" وتلك "الراقية" وكعادتها وضعت كف يـ.ـدها فوق ذقنها وباتت تتناقل بنظرها علي وجوه الجميع بنظرات تهكمية وهي تلوي فاهـ.ـها بإمتعاض


أردف ياسين بتفاخر:

-إتكلم علي نفسك يا حبيبي،إحنا قدها وقدود

ثم حول بصره إلي مليكة وسألها بغـ.ـمزة جريـ.ـئة من عيناه:

-ولا إيه يا مدام؟


إبتسمت وانزلت عيناها تنظر بصحنها خجلاً فقهقه الجميع


أشار عز الجالس علي رأس الطاولة إلي صَحن الحمام ونقل نظره إلي ياسين الذي يجاورهُ الجلوس وأردف متحدثاً:

-ناولني الحمامية المبقلظة دي يا ياسين


إبتسم ياسين وبسط ذراعهُ والتقـ.ـط الحمامة وقام بوضعها داخل صَحن أبيه وهمـ.ـس مُداعباً إياه:

-بالراحة علي نفسك يا باشا دي تالت حمامة تاكلها،صحتك ما بقتش تتحمل الحمام ده كلهُ


أجابهُ بفُكاهة:

-إتلم يا أبن منال وإعرف إنتَ بتتكلم مع مين،ده أنا صحتي تتحمل قد اللي تتحمله سعادتك عشر مرات


واسترسل وهو ينظر إلي مليكة:

-بس هو الحظ


ثم حول بصرهُ إلي منال الملتهية بتناول الطِعام وبالحديث مع إبتسام وثُريا وهمـ.ـس بوجهٍ مُكفهر:

-ما هي الدنيا كدة، ناس ليها رقص وناس ليها فُرجة، وأنا الشهادة لله لا طولت مع أمك رقص ولا حتي الفُرجة


كظم ياسين ضحكاتهُ ومد يـ.ـده من جديد وامسـ.ـك به إحدي الحمامات وتحدث وهو يضعها بداخل صَحن أبيه:

-كُل حمام يا باشا،كُل علشان تنسى


نظرا كلاهما للأخر ثم انفجـ.ـرا ضاحكين تحت نظرات الجميع وإستغرابهم من قهقهات ذاك الثُنائي التي لم تنقطع طالما يجلسان سوياً


إنتهي البارت

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل التاسع روز أمين

ماعُدتُ أَطيِق الإبتعَادُ عنكَ يا عشقى ويا سَكَنِى

فَوْرَ أن تترُكنى أشعرُ بالإختناقِ والإرتيابُ ينتابنى

وكأن بكَ روحى باتت مرهونةً وقلبى بعشقك أصبح مُبْتَلىً


خواطر مليكة عُثمان

بقلمى روز آمين


بعد الإنتهاء من صلاة التراويح

داخل منزل عبدالرحمن المغربى،كان يجلس هو ووالدته داخل غرفة الجلوس بعدما أصرت عليه أن يروى لها كُل ما حدث أثناء مقابلته ولمار بطارق


تحدثت بنبرة مُحبطة وخَيْبَة أمل ظهرت فوق ملامح وجهها:

-يعنى إيه يا وليد،الموضوع خِلص على كدة خلاص؟!

واسترسلت بنواحٍ وعويل:

-يا فرحة ما تمت خَدها الغُراب وطار،قال وأنا اللى كُنت فاكرة إن الزمن هينصفنى والبخت المايل هيتعدل وكفتنا هتطُب ويبقى لنا قيمة فى وسطيهم؟


واستطردت بهزيمة واستسلام:

-أتارى البخت اللى أبوك ضيعه بخيبته ومشاريعه الفاشلة هيفضل لازق فينا العُمر كُله


بطلى نَدب يا ماما وإدعى معايا إن ربنا يسترها وطارق ما يروحش يقول لياسين ولا حتى يسحب منى شغل شركته...كلمات مُرتابة خرجت من ذاك المذعور


لوت فاهها وتحدثت بنبرة ساخـ.ـطة:

-هايسـ.ـخطوك يا قِرد

واسترسلت وهى تُشير إليه بكفاي يـ.ـداها بإمتعاض:

-يعنى هيعملوا فيك إيه يا موكوس أكتر من الخيبة اللى إحنا فيها دى


وبعدين بقى،ما قُلت لك قفلى على السيرة دي خلاص...كلمات مقتضبة قالها وليد بملامح وجه مُكفهرة ثم نهض غاضـ.ـباً وتحرك إلى الخارج،وما أن فتح الباب ليخطوا حتى إصتُـ.ـدِم بتلك التى يبدو عليها بأنها كانت تتسَمعْ عليهم،رجعت للخلف سريعاً ونظرت على زو جها بنظرات مُرتابة مذعورة جراء مُفاجأة خروجهُ من الغُرفة


إتسعت عيناه بذهول وسألها بإرتياب خشيةً من أن تكون قد إستمعت إلى حديثهُ مع والدته وستُخبر به والده كعادتها بحِجَة خوفها عليه:

-إنتِ واقفة هنا من أمتى؟

واستطرد بنظرات غاضـ.ـبة:

-وواقفة كدة ليه أصلاً؟


إبتلعت لُعابها وتحدثت بنبرة مُرتبكة:

-ده أنا كُنت جاية أقول لك إنتَ وحماتى إن سيادة العميد بعت لنا هُدى علشان نجهز نفسنا للسحور


إقتربت من الباب وطلت برأسها على تلك الجالسة تنتحب وتحدثت بكلمات مُرتبكة:

-قومى إلبـ.ـسى هدومك يا طنط علشان نلحق وقتنا،أنا جهزت الأولاد وبعتهم عند طنط ثُريا على ما نجهز ونروح لهم


قالت كلماتها وبلمح البصر تحركت إلى الأعلى وأختفت عن عيناى ذاك الذى مازال يقف مصدوماً، شَـ.ـعر بالريبة من تلك الهالة فتحرك خلفها مهرولاً وهو يصعد الدرج على عُجالة،دلف إلى غرفتهما وجدها تُخرج ثوباً لها يبدوا أنها سترتديه بسهرتها،وقف أمامها وتحدث يسألها:

-إنتِ سمعتى كلامى مع أمى، صح يا هالة؟


أخذت نفساً عميقاً ثم زفرته كى تطرد فزعها الذي أصابها جراء المفاجأة،وتحدث بنبرة هادئة وهى تقترب عليه وتُمـ.ـسك بكف يـ.ـده وتحثهُ على التحرك بجوارها إلى الأريكة:

-تعالى إقعد علشان نتكلم يا وليد،عندى كلام مهم ليك لازم تسمعه


بالفعل تجاوب مع حديثها وجلس يستمع إليها بإنصاتٍ تام،وبدأ يتناقشان ويتبادلان الأراء لمدة لا تقل عن النصف ساعة،وبعدها شرعا فى تغيير ثيـ.ـابهما بأخرى تصلح للخروج ونزلا معاً وكأن شيئاً لم يكُن،تحرك كِلاهُما بجانب راقية التى تجهزت هى الآخرى ليلحقوا بالصِغار التي جهزتهم هالة مُسبقاً وبعثت بهم إلى منزل ثُريا ليمرحوا مع أنس وعز


أمام منزل عز،إستقل الجميع سياراتهم إستعداداً للمغادرة وانتظروا بأماكنهم فى إنتظار ذاك الواقف يتحدث إلى رئيس الحرس ويهمس له بهدوء حَذر قائلاً:

-فيه تلات عُمال من شركة الغاز هييجوا بعد حوالى رُبع ساعة علشان يأمنوا على خطوط الغاز ويختبروها،تدخلهم الفيلا وتسيبهم جوة وتطلع تقف مكانك إنتَ والرجالة


نظر له الرجل وتحدث بتعجُب:

-أطلع إزاى وأسيبهم لوحدهم جوة يا باشا؟!


واسترسل بتذكير متفاخر لياسين وكأنهُ يُنبههُ بشئٍ غافلاً هو عنهْ:

-هو حضرتك ناسى إن البيت هيكون فاضى؟!


زفر بضيق ولعن غباء ذاك الذي يعشق كَثرة الثرثرة وتحدث بنبرة تحذيرية:

-وإنتَ مالك يا بنى أدم؟

إنتَ كَل اللى عليك هو إنك تسمع الكلام اللى بقولهُ لك وتقول حاضر من سُكات


واسترسل بنبرة تهديدية:

-وإياك يا عِزت تجود من عندك وتبوظ لى الدُنيا،صدقنى ما حد هيعرف يخلصك من إيـ.ـدى لو ده حصل


إبتلع الرجُل لُعابهُ وهز رأسهُ بإيماء سريعاً فأكمل ياسين بتنبية:

-مش عاوز مخلوق من العيلة يعرف إن فيه ناس دخلت الفيلا ولا حتى الباشا الكبير بذات نفسه


واسترسل بتأكيد حَذر:

-كلامى مفهوم يا عِزت؟


هز رأسهُ عذة مرات متتالية دلالة على التأكيد وتحدث بطاعة:

-ودى عاوزة سؤال،مفهوم طبعاً يا باشا


زفر ياسين وهز رأسهُ بإستسلام،كان هناك من يراقب وقوفهما بترقب شديد،تُرىّ مَنْ؟


تركهُ ياسين وتحرك إلى سيارته الخاصة الماكث بداخلها متيمة كيانهُ وأبنائها وحمزة،وأشار للجميع بأن يتحركوا خلفهُ

فتح باب السيارة وأستقل مقعدهُ وأدار المُحرك وانطلق، فتحدثت مليكة مستفسرة بتملُلْ:

-هو إنتَ ما فيش مرة نخرج فيها إلا لما تقعد تذنب فى الراجل وتذنبنا إحنا كمان معاك؟

واسترسلت متسائلة:

-كُنت بتقول له إيه كُل ده؟


ضحك حمزة وتحدث إلى مليكة فى مداعبة منه لأبيه:

-يعنى حضرتك يا طنط متجوزة بابا ليكى أكتر من سِتْ سِنين ولسة ماحفظتيش طبعه


واسترسل بمشاكسة:

-طبعاً قاعد يدى الوصايا السبع للمسكين عزت ويهدده كعادته ويقوله


وهُنا حاول تقليد صوت والدهُ وأشار بسـ.ـبابته بوعيد وملامح وجه صارمة كياسين وقتما يغضـ.ـب:

-تعرف يا عِزت لو نَملة عدت من تحت البوابة الحديدية،هخفيك من على وِش الدُنيا وحتى الدبان الأزرق مش هيعرف لك طريق وقتها


ضحكت مليكة ومروان حتى أدمعت عيناهم فى حين نظر ياسين فى إنعكاس المرأة إلى ولده رافعاً إحدى حاجبيه بتعجُب وتحدث بإستنكار مفتعل:

-بقى قاعد تسف عليا مع مرات أبوك يا سى حمزة،والله شكله ما حد هيتنفخ فى أم الليلة دى غيرك إنتَ


الوقت بقت مرات أبوك؟...جُملة معترضة قالها حمزة مُداعـ.ـباً بها والدهُ


تحدث ياسين إلى نجله:

-قُعادك فترات طويلة مع الباشا الكبير بقى خَطر عليك


فى حين لكزت مليكة ياسين بكتـ.ـفهِ قائلة بإعتراض وأستنكار:

-إيه مرات أبوه دى كمان؟


ثم نظرت إلى حمزة وداعـ.ـبته بمشاكسة قائلة بإستحسان:

-ده حمزة ده صديقى الصدُوق ومستشارى الإلكترونى،مش كدة يا موزى؟


هز لها رأسهُ وتحدث ضاحكاً:

-قصدك صديقك اللى بتستـ.ـغليه حضرتك علشان يريـ.ـحك من تعليم أنس وعزو بعض المهارات اللى واجبة عليكِ كأم


مش لوحدك يا أبنى اللى بتستـ.ـغلك لحساب ولادها والله... جُملة قالها مروان بمشاكسة لوالدته مما جعل مليكة تنظر لكليهما وهى تمُط شـَ.ـفتيها ثم تحدثت بإمتعاض وحُزنٍ مُصطنعان:

