رواية قلوب حائرة 2 روز أمين الجزء الثاني
رواية قلوب حائرة 2 روز أمين الجزء الثاني |
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الحادي عشر روز أمين
أكادُ فى عِشْقِهَا أصلُ لِحافَّةِ الجُنُونِ ولعقلى أفقدُ
أتقلَّبُ على جمرٍ يكوى لُبِّي ولِرُوحِى يكادُ ينتزعُ
تُحاصِرُنُى الأفكارُ ودوماً عَقٰلِى بهَوَسٍ يتسائلُ
أتتخيلُ؟!
كانتْ بِأَحْضَانِها الحَنُونِ تُعانقُ غيرِكَ مِنَ الرجالِ وبِضَمِّتِها كان يتنعمُ
إنها حقاً لكبيرةٌ على عاشقٍ ذابَ وباتَ محروماً لسَنَواتٍ على أَعْتابِ قَصْرِها يَتُوقُ شوقاً ويتضرَّعُ
خواطر ياسين المغربى
بقلمى روز آمين
تحركت أيسل وخرجت من باب الجامعة،رأها إيهاب الذى كان مثبتاً بصرهِ على البوابة،فتح باب السيارة وترجل منهُ وهرول إليها مسرعاً ثم أردف متسائلاً بتعجُب:
-حضرتك خرجتي بدري ليه يا دكتورة؟
واكمل برِيبَة:
-مش قولتي إنك هاتقعدي كمان ساعة في المكتبة علشان محتاجة تَطَلعِي علي مَرجع مُهم؟
نظرت لهُ بضيق وتحدثت بنبرة حادّة تنمُ عن مّدي وصولها إلي المنتهي في غضـ.ـبها:
-فيه إيه يا إيهاب،هو إنتَ بتحقق معايا ولا حاجة؟!
تحمحم إيهاب بحرجٍ من إسلوبها المستفِزٌّ وتحدث بإعتذار بطريقة رسمية:
-أنا آسف يا دكتورة،أنا ماقصدتش أبداً من كلامي إني أضايقك أو أتدخل في شؤنك الخاصة
واسترسل بإعتراض هادئ:
-لكن إسمحي لى أوضح لك،سؤالي لحضرتك ده من صميم شُغلي
واستطرد شارحاً:
-حضرتك إتصلتي بيا من حوالي تِلتْ ساعة وبلغتيني إنك هاتتأخري ساعة ونص علشان هاترُوحِي المكتبة تَطَلعِي علي مَرجع مهم،وأنا بناءاً عليه قعدت في العربية أنا والرجالة وبعِدنا عن مدخل البوابة
وأكمل بتذكُر:
-وزي ما حضرتك عارفة أوامر ياسين باشا اللى بتجبـ.ـرك بإنك لازم تبلغينا قبل ما تخرجي من البوابة علشان نأمن خروجك كويس
سَارت بجانبه متجهةً في طريقها إلي السيارة ثم أردفت بإعتذارٍ هادئ بعد أن رأت بوادر اِسْتِياء إرتسمت فوق ملامح وجههِ الجادة:
-خلاص بقى يا إيهاب ماتزعلش،أنا عارفة إني غلطت وإني كان لازم أبلغك إني كنسلت حوار المكتبة
واسترسلت وهي ترفع كتـ.ـفاها بتهاون:
-بس حقيقى نسيت.
سبقها بخطوة وفتح لها الباب الخلفي الخاص بالسيارة وتحدث وهو يُشير إليها بالصعود:
-حصل خير يا دكتورة
توقفت عن الحركة ونظرت إليه وتحدثت بإلتماس:
-إيهاب،ممكن ماتقولش لبابى
نظر إليها بإستغراب فتحدثت وهي تُميل برأسها إليه في نظرات تستدعي بها تعاطفهُ: please
ضيق عيناه وهو ينظر إليها بشك وتسائل مُستفسراً:
-هو فيه حاجة حصلت جوة أنا ما اعرفهاش يا دكتورة؟
هزت رأسها سريعاً وتحدثت نافية:
-لا طبعاً يا إيهاب،هايكون حصل إيه يعني.
واسترسلت بنبرة زائفة:
-كُل الحكاية إن في الفترة الآخيرة حصل لي مشاكل كتير،وبابي إضطر يسيب شغله وييجي علشان يقف معايا فيها،وده طبعاً أثر علي كفاءة شغله المُعتاد عليها
واستطردت بتأثر زائف:
-مش حابة إنك تحكي له الموقف وينشغل باله وممكن كمان تلاقيه هنا بكرة،ما أنتَ عارف يا إيهاب بابي بيحبني وبيخاف عليا إزاي
وأكملت لإقناعه:
-وبعدين ماحصلش حاجة أصلاً علشان تحكيها له
تنهد إيهاب وهو ينظر إليها بتَرَدُّد،عادت هي تتوسلهُ بعيناها،حرك عيناه بموافقة إجبـ.ـارية تحت إستعطافها له وتحدث:
-مع إن ده بيتعارض مع طبيعة شُغلى،لكن موافق علشان خاطرك
واسترسل وهو يُنبهها بتذكير:
-بس يكون فى معلومك يا دكتورة،دى أول وآخر مرة هخبى فيها حاجة عن سيادة العَميد
قال كلماته ثم أشار لها بالدخول،إبتسمت له بشكر وامتنان وأستقلت السيارة وجلس هو بالمقعد المجاور للسائق الذي إنطلق سريعاً حتي وصل بها إلي المنزل
بعد قليل توقفت السيارة داخل حديقة المنزل وترجل منها إيهاب تلتهُ أيسل التى تحركت وسارت متجهةً إلي الداخل،وجدت والدتها تجلس أمام شاشة التلفاز تُشاهد بإهتمام وتركيز بالغ أحد البرامج الطبية الألمانية التي تستضيف طبيب تجميل يتحدث عن أخر صيحات عمليات التجميل
نظرت أيسل عليها وزفرت بضيق بعدما وجدتها تضع كُل تركيزها فى حديث ذاك الطبيب حتى أنها لم تشعر بقُدُمها من الأساس
ألقت بجـ.ـسدها بإهمال فوق الأريكة لتجاور بجلوسها تلك الغائبة عن الواقع،نظرت إليها ليالي وتحدثت مستفسرة:
-إنتِ جيتي يا سيلا؟
إبتسمت الفتاة بجانب فمها بمرارة وأجابتها ساخرة:
-لا لسة يا مامي
عاودت ليالي مرة آُخري ناظرة إلي الشاشة وهي تُشاهد بمنتهي التركيز متغاضية عن تهكُم صغيرتها عليها،أمسكت هاتفها ودونت به رقم هواتف المركز الظاهرة أسفل الشاشة،ثم تحدثت إلي إبنتها بنبرة حماسية:
-المركز ده هايل،هاتصل بيهم وأحجز علشان أروح أظبط نفسي عندهم قبـ.ـل أجازة العيد،لازم أظهر قدام الكُل بشكل غير اللي شافوني بيه آخر مرة
واسترسلت بانتشاء:
-هاخلي كل اللي يشوفني يتأكد إني رجعت عشر سنين لورا
واسترسلت بإبتهاج وإعجابٍ شديد وهي تنظر بتدقيق للفيديو المعروض على الشاشة:
-شايفة يا سيلا غيروا إزاي شكل الشِـ.ـفة وخلوها جذابة؟
أمـ.ـسكت الفتاة بجِهَازُ التَّحَكُم عَنْ بُعْد ( الريموت كنترول) وقامت بغلق الشاشة بعدما طَفَحَ بها الكَيْلُ وشعرت بالإختناق من تصرفات تلك اللامبالية سوي بحالها ولا تَكْتَرِثْ بغير ما يهمها وفقط،حولت ليالي بصرها سريعاً وتحدثت بنبرة حادة معاتبة صغيرتها:
-إيه قلة الذوق اللي إنتِ فيها دي يا سيلا !
زفرت الفتاة وظهر علي وجهها الإستياء وهتفت بنبرة غاضـ.ـبة:
-ممكن تسمعيني شوية،أنا في مشكلة ومحتاجة أتكلم معاكي.
إنتفض داخل ليالي رُعباً من هيئة صغيرتها المستاءة وتحدثت متلهفة خشيةً من أن يكون أصابها مكروهً وهلعاً أيضاً من ذاك الياسين:
-مشكلة إيه يا سيلا،إتكلمي؟
تنهدت الفتاة بثُقل وأردفت قائلة بنبرة تحمل الكثير من الهموم:
-أنا عملت مُشكلة النهاردة مع اللي إسمه نوَّاف والموضوع وصل لأمن الجامعة
شهقة عالية خرجت من ليالي مع إتساع حدقة عيناها مما يُوحي إلي إنزعـ.ـاجها بشدة وهتفت بإرتياب:
-إنتِ بتقولي إيه يا سيلا؟
زفرة الفتاة بقوة وبدأت تروي علي مسامع والدتها ما بدر من ذاك المستفز وأوصلها إلي قمة إستفزازها منه وأجبـ.ـرها علي الرَد عليه ومبادلتهُ التهديد واللعـ.ـن
هتفت ليالي مُعـ.ـنفةً لصغيرتها:
-ليه عملتي كدة،مش بابا قال لك تتجنبي الولد ده خالص وما تديلوش أي فرصة في إنه يفتح معاكي كلام؟
تذمرت الصغيرة ودبت بساقيها علي الأرض في حركة تدل علي مّدي غضـ.ـبها وهتفت بإنزعاج:
-هو اللي وصلني لكدة يا مامي،ما قدرتش أمـ.ـسك لساني قدام إستفزازه ليا وغروره وهو بيكلمني
ونظرت إليها بعيناي حائرة وتسائلت بتَلَجْلُج:
-مامي،تفتكري لو بابي عرف ممكن يزعل مني ويعنـ.ـفني؟
هتفت ليالي بإرتياع ظهر علي ملامح وجهها:
-بابي مش لازم يعرف أبداً بالموضوع ده،وكويس أوي إنك طلبتي من إيهاب إنه ما يبلغهوش بإنك خرجتي بدري من الجامعة
تحدثت الصغيرة بإِبَانَة:
-بس أنا خايفة لبابي يعرف اللي حصل بطريقته،أنا لما طلبت من إيهاب إنه ما يبلغش بابي علي إني خرجت قبل ميعادي ومن غير ما أبلغه إني خارجة علشان التأمين الشخصي،كان كُل قصدي إني أدي لنفسي فرصة أفكر فيها وأرتب كلامي وأعذاري اللي هقولها له،مش إني فعلاً أخبي عليه
تأففت ليالي وتحدثت بمنتهي السطحية والأنانـ.ـية:
-إسمعي الكلام اللى بقولهُ لك يا سيلا،بابي لو عرف هايخرب الدُنيا علي دماغي وأنا الوحيدة اللي هاتإذي من ورا الموضوع ده كله
واسترسلت شارحة:
-إنتِ دلوعته اللي ما بيحبش يشوف دموعها ولا بيهون عليه زعلها
وأستطردت بأنانـ.ـية وحَمـ.ـاقَة:
-وأكيد زي عوايده هايدفعني أنا تمن الفاتورة،وطبعاً كالعادة هايعاقبني ويمنعني إني أروح مركز التجميل علشان أظبط نفسي قـ.ـبل ما أنزل مصر
وأكملت:
-يعني من الآخر كدة ياسين هايشيلنى أنا حساب الليلة دى كلها
كانت الفتاة تنظر إلى والدتها بإستغراب وداخلها يتسائل بتعجُب شديد...كيف لياسين المغربي رجُل المخابـ.ـرات والمؤامـ.ـرات والذي يمتلك عقلاً داهياً وشديد الذكاء بأن يكون لهُ زو جة بتلك السذاجة والفراغ الداخلي؟!
الآن وفقط تأكدت من أن والدها كان معهُ كُل الحق في بحثه عن زو جة آخري لتلبية إحتياجـ.ـاتهُ الفكرية والرَوحية علي الأقل
تنهدت ثم هبت واقفة وتحدثت وهي تصعد الدَرج بتراخي:
-أنا طالعة أوضتي أغير هدومي وانام علي ما المغرب يأذن
واسترسلت:
-ومن فضلك خلي هيلين تعمل لي just food (شوربة كريمة)
أومات لها ليالي بموافقة وأمـ.ـسكت بيـ.ـدها جهاز التحكم من جديد وأشعـ.ـلت شاشة التلفاز وجلست تُشاهد تكملة البرنامج وكأن شيئاً لم يكُن
❈-❈-❈
كانت تجلس فوق مقعداً موضوعاً أمام الباب المؤدى إلى الحديقة الخَلفية،تستند بكف يـ.ـدها على وجنتها،تنظر شاردة للأمام فى اللاشئ بملامح وجه أصبح الحُزنُ لا يُفارقُها بفتراتها الآخيرة
أما هو،فكان ينزل الدرج حيثُ فاق للتو من غفوة قيلولتهْ،كان يُمشط المكان بعيناه باحثاً عنها وبالأخير إهتدى لمكانها،سار بخطوات هادئة إلى أن وصل لجلوسها وتحدث مُبتسماً:
-قاعدة لوحدك كدة ليه يا نرمين؟
لم تنظر إليه،فقط إكتفت بإخراجها لتنهيدة حَـ.ـارة من داخل أعماق صـ.ـدرها،سحب مقعداً وجاورها الجلوس وتسائل من جديد:
-مالك يا نرمين؟
أنا ملاحظ فى الفترة الآخيرة إنك دايماً قاعدة هنا لوحدك وسرحانة،ده أنتِ حتى ما بقتيش بتروحى الڤيلا تجهزى معاهم الفطار زى عادتك
حولت بصرها إليه وتحدثت بنبرة صوت يملؤها الإحباط:
-كويس إنك أخدت بالك من حاجة تخصنى يا سراج
ضيق عيناه بإستغراب وسألها مستفسراً:
-فيه إيه يا نرمين،إنتِ ليكِ مُدة متغيرة معايا ليه؟
ليكِ فترة يا إما قاعدة هنا لوحدك،يا عند يُسرا أو مامتك وبتتجنبي القُعاد معايا
إعتدلت بجلستها وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة فتحدثت بصياحٍ عالى وإنفـ.ـجار:
-إنتَ إمتى كُنت موجود علشان أقعد معاك؟
واسترسلت بنبرات معترضة:
-ده أنتَ بتقوم من النوم على شُغلك،ترجع منه تتغدى وتدخل تنام وبعدها تقوم تشرب قهوتك وتروح تقعد مع عمى عز وعمي عبدالرحمن لحد بعد المغرب،وبعدها ترجع هِنا علشان تتعشي وتروح عند ماما تشرب معاها القهوة وتكمل سهرتك
واستطردت بنظرات غاضـ.ـبة:
-وبعد ما تشرب قهوتك ترجع لى علشان تنام بدري وتصحى فايق لشُغلك،وكأن البيت بقى عبارة عن لوكاندة لأكل ونوم وخدمة سيادتك!
كان يستمع إليها بعيناي مُتسعة مُتعجباً لنوبة الغـ.ـضب الشديدة التي إنتابتها وتملكت منها،تحدث بإسلوبٍ لبق ووتيرة صوت هادئة كي يمتـ.ـصّ غضـ.ـبها:
-إنتِ شكلك واخدة على خاطرك منى قوى،هو أنا للدرجة دى مزعلك يا نرمين؟!
إغرورقت عيناها وتلألأت بداخلها حبات الدموع وتحدثت بهدوء نتيجة تهذيبهُ العالى:
-المُصيبة إنك حتى مش عارف إذا كُنت مزعلني ولا لا يا سراج
واسترسلت بدموعها التي تُقطّع نياط القلب:
-ده إنتَ لا شايفنى قدامك ولا حتي حاسس بوجودى
بسؤال خرج مُتألـ.ـماً من داخل قلبها أردفت بعيناى حزينة:
-تقدر تقول لى أنا إيه بالنسبة لك يا سراج؟!
مـ.ـراتى وحبيبتي وأم إبني...جُملة حنون نطق بها ذاك المُهذب
وأسترسل موضحاً:
-أنا حبيت أهلك وأعتبرتهم أهلي وعيلتي التانية من شدة حبي ليكى يا نرمين،يمكن أكون مابعرفش أعبر عن اللي جوايا بشكل كويس،لكن والله بحبك
واسترسل شارحاً لها شخصيته:
-أنا راجل عادي جداً،بتعب في شُغلي وعاوز أرجع بيتي أرتاح مع مـ.ـراتى وأولادى،مش عاوز من الدُنيا غير إنى أعيش فى هدوء ومن غير مشاكل،ويمكن دي أكتر حاجة شدتني لعيلتك وخلتني أحب صُحبتهم،عمك عز وعبدالرحمن ووالدتك بيوصلونى للسلام النفسي اللي عيشت طول عمري بدور عليه
سألته بإستفسار مُتعجب:
-طب وأنا يا سراج،حياتنا مع بعض وسعادتنا فين من حساباتك وسلامك الداخلى اللي مبسوط إنك أخيراً لقيته؟
واسترسلت بإعتراض:
-إحنا لا بنخرج مع بعض ولا لينا أى حياة بعيد عن تجمعات العيلة
تحدث بإبتسامة رضا:
-طب وهو فيه أحسن من لمة العيلة يا نرمين؟
صاحت بنبرة عالية بعدما وصلت لذروة غضـ.ـبها من ذاك المستفز:
-فيه يا سراج،فيه إن يبقي لنا حياة بعيد عن الروتين اللي خنـ.ـقني وطَبقْ على نفَسِيْ لما قرب يطلع روحي معاه
واستطردت بنبرة ساخـ.ـطة:
-بص كدة بعيونك علي حياة ياسين إبن عمى،ما هو شغال ومنصبه أعلى منك ومشغول وعنده إلتزامات أكتر منك، ومع ذلك مش مقصر مع مليكة فى اي حاجة،كل مُدة بيحدد لها يوم بيخرجها فيه ويعشيها ويباتوا كمان فى الأوتيل،بيحاول يسعدها بأى طريقة
وسألته بعيناى حادة:
-ليه ماتبقاش زيه؟
أجابها بنبرة جادة بعدما رأى عدم قناعتها وسخـ.ـطها عليه وعلى حياتها معهْ:
-علشان تكوين شخصيتي وإحتياجاتي من الدُنيا ونظرتي ليها مُختلفة عن نظرة ياسين
واسترسل بنبرة صارمة:
-أنا مش مطلوب مني أبص لحد وأحاول أكون شبههُ وأقلده علشان أعجب مِـ.ـراتى،هو ده أنا وهى دي شخصيتي اللي إتجـ.ـوزتك بيها واللي ظهرتها لك من أول يوم عرفتك فيه
ثم وقف بحدة وتحدث بنبرة حازمة:
-أظن إن المشكلة عندك إنتِ،وحلها يكمُن فى كلمة الرضا
قال كلماتهُ وتحرك إلي الحديقة بملامح وجه عابـ.ـسة،أمـ.ـسك خُرطوم المياة وبدأ بري الحشـ.ـائش والأشجار والزهور
أخرجت تنهيدة حارة وهي تنظر إليه وتهز رأسها بلا أمل وعدم رضا
❈-❈-❈
بمنزل سالم عُثمان
تقف أمام الموقد مُمسكة بالملعقة الخشبيه تُقلب بها الحَساء داخل القدِر الموضوع فوق النـ.ـار،تجاورها الوقوف نُهي التي سألتها بإستفسار هادئ:
-أخبارك إيه مع سيادة العميد يا مليكة؟
أجابتها بإبتسامة سَاكنة:
-الحمدلله يا نُهى،بخير
لكـ.ـزتها نُهي في ذراعها بخفة وتساءلت بإبتسامة مرحة:
-لسة بتحبوا بعض بجنون زي أول ما أتجوزتم ولا شُعـ.ـلة الإشتياق اللي كانت بينكم هديت شوية
تبسمت مليكة بخفوت في حين هتفت علياء بنبرة حماسية موجهةً حديثها إلي نُهي:
-شُـ.ـعلة مين دي اللي هِديت يا بنتي،دي إسكندرية كُلها مابقاش ليها سِيرة غير عِشق سيادة العميد ياسين المغربي لمراته التانية
وأكملت شارحة:
-الباشا أصله مقضيها من ملوكة ومش راحم نفسه من عيون الناس،ده أنا في مرة كُنت بتعشي أنا وشريف في مطعَم وشوفناهم هناك بالصُدفة،كان بيرقص بيها علي أنغام كلمات لماجدة الرومي
توقفت عن الحديث لبرهة،ثم أخدت نفساً عميقاً وهمهمت بصوتها بهيام مغمضة العيناى:
-أمممم،صدقيني يا نُهي اللي كان يشوفه وهو بيبص لها وهياكُـ.ـلها بعيونه ومحاوط وسـ.ـطها زي ما تكون أغلي جواهرة،يقول إنهم إتنين في شهر العسل ومتجوزين بعد قصة حب أفلاطونية كمان
واسترسلت بحماس:
-ده غير إن الباشا مخصص لها يوم من كُل شهر بياخدها فيه علي الأوتيل ويقضوا فيه اليوم من أوله ويباتوا فيه كمان
إتسعت عيناي نُهي بإنبهار وتساءلت بإندهاش:
-ده بجد يا مليكة؟
إنتوا فعلاً بتعملوا كده؟
أجابتها مليكة بنبرة هادئة وإبتسامة إمرأة عاشقة:
-ياسين بيحاول على قد ما يقدر يجدد في حياتنا ويغير من الروتين علشان يكـ.ـسر الملل الزو جي
سألتها نهى بإستغراب:
-طب والأولاد فين من ده كُله؟!
أجابتها تلك العالية بفخرٍ بعمتها الحنون:
-الولاد بيفضلوا مع عمتي طبعاً،عمتي ثُريا دي مافيش في حنيتها وعقلها
أكدت نُهي علي حديثها وأردفت قائلة بثناء:
-معاكي حق يا عالية،السِت دي أثبتت فعلاً إنها قوية وجميلة من جواها،واحدة غيرها بعد اللي حصل لإبنها كانت لا يُمكن تسمح لمراته تعيش حياتها مع جـ.ـوزها الجديد بالأريحية دي، ده مش بس كدة،دي كمان بتساعدهم وتهئ لهم الجو في إنهم يخلقوا فُرص يختلوا بيها بنفسهم ويجددوا من حياتهم
تنفست مليكة براحة وحمدت الله في سريرتِها علي رزقهِ إياها بذاك العاشق التي باتت تتنفسُ عشقهْ وبدونهُ تشعُـ.ـر بغُربة روحها،وعلى تلك الحما جميلة الخُلق والطباعِ
أخرجها من شرودها إستماعِها لصُدَاح جرس الباب، إنتفـ.ـض قلبها وبات يدُق بوتيرة عالية وحينها تيقنت أن الطارق ما هو إلا متيم روحِها،وتأكد ظنِها عِندما وصل لأذنيها صياح أنس وهو يُهلل بسعادة ظهرت بصوتهِ ويُناديهْ بأبي
تنفست بسعادة وباتت تُحرك الحَساء بحماس،ثم تحركت إلي موقد الخَبز وفتحت بابه وأخرجت منه أحد الصَوَانِي التي تحتوي علي صنفاً من الطعام اللذيذ والمُفضل لدي زو جها ولذا فقد صنعتهُ خصيصاً لهْ بكل الحُب والإهتمام
❈-❈-❈
بالخارج
وصل حمزة بصُحبة ياسين وتم الترحاب بهما بحرارة من قِـ.ـبل الجميع،جلس الفتى بصُحبة فتِيان المنزل،أما ياسين فجاور سَالم وسَيف الجلوس بأحد الأرائِكْ وجلس يُشاهد معهم برنامج حديث الروح لفضيلة الشيخ الجليل مُحمد متولي الشعراوي،
نظر علي صغيرهُ الجالس فوق الأرضية مُنشغل باللهو مع أنس وابناء المنزل الصِغار
لاحظ بجانب عينه نظرات صغيره الخاطــ.ـفة وهو يستـ.ـرق النظر إليه،نظر عليه فسحب ذاك اللئيم بصرهِ سريعاً وتظاهر بإنشغاله بألعابه.من جديد،إبتسم علي صغيرهُ الذي ورث عنه الدهاء والذكاء والكرامة،كانت هُناك من تراقب نظرات الصغير وأبيه، إنها سُهير التي تحدثت إليه متسائلة:
-ما سلمتش علي بابي ليه يا عزو؟
نظر عليها الصغير وتحدث بغيـ.ـظٍ طفولي:
-عزو مش بيكلمه أصلاً وكمان مخاصمه
قهقه ياسين وكُلً من سَيف وشريف وسالم الذي سأل الصغير بدُعـ.ـابة:
-وياتري عزو باشا مخاصـ.ـم سيادة العميد ليه؟
هتف أنس متطوعاً بالرد كعادتهْ:
-هقول لك أنا يا جدو،عزو زعلان لأن بابي زعق له علشان رفض يرجع ورا معانا وما يضايقش أختي اللي في بطن مامي
أشار ياسين إلي الصّبي وأردف بنبرة حنون:
-تعالي يا حبيبي
نظر الصّغير له ومَط شـ.ـفتاه بحركة طفولية وهز رأسهُ برفضٍ قاطع،إبتسم ياسين واستقام واقفاً وتحرك إليه وقام بحمله وسار إلي الأريكة وجلس مُجدداً ثم قام بتقـ.ـبيلهُ وتحدث متأسفً بنبرة حنون:
-أنا أسف،ماتزعلش مني أنا كُنت متضايق شوية لما زعلتك
نظر الصغير وأردف متسائلاً بإبتـ.ـزاز عاطفي:
-يعني مش هتزعل عزو تاني؟
هز رأسهُ وتحدث بتأكيد:
-أكيد مش هزعله،حد يزعل حبيبه منه؟
إبتهجَ داخل الصغير الذي عبر عن بالغ سعادته بلف ذراعيه الصغيران حول عُنـ.ـقْ والدهُ وقام بتقـ.ـبيل وجنتهْ بحماس وتحدث:
-عزو بيحبك قوى يا بابى
تنفس ياسين براحة وتحدث إلى صغيرهُ إبن غاليته:
-وبابى بيحبك قوى يا حبيبي
تنهد بقلبٍ مهموم بفضل ما أصابهُ من تلك التى غـ.ـرزت بخِنـ.ـجرها المـ.ـسموم عُمق صَـ.ـدره بحديثها،تنفس عالياً فى محاولة منه لإخراج حالهِ من حالة الغليـ.ـان تلك،ثم عاود بنظره إلي شاشة التلفاز ليتابع مشاهدة تفسير الشيخ لبعض أيات القرءان الكريم
إنهت مليكة ما كانت تتابعهُ بالمطبخ وخرجت سريعاً بقلبٍ مُتلهـ.ـفاً لتُشبع عيناها من رؤية وجه حبيبها الغاضـ.ـب،نظرت عليه وتحدثت بنبرة تقطرُ عِشقاً وإشتياقاً:
-حمدالله علي السلامة يا ياسين
أجابها بإقتضاب دون إحالة بصره إليها:
-الله يسلمك.
شعرت بالخجل عندما نظرت إليها والدتها وهي تتنهد بإشفاق، تحدثت سُهير إلي صغيرتها كي تُخرجها من حالة الحُزن التي أصابتها:
-يلا يا مليكة جهزوا السُفرة وطلعوا السلطات والعصاير،المغرب خلاص قرب
هزت رأسها بإيجاب وانسحبت عائدة إلي المطبخ من جديد وبدأت بتجهيز المائدة هي وزو جتي شقيقاها
تحدث سالم إلي ياسين بترحاب:
-منورنا إنتَ وحمزة يا سيادة العميد
أجابهُ بإحترام:
-ده نور حضرتك يا سالم بيه.
بعد قليل،إلتف الحضور حول مائدة الطعام التي إحتوت علي العديد من الأكلات المتنوعة والمحببة لدي الجميع،وبدأوا بتناول طعام إفطارهم بتلذُذ وشهية عالية عَدا ذاك الثُنائي
كانت تجلس بالمقعد المجاور لهْ،أمـ.ـسكت قطعة من اللَحـ.ـم المُتبل والمُعد علي الطريقة المُحببة لدي حبيبها والتي صنعتهْ خصيصاً لأجلهِ،كادت أن تضعها بصَحنهِ وهي تقول:
-عملت لك البوفتيك في الصَينية زي ما بتحبه
بملامح وجه حاول جاهداً برسم الهدوء فوقها كى لا يظهر كلاهُما بمظهر غير لائق أمام الجميع،أشار بكف يـ.ـده رافضاً الطعام وأردف بنبرة خرجت إلى حدٍ ما هادئة:
-تسلم إيـ.ـدك مش عاوز،أنا أكلت فراخ خلاص
إبتلعت لُعابها من شدة خجلها الذي أصابها جراء رفضه لتقبُـ.ـل الطعام من يـ.ـدها،وبرغم محاولاتهُ المُستميتة بعدم ظهور أية بوادر لتشاحنُهما إلا أن الجميع لاحظوا تغيُر ذاك العاشق مع زو جته التى إعتادوا على رؤيتهم لتدلـ.ـيلهُ لها أمام الجميع،تحمحمت وسحبت يـ.ـدها وأعادت قطعة اللحم إلي حيثُ كانت،وبدأت تتناول طعامها وتمضغهُ وتبتلعهُ بمـ.ـرارة
تناولت سُهير الطعام ووضعته بصَحن حمزة وتحدثت بنبرة حنون:
-كُل يا حمزة
شكرها الفتى قائلاً بنبرة مُهذبة:
-تسلم إيـ.ـد حضرتك يا تيتا،الأكل حلو قوي
ردت عليه بنبرة رحيمة:
-بألف هنا علي قلبك يا حبيبي.
شَـ.ـعر ياسين بإنتباه البعض لتغيرهُ الواضح مع زو جته فأراد أن يُغير تلك الأجواء فأختلق بعض الأحاديث المُشتركة واندمج معه الجميع عَدا تلك التي تشعُـ.ـر بالخِزي والألـ.ـم
وجه لهُ سالم حديثهُ قائلاً:
-ياريت يا سيادة العميد تجيب مليكة والأولاد وتفطروا معانا بُكرة في عزومة الباشمهندس حسن وعيلته
أجابهُ ياسين بإحترام:
-معلش يا سالم بيه،إعفينا إحنا من العزومة دي وخليها بينكم وبين عمي حسن
واسترسل بإبتسامة مجاملة:
-وبعدين ما إحنا معاكم النهاردة أهو
إنتهي الجميع من تناولهم للإفطار وأنتقلوا إلي الردهة وجلسوا يتناولون مشروب الشاي تحدثت نُهي إلي ياسين:
-مش ناوي تشرفنا إنتَ ومليكة والأولاد وتقضوا معانا إسبوع في لندن يا سيادة العميد؟
أجابها بإحترام:
-إن شآء الله يا مدام نُهي،ربنا يسهل
تحدثت سُهير إلي علياء التي تعتبرُها إبنتها التى أنعم بها الله عليها ورزقها إياها:
-هاتي لي"السبرتاية"وعِدة القهوة يا عالية علشان أعمل لسيادة العميد قهوته.
نظر عليها وإبتسم شاكراً وتابع إحتساءه لمشروب الشاي تحت مراقبته لنظرات مليكة الحزينة
أحضرت علياء ما طلبته منها والدة زو جها وتحدثت بنبرة لينة:
-إتفضلي يا ماما
صنعت سُهير القهوة للجميع بحرفية ومذاقاً مميز،وناولت إلي ياسين قدحهُ،وتحدثت علياء وهي تُبسط له ذراعها وتُقدم لهُ صَحناً من الحلوي قائلة:
-إتفضل بقى كُل حتة الكُنافة بالنوتيلا والمكسرات دي مع القهوة
واستطردت بإنتشاء حماسي وهى تنظر على تلك الجالسة بجانب والدها:
-دي من صُنع إيـ.ـدين مليكة
أشار لها بيـ.ـده وتحدث بإعتذار هادئ:
-متشكر يا عالية،أنا مباخدش أي حاجة حلوة مع القهوة.
واسترسل وهو ينظر إلي سُهير قائلاً بإمتداح:
-بحب أستمتع بطعمها وخصوصاً قهوة ماما.