-بقى كدة، يعنى سيادتكم زعلانين علشان بخليكم تشاركونى فى تعليم إخواتكم لتنمية مهاراتهم،تمام قوى لحد كدة،أنا بقى هحرمكم من المُتـ.ـعة دى


واسترسلت بإمتعاض مُصطنع وهى تُشير إلى أنس الذي يتوسط جلوس مروان وحمزة،وايضاً عز الجالس فوق سـ.ـاقاى حمزة:

-وإبقوا ورونى مين بقى اللى هايوصلكم لمرحلة الضحك الهيستيرى اللى بتوصلوا له مع الثُنائى العجيب ده


ضحك الجميع وتحدث حمزة المتصالح كثيراً مع حالهُ ومتقبل زو اج أبيه بمليكة وذلك لوعى عقله وتوسع أفقه،ويرجع ذلك لإهتمام ياسين وعز به وبتربيتهُ السليمة ومحاورته بشكلٍ صحيح:

-برنسس مليكة أصدرت فرمانها خلاص

واسترسل وهو يُقـ.ـبل ذاك الجالس فوق سـ.ـاقيه بنهم:

-شُفت مامى يا عزو،عاوزة تحرمنا أنا ومروان من الإستـ.ـمتاع بذكاءك الخارق إنتَ وأنوس


قال كلماتهُ وضحك بشدة هو ومروان وأنس


إتلم يا حمزة وبطل سَف على أخواتك...كلمات جادة نطق بها ياسين وهو يتابع الطريق أمامهُ


❈-❈-❈


بعد قليل،إصطفت جميع السيارات أمام إحدي الخيام الرمضانية وترجل منها الجميع ودخلوا من البوابة الرئيسية للمكان الذي كان عبارة عن ساحة واسعة مُزينة بأحبالٍ من الزينة والفوانيس المتنوعة بأنوارها الملونة والتى تبعثُ البهجة داخل النفوس،يوجد داخلها أيضاً ألعاب متنوعة وبعض الأراجيح المناسبة للهو الأطفال،مُلحق بها مطعم داخلى خاص بتقديم الأطعمة والمشروبات،


دخل ياسين إلى المكان يتقدم عائلتهُ وهو يتأبَّط ذراع آسَرةْ قلبَهُ،هرول إليه مالك المكان وتحدث بترحيبٍ شديد:

-أهلاً وسهلاً يا سيادة العميد،المكان نور بتشريفكم لينا يا أفندم


رد عليه ياسين بنبرة صوت جادة:

-متشكر يا حماد

واسترسل متسائلاً وهو يقوم بتمشيط المكان بعيناه:

-حجزت لي المكان كله زي ما بلغتك في التيلفون؟


حصل يا باشا والمكان كله حتي الجنينة والملاهي تحت أمر معاليكم.. جُملة نطق بها ذاك الحماد وهو مطاطأ الرأس مُشيراً بكف يـ.ـده للداخل


إنطلق الأطفال في الحديقة،الفتيان بدأوا بممـ.ـارسة لعبة كُرة القدم وأسرع الصغار إلى مدينة الألعاب الخاصة بالمكان تحت حراسة رجال ياسين الذين لم يعدوا يفارقاه لا هو ولا أفراد عائلتهُ


دخل الجميع بجانب علياء وشريف الذي دعاهما ياسين لأجل إسعاد قلب أسرة حسن بإجتماعهم مع عزيزة أعيُنهم


نظرت ثُريا إلي الطاولات المتلاصـ.ـقة ببعضهم حتي كونت طاولة بطول المكان بأكمله وتحدثت برضا:

-حلو أوي المكان يا ياسين،وأحلا حاجة إنهم رصوا التربيزات جنب بعضها علشان كُلنا نتجمع علي تربيزة واحدة


نظرت لها إبتسام التي تجاورها التحرك وتحدثت بإنشراح:

-والله إنتِ اللى جميلة أوي يا أبلة ثُريا


إبتسمت لها وتحدث مالك المكان شارحاً:

-وعملنا سُفرة برة في الجنينة للأولاد يا أفندم علشان ياخدوا راحتهم.


أومأت له ثُريا برضا

إتخذ الجميع أماكنهم وإصطفوا حول الطاولة،وبعد مرور حوالى النصف ساعة بدأو العُمال برص صَحون الطعام أمامهم


أردفت إبتسام وهي تنظر إلي أطباق الطعام بتشهي وتحدثت:

-فلافل إسكندراني وسُخنة كمان


مدت يـ.ـدها سريعاً وتناولت واحدة منها واقتضمتها وهي تُغمض عيناها وتمضغها بإستمتاع وأردفت قائلة بإستجواد:

-ياسلام علي الطعامة والجمال،فعلاً الفلافل الإسكندراني لا يُعلي عليها فى الطَعم


ردت عليها منال بإبتسامة خفيفة:

- بالهنا والشفا يا إبتسام


هتفت علياء بنبرة حماسية وهي تُمـ.ـسك بصَحنٍ من الطعام وتناولهُ لوالدتها قائلة:

-خدي بقا جربي الطبق ده ودوقي أجمل فول بالبسطرمة هتاكليه في حياتك.


تناولت إبتسام الصَحن من صغيرتها وتحدثت بدُعابة:

-بقيتي إسكندرانية خلاص يا عالية؟


هتف عز قائلاً بفخر وهو ينظر إلي علياء:

-هي أصلاً إسكندرانية أباً عن جد يا هانم


ثم حول بصره إلي إبن عَمهْ وتحدث بحنين:

-بس من ساعة أسوان ما سحرت الباشمهندس ووقع في غرامها،وهو نسي إسكندرية وناسها اللي بيحبوه


بسمة حنين خرجت من شـ.ـفاه ذاك الحَسن بفضل ما رآه من حُب إبن عمهْ له وأردف شارحاً:

-ماحدش يقدر ينسي أصله وبلده اللي فيها حبايبه يا آبن عمي، بس زي ما أنتَ قولت،


وهُنا أحال ببصره إلي ساحرتهُ وأردف بنبرة حنون وعيناي تُصرحُ بكل جُرأةً عن هيامُها لتلك السمراء جميلة الروح والملامح:

-سحرتني أسوان وندهتني بنتها،وأنا لبيت النِدا


إبتسامة حنون خرجت من تلك الجميلة التي نظرت إلى زو جها بعيناي مغيمة بدموع الفرح،نظر لهما الجميع بإنبهار لإستمرار عشقهما الهائل وإنتعاشه إلي الآن برغم مرور الكثير والكثير من الأعوام


مالت يُسرا علي أُذُن سليم وتحدثت بمشاكسة:

-شايف الحُب اللي بينهم لسة مكمل إزاي رغم السنين الكتيرة يا سليم


واستطردت بمعاتبة لذيذة:

-مش زيك بطلت تقولي كلام حِلو وتجيب لي ورد زي أول ما

إتجـ.ـوزنا


إبتسم لها وتحدث بنظرات معاتبة:

-كدة يا يُسرا،بقى تبيعى سُلم حبيبك علشان بوكيه ورد


ضحكت لهُ برقة،أما تلك المشاكسة فتحدثت إلى حبيبها باحتجاج مُصطنع لطيف:

-شايف الرومانسية الأبدية يا حضرة الباشمذيع،بص للباشمهندس حسن واتعلم منه


قطب شريف حبينه وأردف قائلاً بإعتراض:

-تصدقي إنك عاملة زي القُطط بتاكلي وتنكري


وهمـ.ـس مُذكراً إياها بوقاحـ.ـة وهو يُميل بجانب أذنها:

-بسرعة كدة نسيتي المساچ اللي لسة عاملهُ لك من كام يوم


برقت عيناها وشهقةٍ خرجت منها بذهول ونظرت حولها سريعاً تتطلع لتتأكد من عدم إستماع أحدهم لحديث ذاك المتهور ثم هتفت بخفوت:

-إنتَ قليل الأدب


ضحك برجـ.ـولة ثم أمـ.ـسك كأس المشروب وأرتشف منه تحت إستشـ.ـاطتها المزعومة


أما مليكة فقد تحدثت بهدوء ورضا كعادتها إلي مُتيم روحها:

-عارف إيه أحلا حاجة في حُبنا يا ياسين


نظر لها وأردف هائماً مُتيماً بالنظر لداخل عيناها:

-إيه يا قلب ياسين؟


أجابت بإبتسامة ساحرة أسَرة بها قلبهُ:

-إنه هادي وفي السّر وبعيد عن العيون،مع بعض بنعيش أحلا وأجمل مشـ.ـاعر من غير ما أى حد يحِـ.ـس بينا


ضحك ساخراً وتحدث ليُعلم تلك الغافلة:

-إنتِ طيبة أوي يا قلبى


وسألها:

-تفتكري فعلاً إن حُبنا بعيد عن العيون؟

ده أنا من كُتر ما أنا مسحور بيكي وعيوني فاضحـ.ـاني في كُل مرة ببص عليكي فيها قدامهم،ومن كُتر ما سيادتك بقيتي بتأثري علي كتير من قراراتي وتخلينى أتخلى عن ثوابت فى حياتى،قربوا يسموني ياسين مجنون مليكة


إبتسمت بدلال وهي تنظر له بوله وقلبٍ يصرخُ بعشه


كانت هناك عيون تراقب كُل ثُنائي وبالأخص ياسين ومليكة بغيرة وأسي وحَسـ.ـرة شديدة علي حالها،إنها نرمين التي نظرت لذاك السِراج وتنهدت بأسي وهي تراه منشغلاً عنها بالحديث مع عمها عبدالرحمن ولا يشعر حتي بوجودها


بعدما إنتهوا من تناول وجبة السُحور وسط أحاديثهم المُثمرة،حضر العمال وبدأوا بتنزيل المشاريب والحلوي الخاصة بشهر رمضان الكريم


أمسـ.ـك ياسين كأساً من مشروب الخُشاف المُحبب لديه وبدأ يتناولهُ بتلذُذ،ثم تحدث وهو يحث حبيبته علي تناول كأسها:

-ما بتاكليش ليه يا حبيبي؟


أجابته بوهن ظهر على ملامحها:

-مش قادرة يا ياسين


أردف مطالباً إياها بتذوقهُ:

-طب كُلي حتى معلقتين بس،الخشاف طعمه حلو أوي هنا


هزت رأسها بنفي وملامح وجه مُكفهرة تدل على تعبها وأردفت بتفسير:

-مش هقدر يا حبيبي،حاسه إني لو حطيت أي حاجة في معدتي تاني هتعب


أمـ.ـسك كفها وهتف بنبرة هلعة:

-إوعي تكوني تعبانة؟

واسترسل بزعر متأثراً بما حدث من ذي قَبل:

-قومي نروح المستشفي علشان نتطمن


أجابته بكلمات مُطمأنة:

-إهدي يا ياسين الموضوع مش مستاهل مستشفي،كُل الحكاية إن معدتي تعباني وحاسة إني عاوزة أرَجَع وده طبيعي جداً في شهور الحمل الأولى.


هدأ قليلاً بعدما إبتسمت له وطمأنته بكلماتها


إستأذن منها قائلاً بهدوء:

-هقوم أعمل تليفون مهم وأرجع لك على طول


أومأت له بهدوء وأنسحب هو إلى الحديقة وأتصل بأحد الرجال وتحدث بنبرة جادّة:

-طمنى،لقيت حاجة؟


أتاهُ صوت الرجل قائلاً بنفى:

-المكان نضيف يا باشا ومافيهوش أى حاجة تدعوا للشك


متأكد؟...كلمة خرجت من ياسين


أجابهُ الرجُل:

-أكيد سعادتك،على العموم أنا زرعت سماعة فى المكان جوة زى ما حضرتك أمرت،وزرعت كاميرات فى المَمر اللى قدام الجناح مافيش مخلوق هيقدر يكتشف مكانها،وزرعت كمان فى المطبخ والريسبشن


هز ياسين رأسهُ بهدوء وأغلق معه بعدما إطمئن منهُ بمغادرة المنزل هو ورجاله،نظر أمامهُ وجد تلك التى تقترب عليه وأبتسامة واسعة ترتسم على ملامح وجهها وتساءلت:

-يا تري واقف لوحدك وبتكلم مين بحَذر كدة يا سيادة العميد؟


واسترسلت بدعـ.ـابة ساخرة:

-إوعى تكون عايش قصة حُب جديدة وهتتجوز تانى؟


واستطردت بتذكر ساخر وهى تضع سـ.ـبابتها على مُقدمة رأسها: Oh, sorry

واسترسلت بمنتهى البرود:

-أقصد تالت.