إبتسمت لهُ سُهير وتحدثت بعيناي شاكرة:
-بألف هنا علي قلبك يا حبيبي
وجه سالم حديثهُ إلي ياسين بمشاكسة:
-يا بخت اللي حماته راضية عنه يا سيدي
إبتسم لهُ ياسين وتحدث بثناء:
-هو فيه في حنية ولا ذوق حماتي،ربنا يخليها لي
إبتسمت سُهير وشكرته قائلة:
-تسلم وتعيش يا أبن الأصول
تحدث سيف إلي شقيقتهُ الجالسة تتابع ما يحدث بصمتٍ تام:
-عملتي سُونار للبيبي وعرفتي نوعه يا مليكة؟
أجابته بنبرة حنون:
- أه يا حبيبي،مِـ.ـسك إن شاء الله
نطق شريف قائلاً بإنبهار:
-واااو،مِـ.ـسك،ده إيه الإسم الجامد أوي ده،ده أكيد ذوقك إنتِ يا مليكة؟
تنهدت ثم نظرت لذاك الذي يعرض عن النظر إليها ويتحاشاه وتحدثت بنبرة بها فخر واعتزاز:
-لا يا شريف،ده إختيار ياسين
نظر شريف إليه لمتابعة رد فعله علي ثناء شقيقتهُ عليه وأغتاظ بشدة حينما وجدهُ يتجاهل حديثها وكأن وجودها والعَدم أصبحَ سواء،هتفت نُهي بإعجاب:
-حلو قوي الإسم يا سيادة العميد
متشكر يا مدام نُهي... جُملة نطقها ياسين وهو ينظر إلي نهي بإحترام
بدأ يرتشف قهوته ولكن لم يتلـ.ـذذ بطعمها لسببين،أولهما أنه حينما يتشاحن مع حبيبته يُصبح كل شئ بلا طعمْ،أي بلا حياة،
والسبب الآخر وأهمهما أنهُ ما عاد يتذوق شيئاً من صُنع يـ.ـداي غيرها وبالأخص قهوتهُ
مّر الوقت بصعوبة وتخطت الساعة من التاسعة مساءً،وقف ياسين منتصـ.ـب الظـ.ـهر وتحدث إلي الجميع قائلاً بإستئذان:
-أستأذن أنا،وكل سنة وإنتم طيبين
ثم نظر إلي سُهير وتحدث بإحترام:
-تسلم إيدك يا ماما علي كُل حاجة وعقبال كل سنة إن شاء الله
أجابته بإستغراب:
-بألف هنا يا ياسين،بس مستعجل ليه يا أبني،ما لسه بدري
وقف سالم وتحدث إليه بتعجُب:
- رايح فين يا سيادة العميد بدري كدة؟!
أجابهُ مُعللاً:
-معلش يا سالم بيه،أصلي مرتبط بميعاد ضروري ولازم أتحرك حالاً
وتحدث إلى نجله المشغول بالحديث مع أقرانه ليحثهُ على التحرُك:
-يلا بينا يا حمزة
وقف الفتى إستعداداً للذهاب بصُحبة والده،فى حين تسائل مروان بتعجُب:
-هو إحنا مش هنروح مع حضرتك يا عمو؟
حول ياسين بصره إليه وتحدث بنبرة حنون:
-لا يا حبيبي،إنتوا هتباتوا النهاردة مع تيتا وخالو سيف وأولاده علشان تشبعوا منهم
هلل الصغار وصفقوا بأيـ.ـاديـ.ـهم ونظر مروان إلى إبن خاله وتحدث بسعادة:
-كدة هنكمل دور البلاي ستيشن
حول هو بصره إلي تلك الجالسة بإستسـ.ـلام تام وأرتسم علي ملامحها الخُزن والألـ.ـم،وتحدث بنبرة هادئة:
-جهزي نفسك بكرة علي الساعة 12 الظهر هبعت لك عربية الحراسة علشان تروحك إنتِ والأولاد
ظلت ساكنة بجلستها ولم يتحرك لها ساكن،هي نظراتها المُلامة فقط من كانت تتحدث إليه وتسألهُ بصـ.ـراخ...ماذا فعلت لأُعاقـ.ـبُ بكل تلك المهانة والقسوةِ،أخبرني عن جُـ.ـرمي لكى يرتاح قلبي
سحب بصرهِ عنها سريعاً قبل أن يضعف أمام نظراتها المتوسلة ويُجبـ.ـرهُ قلبهُ علي الرضـ.ـوخ لها والإرتماء تحت قدمـ.ـيها ذليـ.ـلاً ليعتذر منها علي ما سببهُ لها من جـ.ـرح بقلبها الرقيق، لكنها الكرامةِ لا غيرها من منعتهْ
نظر سالم على إبنته وعلم حينها أن فى الآمر شيئاً ما
إنسحب بصُحبة نجلهِ إلي الخارج مع توديع سيف وسالم له وإيصالهُ إلي باب المنزل بإحترام وتقدير تحت صرخـ.ـات قلبها المُستغيث به وهو يتوسلهُ بألا يتركها ويرحل
❈-❈-❈
تحاملت علي حالها ووقفت وسارت نحو باب غُرفتها وأختفت داخلها بعدما أغلقت بابها،رمت بحالها فوق الفراش وبدون مقدمات نزلت دموعها الحبيسة التي إحتجزتها بإعجوبة
إستمعت إلي طُرقات فوق الباب،إعتدلت سريعاً وجففت دموعها ودلفت سُهير من باب الغرفة واغلقته خلفها،جاورت إبنتها الجلوس وتحدثت بنبرة حادّة ناهـ.ـرة إياها بعدما رأت بعيناها أثاراً لدموعها الحَـ.ـارة:
-عاملة في نفسك كل ده ليه؟
واسترسلت بنبرة حادة تكشفُ عن مّدى غضـ.ـبها:
-سيبيه يتفـ.ـلق وإوعي تعبريه لحد ما ييجي لحد عندك ويقول لك حقي برقـ.ـبتي
وهُنا لم تستطع تلك المِسكينة كَبح دموعها أكثر،فهطلت بشدة بعدما أطلقت لها العنَـ.ـان،خرجت شهقة عالية منها مما جعل سُهير تهتف بحِـ.ـدة وغيـ.ـظ:
-إنتِ بتعيطي ليه الوقت،بلاش تبقى ضعيفة قدامة كدة يا بنتي
واسترسلت لائمة بنبرة حـ.ـادة:
-ما هو ضعفك ده هو اللي خلاه يستقوي ويشوف نفسه عليكي
هزت رأسها يميناً ويساراً باعتراض مما جعل قطرات دموعها تتطاير وأردفت بقلبٍ يتمـ.ـزقُ ألـ.ـماً:
-ياسين مش وحِـ.ـش يا ماما،ياسين بيحبني ومابيقدرش يبعد عنى ولو ليوم واحد،هو بس فِهم اللى سمعه غلط وزمانه موجـ.ـوع
كانت تنظر إليها بتعجُب واستغراب وتحدثت بنبرة معترضة:
-موجـ.ـوع!
إنتِ كمان بتبررى لهُ اللي عمله؟!
وسألتها بذهول:
-فيه إيه يا مليكة؟
أنا عُمري ما شُفتك ضعيفة وخايبة كدة يا بنتي،ده سابك وأخد إبنه ومشي وبكُل قلة ذوق بيقول لك هبعت لك الحَرس بكرة بالعربية؟!
واسترسلت وهى تتوعدهُ بنبرة صارمة:
-طب إيه رأيك بقى إنك مش هتروحى مع الحَرس بتوعه دول،ويبقى ييجى يورينى نفسه إبن منال
واستطردت بقَسَمٍ:
-والله يا مليكة لو ما جِه لحد هنا علشان ياخدك بنفسه ما أنتِ مروحة
هو فاكر نفسه إيه علشان يعاملك كدة قدام أبوكِ وإخواتك الرجالة
واستطردت بتبرير:
- أنا سكِت له بس وما رضيتش أرد عليه علشان ما أعملش مُشكلة قدام أبوكى وإخواتك والموضوع يكبر،لكن والله ما هعديها له
اجابتها بدموعٍ غزيرة وضعفٍ مُهين:
-يا ماما أرجوكِ حاولى تفهمينى،اللي ياسين سمعه صعب على أى راجل عادى يستوعبه،فما بالك بياسين اللى غيرته مجنونة لوحدها
واستطردت بملامح وجه تُظهر كّم الألـ.ـم الذي أصابها لأجلهْ:
-ياسين لما الموضوع بيتعلق بيا بيفقد عقله وإتزانه وما بيقدرش يتحكم فى غيرته،أنا أكتر واحدة حاسة بيه وعارفة قد إيه هو موجـ.ـوع وبيتـ.ـألم
جحظت عيناي سُهير من الحالة المُزرية التي ظهرت عليها صغيرتها وطالعتها بنظرات مصدومة وتحدثت بنبرة مُستاءة للغاية:
-ياسين ياسين ياسين،إيه يا بنتي اللي وصَلتي نفسك ليه ده؟
زادت مليكة من شهقاتها وانزلت بصرها للأسفل بأسي،زفرت سُهير وحاولت جاهدة في تهدأت حالها كى لا تُحزن صغيرتها وتُحملها أكثر مما يحتمل قلبها البرئ،ثم استطردت بتعقل:
-بصي يا بنتي،مش عيب إن الواحدة مننا تحب جـ.ـوزها وتوصل معاه لدرجة العشق والجنون، "بالعكس"دي حاجة حلوة قوى
واسترسلت بحديث ذات معني ومغزي:
-بس كمان علشان الحُب ده يعيش ويستمر لازم الست يكون عندها كرامة وتعرف أمتي توقف جـ.ـوزها عند حَده لو حَـ.ـسِت إنه بيهـ.ـين كرامتها وبييجي عليها
واسترسلت شارحة بنبرة مستاءة:
-وياسين هانِك وإتجاهل وجودك قدامنا كُلنا،وما أكتفاش بكدة وبس،ده كمان ماعملش حساب إنك بين أهلك وإن معانا نهي وعالية اللي يُعتبروا غُرب عننا وكان لازم يعمل لشكلك قدامهم حساب،ودي قلة ذوق منه وجليطة ولازم يتحاسب عليها منك
هزت رأسها بهيسترية وتحدثت بدفاع مستميت عن رجُـ.ـلها التي باتت تتنفسهُ:
-إنتِ ليه حضرتك مش مقدرة خطورة الموقف اللى أنا محطوطة فيه
ضيقت سهير عيناها وانتظرت تكملة حديثها بترقب شديد فأكملت تلك الضعيفة:
-يا ماما ياسين بيعشقني وبيحبني أكتر بكتير من درجة حُبي ليه،بس هو كرامته أهم عنده من أي حاجة تانية،واللي عمله ده بيأكد لي إنه فعلاً سمع كلامي مع مروان عن رائف الله يرحمه،وزمان الشيطان بيوز له وبيقول له إني لسه بحب رائف وإني كُنت بكذب عليه في كل السنين اللي عيشناها مع بعض لما قلت له إني بحبه
تحدثت سُهير بإعتراض:
-حتي لو زى ما بتقولى إنه سمعك وإنتِ بتتكلمى عن رائف الله يرحمه،هو مالوش حق إنه يزعل منك،ده راجل كان جـ.ـوزك وعندك منه عَيليِن هيفضلوا رابطينك بيه لأخر العُمر،وحق عِشرته الحلوة عليكِ إنك تُذكريه بالخير قدام أولاده وتخليهم يفتخروا بأبوهم،وبعدين هو رائف ده حد غريب،ده إبن عمه وكان زي أخوه الصُغير
إستمعت كلتاهما إلي طرقات خفيفة فوق الباب،جففت دموعها سريعاً ودخل شريف الذي نظر علي شقيقتهُ وتحدث بنبرة قلقة حينما رأي إنتفاخ عيناها وإحمرارها وانفها مما يدل علي بكائها:
-إنتِ بتعيطي يا مليكة؟
تنهدت سُهير في حين هتف هو بنبرة حادة:
-والسبب طبعاً قليل الذوق المغرور اللي إسمة ياسين
حزن داخلها من وصف شقيقها لمُتيمها بتلك الاوصاف الشنيعة من وجهة نظرها،فتحدثت سُهير لنجلها كي لا تزيدها علي تلك الحزينة:
-خلاص يا شريف،ملوش لازمة الكلام ده ويلا نطلع برة علشان نسيب أختك تنام لها شوية
واكملت وهي تُربت علي كتـ.ـفَها بحنان:
-حاولي تنامي لك شوية علشان ماتصدعيش وانا هاجي أصحيكي كمان ساعة علشان تسهري مع أبوكي وإخواتك
هزت لها رأسها بإيماء وخرجت سُهير ساحـ.ـبة شريف بالإجـ.ـبار
بالخارج،جلست سُهير بجانب سالم الذي سألها مستفسراً بعدما شَـ.ـعر بتغير إسلوب ياسين مع إبنته:
-بنتك وجـ.ـوزها مالهم يا سُهير؟
أجابته بنبرة هادئة لعدم حدوث بلبلة:
-مافيش حاجة يا سالم،ما تشغلش بالك إنتَ
نظر لها وتحدث معترضاً على حديثها:
-إنتِ إتجننتى يا سُهير،مش عوزانى أشغل بالي ببنتي الوحيدة؟
تنهدت وتحدثت بتهاون كي تبث الطمأنينة داخل قلبه:
-شادين مع بعض شوية،عادى زي ما أي إتنين متجـ.ـوزين بيشدوا مع بعض فى الكلام،الموضوع مش مستاهل إننا نشغل بالنا بيه أصلاً
هز سالم رأسهُ بتفهم ونظر أمامة ليُشاهد شاشة التِلفاز من جديد
❈-❈-❈
عاد ياسين إلي حي المغربي،توجه إلي ثُريا وأبلغها بمبيت مليكة وأطفالها الليلة بمنزل أبيها مما أحزن قلب ثُريا لكن وجود شقيقها حسن وعائلتهُ خفف عنها واقع الصدمة،وتحرك منطلقاً بسيارته وبات يجوبُ شوارع الإسكندرية في محاولة بائسة منه لتهدِئة حالهْ من بُركـ.ـانهِ الثـ.ـائر بداخله
أما داخل منزل سالم عُثمان،وبعد إنتهاء سهرتهم التي خلت من وجود مليكة التي ضلت بغرفتها تنتحب وتبكى بمرارة،دخلت علياء إلي غرفتها المخصصة لها ولزو جها، وجدت شريف يجلس فوق تخته ويبدوا علي وجههُ الغضـ.ـب،قطبت جبينها وسارت بإتجاهه ثم جلست بجانبه وسألتهُ مستفسرة:
-مالك يا شريف؟
أجابها بوجهٍ كاشر وهو ينظر أمامهُ:
-مافيش
وضعت كف يـ.ـدها علي وجنته وأجبـ.ـرته علي النظر إليها وأردفت قائلة بنبرة جادة:
-هو إيه ده اللي مافيش،إنتَ مش شايف وشك مقلوب إزاي،ولا وإحنا قاعدين برة،ده أنتَ ما نطقتش بكلمة واحدة
يووووه،ماخلاص بقي يا عالية،إنتِ جاية تفتحي لي تحقيق...كلمات غاضـ.ـبة نطق بها شريف بنبرة حادة في وجه علياء
تجهمت ملامح وجهها وأنزلت بصرها للأسفل بحزن مما جعلهُ يلـ.ـعن حالهُ ويقترب منها متحدثاً بإعتذار:
-أنا أسف يا حبيبتي،ماتزعليش منى أنا اصلي متضايق شوية ومش طايق نفسي.
سألته بإستغراب:
-ما أنا لاحظت ده وجيت أسألك علشان أخفف عنك لقيتك هبيت فيا بالطريقة دي
زفر بضيق ثم أرجع ظهـ.ـرهُ للخلف مستنداً به علي خلفية التخت وتحدث بنبرة مُحملة بالهموم:
-زعلان علشان مليكة
سألتهُ متعجبة:
-وهي مالها مليكة،دي مافيش سِت فيكي يا إسكندرية عايشة سعيدة زيها؟!
هتف بنبرة حادة:
-بامارة إيه،إنتِ ما شفتيش البيه كان بيعاملها إزاي قدامنا؟
واسترسل بنبرة غاضـ.ـبة:
-ده ما اتكسفش مننا وهو في قاعد في قلب بيتنا وعاملها بمنتهي المهَـ.ـانة والذُل،ده إنسان قليل الذوق ومريض نفسي ومعداش علي تربية
إنتفض داخلها بغضـ.ـب لأجل إبن عمها التي تعتبرهُ بمثابة شقيقها الأكبر وتَكِنُ له كثيراً من الإحترام والتقدير مما جعلها تحتَـ.ـدُ في حديثها وهي تهتف قائلة بشـ.ـراسة:
-شريف من فضلك،ياريت تتكلم بإسلوب أحسن من كدة وماتنساش إن اللى بتتكلم عنه ده يبقى إبن عمي.
إحـ.ـتدم غيـ.ـظاً من دفاعها المستميت عن ذاك المتغطرس وهتف بنبرة شديدة الحِـ.ـدة:
-ومالك زعلانة ومحموقة علي البيه قوي كدة،هي مليكة دي مش المفروض إنها صاحبتك؟!
تنهدت بأسي وأردفت قائلة بنبرة هادئة في محاولة منها لإمتصَـ.ـاص غضـ.ـبهْ:
-يا حبيبي حاول تفهمني،أنا لا بدافع عن ياسين ولا بنصره علي حساب مليكة زي ما وصل لك،إحنا أصلاً ما نعرفش إيه اللي حصل بينهم وخلي ياسين غضـ.ـبان قوي كدة لدرجة إنه ما يعملش حساب لشكلهم قدامنا كُلنا
واسترسلت بتعقُل:
-ودي مش عادة ياسين ولا دي طريقة تفكيره،وده اللي بيأكد لي أنا شخصياً إن فيه حاجة كبيرة حصلت بينهم وعملت شرخ فى علاقـ.ـتهم
واستطردت برجاء:
-فياريت ما نحكمش علي ياسين وخصوصاً إننا ما نعرفش إيه اللي ممكن يكون حصل ولا نعرف مين فيهم اللى غلطان
زفر بضيق وتمددَ علي التخت مُندثراً تحت الغطاء الوثير وتحدث بنبرة صارمة:
-إقفلي النور يا مدام
سألته مستفسرة وهي تنظر إليه بتعجب:
-إنتَ هتنام قبل ما تتسحر يا شريف؟!
أخرج زفيراً قوى ثم هتف بنبرة حَـ.ـادة:
-قُلت لك إقفلي النور وأخرجي
تنهدت بأسي علي وصول زو جها لهذا الحد من الإحتـ.ـدام وأغلقت له إضاءة الغُرفة وخرجت من جديد تاركة إياه ليختلي بحاله كي يهدأ من ثورتهْ
❈-❈-❈
داخل غُرفتها شديدة الظلام إلا من شُعاع ضوء ضعيف ينبثق من خلال باب الشُرفة الموارب،كانت تقبع فوق الفراش مُتخذة وضع الجنين،تبكي وتنتحب بشدة وتحدث حالها مستنكرة:
-كيف أطاعك قلبُك بأن تضعَنِي بتلك الصورةِ المُهـ.ـينةِ أمام عائلتي!
ألهذا الحَدُّ لم تهتمَّ بكرامتي؟
أين حديثُك الذي طالما أسمعتَنِي إياه عن أن كرَامتِكَ من كرَامتِي وأن عليكْ الحِفاظُ عليها وصِيانَتها أمام البشرِ؟
أين وعودك حينما قُلتَ لي أن ما يحدث داخل غُرفتنا لن يتخطي بابها وسيظلُ سِراً بيننا
أتبخرت وسَارت مُجردِ وعوداً واهية؟!
لما لا تستجِب لتوسُـ.ـلاتِ عينَاي وهي تترچاكَ بألا ترحل وتترُكني وحيدة أشعر بالخَلاء والصَقيعِ دون أحضَـ.ـانكَ؟
ماذا دهاكَ ياسيني،ماذا دهاكَ يا مَنْ تُخبرنى دوماً بأنكَ لأنفاسي ولعيناى سِرتُ مُـ.ـدْمِنِ
بنفس التوقيت
كان يقف أمام البحر ينظر لأمواجه شديدة السَواد جراء ظلام الليل الحَالك،فقد كانت السماءُ خالية من النجوم مُعْتِمةٍ كاحالِ حياتهُ بدونها،تنفس عالياً وزفر بضيق مما يُظهر كّم الغـ.ـضب والحُزن الذي يسكُن داخلهُ
مد كف يـ.ـدهُ داخل جيب سُترتهُ وأخرج عُلبة سجائرهُ،سـ.ـحب منها واحدة ثم ثبتها بين شـ.ـفتاه،أمـ.ـسك قَدّاحتهُ واشعلها وبات يُنفث بها بشراهة وكأنهُ بتلك الطريقة يُعبر عن مّدي غضـ.ـبه العارم
حدث حالهُ بكيانٍ مُشتـ.ـعلْ:
-أمِن المُمكِنِ أن يكون جُلْ ما عايشتهُ مع من سلمتُها روحى ولُبى وكُلُ كيانى مُجردِ سراباً واهياً؟!
مُجردْ أكذُوبةٍ جعلتني أتعايش بداخِلُها لكي لا تجـ.ـرح مشـ.ـاعري وتصُد عِشقيَ الذليـ.ـلُ لها
تنفس عالياً ورفع رأسهُ للأعلى مُغمضاً عيناه،يا لهُ من شعورٍ مُهيـ.ـن ومُوجِـ.ـع ومُجـ.ـلدُ للنفسِ والذَاتِ
حدث ذاتهُ مُتألـ.ـماً:
-كَمْ أشـ.ـعُر الآن بضآلتي وبصُغرِ حَجمِى بعيناها،مُميتُ هو إِدْراكَكَ بأنك أخفقَتُ فى الوصول لقصرِ أميرتُكَ العالي.
ينتابنى شُعُوراً بالإشمئزاز من ذاتى كُلما مَرّ بمُخيلتى مَجرد تصورى أن كَل ما عايشتهُ معها لم يكُن سوىّ شَفَقَةً منها على حالى المُزرى
هز رأسهُ كي يطرُد منها تلك الأفكار التي تكَادُ تفقِدهُ صوابهُ وتسوقهُ إلي الجنون والعَتهْ،ألقي بما تبقي من سيجارته فوق الرِمال ودهـ.ـسها بمقدمة حِذائِه بحِدة، ثم نظر إلي السماء وأخرج تنهيدة حارة شـ.ـقت صـ.ـدرهُ، وبدأ بتنظيم أنفاسه في أخذه شهيقاً وإخراجهُ بهدوء،وكرر العملية في محاولة منه لتهدأة حاله
كان هُناك من يقف داخل شُرفته الخاصة بجناحه،وقع نظره علي ذاك الواقف مُتسمراً أمام البحر فى ذاك الصَقيع،بات يُدقق النظر عليه حتي كَشف ضوءاً بسيطاً يأتي من عمود الإنارة البعيد عن شخصيتهُ
شَعر بمن وقفت خلفـ.ـهُ ثم إحتـ.ـضنته وتحدثت من خلف أذنه:
-واقف لوحدك ليه يا حبيبي؟
تنفس بهدوء وسألها مُتغاضياً عن حديثها:
-مش ياسين اللي واقف هناك علي الشط ده يا چيچي؟
خطت بساقـ.ـيها وجاورته الوقوف وباتت تنظر علي ذاك الواقف يُدخن سيجارتهُ بشراهة،نطقت بتردد:
-مش عارفة يا طارق،مش قادرة أتأكد في ملامحة علشان الضلمة،بس تقريباً كدة هو
تحرك إلي داخل الجناح وإلتقـ.ـط مِعطفهُ المُعلق وشرع بإرتدائه تحت تعجُب تلك التي سألته بإستفسار:
-إنتَ بتلبـ.ـس الجاكيت ورايح علي فين؟!
أجابها بنبرة مُتعجلة:
-رايح أشوف ياسين ماله
أجابته بتهاون:
-هايكون ماله يعني يا طارق،واحد واقف علي الشَط بيشـ.ـم هوا،إنتَ ليه مكبر الموضوع كده؟
أمـ.ـسك كتـ.ـفيها وتحدث وهو ينتوي التحرُك بإتجاة الباب:
-من وقفة ياسين وشكله لشُربه للسِيـ.ـجارة أقدر أقول لك إنها واصله معاه للأخر
هروح أشوفه وأرجع لك علي طول
أومأت لهُ وخرج هو مُتجهاً إلي الشاطئ بعدما وضع قُـ.ـبلة حنون فوق وجنتها وبعد دقائق معدودة كان يقف بجانب شقيقهُ،
أردف بنبرة هادئة مترقباً ردة فعلهُ عن طريق ملامح وجهه:
-الباشا واقف بيعمل إيه لوحده في البرد ده؟!
إلتفت إليه ياسين بعدما إنتبه لصوتهْ وذلك لشدة تعمقهُ داخل أفكاره المُبعثرة،تنهد ورفع سيجـ.ـارتهُ العاشرة إلي فـ.ـمه وأخذ منها نفسَاً مطولاً ثم أخرجهُ وألقي عُقبها علي الرمال ودعـ.ـس عليها بحذائه ثم تحدث بنبرة حـ.ـادّة:
-مافيش يا طارق
ضيق طارق عيناه وهو ينظر بذهول علي الأرض والكّم الهائل من أعقاب السجائر المُلقي وسألهُ من جديد:
-مالك يا ياسين؟
أخرج زفرة محملة بهواءٍ ساخناً من أعماق صـ.ـدرهِ المُثقل بهمومٍ توازي جبالاً راسيات ثم تحدث:
-ولا حاجة
شـ.ـعر طارق بتشتُت روح شقيقهُ،وضع كف يـ.ـده فوق كتفه وهمـ.ـس بنبرة حنون:
-ولا حاجة إزاي هو أنا تايه عنك
واسترسل بإصرار:
-إحكي لي يا حبيبي إيه اللي تاعبك قوي كدة
نظر علي شقيقهُ وسألهُ بنبرة تحمل بين طياتها الكثير من الوجـ.ـع:
-طارق،هي ممكن مليكة تكون ماقدرتش تحبني وحاولت تبين لي عكس ده علشان ما توجـ.ـعنيش وتقلل من رجولـ.ـتي قدام نفسي؟
واسترسل:
-ممكن أكون ما قدرتش أوصل لقلبها؟
رفع طارق حاجبيه مُتعجباً من سؤال شقيقه الذي تخطي المنطق بمراحل فتحدث بنبرة ساخرة:
-إيه الكلام اللي بتقوله ده يا ياسين؟
إنتِ سامع نفسك بتقول إيه؟!
وضع كفاي يـ.ـداه داخل جيباي بنطاله ورفع رأسهُ للسماء وأغمض عيناه بحِدةٍ جعلت ملامح وجههُ تنكمش بشدة، فتسائل طارق من جديد:
-إيه اللي حصل بينك وبين مليكة وخلاك تقول الكلام الفارغ ده؟
زفر بضيق وتحدث وهو مازال علي وضعه:
-روحت أجيبها هي وعمتي والأولاد من المقابر علشان كُنت قلقان من إنهم يرجعوا لوحدهم،لقيتها قاعدة بتتكلم عن رائف الله يرحمه وبتقول فيه شِعر
وهُنا حول بصره إلي طارق وهتف بنبرة حـ.ـادّة وعيناي
تصـ.ـرخُ من شِدة ألـ.ـمِها:
-كانت بتقول إن رائف كان أحسن راجل في الدُنيا،وإنها عَاشت معاه أجمل أيام حياتها اللي عمرها ما هتنساها ولا هتقدر تنساه
واسترسل بعيناي تئنُ من الألـ.ـم:
-تخيل يا طارق،مـ.ـراتي اللي بتنـ.ـام كُل يوم في حُـ.ـضني قاعدة بتتكلم عن راجل غيري
نظر لهُ طارق بإشفاق علي حالة الجنون الذي بَلَغَ إليها وتحدث بنبرة ساخرة كي يحثهُ علي الإستفاقة:
-إنتَ بتتكلم جد يا ياسين؟!
إنتِ عامل في نفسك كدة علشان سمعت مليكة بتقول لأولادها الكلام ده عن أبوهم؟!
واسترسل بتساؤل سَاخر:
-وإنتِ بقى كُنت عاوزها تقول لهم إيه،أبوكم ده كان أسـ.ـوء راجل في الكون وعيشت معاه أسود أيام حياتى؟!