وضع كفاى يـ.ـداه داخل جيباى بِنطاله ثم ضحك ساخراً وهو يرمقها بعيناى متفحصة ردات فعلها وتحدث:

-اللى إنتِ ما تعرفهوش عنى إنى مابعرفش أعمل حاجة فى السِر،أنا شُغلى كله فى النور وفى العَلن يا مدام


واسترسل بحديث ذات مغزى قاصداً إياها:

-مش فى الضلمة زى الخفافيش،يعنى يوم ما هاحب زى ما بتقولى هاجى بكل وضوح وصراحة وأقول للكُل،أنا ماعنديش حاجة أخجل منها علشان أداريها


رفعت إحدى حاجبيها مُتعجبة وأردفت قائلة بإستغراب:

-تفتكر بالبساطة دى ممكن الإنسان يعترف بخطأه يا سيادة العميد؟!


واستطردت وهى تهز رأسها بنفى:

-ماأظنش إن الموضوع بالسهولة اللى سيادتك بتتكلم عنها دى، وأكبر مثال على صحة كلامى هو حضرتك بذات نفسك

واكملت وهى تُشير إليه:

-ده إنتَ حياتك كلها عبارة عن بير من الألغاز والأسّرار


إبتسم لها بسماجة وتحدث موضحاً لها:

-ده لأن طبيعة شُغلى بتحتم عليا الكِتمان والحِرص الشديد،لكن صدقينى،لو كُنت شغال أى وظيفة عادية عُمرى ما كنت هتدارى ورا ستارة


ماحدش بيتدارى ويخبى غير اللى سكِته شمال...كانت تلك جُملة قوية قالها ياسين وهو ينظر لداخل عيناها بترصُد مما أربك تلك اللمار وجعل داخلها يهتز لكنها وكالعادة حاولت التماسك بكل ما لديها من قوة


تحدث إليها من جديد بكُل صدق:

-على فكرة،أنا مش بدعِى المثالية أو بقول إنى معصوم من الخطأ لا سمح الله، "بالعكس"


واسترسل بندم داخلى مُتذكراً نـ.ـزواتهُ والتى كان يُطلق عليها إسم زيجـ.ـات عُرفـ.ـية كى يُرِح ضميرهُ من شـ.ـعور الذنـ.ـب والتأنيب المستمر لأفعاله وأخطـ.ـائه التى كانت تؤرق روحهُ:

-أنا زمان عملت أخطاء لما بفتكرها حالياً بزعل قوى من نفسى وأنبها


واستطرد بصدقٍ:

-بس عزائى الوحيد إن الأخطاء دى بقت ماضى وإنى توقفت عنها وأعلنت تُوبتى لربنا،والحمدلله قِبلها منى ومن عظمة رحمته بيا كافئنى على توبتى


كانت تتعجب من جلسة المُصارحة التى يحادثها بها ولأول مرة مُنذُ أن دخلت كعروس لمنزلهم،إبتسمت بخُبث وتحدثت بنبرة خبيثة:

-ده شكل ماضى حضرتك مليان تجـ.ـاوزات يا سيادة العميد،


بس أنا حابة أسأل حضرتك سؤال وياريت تجاوبنى عليه بصراحة


هز لها رأسهُ بموافقة فاسترسلت هى بإتهام غير مباشر:

-إنتَ بتتكلم عن الماضى وكأن حياتك حالياً مافيهاش أى أخطاء تحاسب نفسك عليها،مع إن العالم كُله بيتكلم عن الظُلم والتجـ.ـاوزات اللى تعرضوا له فئة كبيرة من المصريين على أيـ.ـدين جهاز الشُـ.ـرطة


أجابها بهدوء مفسراً:

-أول حاجة لازم تعرفى إن مش كُل حاجة بتعرضها القنوات الخارجية تبقى صح وحقيقية،ساعات سياسات البلاد بتختلف مع بعضها فبتدخل وتُطلب من إعلامها يروجوا صورة بشكل مُعين عن بلد محدد وده إسمه إعلام موجه وبيحصل فى كُل بلاد العالم،مش كدة وبس،دول بدأوا مؤخراً يستغلوا مُنظـ.ـمات بعينها علشان تطلع وتتكلم وتحاول تشوه صورة البلد اللى تقريباً بتكون مختلفة سياسـ.ـياً مع الآخرى وبتضر بمصالحها الإستيراتيجية


واسترسل موضحاً:

-وعلى فكرة،مش معنى كلامى ده إنى بنفى بعض التجـ.ـاوزات اللى بتحصل من بعض الأجهزة الأمنية فى البلد أو بعفيها من المسؤلية،الفساد والظلم وارد جداً وموجود حوالينا فى كل مكان فى العالم، وإلا ماكُناش وصلنا للحال المزرى اللى وصلنا ده


ثم نظر لها بإستغراب مُضيقاً عيناه وسألها مُستفسراً بتعجُب:

-بس السؤال المهم هنا،أنا إيه علاقة شُغلى بتجـ.ـاوزات الداخلية اللى ذكرتيها؟!


إبتسمت بجانب فمها وتحدثت شارحة:

-هو مش حضرتك بردوا شغال تبع الجهاز اللى بيديهم المعلومات والأسماء اللى من خلالها بيتم القبـ.ـض عليهم ورميهـ.ـم فى السِجـ.ـون وتعذيـ.ـبهم؟!


ضَمَّ حاجبَيْه وعَبَس وجههُ وسألها مستفسراً بدَهْشةٌ ظهرت عليه:

-وإنتِ تعرفى منين أنا شغال تبع أى جهاز؟!


إنتفـ.ـض داخلها واهتز كيانها لكنها سُرعان ما تمالكت من حالها وتحدثت بثبات دربت حالها عليه:

-مش محتاجة سؤال يا حضرة العميد،عُمر قال لى إن حضرتك شغال فى جهاز المخـ.ـابرات، ودايماً بسمع طارق وهى بينده لك بوحش المخـ.ـابرات


أردف بنبرة صارمة:

-أنا عارف الكلام ده كله،أنا بسألك،عرفتى منين إنى مسؤل فى شُغلى عن تجميع المعلومات والأسماء اللى بتوصل للداخلية؟!


شعرت بأن ساقيـ.ـها ما عادت تحملُها وكادت أن يغشى عليها من شدة إرتعابها،أنقذها من ما هى عليه ذاك الحبيب الذى إقترب منها ولف ذراعهُ حول خَصـ.ـرها وتحدث بتساؤل:

-بتتكلموا فى إيه كُل ده؟


إبتسمت هى وتحدثت بسعادة وانتشاء ظهر على ملامح وجهها:

-ما فيش يا بيبى،أنا وسيادة العميد كُنا بندردش شوية وكنت داخلة حالاً لأن الجو هِنا برد قوى


ثم نظرت إلى ذاك الداهى الواقف يتفحص ملامح وجهها وتعبيرات جَـ.ـسدها بمنتهى الدقة وتحدثت وهى تتأهب للدخول:

-بعد إذنك ياسين باشا


أمال برأسهِ بخفه مع بسمة خَافته ظهرت بجانب فمه وتحدث عُمر إلى شقيقهُ:

-إدخل إنتَ كمان يا ياسين علشان شريف وعالية عاوزين يمشوا


إبتسم لشقيقهُ وتحدث بهدوء:

-إدخلوا إنتم يا حبيبى وأنا جاى وراكم


بالفعل دخل ذاك الثُنائى وتلاهما ياسين حيثُ نظر على حبيبته التى إبتسمت له،وقف شريف وتحدث بإعتذار من الجميع:

-نستأذن إحنا يا جماعة واتمنى لكم سهرة سعيدة


أردف عز قائلاً بإستغراب:

-لسه بدري يا شريف،الساعة لسة إتنين وربع،كملوا سهرتكم معانا وكلها ساعة وهنروح كُلنا


أجابتهُ علياء التي حملت صغيرتها من أحضـ.ـان والدتها:

-مش هينفع يا عمو،الدكتور سيف هيوصل الساعة ستة الصُبح وشريف هيروح يجيبه هو وأولاده من المطار


نظرت منال إلي مليكة وسألتها:

-مش هتروحي معاهم علشان تستقبلي أخوكِ يا مليكة؟


تنهدت بأسي ونظرت إلي ذاك المسـ.ـتبد الذي رفض مبيتها بمنزل والدها لإستقبال شقيقها وذلك كي لا يُحرَم من حُضـ.ـنها ولو لليلة واحدة،نظر لها وتحدث نيابةً عنها متحججاً:

-مش هينفع علشان مليكة وعمتي والأولاد هيروحوا بكرة يزورو المقابر


هزت منال رأسها بتفهم وأردفت قائلة بنبرة متأثرة وهي تنظر إلي ثُريا التي تغير لون وجهها وأرتسم الحُزن فوق ملامحها بمجرد ذكر إسم فقيدها الغالي:

-الله يرحمه


هروح أزور الحبايب معاكي يا أبلة...جُملة نطقت بها إبتسام بصدق وإحسـ.ـاس

أردف ياسين قائلاً بإعتذار منها:

-أنا هوصل حضرتك بنفسي بعد أذان العصر


ثم حول بصره خارجاً في الحديقة الخاصة بالمكان وصوب بنظره علي مروان وهو يجري مُسرعاً بمرح خلف كُرة القدم بمشاركة حمزة وياسر وبعض فتيان العائلة وأردف قائلاً بتوضيح:

-دي رغبة مروان،عاوز يزور بباه هو وجدته وأخوة ومليكة لوحدهم، حتي أنا مش هروح معاهم.


تفهم الجميع طلب الفتي واصطحب شريف زو جتهُ وصغيرتهُ وصغيره الذي كان يلهو بالحديقة في غرفة لُعبة بحر الكُور وتحرك بهم عائدين إلي منزل والده


أما ذاك العاشق المسمي برؤوف فكان يجلس مقابلاً لحبيبته يختلسان النظرات بين الحين والآخر ويتبادلان الإبتسامات،

لكز إسلام رؤوف بذراعه وهمس قائلاً بتوصية:

- ما تتحرك يا أبني، إنتَ هتفضل قاعد زي البروطة كدة؟


زفر رؤوف بنفاذ صبر وأجابهُ متذمراً:

-عاوزني أعمل إيه يعني في وسط الهيصة اللي حوالينا دي كُلها؟


رد عليه قائلاً:

-هو مش بابا فاتح عمك عز وباقى العيلة وطلبها منهم،وبكرة إن شاء الله هيروحوا يطلبوها من جدها والموضوع هيبقى رسمى،يعنى عادى لما تطلب إنك تقعد معاها لوحدكم


زفر رؤوف بضيق فتحدث إسلام بمشاكسة حين رأى حزن شقيقهُ:

-خليها عليا وعد الجمايل يا هندسة


قال جُملتهُ وهَبْ واقفاً بإستقامة ثم تحدث إلي سارة بصوتٍ عالْى:

-ما تيجي تتمشي برة في الجنينة معايا أنا ورؤوف يا سارة بدل القعدة دي


ثم نظر إلي يُسرا وأردف بإستئذان:

-ده طبعاً بعد إذنك يا أبلة


وجهت يُسرا بصرها إلي ياسين لإستبيان رأيهُ،أومأ لها بعيناه بموافقة،فعادت بنظرها من جديد ووجهتهُ بإتجاة إبنتها التي تنتظر رأيها بضربات قلب تتسارع، وأردفت قائلة بموافقة:

-قومي معاهم يا سارة بس ما تبعديش

إنتفض قلب الفتاة من شدة سعادتها،وقفت بهدوء وتحركت ثم تبعها ذاك العاشق بقلبٍ يهيمُ عِشقاً


❈-❈-❈


في الصباح الباكر،فاق ياسين من غفوته بهدوء وبدأ يتحرك علي أطراف أصابعه لكي لا يُزعج متيمة قلبهُ الغافية،إرتدي ثيابهُ العسكرية وتحرك للخارج بعدما قَبـ.ـل جبهتها برفق


ذهب إلي منزل والدهُ ودخل إلي غُرفة ولده كي يطمئن عليه،وجدهُ غافياً ولكنهُ سُرعان ما أفتح عيناه عندما شـ.ـعر بوجود غاليه وتحدث الفتي بإستغراب:

-بابا، فيه حاجة ولا إيه؟!