رمقهُ ياسين بنظرة حـ.ـادّة لإعتراضه على نبرة السُخرية التى وصلته،فتنهد طارق وتحدث من جديد كي يُهدئ من روع أخيه:
-يا ياسين فكر شوية بعقلك وإركن قلبك علي جنب،ما تنساش إن مروان وأنس ولاد رائف،ومليكة ست محترمة وبنت أصول ولازم تتكلم قدام الأولاد وتظهر أبوهم في أبهي صورة ليه
ثم نظر له وتحدث بنبرة مُلامة:
-مالكش حق يا ياسين،إنتَ مستكتر علي رائف إن سيرته الحلوة تتقال لأولاده؟
واسترسل بنبرة تئنُ من شدة الألـ.ـم لتذكرهُ لصديقهُ المُقرب والذي مع إفتقاده إفتقد الونس والأليف:
-اللي بتتكلم عنه ده يبقي رائف يا ياسين
صرخ بكامل صوتهِ قائلاً بإِبَانَة:
-إنتِ ليه مش قادر تفهمني يا طارق،أنا أكتر واحد بقعد مع الأولاد وأكلمهم عن رائف علشان أخلد ذِكراه وارسخها في عقولهم وخصوصاً أنس لأنه مالهوش أي ذكريات معاه
واسترسل بنبرة رجل عاشق يتمـ.ـزق داخله من شدة غيرته علي آُنثـ.ـاهُ:
-ماحدش فيكم حاسـ.ـس بالنـ.ـار اللي مولــ.ـعة جوايا وبتاكُل فى قلبي بقى لها سنين،أنا بتقـ.ـطع من جوايا كُل ما أفتكر إن مِـ.ـراتي اللي بعشقها كانت مع راجِـ.ـل غيري في يوم من الأيام
واستطرد وهو يدُق علي رأسه بيـ.ـداه بحِـ.ـدة وجنون:
-أنا ساعات بحِـ.ـس إن دماغي هتُقف من شِدة رفضي للفكرة
سألهُ طارق بتعجُب:
-وليه تعمل في نفسك كدة،ليه تدي للشيطان فرصة بإنه يستولي علي دماغك ويقعد يصور لك مشَاهد لحد ما يوصلك لدرجة الجنون اللي وصلت لها دي؟
هز رأسهُ بإستسلام وأردف قائلاً بنبرة مُستكينة واهنة:
-ياريته كان بإيـ.ـدي يا طارق كنت رحمت نفسي وإشتريت راحتي،
واسترسل متوجـ.ـعاً:
-ياسين المغربي وَحـ.ـش المخابرات زي ما بيقولوا،اللي بيقدر يتحكم في إنفعلاته ويحجم كل حاجة في حياته، مش قادر يُطرد إحـ.ـساس الغيره وشـ.ـعور المَـ.ـرارة اللي دايماً ملازمني من النقطة دي
تنهد طارق وتحدث بصدق كي يبعث داخل قلب شقيقه الطمأنينة والراحة:
-إهدي يا ياسين وهون علي نفسك،أنا أكتر حد شاف وشاهد على اللي كان بين مليكة ورائف الله يرحمه،وأنا الوحيد اللي أقدر أقول لك إن مليكة عُمرها ما حبت غيرك
إلتفت سريعاً إلي شقيقهُ وكأنهُ وجد ضالتهْ التى كان يبحث عنها،فأكمل طارق لطمأنته:
-هي دي الحقيقة يا ياسين،اللي كان في قلب مليكة لرائف عُمره ما كان حُب ناضج،ممكن نسميه إنبهار،إعجاب،حُب لحُب راجل عِشق كُل ما فيها،لكن مش حُب بالمعنى المتعارف عليه أبداً،
واسترسل بحكمة:
-ولو فعلاً وصل لدرجة العِشق عُمرها ما كانت هتقدر تنساه وتوصل معاك لدرجة الجنون في العِشق اللي كُلنا شايفينه بعنينا ولمـ.ـسينه من خلال تصرفاتها ومواقفها معاك،مليكة في حُبك تخطت مراحل العِشق وده ظاهر وباين للأعمي
واستطرد مستشهداً:
-إنتَ لو شُفت حُزن عيونها وروحها اللي مكانتش موجودة معانا أول يوم رمضان،كنت هتعرف إنك بقيت الهوا اللي مليكة بتتنفسه
بجد يا طارق،إنتٌ شايف كدة؟ كان هذا سؤال ياسين المُتلهف لشقيقهُ
إبتسم لهُ طارق وربت علي كتِـ.ـفه وهو يهز رأسهُ بإيماء ثم تحدث ليحثهُ علي التحرُك:
-يلا علشان نروح،الجو برد عليك
هز رأسهُ برفض وتحدث بإعتراض هادئ:
-روح إنتِ وأنا هقعد شوية مع نفسي وبعدين أحصلك
أومأ لهُ بتفهم وتحرك عائداً إلي زو جته العاشقة
بعد قليل إستمع إلي صوت بهاتفهِ الجوال ليُعلن عن وصول رسالة صوتيه بتطبيق الواتساب،أخرج هاتفهُ ورفعهُ ليُقابل وجههُ،تنهد بأسي حينما رأي نقش إسمها علي الرسالة
زفر بضيق وكاد أن يُعيد الهاتف إلي جيب سُترته من جديد إمتثالاً لكرامته كما حدثهُ عقله"ولكن" متي كان للعقل حضور في حَضرة القلب
فقد كان لقلبهُ رأياً آخر،أخذ نفساً عميقاً وقام بفتح الرسالة وبدأ بالإستماع إلي فحواها،بدموع نزلت علي قلبهِ العاشق أشعـ.ـلته تحدثت تلك العاشقة:
-هو مش المفروض أعرف أنا بتعاقب علي إيه
حتي لو عملت حاجة من غير ما أقصد وزعلتك مني،إقعد معايا وعاتبني،مش يمكن تكون فاهم غلط
تنامي إلي سمعه بكائها الحَـ.ـاد الذي يُقـ.ـطع نياط القلب ويُمـ.ـزق الأفئدة حيثُ تحدثت من بين شهقاتها المؤلـ.ـمة:
-إزاي هُونت عليك تسيبني وتمشي يا ياسين،طب ما فكرتش إزاى هاغمض عيوني وإزاى هيجي لي نوم وأنا بعيدة عن حُضـ.ـنك؟
إلي هُنا إنتهت الرسالة بعدما إستمع إلي شهقاتها المـ.ـؤلمة،تنهد بأسي وقلبٍ يتمـ.ـزقُ ألـ.ـماً وتحرك عائداً إلي منزله،دخل إلي غرفة نجلهُ حمزة كي يلتهي بالحديث معهُ ويتناسي وجَـ.ـع فؤاده،وبعد مُدة نزلا معاً وتحركا إلي حديقة رائف وتناولا سحورهما وسط جمع العائلة وبصحبة عائلة حسن،ثم توضأ جميع الرجال وتحركوا إلي المسجد المجاور للمنزل لقضاء صلاة الفجر
إنتهي البارت
تابع هنا: رواية قلوب حائرة للكاتبة روز أمين الجزء الأول
تابع هنا: رواية قلوب حائرة للكاتبة روز أمين الجزء الثاني
رواية قلوب حائرة للكاتبة روز أمين الجزء الثالث
رواية قلوب حائرة روز أمين الجزء الرابع
رواية قلوب حائرة روز أمين الجزء الخامس
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الثاني عشر روز أمين
الفصل الثانى عشر
سلامُ علي قلبٍ أرهقهُ مُرَّ الزمانِ والهوىَ
فلم يقوي علي ألمِ البَعادِ كما قرر وانتوىَ
فمِنْ مجردِ ليلةِ خصامٍ ذاق بها الحَنْظَلِ
أتعبهُ بَليَّةَ الحِرمانِ فحَنَّ وعاد ليرتوىِ
خاطرة ياسين المغربي
بقلمي روز آمين
أشرقت شمسُ الصباح ونثرت بنورها على وجه الأرض النائمة،فوق أغصان الأشجار بدأت العصافير تتغني ترنيمة الصباح بصوتها العذب وبألحانها الربانية لتُعلن عن ميلاد يوماً جديداً مليِئُ بالأمل والخير والحياة
وصلت أشعتها الذهبية الدافئة إلي وجه تلك النائمة وذلك من خلال فُتحة باب شُرفتها الصغيرة والتي تركتهُ موارباً مُنذ البارحة حتى تستطيع التنفس من خلاله بعد أن شعرت بالإختـ.ـناق وبأن روحَها تكادُ تنسحبُ منها
بدأت خيوط الشمس الذهبية تُداعـ.ـب أهدابها مما جعلها تتملل بنومتها وبدأت تستجيب وتفتحُ عيناها بتكاسل وإرهاقٍ شديدان ويرجع ذلك لقلة عدد السويعات التي غفتها تلك الحزينة،تمطأت بتكاسُل ثم مالت علي وجنة صغيرها الذي يغط في سَباتٍ عميق بجوارها وقامت بوضع قُـ.ـبلة عليها وسحبت جـ.ـسدها للأعلي،حولت بصرها علي التخت المُقابل لتختها وألقت نظرة علي طفلاها مروان وأنس الغافيان بسلام،ألقت برأسها للخلف بإستسلام مستندة علي خلفية التخت،كانت حالتها مُزرية للغاية،عيناي منتفختان من كثرة بكائهما وعدم أخذهما القِسط الكافي من النوم
إستمعت إلي صوت جرس الباب واستغربت،من سيأتي لزيارتهم بتلك الساعة الباكرة،إنها لم تتعدي السابعةِ صباحاً بعدْ،
سحبت حالها وارتدت فوق منامتها مِعْطَفاً ثقيلاً وسارت إلي الخارج وتوقفت بمنتصف الرُدهة عِندما وجدت والدتها تتجه إلي الباب وفتحته،تسمرت ساقيها وأرتجف قلبها حين إستمعت إلي صوته وهو يُلقي تحية الصباح علي والدتها قائلاً بصوتهِ الرخيم:
-صباح الخير يا ماما
تعجبت سُهير من ذاك الواقف أمامها ويبدوا من شكل عيناه المُجهدة أنهُ أيضاً لم يتذوق للنوم طعماً،ردت عليه وتحدثت متعجبة:
-ياسين!
إيه اللي جابك بدري كدة يا أبني،إوعي يكون بعد الشَـ.ـر حد جرا له حاجة؟
أشار بكف يـ.ـده سريعاً وتحدث كي يُطمأنها:
-مافيش أى حاجة يا أمى،ماتقلقيش
دون وعياً منها ساقتها قدماها وتحركت حتي وصلت بالقُرب من الباب وتوقفت وقلبها ينتفـ.ـضُ بترقُب،نظرت عليه بفـ.ـاهٍ مُترجل ودقات قلب تتسارع وتنبض بشدة،لامته عيناها وعاتبتهْ وظهر بعُمقهما كَمّ الحُزن الذي أصابها جراء ما فعل بها وتسبب في إيلام روحها النقية
دقق النظر إلي عيناها وصَـ.ـرخ قلبهُ متألماً وبات يُعنـ.ـفهُ بل ويلعـ.ـن غرورهُ حين وجد إنتفاخ ما حول عيناها وتورمهما، نظرت عليه بعيناي حزينة لائمة،بسط ذراعهُ وأشـ.ـار لها بكف يـ.ـده يستدعيها لأحضـ.ـانه،إستغرب حين وجدها مازالت تقف بمكانها تنظر لعيناه بنفس تلك نظرات اللوم،شعر حينها أنهُ أزادها عليها وجعلها تصل لحالة الشَجن تلك،تعمق النظر بمقلتيها وكأنهُ يقوم بتنويمها مغناطيسياً ليستـ.ـقطب تركيزها،ثم بعث لها باشـ.ـارات مُترجية من عيناه يستدعيها بها إلي أحضـ.ـانه
ماوعت علي حالها إلا وهي تقترب عليه في إستجابة منها وكأنها مُغيبةً مـ.ـسلوبة الإرادة،لم يكُن ضعفاً منها أو هوان،بل إنهُ التناغُم والإنسجام الروحي والعقلى الذي تنامىَ وغَـ.ـزى روحيهما فأدمجهُما وجعلهُما روحاً واحدةً تسكَنُ جـ.ـسدين،وما أن إقتربت من وقوفهُ حتي سحـ.ـبها وبلمح البصر كان يُسكِنُها بأعماق أحضـ.ـانهُ الحانـ.ـية،لف ساعـ.ـديه حولها بإحتواء وبات يُربِّت على ظَهـ.ـرها بحنان لتنفض هى الظنون عن رأسها المُتعب،خدّرها عطفه وحنانه عليها وهو يَضـ.ـمها ويُلصـ.ـقها بصـ.ـدرهِ العريض فتناست بداخلهُ كل شيء أرهق روحها وألـ.ـمها طيلة الليلة الماضية،أجبـ.ـرها بعشقهِ الجارف بأن تذوبٌ وتأنسُ فقط بحضورهُ الذي طغـ.ـي علي كلَ شئ.
كانت مُغمضة العيناي تاركةِ العنان لحالها بين أحضـ.ـانه،مُـ.ـستسلمة للمـ.ـسات يـ.ـداه التي تضُـ.ـمها بقوة وكأنهُ يُخبرها بألا تقلق وتُطمئن قلبها فلقد أتى هو لينتشلها من براثن حُزنها،كانت تتشبث بتلابيب حِلته بشدة كطفلة ضعيفة تائهة في وسط عالم مُخيف وترتجف رُعـ.ـباً من فكرة مجابهة المجهول وحدها،وبلحظة وجدت ملاذها الآمن يقف أمامها بكل قوة وأمان وثبات
ألـ.ـصقت جـ.ـسدها به وباتت تتمـ.ـسح بوجهها بصَـ.ـدره كَقِطة سيامى تعشق مُربيها،باتت تتنفس براحة وسكون سكناَ روحها،وما كان حالهُ بأفضل منها،فقد طوق ذراعيه عليها محتـ.ـضناً إياها برعاية وأحتواء وكأنهُ كان يبحث عن ضالته وبعد طول معاناة عَثُر عليها بالأخير،كان هذا يحدث تحت تعجب سُهير واستغرابها من ذاك الثُنائي العجيب وباتت تتسائل داخلها:
-ماذا حدث وكَمْ من الزمن إبتعدا عن بعضيهما كي يعودا بكل ذاك الاشتياق والحنين؟
أبعدها عن صـ.ـدره وأمـ.ـسك فكَها بيـ.ـده ليرفع وجهها لتتقابل أعيُنهم وتسائل بنبرة تشعُ وتفيضُ حناناً:
-إنتِ كويسة؟
هزت رأسها عدة مرات دلالة علي التأكيد وتحدثت كي لا تجعلهُ يقلق عليها وهمهمت:
-أمممم
أردف مُطالباً بنبرة حنون:
-طب يلا إدخلي غيري هدومك بسرعة علشان نروح
وأسترسل وهو يتلـ.ـمس وجنتها بحنان غافلين عن تلك الواقفة والعالم أجمع:
-شكلك مش نايمة كويس،يلا خلينا نمشي علشان ترتاحي في سريرك،أنا عارف إن ما بيجلكيش نوم وإنت بايتة بعيد عن مكانك
نظرت إليه وكأنها تلومهُ بعيناها وتحملهُ نتيجة ما حدث،تنهد بثُقل وتحدث ليحثها على التحرُك فلا هذا مكان ولا زمان المُعاتبة:
-يلا يا حبيبي
أومأت لهْ بخفوت وكادت أن تُسير نحو غُرفتها أوقفها صوت ذاك الثـ.ـائر الذي تحدث هادراً بنبرة شديدة الحِـ.ـدة:
-إنتِ رايحة فين يا مليكة؟
إنتبهت سُهير علي حالتهم وأنها لم تدعوا ياسين للدخول فتحمحمت وتحدثت بهدوء بعدما رمقت شريف بنظرات تحذيـ.ـرية فَهم مغزاها بألا يتدخل في الشأن كي لا يُثـ.ـير المشاكل وتتفاقم القصة:
-ادخل يا أبني نتكلم جوة بدل ما إحنا واقفين علي الباب كدة
أمـ.ـسك كف صغيرته بإحتواء وسار بها إلي الداخل وتحدث إلي ذاك الذي يبدوا علي ملامحهِ الغضـ.ـب:
-راجعة بيتها يا شريف.
هتف شريف بنبرة جادة:
-بيتها إيه ده اللي ترجعه الساعة سابعة الصُبح،هي نايمة في الشارع ولا إيه يا سيادة العميد؟!
واسترسل بإعتراض:
-الناس تقول علينا إيه لما تلاقيها خارجة من بيت أبوها من النجمة كدة؟
إحتـ.ـدت غضـ.ـباً ملامح ياسين وأردف قائلاً بعيناي حادتان:
-ما يولـ.ـعوا الناس،أهو ده اللي ناقص كمان إني علي آخر الزمن هعمل حساب للناس في تصرفاتي
واستطرد بهدوء وكأنهُ تحول لأخر حنون وهو ينظر إلى تلك الواقفة بجانبه تتبادل النظر لكليهما بأسي:
-يلا يا حبيبي غيري هدومك وصحي الأولاد بسرعة علشان يرتاحوا في أوضهم
أردفت سُهير بإعتراضٍ هادئ:
-مايصحش كدة يا ياسين،الولاد نايمين متأخر يا حبيبي والنهاردة الجمعة
واستطردت بنبرة تعقلية كي تحثهُ علي التراجع:
-وبعدين الجو برد والأولاد لو طلعوا من تحت الغطا هيبردوا وممكن لاقدر الله ياخدوا دور أنفلنونزا
تنفس بعُمق حين تيقن من صِحة حديثها،نظر من جديد لحبيبته وتحدث بنبرة حنون:
-إدخلي إنتِ بدلي هدومك وأنا هابقي أجي أخد الأولاد مع أذان العصر
كانت تستمع إليه بإِكْترَاَث وما أن نطق بكلماته حتي هزت رأسها بطاعة وانسحبت متجهةً إلي الداخل
تنهدت سُهير وتحدثت وهي تتقدم للأمام وتُشير إلي ياسين قائلة:
-تعالي يا سيادة العميد إقعد علي ما مليكة تخلص لبس وتطلع لك
بالفعل تحرك وجلس ينتظرها،رمقهُ شريف بنظرات حـ.ـارقة لم يُلاحظها لإنشغاله بحبيبته،فقد ظلت عيناه مُتعلقة بظلها المُختفي خلف الباب،سار ذاك الحَانق بإتجاه غُرفة شقيقته ودق بابها بهدوء كي لا يوقظ الأطفال،ودلف بعدما فتحت له
أحال ياسين بصرهِ على تلك الجالسة وجدها تنظر عليه بعيناي عاتبة،تحمحم وتحدث بإعتذار هادئ دون التطرق لأية تفاصيل:
-أنا أسف يا ماما،أنا عارف إن حضرتك زعلانة مني،بس والله كان غصب عني
تنهدت بأسي وتحدثت بتعقُل:
-عارفة إنه كان غصب عنك،بس كان لازم تراعى شـ.ـعور مراتك وشكلها قدامنا أكتر من كدة،وياريت يا أبني ماتنساش إن مليكة حامل وتعبانة واللى بيحصل ده كُله فوق إحتمالها
عندك حق يا أمى،أنا أسف...كلمات أسفة خرجت من ذاك الذي شعر بالخجل من حديث تلك المُهذبة
❈-❈-❈
أما بالدخل،رمق شريف شقيقتهُ بنظرات مُشتـ.ـعلة وتسائل بنبرة مُغْتَاظة:
-إزاي هاتمشي معاه بالبساطة دي بعد المعاملة الزفت اللي عاملك بيها قدامنا إمبارح؟
نظرت له بإستغراب فأكمل هو بنبرة ساخـ.ـطة:
-من إمتي وإنتِ ذليـ.ـلة قوي كدة،للدرجة دي حبه عمي عيونك ولغي كرامتك وكبريائك؟!