جلس ياسين بجواره وتحدث وهو يُمـ.ـلس علي شَعر رأس نجلهُ وأردف قائلاً بنبرة حنون:

-مافيش يا حبيبي،أنا كُنت جاي أطمن عليك قبل ما أروح على شُغلى،بس بما إنك صاحي فأنا عاوز أقول لك كلمتين مهمين


نظر له الفتي بتمعن وترقب واكمل ياسين حديثهُ بتوصية وحَذر:

-أنا عاوزك تاخد بالك من نفسك كويس أوي اليومين دول،يعني وإنتَ رايح النادي النهاردة مش عاوزك تخالف تعليمات الـ body guards زي ما عملت المرة اللي فاتت،وإستغفلتهم وخرجت من الباب الخلفي علشان تقابل أصحابك برة وتكون علي حريتك زي ما قُلت لي وقت لما جيت أحاسبك،


واسترسل شارحاً:

-أظن إنك كبرت كفاية وبقيت فاهم طبيعة شغلي وعارف إن ليا أعداء عاوزين ينتقـ.ـموا مني في أعز ما أملك


واكمل بعيناي صادقة ونبرة حنون:

-وأنا يا ابني معنديش أغلي منكم،علشان كدة لازم تخلي بالك كويس من نفسك علشان خاطري،إنتَ كبرت وبقيت راجل ولازم تتحمل المسؤلية معايا


أوما الفتي وتحدث بنبرة صادقة:

-حاضر يا بابا،صدقني هروح أتمرن مع الكابتن وهتبع تعليمات الـ body guards كويس ومش هخالفهم تاني


تحدث ياسين بإستحسان:

-براڤو عليك يا حمزة،أنا عاوز منك طلب تاني


نظر له الفتي ينتظر تكملة حديثهُ فأكمل ياسين:

-أنا عاوزك تحاول تقرب أكتر من مروان،حاول تشاركه معاك في أي حاجة بتحبها،لعبة،تمرين في النادي،أو حتي تتفرجوا علي أفلام هادفة ومحترمة مع بعض


واسترسل بتوضيح:

-الولد بيمر بحالة مش كويسة وقربك منه أكيد هيفرق معاه


هز الفتي رأسه بتفهم وتحدث بطاعة:

-حاضر يا بابا مع إننا بالفعل أصحاب جداً وقريبين،بس هحاول أقرب أكتر


إبتسم ياسين لصغيره وشكره وقام الفتي كى يتجهز للذهاب إلى دوامهُ المدرسى،في حين تحرك ياسين إلي عمله


بعد مرور حوالي ساعتان،كان يجلس حول طاولة الإجتماعات الخاصة بجهاز المخابـ.ـرات بصحبة لفيف من قامات رفيعة المستوي من الجهاز،وايضاً لفيف من قامات جهاز الأمن الوطني المسؤول عن حماية البلاد، كان يترأس الطاولة رئيس جهاز المخابـ.ـرات بحد ذاته وذلك لأهمية الإجتماع


أمـ.ـسك ياسين بملفٍ من أمامه وبسط ذراعهُ به وهو يناولهُ لأحد رجال الأمن الوطني وأردف قائلاً بإحترام وجدية:

-إتفضل معاليك،ده ملف كامل فيه كل المعلومات اللي رجالة سعادتك هتحتاجها في مداهمة الوكر


تناول الرجُل الملف وفتحهُ وبدأ بقراءة ما بداخله ثم نظر إلي ياسين وتحدث بإنبهار:

-هايل يا سيادة العميد،جنابك مش سايب معلومة واحدة ولا تفصيله صُغيره إلا وذاكرها في الملف


نظر رئيس الجهاز إلي ياسين ونطق بتفاخر:

-أنا أول ما جالي معلومات إن فيه مبالغ كبيرة دخلت البلد بطريقة غير شرعية ومش عارفين يحددوا مصدر اللي باعتها ولا اللي إستلمها،من غير تفكير سلمت الموضوع لأكفئ رجالي علشان عارف إنه هيجيب قرار الموضوع في خلال أيام


وفعلاً سيادة العميد إستلم الملف ومافيش إسبوع وكانت كل المعومات تحت إيـ.ـدينا،من أول البلد الأجنبي الممول لحد الخـ.ـونة اللي تلقوا الأموال وبداوا بتكوين الخلـ.ـية اللي هتلاقي اسمائهم واحد واحد عندك في الملف، وبالتفاصيل المُملة


ونظر له بمُباهاه وأردف بإستجواد:

-ياسين المغربي معروف عنه إنه ما بيسيبش ثغرة واحدة في شُغله


تحدث رجل الشرطة ذو المنصب المُهم بإطراء شديد:

-هذا الشِبل من ذاك الأسد،سعادتك منتظر إيه غير كدة من إبن سيادة اللواء عز المغربي


واستريل ممتدحاً:

-والدك يا سيادة العميد كان ليه تاريخ طويل من الإنجازات اللي قدمها لجهاز الشرطة والأمن الوطني،ياما مدنا بالمعلومات والتحريات اللي خلت جهاز الشرطة يتخلص من مجـ.ـرمين ويوقف عملياتهم الإرهـ.ـابية اللي كانت ممكن تنهي علي البلد


كان يشعُر بالفخر وهو يستمع لإطراء الجميع لسيرة والدهُ الطيبة والمُشرفة والتي يعتز بها ودوماً يتفاخر به،تحدث بنبرة شاكرة:

-أشكرك سعادتك،ده واجبنا تجاه البلد


بدأوا من جديد بالتحدث عن المعلومات الهامة التي حصل عليها ياسين وبداوا يتناقشوا في كيفية تنفيذ العملية


❈-❈-❈


فاقت مليكة عند الحادية عشر صباحاً هي وأطفالها وثُريا وتجهزوا لزيارة قبر فقيدهم الغالي،إعتذر ياسين عن إيصالهم بعدما إزدحم يومهُ بالمهام الطارئة،لكنهُ خصص لهم سيارتان من الحراسة المُشـ.ـددة فقد بات في الفترات الاخيرة يهتم بزيادة عدد أفراد الحراسة علي كُل عائلته وبالأخص مليكة وأطفالها


تحركوا بالسيارات حتي وصلوا للمقابر،ترجلت بساقان تهتزان من شدة توترها،خطت حتي وصلت لقبر زو جها الراحل والتي لم تري منه سوي كل الخير والحب والإحترام


رُغماً عنها وجدت دموعها تنهمر بغزارة وبقلبٍ يتـ.ـمزق جلست بجوار لحدِه وتحدثت بخزيٍ بسريرتها:

-كيف حالك رائف،أتتذكرُني أم انك لم تعُد بحاجة لرؤية وجهيَ القبيـ.ـح،لا أعرف كيف هو شعورك الآن تجاهي،لكني أتيقن شعـ.ـوري جيداً،شعوراً بالخزيٍ والمقتٍ يتملكُ من داخلي،ألوم حالي وأخبرها دوماً بأني لم أكن يوماً أستحق عشقك النبيل أيها الفارس،حقاً كل ما يجول بخاطري الآن هو الآسف ولا أملك سواهْ لأقدمهُ لك ايُها الطيب


أما ثُريا التي جلست وتحدثت بدموع قلبها النـ.ـازف قـ.ـبل عيناها:

-وحشتني يا حبيبي،وحشتني يا محترم يا طيب


واسترسلت بإبتسامة وهى تحدثهُ وكأنهُ يجلس أمامها وتراه بأم أعيُنها:

-أنا شفتك في منامي إمبارح يا رائف


إنتبه لها الطفلان حتي مليكة:

-شفتك وإنتَ قاعد في وسط أرض واسعة مفروشة كُلها بنجيلة ماشفتش في جمال شكلها وخضارها عُمرى،كان فيه كمان أولاد صُغيرين وحلوين أوي بيلعبوا ويتحركوا حواليك


واسترسلت بإبتسامة خفيفة ممزوجة بدموعها المُتـ.ـألمة:

-جريت علي مكانك وفضلت أنادي عليك،بس إنتَ قومت وأتحركت لقدام والأطفال مشيوا وراك وكأنهم ظلك،فضلت أنده عليك وأصرخ بعلو صوتي علشان تسمعنى وتقف،بس إنتَ بصيت لي وأبتسمت لي بوشك الصابح وابتسامتك اللي كانت بتغسل قلبي من جوة وتنسيني مرارة الأيام وفراق الحبايب،وبعد ما بصيت لي،إدتني ظـ.ـهرك تاني وكملت في طريقك،وأنا فضلت أنادي عليك لحد ما صحيت من النوم وأنا بنطق إسمك


إبتسمت لها مليكة وتحدثت وهي تُربت علي كف يـ.ـدها بحنان:

-الرؤية جميلة أوي يا ماما وبتبين إنه إن شاء الله في مكان أفضل وأحسن


وبدأت ببكاء شديد وتحدثت وهي تنظر إلي صغارها:

-رائف كان أحسن وأحن راجل في الدنيا كلها وعمره ما يتعوض،


واسترسلت بدموع ساخـ.ـنة ونبرة مُتـ.ـأثرة:

-أنا عيشت معاه أجمل أيام حياتي اللي هتفضل محفورة جوة قلبى،واللى عمري ما هنساها ولا هنساه


إرتجف جـ.ـسد ذاك الواقف خلفها وهو يستمع إلي حوارها ذاك الذي نزل علي قلبه كمادة كـ.ـاوية أحـ.ـرقته وجعلتهُ يصرخ متـ.ـألماً،شعور بالغيرة والألم والمرارة تملكوا منه وسيطروا علي كل ذرة بجـ.ـسده حتي باتت جميع عروقهُ تنتـ.ـفض غضباً وغيرة لو خرجت منه لأشعـ.ـلت بكل ما حوله


ترى ما ستكون ردة فعل ياسين تجاه ما إستمعهُ من مالكة الفؤاد؟


إنتهى الفصل

رواية قلوب حائرة 2

 بقلمي روز آمين

رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل العاشر روز أمين

إرتجف جـ.ـسد ذاك الواقف خلفها وهو يستمع إلي حوارها ذاك الذي نزل علي قلبه كمادة كـ.ـاوية أحـ.ـرقته وجعلتهُ يصرخ متـ.ـألماً،شعور بالغيرة والألم والمرارة تملكوا منه وسيطروا علي كل ذرة بجـ.ـسده حتي باتت جميع عروقهُ تنتـ.ـفض غضباً وغيرة لو خرجت منه لأشعـ.ـلت كل ما حوله وحولتهُ إلى لهيب


نظر عليها وهي تنتحب وتشهق بشدة على رجُـ.ـلها وحبيبها السابق،كّم أَحَـ.ـسَّ حينها بالمهَانة والأسّى والوجـ.ـع،إن أسوء ما يشعُر به الْمَرْءُ على الإطلاق هو تمزق الروح بفضل الغَيْرَة على المحبوب،كّم أن مذَاقها مُرّاً كَالحَنْظَلِ


إبتلع لعابهُ التى صَار مذاقهُ كَالعَلْقَمِ، بصعوبة تمالك من حالهْ وتحمحم منضفاً حنجرتهُ كي ينتبه الجميع له،شعرت بعالمها ينهار من تحـ.ـتها خشيةً من يكون إستمع لكلماتها تلكْ،إرتبك داخلها وسريعاً جففت دموعها لكي لا يراها ويحزن داخلهُ وتقـ.ـتلهُ غيرته الشديدة عليها،تعلم جيداً أنهُ يُحبها بل ويعشقُ جُل ما بها،لكنهُ فى الغيرة يتصرفُ بجنون


أخرجت سريعاً نظارتها الشمسية وارتدتها كي لا يُلاحظ إحمرار عيناها جراء دموعها،رأها "مروان" وشعر بالغضـ.ـب وانقبـ.ـاضة بداخل قلبه


هرول أنس إليه وهتف بنبرة حماسية وهو يقترب من ذاك الذي حملهُ وأسكنهُ داخل أحضـ.ـانه:

-باااابي


إستدارت ثُريا خلفها ونظرت إليه وتحدثت بخفوت وصوتٍ يبدوا عليه التأثُر:

-تعالي يا "ياسين"،واقف بعيد كدة ليه يا حبيبي؟!