واسترسل بنبرة معاتبة:
-أنا مش قادر أستوعب إن بعد كل اللي عمله معاكي بمجرد ما يشاور لك تجري وتلهثي عليه بالطريقة المُهـ.ـينة لكرامتك دي!
نظرت علي صِغارها لتتأكد من نومهم،ثم عاودت بنظرها إليه وهمـ.ـست كي لا يصل صوتها لاذان صغارها:
-عود نفسك إنك ما تحكمش علي تصرُف حد من غير ما تفهم أصل الحكاية يا شريف
واسترسلت مُفسرة تصرف ز وجها:
-ياسين سِمعني إمبارح في المقابر وأنا بتكلم عن رائف مع أولادي،كنت بقول لهم إن مش رائف اللي يتنسي وكلام كتير يجـ.ـرح أي راجل بيحب مـ.ـراته.
همـ.ـس هو الآخر مُعترضاً على حديثها بطريقة حادة:
-وإيه المشكلة فى اللى قولتيه لأولادك؟
المفروض إنه راجل عاقل ومتزن وبحُكم شُغله بيفهمها وهي طايرة زى ما بيقولوا،كان لازم يفهم إن ما ينفعش تقولي غير كدة علشان خاطر أولادك
واستطرد بغضبٍ عارم:
-هو ناسي إن رائف ده يبقي أبوهم ولازم تتكلمي عنه كويس قدامهم؟
تنهدت بأسي لحالة شقيقها المحتقنة وتحدثت وهي تنتهي من وضع اللمسات الآخيرة لحجابها:
-ياريت تخَرج نفسك من الموضوع وبلاش تعامل ياسين بالشكل ده مرة تانية،أنا وجـ.ـوزي قادرين نحل مشاكلنا من غير ما حد يحـ.ـس ولا يتدخل بينا ولا النفوس تقف وتشيل من بعضها
قالت كلماتها وسارت نحو أطفالها عدلت أغطيتهم وتأكدت من تدفئتهم ثم أحكمت غلق باب الشُرفة وتناولت حقيبة يـ.ـدها وتحركت إلي الخارج،زفر شريف بضيق وتحرك خلفها وأغلق خلفهُ باب الحُجرة بهدوء
وقف هو منتفـ.ـضاً من جلسته عندما لمح خروجها،تحركت هي إلي والدتها وتحدثت:
-خلي بالك من عز وأنس يا ماما
أومأت لها بإيجاب وتحدث ياسين معتذراً إلي سُهير:
-سامحيني علي الإزعاج اللي سببتهُ لحضرتك
أومأت لهُ بإبتسامة حانية،واسترسل هو ليحثها علي السير:
-يلا يا مليكة.
بالفعل سارت بجانبة واستقلا المصعد الكهربائي ونزلا بهما للأسفل تحت نظرات سُهير وشريف الذي أغلق الباب بحِـ.ـدة وهتف وهو يرمُق والدتهُ بملامح وجه منقبضة:
-بنتك خلاص،عشق إبن المغربي عمي عنيها وخلاها ترمي كرامتها تحت رجليه علشان يمرمغ فيها براحته
صاحت بهِ بنبرة حـ.ـادة:
-وطي صوتك لـ مـ.ـراتك ولا مِـ.ـرات أخوك يصحوا ويسمعوك وإنتَ بتتكلم عن أختك بالشكل المُهين ده
هدر قائلاً بنبرة جنونية:
-وهما محتاجين يسمعوا كلامي علشان يتأكدوا إن الهانم رامية كرامتها تحت جزمـ.ـته،ما كُل حاجة كانت علي المكشوف إمبارح وباينة للأعمي،دي كانت ناقصة تبوس جزمـ.ـته وتترجاه ياخدها معاه وهو ولا عبرها وسابها ومشي
أجابتهُ بمساندة لصغيرتها:
-وأهو ماقدرش علي بُعدها وجه من النجمة علشان يصالحها ويرجعها مُعززه مكرمة علي بيتها
واستطردت شارحة:
-وبعدين مافيش حاجة إسمها كرامة بين الراجل ومراته،ولا إنتَ عاوزها تخرب علي نفسها وتبهدل ولادها معاها
واسترسلت بنبرة حـ.ـادّة لإفاقته:
-إنتِ ناسي إنها جايبة منه ولد وحامل كمان؟
واسترسلت بنبرة جادة وهي تُشير بإتجاه غُرفته:
-إدخل نام جنب مِـ.ـراتك وخرج أختك من دماغك ومالكش دعوة بيها،مليكة عاقلة وقادرة تمشي حياتها وياسين بيحبها وبيتمني لها الرضا ترضى
قالت كلماتها وسارت نحو غُرفة أطفال إبنتها لتجاور الصغير بنومته كي لا ينزعج حين يستيقظ ويكتشف غياب والدته،دلفت واختفت خلف بابها تحت إستشـ.ـاطة ذاك الثـ.ـائر لكرامة شقيقته
❈-❈-❈
كان يجلس خلف طارة القيادة،يقود سيارته بهدوء وملامح وجه مُبهمة،مازال منزعجاً من ما إستمع إليه ويحتاج لتفسيرها،تجاورهُ تلك التي تنظر إليه تترقب ملامح وجههُ مُنتظرة خروج الكلمات منه كما إنتظار المسموم للترياق،
تحدثت بعدما يأست من مبادرته بالحديث:
-مش عاوز تقولي حاجة؟
لم يلتفت إليها بل ضل ثابتاً على وضعه،إكتفى بأخراجهِ لتنهيدة حارة تنم علي مَدى وجَـ.ـعْ روحِهِ ومازال ناظراً أمامهُ بعيناى تسكنهُما الهموم ثم أردف بحديث ذات مغزي:
-خايف أتكلم لأخد صدمة عُمري وأفوق علي الكابوس اللي كُنت فاكره حِلم حياتي اللي حققته
واستطرد وهو يهز رأسهُ بيأس ونبرات مُنهزمة:
-وألاقيه مجرد سراب،سراب ووهم وفى غمضة عين يختفي وياخد روحي معاه
فكت وثاق حزام الأمان من فوق خَصـ.ـرها وأقتربت عليه وأمـ.ـسكت كف يـ.ـده الموضوع فوق طارة القيادة،ثم تحدثت بنبرة حنون:
-طب ما تسأل قلبك وهو يدلك على الحقيقة
أخرج تأوهاً شق صـ.ـدرهُ فتحدثت هي بنبرة إمرأة عاشقة حد الجنون:
-تاعب نفسك وتاعبني معاك ليه يا حبيبي،الموضوع بسيط وماكانش يستاهل كل اللي إنتَ عملته ده
أوقف السيارة بهدوء نظراً لحملها،وصَفها جانباً ثم نظر إليها وهتف بنبرة حادة:
-لا والله،يعني سيادتك شايفة إنك لما تتكلمي عن راجل غريب بالشكل ده يبقي الموضوع بسيط وعادي؟!
إبتلعت لُعابها من هيأته الغاضـ.ـبة وتحدثت بنبرة مُتلبكة:
-أنا مش قصدي اقلل من حجم الموضوع
صاح عالياً وهو ينظر إليها بجنون:
-امال قصدك إيه ؟
واسترسل متسائلاً بعيناي راجية مُتألـ.ـمة:
-قولي لي الحقيقة وريحيني يا مليكة،إنتِ لسة بتحبي رائف وعُمرك ما نستيه زي ما قولتي؟
وضعت يـ.ـدها فوق كفه وتحدثت بنبرة حنون:
-طب ممكن تهدي
مش عاوز أتنيل...جملة تفوه بها بعدما نفض يـ.ـدها بعيداً عنه
واسترسل:
-كل اللي عاوزه منك هو إنك تريحيني وتقولي لي الحقيقة ومهما كانت صعبة أنا هتقبلها
واستطرد بعيناي تشـ.ـتعلُ من شدة غِيرتها:
-إنتِ لسة بتفكري فيه؟
تنهدت وأجابته بنبرة حنون أرادت بها أن تُريح داخلهُ وتُغلق باب الشَك الذي إستحوذ علي كيانهُ وفتـ.ـك به بشدة:
-تفتكر السِت اللي تدوق عِشق ياسين المغربي وتتهني في حُضـ.ـنه تعرف تفكر في راجل غيره؟
نظر لها بتمعن وعيناى لامعة منتظرة المزيد كي يُرضي غرور العاشق داخلهْ،فاستطردت هى بنبرة صادقة ضغيفة دكت بها حصونهُ ورفع راية الإستسـ.ـلام:
- كُنت عاوزني أقول إيه لأولادي عن أبوهم يا ياسين؟
إكتفت بتلك الجُملة كى لا ثُثير جنونهُ لو أفصحت عن ما بداخلها وتكِنهُ روحها،كيف تُخبرهُ بأنها لم ولن تنسي ذاك الخلوق الذي أكرمها ورفـ.ـعها كاملكة وتوجها على عرش مُلكهِ لسنوات،رجُلً لم تري منه سوي كل الخير بأنواعه،فكيف بعد جُل هذا تُنكر فضلهُ عليها وهى من تربت على إنساب الفضل لأهله وهو خير أهلهْ
بعد إستماعه لكلماتها البسيطة تنهد بثُقل وبرغم علمهِ بصِحة حديثها وتعقُلهُ إلا أنه تحدث بجنون العاشق الذي يسكنهُ وهتف بحِـ.ـدةٍ وهو يرمقها بنظرات تحذيـ.ـرية:
-أول وأخر مرة أسمعك بتجيبي سيرة راجل غيري علي لسانك،إنتِ فاهمة؟
إبتسمت له وتحدثت بنبرة طائعة كى تبثُ الراحة والطمأنينةُ داخل قلبهُ المُلتـ.ـهب بوهج العِشق والغيرة:
-حاضر.
نظر عليها ومازالت الغيرة تُسيطر علي قلبهُ العاشق وتُشـ.ـعلهُ نـ.ـاراً،أمـ.ـسك بشعر رأسه وارجعهُ للخلف بقوة كادت أن تقتلعهُ من جذورهْ،ثم رمي برأسهِ للخلف ليستند بها علي خلفية المقعد
إستغلت هي سكونهُ واستسـ.ـلامه وأقتربت منه ورمت حالها داخل أحضـ.ـانه وتحدثت بإرهاق شديد ظـ.ـهر بصوتها في حركة داهية منها كي تُنهي ذاك الحوار المُرهق لكِليهُما:
-روحني يا ياسين علشان أرتاح،أنا تعبانة قوى
لف ذراعهُ حولها بإحتواء وأردف قائلاً بتساؤل قَلق:
-إيه اللي تاعبك يا حبيبي،إنتِ والبنت كويسين؟
أومأت له من داخل أحضـ.ـانهُ وتحدثت بطمأنة:
-إطمن،أنا ومـ.ـسك بخير الحمدلله،أنا بس نعسانة جداً وحقيقي مش قادرة أفتح عيوني
رفع وجهها بيـ.ـده وأردف قائلاً ليحثها علي العودة إلي مقعدها:
-طب إرجعي مكانك وأربطي حِزام الأمان علشان نتحرك
أومأت بطاعة وقاد السيارة من جديد وتحدثت هى بتساؤل خبيث:
-ياسين،هو إنتَ نمت فين؟
إبتسم بجانب فمه على أُنثاهُ الغيورة بجنون علي رجُـ.ـلها وتحدث كى يُريح إشتـ.ـعال روحها:
-تفتكري أنا كان هاييجي لي نوم بعد ما سمعت رسالتك؟
واسترسل موضحاً:
-بعد ما أتسحرت صليت الفجر في المسجد وبعدها أخدت العربية ولفيت شوية في الشوارع لحد ما النهار كشف وجيت لك على طول، ولو كان ينفع اجي لك قبل ما النهار يطلع كُنت جيت
ثم نظر لها بعيناى تنطقُ عِشقاً وتحدث بإبتسامة حنون:
-مش لوحدك اللى ما بقتيش تعرفى تنامى غير في حُـ.ـضن جـ.ـوزك
واستطرد بغنج بعثر داخلها وأرضي غرور الأنثي بداخلها:
-جـ.ـوزك هو كمان الدُنيا كلها مابيبقاش ليها طعم من غير وجود حبيبه
ياسين،أنا بعشقك...جُملة عاشقة خرجت من فَمِ هائمة
أجابها الذي كان يتابع الطريق تارة وينظر إليها بجنون العِشق تارةً آخرى:
-وأنا بموت فيكي يا روح قلب ياسين وكل دُنيته
إبتسمت له بعيناى ناعسة بالكاد تفتحُها،وما هى إلا دقائق معدودات وكانت تلك الجميلة غافية مستندة برأسها على ظـ.ـهر مقعدها،نظر عليها وتنهد ولاَم حالهُ على ما أوصل بهْ حبيبته،توقف بها بعد مرور حوالي النصف ساعة داخل حديقة منزل رائف،نظر علي ملاكهُ النائم بمقعدها،لمـ.ـس كتِفها وتحدث بنبرة حنون وهو يهزها برفقٍ:
-مليكة،مليكة
إممم.. كانت تلك همهمة مليكة فأكمل هو بنبرة لينة:
-قومي يا حبيبي علشان وصلنا
رمشت بعيناها مرات عديدة متتالية تحاول جاهدة فتحهما، شَعر بها وبإرهاقها الشديد،ترجل من سيارته وأشار إلي الحارس واعطي له مفتاح السيارة كي يصفها بالجراچ،وتحرك إلي الباب الأخر وأنزل تلك التي لم تستطع حتي فتح عيناها،أسندها برعاية وسار بجانبها إلي الداخل حتي وصلا إلي بهو المنزل وجدهُ خالياً،فالجميع غافى بسَباتٍ عميق
تحركا متجهاً إلي الدرج ثم إنحني عليها ورفـ.ـعها حاملاً إياها بين ساعديه القويتان،لفت ذراعـ.ـيها حول عُنـ.ـقه ودفـ.ـنت وجهها بداخل صـ.ـدره وباتت تتمـ.ـسح به بإسترخاء وهى مُغمضة العيناى،صعد بها ذاك المبتسم علي دلال ز وجتهُ الرقيقة علي رَجُـ.ـلها العاشق لأنفاسِها
دلف بها إلي الداخل ووضعها براحة فوق تختها،شرع بفك حجابها وبدل لها ثيابها بثوبٍ فِضفاضٍ مريح،كانت تاركة لهُ العنان ليتصرف معها كيفما يشاء مستـ.ـمتعة بإهتمامهِ ودلالهِ الزائد لها
بعد قليل كان يتمدد فوق تختهما فارداً ذراعهُ لتتخذ منه حبيبتهُ كوسادة لها،قَبـ.ـل مُقدمة رأسها وضـ.ـمها إليه وتحدث براحة وسَكينة ملئت روحهُ:
-غمضى عيونك يا حبيبي ونامى وإنسي أى حاجة حصلت
إبتسمت له ودفـ.ـنت حالها بين أحضـ.ـانه الحنون وما هي إلا دقائق وكان كلاهما يغط في سَباتٍ عميق من شِدة إرهاقهما ونُعاسهما
❈-❈-❈
عودة إلي شريف عُثمان،كان يشعُر بنـ.ـارٍ حـ.ـارقة تغزو روحهُ وتُمـ.ـزقها لأجل كرامة شقيقته التي دُهـ.ـست تحت قدماي ذاك المُتجـ.ـبر المدعو بياسين المغربي كما رأي هو من وجهة نظره، تحامل علي حاله وخطي بساقيه إلي غُرفته بعدما إحتّـ.ـد بالحديث أثناء مناقشته مع والدته،وجد علياء تجلس القرفصاء فوق تختها يبدوا وكأنها كانت بإنتظارهِ
نظر عليها بعيناي تحتـ.ـرقان من شدة غضـ.ـبهِ الذي أصابه، تنهدت بضيق لأجل حالته وما وصل إليه من حالة التوهُـ.ـج التي تملكت من روحه ووصلت إلي المُنتهي،وتحدثت إليه قائلة بنبرة مُلامة:
-إرتحت يا شريف لما فشيت غلك في أختك المِـ.ـسكينة؟
صاح بها بنبرة حادّة:
-بقول لك إيه عالية،أنا لا ناقصك ولا ناقص تنظير من حد،كفاية عليا اللى أنا فيه
هزت رأسها بأسي ثم نفضت عنها الفراش ونزلت من فوق تختها وسارت إلي وقفته وتحدثت:
-يا حبيبي أنا لا بنظر عليك ولا نيتي إني أضايقك أصلاً،أنا زعلانة علشانك وعلي الحالة اللي وصلت لها،وكُل ده ليه، ضايقت نفسك وحـ.ـرقت روحك علي الفاضي،وفي الآخر مليكة مشيت مع جـ.ـوزها وهي مبسوطة ومرتاحة
هتف بنبرة متعجبة:
-مبسوطة؟
واسترسل بنبرة مستاءة:
- قصدك وهي ذلـ.ـيلة
أجابتهُ بتعجُب:
-لا،ده إنتَ حالتك بقت صعبة بجد
إقتربت عليه وامـ.ـسكت كف يـ.ـده واسترسلت وهي تحثهُ علي السير معها نحو تختهُما:
-تعالي ننام يا شريف وبُكرة نبقي نكمل كلامنا،إنتَ لحد الوقت ماغمضتش عينك لحظة واحدة وكدة غلط علي صحتك
واسترسلت بنبرة حنون:
-إنتِ عندك هوا بالليل ولازم تبقى واخد كفايتك من النوم وفايق
كان يقف متسمراً بوقفته ينظر أمامهُ مدققاً في نقطة اللاشئ بملامح وجه صارمة،فتحدثت بلين وهي تتحـ.ـسس كفهُ بحنان:
-يلا يا حبيبي
أخذ نفساً عميقاً ملئ بهِ رئتيه ثم زفرهُ بهدوء في محاولة منه لتهدئة حاله وتنظيم أنفاسه،نظرت عليه ومالت برأسها تتوسلهُ بعيناها بأن يرحم حالهُ ويرحمها،فاستجاب لتوسـ.ـلاتها وسار بجانبها إلي تختهما،خـ.ـلع عنه سترته وتمدد فوق الفراش،دثرته تلك الحنون بالغطاء الوثير ثم تحركت إلي مهد صغيرتها إطمأنت من تغطيتها جيداً وعادت إلي تختها وتمددت هي الآخري بجانب ذاك الذي مازال جـ.ـسده متيبساً من شدة غضـ.ـبتهِ
تحدثت بنبره حنون وهي تتلمـ.ـس وجنته برِفقٍ ولين:
-نام يا حبيبي
تنهد بهدوء ثم فرد ذراعهُ ونظر لها في دعوة منه لدلوفها داخل أحضـ.ـانه،إبتسمت له برضا وألقت بحالها داخل ضـ.ـمة حُضـ.ـنهِ وتنفست بهدوء ورضا،وبعد مُدة دخل كِلاهُما في سَباتٍ عميق
❈-❈-❈
في العاشرة صباحاً
علي شاطئ البحر الرملي الخاص بحي المغربي الساحلي،كان ينْطَلَق ذاك العاشق تجاورهُ تلك الرقيقة بعدما أخذ الإذن من يُسرا ليرافقها المّشي عَلى ساحِلِ البَحْرِ سوياً
نظرت إليه بعيناى حزينة وسألته بترقُب:
-هترجعوا علي أسوان بكرة خلاص يا رؤوف؟
تنهد بثُقل ثم تحدث بنبرة مُـ.ـستسلمة:
-لازم نرجع علشان شُغلي أنا وبابا يا سارة،كويس قوي إننا عرفنا ناخد الإسبوع ده في عِز السيزون
أخرجت تنهيدة حارة شقت صـ.ـدرها مما جعل ذاك الرؤوف يحزن لاجلها،نطق بنبرة حنون كي يُطمئن روحها:
-ما بحبش أشوفك زعلانة كدة
واسترسل بحماس كي يبث الأمل بداخلُها:
-أنا أه هاسافر بس طول الوقت هانبقي مع بعض علي التليفون،ده غير إني بإذن الله هاحضر يوم الوقفة هنا علشان أكون معاكي في أول يوم العيد وهاقعد لحد ميعاد الخطوبة
هتفت متسائلة بعيناى مُتلهفةُ:
-بجد يا رؤوف هاتقضي معانا ليلة العيد،ولا بتقولي كدة علشان ماتخلنيش أزعل
أجابها بنبرة هائمة:
-وغلاوة سارة عندي بتكلم جد
تهللَ وجهها وإبتسمت بإبتهاج وتحدثت بنبرة مليئة بالتفاؤل والحماسة:
-متشكرة يا رؤوف.
أجابها بدُعـ.ـابة:
-سارة هانم تحلم وإحنا علينا التنفيذ
تبسمت بحياء وسارت بجانبهُ ناظرة للأمام وهي تستنشق هواء البحر النقي بإنتشاء وراحة إستحوذت علي داخلها
تحدث هو من جديد:
-بابا وماما وقرايبنا هاييجوا تالت يوم العيد علشان حفلة الخطوبة
إبتسمت وتحدثت وهى تنظر خلف قدماها من شدة حيائها:
-إن شاءالله
ابتسم لها وتحدث بإقدام:
-تعرفي يا سارة،أنا لحد الوقت مش مصدق إن موضوع خطوبتنا تم بالسلاسة دي،بس بصراحة الفضل كله يرجع لياسين
واستكمل وهو يضحك مُـ.ـسْتهزِئٍ من حالة:
-لولا إنه قفـ.ـشني وأنا بكلمك كان زمانا محلك سِر ومكتفيين بالمكالمات السـ.ـرية اللى بنخـ.ـطفها من الزمن،أى نعم هو عاملني يومها زي ما يكون قافـ.ـش حرامي غسيل
واستطرد بعرفان:
-بس كتر خيره إتدخل وكلم والدتك وشرح لها الموضوع وأقنعها إنها توافق بعد ما كانت رافضة مبدأ خطوبتك وإنتِ بتدرسي،ده غير إنه راح معانا عند جدك وأعمامك وبردوا هو اللي أقنعهم بعد ما عمك الكبير كان رافض وبيتحجج بإن لسة سِنك صُغير
ضحكت بطريقة رقيقة ثم تحدثت بإِستِجواد:
-خالو ياسين ده أحسن راجل في الدنيا كُلها،طول عمره بيعاملني علي إنى بنته مش مجرد بنوتة بنت عمه،دايما بيفتكرنى في المناسبات وبيجيب لي لِبس وهدايا زي ما بيجيب لسيلا،ولحد الوقت كل ما يسافر لازم يجيب لي هدية معاه
تحدث بمشاكسة:
-هو حد كويس وانا بعزه جداً،بس ده ما يمنعش إنه شخصية مغرورة وأوقات كتير بيبقى رِخم
إتسعت عيناها بذهول لوصفهِ لياسين بتلك المواصفات التي رأتها ظالمة ومتجنية عليه وتحدثت بإعتراض:
-رِخم!بقى خالو ياسين يتقال عليه مغرور ورخم؟!
علي فكرة بقي إنتَ بتقول عليه كدة علشان ما تعرفهوش كويس وما أتعاملتش معاه مباشر
واكملت باستحسان:
-ده عمل معايا أنا وياسر أخويا اللي أعمامي نفسهم ماعملهوش من بعد موت بابا الله يرحمه
كان يستمع لها بتأثـ.ـر لحديثها ثم تحدث بطُرْفَة:
-طب يا ستى ما تزعليش قوى كدة،سحبنا كلمة مغرور ورخم علشان خاطرك
واستطرد واعداً إياها بنبرة حنون:
-بكرة هاعوضك عن أى حاجة افتقدتيها في حياتك يا سارة،هاكون لك الأب اللي إتحرمتي منه وهاكون لك العيلة والسَند بعد ربنا
إبتسمت له باستحياء وتحدثت بعيناى شاكرة:
-ربنا يخليك ليا يا رؤوف
❈-❈-❈
أما بالحديقة الخاصة بمنزل رائف
تجلس كُلٍ من ثُريا وإبتسام تحت المظلة الحاجبة للشمس أمام حمام السباحة تتسامرتان بالحديث
أردفت ثُريا بنبرة متمنية:
-ما تكلمي حسن وتخليه يمد أجازته هو ورؤوف يومين كمان واقعدوهم معانا يا بسمة
واسترسلت بأسي:
-إنتِ وحسن والاولاد ماليين البيت علينا وحـ.ـسستونا بلمة العيلة زمان أيام بابا وعمي محمد الله يرحمهم
تنهدت إبتسام ونطقت بنبرة تحمل بين طياتها بعض الشَجن:
-والله يا أبلة لو عليا لأقعد معاكي كمان إسبوع مش بس يومين
واسترسلت بإبانة:
-لكن إنتِ عارفة طبيعة شُغل حسن،ده كويس إنه عرف ياخد الكام يوم دول وهما في عِز الموسم
تنهدت ثُريا ونظرت للأسفل وهي تومي لها بإستـ.ـسلام
دققت إبتسام النظر إلي ملامحها الحزينة ثم تساءلت بإستعلام:
-مالك يا أبلة،هو أنا ليه حـ.ـساكي مهمومة؟
ده حتي في عز ضحكتك بلمح حُزنك سَاكن جوة عيونك.
أطلـ.ـقت تنهيدة حـ.ـارة توحي بمّدي إحتـ.ـراق روحها وأردفت قائلة:
-الحُزن مابقاس ساكن عيوني بس يا بسمة،الحُزن عشش جوة قلبي وروحي بقت دَاره وسَكنه
واسترسلت بعدما أخرجت تنهدت شقـ.ـت صـ.ـدرها لنصفين:
-من يوم ما وقِفت علي قبر رائف وشفته وهما بيقفلوا عليه وأنا حاسة إن روحي إندفنت معاه،أنا لو كان لسه فاضل فيا عزيمة وصِحة،فده من عند ربنا رزقني بيهم علشان خاطر العيلين اليتامي اللي سابهم الغالي
تنفست إبتسام عالياً ثم تحدثت بشَجْو:
-إنسي بقي يا أبلة علشان تقدري تكملي حياتك
نظرت لها بعيناي صارختان تتألـ.ـمتان دون أن تُشعر أحداً بما يسكُن روحها المُنطفأة:
-أنسي! أنسي إيه ولا إيه يا بسمة؟!
أنسي أحمد اللي المرض نهش في جِـ.ـسمه لحد ما نهي عليه وراح في عز شبابة وملحقش يفرح بولاده،ولا أنسي عَمي محمد اللي إنقهر من حزنه عليه ومات بعد منه بست شهور
واسترسلت بنبرة وعيناي تصرخُ ألـ.ـماً:
-ولا أنسي إبني اللي بدل ما يقف ويحل عليا الكَفن أنا اللي وقفت علي دفنته وأخدت بإيـ.ـدى عَزاه
ولا عياله اللي سابهم زي القطط المغمضة وما أتهناش بحُضـ.ـنهم ولا هما يا حبايبي شِبعوا من حنيته
أرادت إبتسام إخراجها من تلك الحالة التي لو إستمرت ستُنهي علي قلبها الضعيف:
-بصي للجانب الإيجابي في الموضوع يا أبلة،الولاد أه إتحرموا من رائف بس ربنا عوضهم بياسين اللي شايلهم جوة عيونه وعمره ما فرق بينهم وبين عياله،ده غير إنه صاين مالهم وحماه من اللي كانوا طمعانين فيه.
تنهدت وتحدثت بإستجواد:
-والله دايماً بقول الحمدلله وبشكر فضله علينا،وياسين فعلاً وفي بوعده وكان ليهم الأب اللي إتحرموا منه
واسترسلت بنبرة يملؤها الشَجنْ:
-بس غـ.ـصب عني،ساعات الشيطان بيتملك مني وبلاقي نفسي بفكر في اللي راحوا وسابوني بدري،بس برجع لعقلي واستغفر ربنا واحمده علي نعمهُ اللي لا تُعد ولا تُحصي واللي شملني بيها أنا والولاد ومليكة
وضعت إبتسام كف يـ.ـدها علي كف ثُريا الموضوع فوق فخـ.ـدها ثم ربتت عليه بحِنو وأردفت قائلة:
-ربنا يصبر قلبك يا أبلة ويرحم رائف وبباه ويبارك لنا في عُمرك
إبتسمت لها ثُريا بمجاملة ثم تنهدت وتحدثت للإفصاح عن ما يضيقُ بصَـ.ـدرِها وما بات يؤرقُ روحها مؤخراً:
-تعرفي إيه اللي مضايقني وبدأ ينغص عليا حياتي بجد يا بسمة؟
دققت إبتسام بالنظر داخل عينَاهَا بترقُب شديد لباقي كلماتها ونطقت بإستفسار:
-خير يا أبلة؟!
أخذت ثُريا نفساً عميقاً ثم زفرته بهدوء وتابعت إعترافها:
-مروان كِبر وبدأ يتمرد علي الوضع واسألته ولومه ليا كتر أوي في الفترة الآخيرة
واسترسلت بتعجُب:
-الولد بدأ يتضايق ويغير من علاقة ياسين بأمه،
تخيلي إنه بيلومني ويقول لي ليه وافقتي علي جواز ماما من عمو ياسين؟
بيقول لي ليه ماما مافضلتش من غير جواز وأنا وأنس كنا هانكبر وناخد بالنا منها ومنك ومن نفسنا
ثم زفرت وهزت رأسها بإستسلام:
-مروان مابقاش قابل وجود ياسين في حياة مليكة،ولولا إنه متربي كويس وأنا بهديه بكلامى كان عمل مشـ.ـاكل مع ياسين
أجابتها تلك التي تستمع إليها بإنصاتٍ تام:
-معلش يا أبلة،مروان في سِن مراهقة واللي بيحصل له ده طبيعي،أنا متأكدة إن لو كان رائف الله يرحمه لسة عايش كان هيغير علي أمه منه
واستطردت بتفسير مستشهدة:
-رؤوف وإسلام عملوا نفس اللي بيعمله مروان مع مليكة بالظبط،
قطع حديثهم دخول منال من البوابة الحديدية حيثُ سارت بإتجاههم وتحدثت بنبرة حماسية:
-صباح الخير
صباح النور يا منال،تعالي إقعدي...جُملة هادئة نطقت بها ثُريا
تحركت بالفعل وجلست بجانب كلتاهُما وأردفت موجهةً حديثها إلي إبتسام:
-خلاص مسافرة بُكرة يا بسمة؟
إبتسمت لها بخفوت وتحدثت بنبرة متأثرة:
-إن شاء الله يا أبلة
تحدثت ثُريا بإستياء:
-قعدوا معانا يومين وهايمشوا ويسبونا بعد ما علقونا بيهم وأخدنا علي وجودهم علي سُفرة الفطار والسحُور
أكدت منال علي حديثها في حين أردفت إبتسام:
-صدقيني يا أبلة أنا لو عليا كُنت قضيت باقي الشهر وعيدت كمان معاكم،لكن شُغل حسن ورؤوف حاكمهم بجد
واسترسلت موضحة:
-ده غير إن أنا وإخواتي لسة لحد الوقت ما فطرناش عند بابا وماما ولا يوم
دلفتا يُسرا ونرمين من داخل البوابة وأستمعتا حديث زوجة خالهما الحبيب،فاردفت يُسرا بنبرة يُغلفها بعض الشَجنْ:
-لسة مصممين علي السفر بكرة بردوا يا طنط؟
إبتسمت لها وأردفت لتهون عليهم:
-لازم نسافر يا يُسرا،زي ما أنتِ عارفة شغل السياحة بيكون في عز ذروته في الشتا
واسترسلت ضاحكة:
-وبعدين ما إحنا هانتجمع تانى بعد العيد في خطوبة رؤوف وسارة إن شاء الله
أبتسمت يُسرا ووافقتها الرأى،جلست نرمين بجانب مقعد والدتها وأردفت قائلة بتمني:
-نفسي أوي أحضر أيام العِيد عندكم في أسوان يا طنط،ياريت سِراج يوافق ويخلينا نسافر ونبقي نيجي معاكم وإنتم جايين للخطوبة
ردت عليها منال بنبرة متعجبة:
-وإيه اللي هايخلي سراج يرفض سفركم يا نرمين؟!