تحمحم كي يُنظف حنجرتهُ وتحدث بنبرة جادة لملامح وجه مُكفهرة إرتسمت رُغماً عنه:

-مش عاوز أزعجكم يا أمي،أنا خلصت الإجتماع بدرى وجيت علشان أطمن علي أمانكم وأرجعكم البيت بنفسي


وأكمل وهو ينظر بحِـ.ـدة إلي تلك التي تواليه ظهـ.ـرها وهي منكمشة علي حالها دون النظر إليه حتي لا يري إحمرار أنفها:

-أنا هستناكم في العربية علي ما تخلصوا زيارتكم


هلل الصغير قائلاً:

-أنا هاجي معاك يا بابي


قال كلماته وانسحب حاملاً الصغير وأستقل سيارته الواقفة بعيداً، جلس بمقعده أمام مقود القيادة ثم نظر عليها وحسرة ملئت قلبه وهو يري تأثُرها الشديد،نـ.ـاراً تُشـ.ـعل داخلهُ جراء كلماتها التي باتت تتردد داخل أُذِناه وكأنها صدي صوت يتكرر ويُجلجل برأسهِ


أما ذاك الفتي الذي نظر بحِـ.ـدة للتي تَبدَل حالُها ورأي رُعبها من مجرد إستماعها لحمحمته وتحدث متسائلاً بنبرة غاضـ.ـبة وأسلوب غير لائق لمحادثة والدتهْ:

-هو إنتِ ليه سكتي ومسحتي دموعك بسرعة أول ما سمعتي صوت عمو "ياسين"؟!


إرتبكت من سؤال صغيرها وحمدت الله أن ثُريا لم تستمع إلي سؤال حفيدها وذلك لإندماجها مع قراءة القرآن الكريم بصوتٍ عالْى،أجابتهُ بزيف ونبرة خافتة للغاية:

-طول عُمرى وأنا ما بحبش أعيط قدام حد يا "مروان"


نظر لها بترقُب وسألها:

-وهو عمو "ياسين" حد؟

واسترسل بنبرة حادّة:

-مش المفروض إنه جوزك؟


تنهدت بثقل وألـ.ـم نفسى إنتابها جراء كلماته المُجـ.ـلدة لذاتها، حقاً لقد هَرمتْ روحها وما عاد فيها لتحمُل الأكثر،يكفيها الحَملُ وما تقاسيه من تبعاته وتغير الهرمونات لديها،ناهيكَ عن تأرق روحها الدائم بفضل غيرتها المُرة على متيم قلبها


وضعت كف يـ.ـدها علي كتف صغيرها وربتت فوقهُ بحنان ثم تحدثت بمراوغة كي تحث صغيرها علي الصمت والتركيز في غير موضوع:

-إقرأ الفاتحة لبابا وإدعي له يا حبيبي،هو شايفك وحاسس بيك،بلاش نضيع الوقت اللى قاعدينه معاه فى الكلام.


تنهد الفتي وأَحَـ.ـسَّ بصحة حديثها مما جعلهُ يُمسك بكتاب الله وبدأ بقراءة سورة "يس" على روح أبيه الطاهرة


أخذت نفساً عميقاً وتناولت القرأن الكريم من حقيبة يـ.ـدها وبدأت هي الآخري بقراءة سورتى التكاثر والإخلاص لعلمها بفضلهما الكبير العائد على المتوفىّ


بعد مرور حوالي ربع ساعة أردفت ثُريا بعدما أغلقت كتاب الله ووضعته بحقيبة يـ.ـدها:

-يلا يا ولاد علشان كدة أخرنا "ياسين"


هتف الفتي بنبرة حادة تنمُ عن مّدي غضـ.ـبته:

-ماحدش قال له ييجي يا نانا،أنا طلبت منه نيجي هنا لوحدنا علشان نقعد مع ذكري بابا براحتنا وماحدش يستعجلنا، والمفروض إنه كان إحترم رغبـ.ـتي


أغمضت مليكة عيناها بأسي لحال نجلها الثـ.ـائر،أما ثُريا فقد إتسعت عيناها بذهول من حِـ.ـدة الفتي وثـ.ـورتهُ الغاضـ.ـبة ضـ.ـد "ياسين" فتحدثت بنبرة صارمة كى لا تدع فرصة للشيطان للعب برأس حفيدها الغالى:

-مروان،من إمتي وإنتَ بتتكلم كدة علي عمك؟


واسترسلت بإمتنان:

-مش كتر خيره إنه قلقان علينا وجاي يروحنا بنفسه؟


أجابها بنبرة معترضة:

-الحَرس معانا وإحنا ماكناش محتاجين لوجوده أصلاً يا نانا،كل اللى عمله بحضوره إنه قلب لنا هدوءنا وخِلوتنا


هتفت ثريا من جديد بنبرة حادّة مُحذرة:

-مروان،قُلت لك عيب كدة


ثم نظرت إلى تلك الجالسة ولا حول لها ولا قوة وهتفت:

-لو مش عامل لى أنا حساب أعمل حساب لأمك التعبانة دى

واسترسلت بنبرة شديدة اللهجة:

-قوم يلا نروح علشان الضيوف اللى فى البيت


إلتزم الفتى الصَمت إحتراماً لكلمة جدته وايضاً رأفةً بوالدته المرهقة،وقفت مليكة ثم أسندت ثُريا وتحركتا بجانب مروان الذي أصّر علي عدم صعودهُ بسيارة ياسين وأستقل السيارة الذي أتي بها وجاورته ثُريا لعدم تركه وحيداً،وجلست مليكة بجوار ياسين، أما الصغير فاستقر بالأريكة الخلفية


إنطلق "ياسين"بسيارته وقادها دون النظر إلي تلك التي تجاورهُ وألتزم الصمت التام مع إكفهرار ملامح وجهه،إبتلعت لُعابها وأرتابها الشَك وأهتدت إلي أنه قد إستمع إلي حديثها وهذا ما جعلهُ يتحول هكذا


نطقت بتلبك سائلة إياه بإرتياب:

-مالك يا ياسين؟


لم يُعيرها حق الرد بل زاد من عُبُوس ملامح وجههُ مما جعلها تنـ.ـزع عنها حِزام الأمان وكادت أن تتحرك وتقترب من مقعده أوقفها بإشارة صارمة من كف يَـ.ـده متحدثاً بنبرة شديدة الصرامة وهو ينظر أمامهُ مراقباً الطريق:

-خليكى مكانك.


مما جعلها ترتعب وتعود لمقعدها وتنكمش به حفاظاً علي كرامتها وايضاً تركهُ لحين أن يهدأ قليلاً


بعد قليل،أوقف السيارة خارخ البوابة الحديدية ومازال علي وضعيته،فتحت الباب وترجلت منه ثم فتحت الباب الخلفي وأنزلت صغيرها وامـ.ـسكت كفه وتحركت إلي الداخل، وتحرك هو بسيارته متوجهاً إلي الجراچ بحِـ.ـدة مما أسفر عن خروج صفير نتج عن إحتـ.ـكاك إطارات السيارة بالأسفلت مما جعل جـ.ـسدها ينتفـ.ـض وأغمضت عيناها ثم أخذت نفساً عميقاً ومَضت فى طريقها متجهة إلى الداخل


رفع الصغير قامته ونظر إليها وتحدث مُستفسراً:

-مامى،هو بابى شكله زعلان ليه؟


أجابته وهى تسير بجانبه على عُجالة:

-بابى مش زعلان يا أنس،بابى كان عنده شغل كتير ومُرهق ومحتاج ينام علشان يرتاح

دخلت إلي المنزل وجدت يُسرا ونرمين تجاورتان ثُريا ومروان اللذان وصلاَ للتو،تساءلت مستفسرة عن صغيرها:

-هو عز فين يا يُسرا؟


أجابتها بهدوء:

-طنط منال جت أخدته علشان يقعد معاها هى وحمزة علي ما ترجعوا.


هزت رأسها بتفهم ثم تحدثت إلي مروان قائلة:

-يلا يا مروان خد أخوك وإطلعوا علي فوق،هناخد شاور سريع علشان نروح بيت جدو نسلم علي خالو.


تحركا الطفلان وبدأ يصعدان الدرج،نظرت إليها نرمين ثم أردفت مُتسائلة:

-هتفطروا فى بيت أنكل سالم يا مليكة؟


هزت رأسها بإيماء وتحدثت بخفوت:

-بإذن الله


ثم هتفت بنبرة عالية وهي توجه بصرها إلي المطبخ:

-مُنى


أتت العاملة علي عُجاله وتحدثت بإحترام:

-نعم يا ست مليكة؟


ردت عليها بهدوء:

-روحي هاتي لي عز من ڤيلا الباشا،وبلغي الحرس برة يجهزوا العربية علشان هروح بيت بابا أنا والأولاد


ثم أسترسلت بإهتمام:

-وقولى لحمزة يجهز نفسه علشان هايروح معانا


تحركت العاملة بطاعة إلي الخارج وتساءلت ثُريا بإستفسار:

-هو إنتِ يا بنتي هاتروحي من غير ياسين؟


واسترسلت موضحة:

-مش المفروض يروح يسلم علي أخوكِ ومراته،الإصول بتقول كدة،وبعدين هو بلغني إمبارح وقال لي ما أعملش حسابكم علي الفطار لأن بباكي إتصل بيه وعزمه هو وحمزة.


شعرت بغصة مُرة وقفت بحلقها لعدم إيجاد إجابه لديها،إبتلعت لُعـ.ـابها وتحدثت بنبرة حاولت جاهدة في إخراجها هادئة:

-مش عارفة يا ماما إذا كان هيروح معانا ولا لا،شكله راجع تعبان من الشُغل وأنا مش عاوزه أضغط عليه


قالت كلماتها وصعدت إلى الأعلى،وتساءلت يُسرا والدتها:

-هي مليكة مالها يا ماما،وشها لونه مخطوف وباين عليها متضايقة


مش عارفة يا يُسرا،جايز تكون تعبانة من الحَمل..جُملة نطقتها ثُريا


أما نرمين فهتفت بنبرة حماسية عبرت بها عن مدي سعادتها:

-شكلها كدة متخانقة مع ياسين


رمقتها يُسرا بنظرة حزينة على حالها،أما ثُريا فتنهدت بأسي وتحدثت بهدوء حيثُ أنها لم ترى وجه إبنتها الشامت:

-ربنا يهديهم ويهدى سركم يا بنتى


ثم نظرت إلي طفل نرمين التي تحمله وتحدثت وهي تُبسط ذراعيها لإلتقاطهُ بحنان:

-تعالي يا رائف لحُضن تيتا


ناولتها نرمين إياه بسعادة وادخلته ثريا لداخل أحضـ.ـانها وبدأت بتقـ.ـبيلهُ بحِنو


❈-❈-❈


داخل منزل عز، دخلت العاملة إلي الداخل وجدت كُلً من عز ومنال وطارق وعُمر وحمزة يجلسون ويداعـ.ـبون الصغير بلعبة تجميع وتكوين الأشكال(البازل)، تحدثت مُني إلي منال بإحترام:

-ست مليكة عاوزة عزو علشان هتروح بيت بباها يا هانم


سألها عز بإستفسار:

-ياسين باشا هو اللي هيوصلها؟


أجابتهُ وهي ترفع كتفاها بعدم معرفة:

-ما أعرفش والله يا باشا،الهانم قالت لي أجي علشان أخد عز وأخلي الحرس يجهزوا لها العربية


أمسـ.ـكت منال الصغير وقبـ.ـلته وتحدثت وهي تغمرهُ بدلالها:

-هتوحشني يا عزو


ضحك الصغير بدلال وتحدث بطلاقة:

-إنتِ كمان هتوحـ.ـشي عزو يا موني


أردفت لهُ بتدليل وغَنِجَ :

-طب يلا هات بـ.ـوسة لموني قبـ.ـل ما تروح عند مامي


قَبـ.ـلها الصغير ثم أشار إلي شقيقهُ وهتف ببراءة:

-تعالي يا حمزة علشان تبـ.ـوس عزو إنتَ كمان


ضحك عز المغربي وتحدث بمداعـ.ـبة:

-بكاش زي اللي مخلفك


قهقه الجميع وتحرك حمزة سريعاً لذاك المشاكس الصغير وأحتضـ.ـنهُ وبات يزيدهُ من قُبـ.ـلاته الصادقة والمُحبة وتحدث إليه الصغير:

-شيل البازل وإوعى تخلى حد يلعب بيه وبالذات ساندرا طارق، وأنا لما أجى من عند جدو سالم هكمل تكوين الأسد والحمار الوحشى


عقب طارق على حديثهُ بطريقة ساخرة:

-هو أنتَ أى جُملة تلزق فيها إسم ساندرا وخلاص،ولا أنتَ عاوز تعمل لنفسك منظر قدام العيلة علشان البنت مش معبراك


ضحك الجميع حتى الصغير الذى لم يُدرك ما نطق به طارق،وتحدث حمزة إلى الصغير بنبرة حنون وهو يُملـ.ـس على شعر رأس شقيقهُ:

-عيب عليك،ماحدش يقدر يلمـ.ـس الأسد بتاع عزو طول ما أنا موجود


بعدما أطمئن الصغير على ألعابه هرول إلى جدهُ وارتمى داخل أحضـ.ـانهُ وبات يتمـ.ـسح بصـ.ـدره وتحدث بحنان نابع من داخله:

-جدو حبيبى،هتوحـ.ـش عزو قد البحر وسمكاته


تحدث ساخراً ذاك الذى ضـ.ـمهُ إليه بشدة وحنان:

-جاى تُحـ.ـضن جدو بعد ما أطمنت على البازل يا إبن ياسين


تحدث طارق بمشاكسة:

-طالع واعى زى أبوه؟


أخذت مُني الصغير وخرجت إلي الحديقة،أخرجت هاتفها وتحدثت إلي سيدها لتبلغهُ كعادتها:

-سعادة الباشا، الست بتجهز نفسها هي والأولاد وخلتني بلغت عربية الحراسة علشان هتروح بيت سي سالم بيه.


أجابها ذاك الجالس علي طرف الفراش بصـ.ـدرٍ مُستشـ.ـاط وقلبٍ مُلتهب يتمـ.ـزق:

-الحرس بلغوني من شوية،قولي للمدام إني قُلت لك تبلغيها إنها تستناني علشان هوصلها بنفسى


أجابته بطاعة:

-أوامرك يا باشا.


❈-❈-❈


دلفت إلي جناحها بعدما حممت أنس وساعدته في إرتداء ملابسه وبعد قليل كانت تقف أمام مرأتها تضع بعضاً من الكريمات المُرطبة علي وجهها وكفيها وتدلـ.ـكهما بعناية،إستمعت إلي بعض الطرقات فوق الباب،سمحت للطارق بالدخول ففتح الباب وخطت مُني نحوها وهي تحمل الصغير الذي هلل وأشار على والدتهُ قائلاً بحماسة:

-مامي،وحشـ.ـتيني


حملتهُ ووضعت قُبـ.ـلةً شغوفة فوق وجنتهُ وتحدثت إلي مُنى:

-خلي الناني تجيب لي هدوم عز اللي هيخرج بيها علشان هغير له يا مُنى


أومأت لها بطاعة ثم تحدثت لتُخبرها:

-ياسين باشا بيقول لحضرتك تجهزوا وهو هييجي يوصلكم


إنتفـ.ـض قلبها بسعادة وشعور بالراحة غـ.ـزى روحها وجعلها تشعر بالسَكينة،فتحدثت بلهفة وحماسة ظهرتا عليها:

-طب يلا بسرعة هاتي اللبس لعز علي ما ألبس أنا كمان هدومي


خرجت مني وأجلست هي صغيرها فوق التخت وشرعت بإرتداء ملابسها وحجابها


عودة إلى منزل عز

كانت منال تتحدث عبر شاشة جهاز اللاب توب بنبرة تملؤها السعادة:

-وحشتـ.ـينى قوى يا شيرى،مش مصدقة نفسى من الفرحة،معقولة أخيراً هاشوفك على العيد إنتِ وحازم والأولاد


تحدثت تلك الجميلة عبر الشاشة:

-وحضرتك كمان وحشتـ.ـينى قوى يا مامى


تحدث عِز إلى خَالد زو ج إبنته بنبرة ودودة:

-أخبار شُغلك إيه يا حازم؟


أجابهُ بإحترام:

-كله تمام يا سعادة الباشا،الدنيا هنا ماشية كويس جداً


تحدث إلى إبنته بحنين وعتاب مُحب:

-وحشتـ.ـينى يا شيرين،سنة بحالها ماتنزلوش إسكندرية، للدرجة دى حُضـ.ـن أبوكِ ما وحـ.ـشكيش؟!


اغْرورَقَت عيناها بدمع الحنين وتحدثت:

-غصب عنى والله يا بابا،حضرتك عارف الغربة والتمن اللى بندفعه


هز رأسهُ وتحدث بنبرة حنون:

-خلى بالك من نفسك ومن جـ.ـوزك وأولادك يا بنتى،ونشوفك على خير إن شاء الله


اغلق الإتصال مع إبنته ثم نظر إلى عُمر الجالس قُبالته وتحدث متسائلاً:

-كلمت مـ.ـراتك فى موضوع الخِلفة زى ما قُلت لك؟


إبتلع عُمر لُعابه وتحدث بإرتباك:

-ما جتش فرصة يا باشا،

واكمل سريعاً كى لا يرى غضـ.ـبة أبيه المُعتادة:

-بس أوعد حضرتك إنى هكلمها النهاردة فى الموضوع


رمقهُ عز بنظرة عدم رضا وتحدث:

-أما أشوف


نزلت تلك المُريبة من أعلى الدرج وتحدثت:

- Hello


رد عليها الجالسون ونظر لها عز بسخطٍ،جلست وبدأ الجميع يتحدث فعلمت من منال حضور شيرين فتحدثت بنبرة أسفة مُصطنعة وهى تنظر إليهم:

-يا خسارة،كان نفسى أكون موجودة فى إستقبال شيرين


وإيه اللى هيمنع جنابك من إستقبالها،ليكون عندك إجتماع فى الأمم المتحدة يومها واحنا ما نعرفش...كانت تلك كلمات عز الساخرة التى ألقاها بوجه تلك التى لا يشعر بالراحة بتاتاً فى حضرتِها


كظـ.ـمت غيـ.ـظها من ذاك المَاكر التى تعلم علم اليقين بأنهُ لم يتقبلها مُنذُ الوهلة الأولى حيث لقائهما وتحدثت بنبرة هادئة مرحة:

-ياريت يا uncle،لكن للأسف أنا مش بأهمية عز باشا المغربى علشان أحضر إجتماعات مُهمة بالشكل ده


إبتسم بجانب فَـ.ـمه ونظر لها بعدم قبول ظاهر فاسترسلت هى حديثها وهى تنظر إلى ذاك العُمر بنظرة سعيدة:

-أنا ومورى مسافرين إنجلترا علشان نقضى أجازة العيد فى لندن


حول عز بصرهِ سريعاً على عُمر الذى نطق على عُجالة مزعـ.ـوراً متنصلاً من حديثها:

-والله يا باشا أنا زيى زى حضرتك وأول مرة أسمع الكلام ده


حول بصرهِ من جديد على تلك اللمار التى تحدثت إلى عُمر بمنتهى البرود:

-ما هى دى بقى مفاجأتى اللى كَنت بحضرها لك يا بيبى


هبَ عز واقفاً وتحدث بنبرة حادّة:

-وهو اللى بيجهز مفاجأة للشخص مش يشوف الأول ظروفه وظروف عيلته إيه ويتحرك على أساسها؟


واسترسل بنبرة رافضة:

-مافيش سفر يا مدام لأن شيرين جايه هى وجـ.ـوزها واولادها من السفر علشان تحضر مع عيلتها وإخواتها العيد،ده غير ليالى وايسل


وسألها بنبرة حادّة:

-عاوزة عُمر يسيب عيلته فى مناسبة مهمة زى دي ويسافر علشان سيادتك تتفسحى؟


قال كلماته وتحرك للأعلى ليأخذ قيلولته،نظرت هى إلى عُمر لإستطلاع رأيهِ فرفع هو كتفاه بإستسلام وتحدث بدُعـ.ـابة:

-الباشا أصدر فرمانه وقُضى الآمر يا بيبى


نظرت إليه بإمتعاض من حديثه الذي جعلها تحـ.ـترق داخلياً من ذاك عديم الشخصية،فتحدثت منال حين رأت حُزنها بعيناها:

-كلام الباشا صح يا لمار،مش هينفع تسافروا فى مناسبة زى دى،وكمان رؤوف هيخطب سارة رسمى على العيد


واسترسلت لمراضاتها:

-إبقوا سافروا فى وقت تانى


تحدثت بإمتعاض وهى تتأهب للصعود من جديد تحت نظرات طارق المتفحصة لها وصمتهِ العجيب:

-أوك، بعد إذنكم


❈-❈-❈


بعد قليل خرجت مليكة هي وأطفالها وأقتربت من سيارة ذاك العنيد القابع بها ولم يتزحزح من مكانه،إستقلت بالمقعد المجاور له وأصّر الصغير علي الجلوس فوق سـ.ـاقيها فحينها قرر الخروج عن صمته وتحدث بقلق خشيةً عليها وعلي صغيرتهُ الساكنة أحشائها من ذاك المشاغب الذى كان مفرطاً بحركته:

-إقعد مع أخواتك ورا يا حبيبي علشان مامى تعبانة


تذمر الصغير وهتف بنبرة غاضـ.ـبة وهو يتشبث بحُـ.ـضن والدته:

- لا أنا هفضل في حُـ.ـضن مامي.


خلاص يا ياسين سيبه...جُملة مترقبة نطقت بها مليكة بنبرة حذرة


لم يُعْر لحديثها أية إهتمام،بل غضـ.ـب وهب به بصياح عالٍ أخاف الصغير وأرعب داخلها هي أيضاً:

-إنتَ ما بتسمعش الكلام ليه؟

قُلت لك إرجع عند إخواتك.


ثم إستدار بجـ.ـسده للخلف وطل برأسه علي مروان وتحدث بإحترام وهدوء نال به إستحسان الفتي:

-خد أخوك جنبك وراضيه يا مروان.


تحمس الفتي وأومأ له بطاعة ثم بسط ذراعيه في حين تشبث الصغير بعُنِق والدتهُ تحت غضـ.ـب ياسين الذي مد يـ.ـده ليسحبهُ من أحضـ.ـان مليكة مع تذمر الصغير وتحريكهُ لسـ.ـاقيه لتتخبط ببطـ.ـن مليكة مما جعلها تتـ.ـأوه بألـ.ـم وأرعب ياسين الذي أمـ.ـسك بسـ.ـاقاي الطفل كي يمنعهُ من الحركة وحملهُ وناولهُ لشقيقهُ الذي حملهُ وشدد من ضـ.ـمته داخل أحضـ.ـانه كي يهدأ من صريخهُ العالي


نظر عليها وتحدث بنبرة جادة وملامح صارمة:

-إنتِ كويسة؟


أومأت له بإيجاب ثم نظرت للخلف علي صغيرها الذي يبكي بصياح عالي وتحدثت بنبرة مُترجية:

-هات لى عز واوعدك هيقعد هادي ومش هيتشاقي


لم يُعر لحديثها إهتمام وأمـ.ـسك مقود القيادة وتحرك تحت صريخ صغيرها الذى زادَ،فتحدثت هي بإستعطاف وهى تستمع لصريخهُ العالى:

-الولد هيتفلق من العياط يا ياسين


أجابها بصياحٍ أرعب اوصالها:

-ما ينفلق،ماهو دلعك الزيادة فيه ده يا هانم هو اللي وصله للتمرد وإنه ما يسمعش الكلام بالشكل ده.


حزن داخلها علي تلك المعاملة السيئة التي عاملها بها أمام أطفالها،ففضلت الصمت وعدم الدخول معهُ في حوارات آخري كى لا تجلب لحالها المهانة أكثر،ضل الصغير يبكي وضل شقيقاه يراضياه حتي إستكان وهدأ داخل أحـ.ـضان مروان الحنون وبدأ أنس بمداعـ.ـبته حتي إندمج معهُ قليلاً


بعد قليل

كانت تقف بمدخل شقة أبيها ترتمي بأحضـ.ـان شقيقها الذي بات يُربت علي ظهـ.ـرها بحنان وهو يقول:

-وحشتـ.ـيني يا مليكة،وحشـ.ـتيني أوي يا حبيبتي


ردت عليه بنبرة حنون وعيناى مُشتاقة:

-وإنتَ كمان يا سيف وحشتـ.ـني جداً

تحرك سيف ووقف يقابل ياسين وتبادلا الإحتـ.ـضان بينهما


دخل الجميع إلي بهو المنزل وجلسوا يتبادلون الأحاديث والسلام، كانت تجلس بجانب والدها الممـ.ـسك بكف يـ.ـدها وتحدث معاتباً إياها:

-كدة يا مليكة،رمضان بادئ من أكتر من عشر أيام ما تجيش ولا يوم منهم تفطري معايا فيه؟


واسترسل وهو يحول بصره إلي ذاك الجالس بهدوء يرسم إبتسامة زائفة علي ثغره وكأن داخله غير مُشتـ.ـعل بالغيرة:

-وكل ما أكلم سيادة العميد علشان أعزمكم يطلع لي بحجة شَكل


إبتسم ياسين وتحدث بلباقة:

-غصب عني والله يا سالم بيه،حضرتك عارف شهر رمضان قد إيه الوقت فيه بيمر بسرعة واليوم بيكون مزدحم ومليان

واسترسل بلباقة وإبتسامة وهو ينظر إلي سيف:

-وبصراحة كده إحنا كُنا بنأجل علشان نتشرف بالفطار مع دكتور سيف ومدام نُهي والأولاد.


تبسمت نُهي وأردفت بنبرة وقورة:

-الشرف لينا إحنا يا سيادة العميد.


وهُنا هتفت علياء بتذمر وخفة د مها المعهودة:

-طب بالنسبة لبنت عمك اللي قاعدة دي،إيه موقعها من الإعراب عند سعادتك،ولا أنا هوا ومش متشافة للدرجة دي؟


ضحك الجميع علي دُعـ.ـابتها وأجابها ياسين بإبتسامة:

-أولاً بنت عمي مش مستنيه إني أتكلم عنها،لأن الكُل عارف ومتأكد من غلاوة عالية اللمضة في قلوب عيلة المغربي كُلها


واسترسل مُذكراً إياها:

-وبعدين يا بنتي إحنا مش فطرنا مرتين مع بعض ولسه كُنا سهرانين بنتسحر من كام ساعة بس؟!


ردت على حديثهِ بدُعـ.ـابة:

-ولو يا حضرت،المفروض تذكُرني قدام عِيلة جـ.ـوزي وتعزز من مكانتي


تحدث شريف مُشاكساً زو جته:

-أنا هاذكرك يا ماما ولا تزعلى،قومي بقي شوفي الكَنافة اللي في الفُرن بدل ما تشيط وشكلك يبقي وحِش قدام سيف ومراته اللي أكلتي دماغهم من ساعة ما وصلوا الفجر،وإنت عماله تقولي لهم وتوعديهم بإنهم هياكلوا تشكيلة حلويات شرقية ما داقوش زيها حتي في أكبر المحلات


إتسعت عيناها بتذكر وهبت واقفة وهرولت سريعاً وهي تتحدث:

-الكُنافة.


نظرت سُهير إلي نجلتها وتحدثت بنبرة هادئة:

-قومي يا مليكة خدي سيادة العميد ودخليه أوضتك علشان ينام له شوية لحد ما الأذان يأذن،وإنتِ غيري هدومك وتعالي علشان تساعدينا في تجهيز الأكل


وقف منتصـ.ـب الظـ.ـهر وتحدث بإعتذار هادئ:

-متشكر لذوقك يا ماما،أنا مُضطر أمشي علشان هاوصل حمزة النادى للتمرين لأن مروان إعتذر عن تمرينه معاه علشان يقعد مع خاله، وإن شاء الله هاجي علي الفطار


ثم نظر إلي مليكة وتحدث بنبرة هادئة:

-مليكة هتبات معاكم النهاردة علشان تقعد براحتها مع إخواتها

نزلت كلماته عليها أحزنتها،تيقنت أنه بهذا القرار يُعاقبها


نظر لهُ عز وحزن علي عدم مراضاته لهُ كما تعود منه،في حين تحدث إليه سالم الذي وقف ليتحرك معه ويوصله إلي الباب:

-ما تتأخرش علي الفطار يا سيادة العميد وماتنساش تجيب حمزة معاك


أومأ له بموافقة وهبت هي واقفة وتحدثت إلي أبيها:

-خليك مرتاح يا بابا، أنا هوصل ياسين


وافقها والدها الرأي وجلس من جديد وتحركت هي خلف ذاك الغاضـ.ـب حتي وصلا للباب وكاد أن يغادر دون النظر لها، أمسـ.ـكته من ذراعهْ لإجبـ.ـاره علي التوقف


نظر عليها وهز رأسهُ يتسائل بعيناه عن ماذا تريد،أجابته بنبرة حزينة:

-قد كدة زعلان مني لدرجة إنك تسمح لي أبات هنا وتوافق تبعدني عن حُضـ.ـنك؟


واسترسلت بنبرة عاتبة فى محاولة منها لإرجاعه إليها من جديد:

-فين كلامك علي إني بقيت بجري في د مك وإني بقيت منومك اللي ما بتعرفش تنام من غير ماتُحضـ.ـنه وتشم ريحة مِسكهُ؟


لو خلصتي كلامك إدخلي علشان الولاد..كانت تلك كلماتهُ المقتضبة التي نطق بها بملامح وجه صارمة


رفعت كف يـ.ـدها وتلمـ.ـست به ذقنه النابتة وتساءلت وهي تنظر داخل عيناه بحنان:

-طب أنا زعلتك في إيه قول لي،عرفني غلطي علشان على الأقل أكون عارفة أنا بتعاقب علي إيه؟


رفع كف يـ.ـده وأمـ.ـسك به كفها وانزلهُ عنه،ثم رد عليها بإحتدام:

-إنتِ فعلا مش عارفة؟


هزت رأسها بنفي قائلة بنبرة حنون ونظرة عين مُستعطفة:

-مش عارفة يا حبيبي،ياريت تقول لي


أومأ برأسه عدة مرات متتالية وأردف قائلاً بصرامة:

-نبقي نتكلم بعدين يا مدام وأعرفك


أردفت بتلهُف:

-خلاص،هاروح معاك بالليل ونتكلم في أوضتنا


رمقها بنظرة غاضـ.ـبة وهتف بحِدة:

-وأنا قُلت لك هتباتي هنا.


أجابته برفضٍ مؤكد:

-مش هبات غير في جناحنا يا ياسين،


واستطردت بإستعطاف من عيناها:

-مش هيجي لي نوم طول ما أنا بعيده عن حُضـ.ـنك يا حبيبي


برغم كلماتها ونظراتها الحنون تارة والمترجية تارةً آخري إلا أن داخلهُ لم يتزحزح ولم يـ.ـشعر بإتجاهها بالإستجابة،وتحدث بصرامة:

-بياتك هنا من عدمه شئ يرجع لك وما يخصنيش،

لاني مقرر إني هبات في جناحي مع ليالي.


نظرت إليه وعيناها تُظهر كّم الألـ.ـم الذي يسكُن داخلُها ويتوغل بروحها،توسلتهُ بنظراتها بادلها إياها بآُخري باردة وتحدث بنبرة غليظة:

-خلي بالك من الأولاد


قال كلمتهُ وتحرك متجهً إلي المَصعَد الكهربائي،ضغـ.ـط زر الإستدعاء وأستقلهُ ونزل سريعاً دون النظر عليها،تنهدت بأسي وتراجعت خطوة بسـ.ـاقيها لتغلق الباب بعدها وتترجل للداخل


جلست بجانب والدتها وتحدثت متسائلة فى محاولة منها للهرب من حُزنها العارم الذي سكنها:

-اُمَال فين عالية ونُهي يا ماما؟

أجابتها سُهير بهدوء:

-دخلوا المطبخ


أومأت لها ثم نظرت علي سيف وهو يحتـ.ـضن مروان وأنس ويتحدث إليهما بوِد:

-وحشتـ.ـوني قوي يا ولاد،أما أنا جيبت لكم معايا شوية هدايا إنما إيه،حلوة قوي ومتأكد إنها هتعجبكم


ببراءة الأطفال وتذمر هتف الصغير الجالس بأحضـ.ـان سُهير التي تُطعمهُ بعضاً من الحلوي التي صنعته له خصيصاً لعلمها شدة حُبه لها:

-وعز مش وحـ.ـشك ومش جبت له هدية؟


ضحك الجميع علي ذاك المشاكس وتحدث سيف بنبرة حنون:

-مين قال كدة يا قلب خالو،ده أنتَ وحشـ.ـتني قد الدُنيا بدليل إن أكتر حد جبت له هدايا هو عزو حبيبي


هلل الصغير ببراءة في حين نظر شريف إلي مليكة وأردف متسائلاً بتعجب:

-هو ليه إبنك بيتكلم دايماً عن نفسه بصفة الغير يا مليكة؟!


بتصنُع صعب رسمت بسمة فوق ثغرها بخفوت وتحدثت مفسرة:

-مش عارفة والله يا شريف،أنس كان زيه ولما كِبر غير من طريقة كلامه


هز رأسهُ وتحدث بطريقة ساخرة:

-تقريباً دى بداية الأنا عنده،من الآخر كدة إبنك شكله طالع لأبوه


شريف،عيب كده... جُملة حادّة أردف بها سالم


تحمحم شريف وتحدث مفسراً:

-فيه إيه يا بابا،أنا بهزر


نطق سالم بنبرة صارمة وهو ينظر إلي مروان وأنس:

-ده لا مجال للهزار ولا ده الشخص اللي ينفع يكون مادة لسُخرية سعادتك.


تحدثت مليكة لتلطيف الجو بين أبيها وشقيقها:

-الموضوع ماوصلش لحد السخرية يا بابا،شريف ما قصدش كده أبداً من كلامه


تحدث شريف بعدما شعر أنهُ حقاً أزادها وما كان ينبغي عليه أن يتحدث هكذا في وجود الأطفال:

-معاك حق يا بابا،أنا آسف


أومأ لهُ سالم بهدوء، وقف أنس وتحرك إلي والدتهُ وهو يحثها علي التحرك:

-مامي،أنا عاوز أغير هدومي علشان ألعب مع عزو وأولاد خالو سيف وخالو شريف


تحدثت سُهير وهي تنظر لإبنتها:

-قومي يا حبيبتي غيري له هو وأخوه وغيري إنتِ كمان وإلبسي جلبية واسعة علشان تقعدي براحتك


إستندت مليكة بساعدها علي جانب المقعد ووقفت بهدوء وتحدثت إلي مروان:

-فين شنطة الهدوم اللي كانت معاك يا مروان؟


أجابها الفتي المُنشغل بالحديث مع إبن خاله القريب من عُمره بإحترام:

-دخلتها أوضة حضرتك يا ماما


تحركت بصغيريها إلي الغرفة وابدلت لهما ثيابهما بآخري مريحة وتحركا الصغيران إلي الخارج،بعد قليل دخلت والدتها عليها وهي تمشط شعرها وترفعهُ للأعلي ثم ثبتته،أمـ.ـسكت سُهير كف يـ.ـدها وتحركت بها إلى طرف الفراش وجلستا تتجاورتان وتحدثت سُهير بإرتياب:

-هو إنتِ وياسين زعلانين ولا حاجة يا بنتي؟


تهربت بعيناها بعيداً عن مرمي عيناي والدتها خشيةً إنفضاح أمرها وتحدثت بزيف:

-لا طبعاً يا ماما، ليه بتقولي كده؟


ردت بنبرة عاتبة:

-بتخبي عليا يا مليكة،هو أنا تايهة عنكم ؟


أخذت نفساً عميقاً وتحدثت بنبرة صادقة:

-مش عاوزة أزعلك وأشيلك همي يا ماما


أجابتها بأسي:

-ولو ماشلتش همك هشيل هم مين يا "مليكة"؟


نظرت لها "مليكة" وقصت لها ما حدث اليوم داخل المقابر واسترسلت بنبرة متألـ.ـمة وملامح وجه حزينة:

-وشكله كده سمع كلامي مع الولاد عن "رائف" الله يرحمه.


تنهدت "سُهير" وظـ.ـهر الأسي علي ملامح وجهها وسألتها مستفسرة:

-إنتِ متأكدة إنه سمع كلامك يا "مليكة"؟

مش يمكن يكون زعلان لأي سبب تاني، ولا تكوني زعلتيه في أي حاجة وإنتِ مش واخدة بالك؟


ردت عليها مفسرة:

-هزعله أمتي وإزاي بس يا ماما،إحنا نايمين بالليل وكُنا كويسين وكان حنين معايا جداً،وقام من النوم علي شغله،هزعله أمتي يعني،وأنا نايمة مثلاً؟


حدثتها سُهير بنبرة مُطمأنة:

-ماتقلقيش،ياسين بيحبك ومش هيقدر يبعد عنك كتير،كبيره يوم ولا إتنين وييجي يصالحك علشان يتهني بقُربك.


أخرجت تنهيدة حارة وأنزلت بصرها وأردفت قائلة بنبرة محملة بأثقالٍ من الهموم:

-حضرتك بتقولي كده علشان ماتعرفيش ياسين كويس،ياسين غضـ.ـبه صعب وعلي قد ما هو حنين عليا، لكن لما بيزعل بيقلب عليا ولا كأنه حبنى في يوم


وقفت سُهير وتحدثت وهي تحث صغيرتها علي النهوض وترك تلك الأفكار جانباً كي لا تتأرق نفسيتها وخصوصاً بحملها:

-سيبك من التفكير في الموضوع ده وريحي دماغك وسبيها علي ربنا،ويلا نروح المطبخ علشان نشوف علياء ونُهي عملوا إيه في الفطار


تنهدت وبالفعل تحركت بجانب والدتها ودخلت إلي المطبخ وبدأت بالإندماج معهما بالحديث


شرعن في تحضير الطعام ووقفن علي قدمٍ وساق لينتهوا من تجهيز قائمة كُل ما لذ وطاب من الأطعمة التي إنتوت سُهير أن تحضرها لغاليها العائد من السفر بعد غياب


❈-❈-❈


داخل المكتبة الخاصة بجامعة هايدلبيرغ المتواجدة بالاراضي الألمانية

كانت تجلس بالمكتبة في جو هادئ وهي منكبة علي كُتيبً تقرأ به بتركيز شديد،أخرجها من تركيزها صوت ذاك النوَّاف الذي تحدث بنبرة حنون في محاولة منه لإستقطابها العاطفي:

-كيفك يا أيسل


زفرت بقوة بعدما إستمعت إلى صوتهِ وبدأت تُقلب عيناها بتملُل ثم هبت واقفة ولملمت أشيائها،وضعتها داخل حقيبة يـ.ـدها وعلقتها بظـ.ـهرها وتحركت دون النظر إليه مما جعله يُسرع ويقف أمامها ليسد عنها الطريق وتحدث بعدما رسم علي وجههُ حُزنً زائف:

-ليش المعاملة هاذي يا أيسل؟


زفرت بضيق وتحدثت بنبرة حادة:

-إبعد عن طريقي خليني أعدي


بنبرة حنون إصطنعها،سألها مستفسراً:

-أبوكِ ما قال لك إني طلبت يدّك منه للزواچ؟!


زفرت بضيق وتحدثت متهكمة بإهانة لشخصهْ:

-قال لي طبعاً،وقال لي كمان إنه رفض عرضك الأهبل ده، وهددك وحذرك من إنك تحاول بس تقرب مني تاني


واسترسلت مقللة من شأنه وهى ترمقهُ بنظرة إشمئزاز:

-والوقت تبعد عن طريقي وتخليني أعدي وإلا هنده لك الـ body guards من برة يضحكوا عليك الجامعة كلها زي ما حصل المرة اللي فاتت


إستشـ.ـاط داخلهُ من تعاليها وسخريتها منه ولم يستطع كَبـ.ـح غضـ.ـبه، فهتف عالياً بنبرة متعالية حادة:

-إنتِ إيش مفكره نفسك،إنتِ ولا شي إنتِ وابوكِ هاذا، لتكوني مفكرة إن ابوك لَهْ قيمة بين الناس،لا حبيبتي فوقي،السفير حقي هو اللي إترچاني اعدي الموضوع لجل ما نعمل مشاكل بين الدول وبعضها،بس والله العظيم لو الموضوع بيـ.ـدّي كنت خليتك تعرفين قيمتك وقيمة أبوكِ المغرور هاذا


لاحظت أمِينة المكتبة صوت نواف المُرتفع وتصديه لوقفتها ومنعها من المرور،أمـ.ـسكت الهاتف وأخبرت أمن الجامعة الذي حضر إلي مبني المكتبة سريعاً وأشارت الأمينة إلي نواف قائلة بلغتها الآُم:

-هذا هو المُتعـ.ـدي،فلتتحفظوا عليه.


هرولوا سريعاً وتحفظوا علي نوَّاف مكبلين ساعديه وتحدث رجل الآمن إلي أيسل متسائلاً بلغتهِ الآُم:

-ماذا يحدث هُنا أنستي،هل يقوم هذا الشاب بإزعاجك؟


تحدث نوَّاف بنبرة غاضـ.ـبة وهو يُحرك جـ.ـسده في محاولة منه للتملص:

-دعوني وشأني،أنا لم أفعل لها شيئا لتكبلوني هكذا


أسرع فَهِد في سَيرهِ إلي نوَّاف بعدما أخبرتهُ إحدي صديقات نوَّاف أنه يعترض طريق أيسل ويُعرضها لمضايقته من جديد


كادت أيسل أن تتحدث فنظر لها فهد وهتف متوسلاً إليها:

-بلاش يا أيسل،ما تضيعِين مستقبل نوَّاف بالچامعة،إنتِ بعد راح تعرضين نفسك لتحقيقات كِثيرة ووچع راس


واسترسل بتعقُل:

-ولا تنسين إن حِنّا عرب ومش مرحب فينا بدِول الغرب،إدارة الچامعة لو حست إن راح يچيها وجع راس من وراكم بتفصلكم  اثنينكم ولا تتردد لحظة واحدة


نظرت إليه بتشتت وشعرت بحجم غلطتها عندما تذكرت حديث والدها حينما أوصاها بألا تُعطي لهُ المجال للتحدث معها من جديد،وأيضاً رأت بحديث هذا الفهد بعضاً من الصِحة


أعاد عليها رجُل الامن السؤال مرةً آخرى:

-هلا أجبتني أنستي؟

أيقوم هذا الشاب حقاً بمضايقـ.ـتك؟


نظرت لذاك الإمعة المُقـ.ـيد من قِبل رجال الأمن وتحدثت بنبرة جادة:

-لا سيدي،إنه زميل،وكان يعترض طريقي ليسألني بشئ خاص بالدراسة


واسترسلت وهي تنظر إليهم بثناء:

-أشكركم علي سرعة تحرككم وعلي ضبط الإمن داخل الحرم الجامعي


نظرت عليها أمينة المكتبة وسألتها بترقب:

-أمتأكدةًُ من كلامك هذا أيسل،أم أن في الآمر شئً آخر لا نعرفهُ؟

واسترسلت بمساندة ودعم لعلمِها مدي نفوذ ووقـ.ـاحة ذاك النوَّاف:

-إذا كُنتي تتعرضين للتـ.ـهديد أفصحي يا صغيرتي،وأنا سأساندك واقف بجانبك؟


أجابتها بهدوء وعيناي ممتنةً:

-شكراً لكي سيدتي،لا يوجد ما يستدعي القلق،صدقاً أنا بخير


نحن أسفون علي سوء الفهم الذي حدث أيها الشباب...كانت تلك هي كلمات ألقاها رجُل الأمن علي مسامعهم قبل الرحيل


نفض نوَّاف يـ.ـدهُ بعدما تركاه،ثم وقف أمام تلك الأيسل التي تحدثت إليه بنبرة تهديـ.ـدية:

-إوعى تكون فاكر إني خُفت من كلام إبن عمك عن إن الجامعة ممكن ترفدني،أنا بس حبيت أدي لك فرصة أخيرة علشان مستقبلك ما يضيعش


واستطردت بوعيد:

-وقسماً بالله لو ما بعدت عني لأكلم بابي وأخليه يتدخل ويرحلك من البلد ومن أروبا كُلها


إبتسم ساخراً وتحدث بنبرة تهكمية إستحضر بها غضبها:

-ليش،فاكرة نفسك بنت شارل ميشال لترحلينى؟


إستشـ.ـاط داخلها وكادت أن ترُد لولا تدخُل فهد الذي نهر إبن عمه وتحدث بنبرة حادة:

-ممكن تسكت وتنطم وما أسمع لك حِس،و يلا  قدامي عشان نرجع للأوتيل


زفر نوَّاف بضيق وتحدث فهد إلي أيسل بإمتنان:

-مشكورة أنسة أيسل وبوعدك ما راح تتكرر مرة ثانية،ومن اليوم نوَّاف ما راح يضايقك


بمنتهي التعالي أجابته بوجهٍ مُكفهر:

-هو مُجبر يعمل كدة علي فكرة،لأنه لو فكر بس يكررها هيشوف وقتها أنا هعمل إيه.


قالت كلماتها وتحركت إلي الخارج تحت إشتـ.ـعال ذاك النوَّاف الذي تحدث بوعيد وهو يجز علي أنيابه:

-ماشي يا بنت سيادة العميد،لو ما خليتك تِندِمين على كِل كلمة قِلتيها ما كون أنا نوَّاف العبدالله،وراس أُبوي راح تِدفعين ثمن هاذا الكلام غالي، وكثير غالي وبتشوفين


هتف فهد ناهراً إياه بنبرة حادة:

-والله يا وِلد عمي الظاهر إنتَ اللي راح تدفع ثَمن عِنادك هاذا غالي،إِنتْ ناسي تهديد عمي لك،نسيت إنه شرط عليك لو عَملت بعد غلطة واحدة راح ترجع الديرة وتكمل هناك دراستك؟


زفر نوَّاف بضيق لتذكير إبن عمه دائماً بتهديدات والدهُ له وبإرجاعه للوطن وعدم تكميله لتعليمه خارج البلاد،وتحرك هو الآخر إلي خارج المكتبة بل وخارج الجامعة بأكملها


تري ما الذي ينتوي علي فعلهِ نواف؟

وهل حقاً سيكمل تخطيطه لاذية أيسل!

أم أن تذكير فهد له بتهديد والدهُ سيجعله يُعيد تفكيرهُ من جديد ويعدل عن إنتقامه

كل هذا سنتعرف عليه في الحلقات القادمة


إنتهى الفصل

قلوب حائرة 2

تعليقات