المفروض هو اللي يسعي لكدة علي الآقل تجددوا من روتين حياتكم شوية بدل الملل اللى إنتوا فيه ده
تنهدت ونظرت بأسي إلي شقيقتها التي بادرت في الرَد للتخفيف عنها وطأة حُزنها:
-أنا هكلم سليم وأخليه يحجز لنا إحنا وسراج ونيرو في الباخرة إسبوع في رحلة نيلية،بس خلينا لبعد خطوبة سارة
إبتسامة سعيدة ظهرت فوق ثَغر نرمين التي أسرعت متلهفة بتساؤل:
-بتتكلمي جد يا يُسرا؟
إبتسمت يُسرا لسعادة شقيقتها التي تخطت عنان السماء من مجرد ذِكرها لتلك الكلمات البسيطة وتحدثت بتأكيد علي ما تفوهت به لطمأنة نرمين:
-أيوة يا حبيبتي بتكلم جد.
كانت تنظر إلي إبنتيها بفخر واعتزاز علي ترابطهما وتحدثت بنبرة حنون:
-عين العقل يا يُسرا،ربنا يخليكم لبعض يا بنات
خرجت هالة من الداخل وتحدثت إلي ثُريا:
-عمتي ثُريا،الراجل بتاع السمك نسي يبعت الجندوفلي
إلتفت لها ثُريا وردت:
-دورتي كويس في الأكياس يا هالة،مش يمكن يكون موجود وإنتِ ما اخدتيش بالك منه يا بنتي
اجابتها بنفيٍ قاطع:
-دول خمسة كيلو بحالهم يا عمتى،مش هاخد بالي إزاي بس، وبعدين دادة عَلية فضت كُل الأكياس وملحتهم هي ومُنى
هُنا أرادت إبتسام مُـ.ـداعبة ثُريا لتُخفف عنها وطأة ما تحملهُ بداخل قلبها فأردفت بنبرة مَرحة:
-بقي ما تعمليش الجندوفلي والجمبري غير اليوم اللي هنفطر فيه عند الأستاذ سالم يا أبلة؟
واسترسلت:
-ده أنتِ قصداها بقي علشان عارفة إني بعشقهم وخصوصاً من إيدك
ضحك الجميع وتحدثت منال قائلة بتوضيح:
-ماتظلميش ثُريا يا بسمة،سيادة اللوا هو اللي إتصل بالسماك إمبارح وطلب منه السمك علشانكم وما كانش يعرف إنكم معزومين عند سالم بيه النهاردة
إبتسمت ثُريا وتحدثت:
-ما تقلقيش يا بسمة،إنتوا كدة كدة مسافرين بكرة بعد الفِطار،
واسترسلت:
-ليكي عليا يا ستي هاعمل لك أكلة سمك بكرة تفضلى تحلفي بيها طول حياتك
بس إوعي تنسي الجندوفلي يا أبلة... جُملة لطيفة داعـ.ـبت بسمة بها تلك الثُريا مما جعل ضحكات الجميع تتعالى وتصدح في الحديقة
إبتسمت ثُريا وأكدت بحديثها:
-أكيد مش هنساه يا بسمة
نظر الجميع لذاك الثُنائي اللذان دلفا من البوابة الحديدية وهما ينظران لبعضيهما ويبتسمان وما أن شاهدا التجمُع حتي إرتبكت تلك الخجولة وبرغم عِلم الجميع بخبر خطبتهما،إلا أن جَـ.ـسدها اصابتهُ الرجفة لرُعبها الشديد من فكرة أن يكون أحداً أَدْرَكَ لما بينهُما من عِشق،تحدثت إبتسام متسائلة لنجلها:
-رؤوف،إنتَ خرجت إمتي؟!
أنا كُل ده فكراك نايم جوة مع أخوك!
أجابها وهو يقترب عليهم بينما تسمرت تلك السَارة بوقفتها:
-صحيت من حوالي ساعتين وخرجت اتمشي علي البحر، وبالصُدفة لقيت سَارة هي كمان واقفة عند الشَطْ
إعتـ.ـلت ثغر تلك الذكية إبتسامة فرحة وتحدثت إلي نجلها لتمرير الموضوع أمام الجميع:
-وماله يا حبيبي
ثم نظرت علي تلك المُنكمشة علي حالها وتصبغت وجنتيها بالأحمر الداكن من شدة خجلها:
-قربي عندي يا سَارة،واقفة بعيد كدة ليه يا حبيبتي
أشفقت يُسرا علي حال صغيرتها،وأقتربت سارة فوقفت إبتسام وجـ.ـذبتها لتُدخلها لأحـ.ـضانها وتحدثت بنبرة حنون:
-تعرفي إن أسوان مضلمة من يوم ما سبتيها يا سَارة؟
إبتسمت يُسرا وسَعد داخلها في حين تحدث رؤوف بمداعـ.ـبة وهو ينظر إلي حبيبته:
-علشان كدة ما هانش عليا الضلمة تطول أكتر من كدة وقررت أتجـ.ـوز سَارة لأجل إسعاد الأخرين
تحركت يُسرا ورافقت إبنتها الوقوف وحاوطت كتـ.ـفاها وتحدثت بمشاكسة موجة الحديث إلي ذاك الرؤوف:
-لا والله،يعني سيادتك قررت تتنازل وتتجـ.ـوز بنتي من أجل إسعاد الأخربن؟!
واسترسلت بمُمازحة لطيفة:
-طب إيه رأيك بقي إني مش موافقة،وإبقي خلي الآخرين ينفعوك يا باشمهندس
ضحك الجميع حد القهقهة وتحدثت إبتسام بدُعـ.ـابَةٌ:
-إتفضل رُد على حماتك يا لِمض،ولا هى لماضتك إنتَ وأخوك مابتظهرش غير على الغلبانة إبتسام
جحظت عيناى رؤوف وتحدث بتعجُب مُصطنع:
-قوام كدة كونتوا حِزب وإتفقتوا عليا؟!
ثم نظر علي تلك الخجولة وتحدث بنبرة حنون وهو يتعمق داخل عيناها:
-على العموم براحتكم،أنا كفاية عليا سَارة
خجلت تلك البريئة وانزلت بصرها للأسفل باستحياء وضحكت يُسرا وتحدث وهي تُشدد من ضُـ.ـمتها لكـ.ـتف صغيرتها:
-إنسي يا حبيبي،سَارة تبع رأى أمها،يعنى لو أنا قُلت مافيش رؤوف يبقي مافيش رؤوف
وسألتها بدُعـ.ـابة:
-ولا إيه يا سو؟
أجابتها بنبرة خجِلة:
-أكيد طبعاً يا مامى
رفع إحدي حاجـ.ـبيه متعجباً من حديثها وأردف متسائلاً بإندهاش مُصطنع:
-بقى كدة،إحنا هانبدأها كدة من أولها بـ أكيد طبعاً يا مامى؟!
واسترسل بمفاخرة بحاله:
-طب إظبُطى كدة علشان سيادتك هاتتجـ.ـوزى مغربى،وأظن إنتِ معاشـ.ـراهم وعارفة الطبع وحفظاه
ثم مال برأسهُ وأخذ يعد علي أصابع يـ.ـده بمُزاح:
-ركزي معايا كده يا ست البنات،الراجل المغربى ليه عند مراته إيه،الطاعة ثم الطاعة ثم الطاعة ثم الطاعة
إبتسمت سَارة برقة أذابت قلب ذاك العاشق،في حين ضحكت ثُريا وهتفت مُتعجبة:
-ده أنتَ طلعت مغربى بجد يا رؤوف،وأنا اللي قُلت أهل أسوان الطيبين طبعوك بطبعهم
ضحك الجميع وفجأة صدح صوت مُكبرات الصوت الخاصة بالمسجد المُجاور ليُعلن عن بدء قرءان ما قبل خطبة الجُمعة، إنتبه الجميع إلي ياسين الذي خرج من بوابة المنزل الداخلية وأقبل عليهم بملامح وجه هادئة وتحدث إلي الجميع:
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد الجميع عليه السلام،وتسائلت ثُريا التي نظرت إليه بإستغراب:
-ياسين!
هو أنتَ كُنت بايت هنا؟!
ده أنا كُل ده فكراك نايم عند سيادة اللوا
أجابها بإِبَانَة:
-أنا روحت جِيبت مليكة الصُبح علشان عارفها مابتقدرش تنام غير على سريرها،وطلعنا نِمنا فوق أنا وهى
كانت تستمع إليه بقلبٍ مُتـ.ـألم حزين علي ما وصلت إليه وبدأت بمقارنة ذاك المُتيمِ بزو جها البارد المسمى بسِراج،وهُنا شَعرت بضغـ.ـينة داخل قلبها من ناحية مليكة وذلك بعدما رأت عشق ذاك الذي لم بستطع إبتعادهُ عنها وذهب إلي منزل والدها بقلبٍ عاشق مُهرولاً كي يُجلبها لتسَكُن أحضـ.ـانهِ كي يشعُر بالطمَأْنينة والإسْتِقرار داخل ضـ.ـمتها التي ما عاد يستطيع الإستغناء عنها ولو مُجرد عِدة سويعات
أما ثُريا فسألته مُتلهفة عن فلذات كَبد فقيدها الغالي:
-جبت الولاد معاك يا ياسين؟
هز رأسهُ نافياً وتحدث مُفسراً:
-لا يا عمتى،أنا كُنت رايح فعلاً علشان أجيب الأولاد معايا،لكن مامت مليكة حذرتني وقالت لي إن الجو برد والأولاد دفيانين ولو خرجوا من تحت الغطا هياخدوا دور أنفلنونزا، فخفت عليهم وسبتهم نايمين
واسترسل مطمأناً تلك الثُريا التي ظهر القلق علي ملامح وجهها:
-هاحضر خُطبة الجمعة وبعد الصلاة هروح بنفسى أجيبهم
أومأت له بطمأنة فأكمل هو بتوصية:
-ياريت يا عمتي تبلغي عَلية والبنات إن مليكة في جناحها علشان ماحدش منهم يطلع للتنظيف
واسترسل بإيضاح:
-أصلها نايمة الساعة ثمانية الصُبح وكانت تعبانة شوية
إستـ.ـشاط داخل نرمين، أما ثُريا أومأت لهُ بهدوء
نظر إلى والدته وتحدث موجهاً لها سؤالاً بإحترام:
-الباشا في البيت ولا راح المسجد يا ماما؟
أجابته بنبرة حنون:
-الباشا سبقك هو وطارق على المسجد يا حبيبي
أومأ لها بهدوء وأنسحب هو بصُحبة رؤوف ليذهبا إلي المسجد كي يحضرا خُطبة الجمعة من بدايتها
❈-❈-❈
بعد الإنتهاء من صلاة الجمعة
داخل مسكن سالم عُثمان،دخلتا علياء ونُهى إلي المطبخ ليشرعا في التجهيزات الواجبة لفطور اليوم المُهم والذي يحتاج لتحضيرات كثيرة حيثُ عزيمة حسن المغربى وعائلته
أما سُهير فكانت تجلس ببهو المنزل مُمـ.ـسكة بمـ.ـسبحتها وتراقب الصِغار حيثُ يتحركون ويلهون بضحكات تصدح وتملئ المكان،
إستمعت إلي صدوح صوت جرس الباب،فتحركت وفتحته،دخل سالم هو ونجلاه وأحفادهُ الكِبار حيثُ كانوا يحضرون صلاة الجُمعة داخل المسجد المجاور للبناية
ألقي السلام علي زو جته وتحرك الجميع وجلسوا ببهو المنزل، نظر سالم حولهُ وتحدث إلى زو جته متسائلاً:
-هي مليكة لسة نايمة لحد الوقت ولا إيه؟!
بسمة ساخرة خرجت من ثغر ذاك الشريف في حين تحدثت سُهير وهى تنظر إلي زو جها بنظرة ذات مغزي ووجهٍ بشوش كي تطمأنه:
-مليكة روحت بيتها،ياسين جه أخدها الساعة سابعة الصُبح
قطب سالم جبينهُ وتسائل مُستغرباً:
-سابعة الصُبح،كان جاي يبيع لبن ده ولا إيه؟!
بضَحكة راضية أجابتهْ سُهير:
-سيادة العميد شكلة ماقدرش على بُعد مليكة عنه لسواد الليل
تنهد سالم وتحدث برضا:
-ربنا يهدى سرهم يا سُهير،أنا قايم أريح شوية فى أوضتي وصحيني علي أذان العصر علشان الصلاة
أومأت له وتحرك هو إلى حُجرته وأغلقها خلفهُ
كان ذاك الشَريف يجلس بجانب شقيقه الذي سأل والدتهُ بتعجُب:
-هي مليكة مشيت بدري ليه يا ماما؟!
مش المفروض كانت هاتمشي بعد أذان العَصر مع أولادها؟
أسرع شريف بالإجابة بنبرة متهكمة:
-لا ما هو الباشا عفي عنها و جِه أخدها وهي كالعادة نفذت الآمر بطاعة عَمياء
زفرت سُهير بإستـ.ـسلام وباتت تهز رأسها بأسي جراء حديث ولدها الذي مازال غاضـ.ـباً من تصرف شقيقته وتحدثت بنبرة قاطعة:
-أنا مش فاهمة إنتِ إيه اللي مزعلك أوي كدة في إن أختك ربنا هادي لها حالها مع جـ.ـوزها؟
إحـ.ـتد بحديثهُ من جديد وتحدث:
-لو كان علي الأقل إحترمها وعاملها بشكل كويس قدامنا ماكُنتش هاعترض يا ست ماما،لكن ما يبقاش مبهدلها بالليل وعلي ما يخبط علي بابها لما تجري وتترمي تحت رجـ.ـليه بمنتهى الذُل والمهَانة
سريعاً حولت سُهير بصرها علي الفتي الذي يجلس بمقعداً داخل الشُرفة ويجاورهُ إبن خاله سيف يتحدثان وأردفت غاضـ.ـبة:
-وطي صوتك يا أبني لمروان يسمعك وإنتَ بتقول كدة علي أمه
واكملت متسائلة بإعتراض:
-وبعدين فين البهدلة اللي بتقول عليها دي؟!
أشاح لها بكف يـ.ـده وتحدث سيف بنبرة مُتعقلة:
-ما تكبرش الموضوع قوى كدة يا شريف،الموضوع بسيط جداً ومش مستاهل كلامك وحِدتك دى كلها
واكمل موضحاً:
-أنا لاحظت إمبارح تغيير بسيط فى مُعاملة ياسين لمليكة،وبالفعل دخلت لها أوضتها بالليل وقعدت أتكلم معاها وسألتها لو فيه حاجة بينهم تقول،لكن مليكة نفت وقالت لي إن مافيش أي مشاكل وكل أمورهم تمام
واسترسل وهو ينظر إلي شقيقه:
-وطالما هي مش حابة تتكلم وعاذرة جـ.ـوزها في اللي عمله معاها يبقي أكيد هي شايفة إن معاه حق،ومن الأحسن إن ماحدش يتدخل بينهم علشان الزعل ما يكبرش ويتطور
واستطرد مُبَرِّراً:
-وخصوصاً إن ياسين ما أهانش مليكة ولا تعدي حدوده قدامنا وكان طبيعي جداً مع الكُل،هو بس كان مُتجنب الكلام معاها ويا عالم إيه اللي حصل بينهم ووصله لإنه يتصرف بالشكل ده على غير العادة
واسترسل ناصحاً لأخيه بنبرة متعقلة:
-ثم إن مليكة مش بنت صُغيرة علشان تقرر لها وتوجهها إزاي تتعامل مع جـ.ـوزها وتدير حياتها
يسلم فُمك يا سيف،هو ده الكلام المظبوط...جُملة نطقت بها سُهير بإشادة لنجلها الأكبر
في تلك الأثناء أتي الصَغير إلي سُهير وتحدث مُتذمراً بعدما أصابهُ الملل من اللهو مع الصغار وأشتاق والدهُ الحبيب الذي ما عاد يشعَر بأيٍ من المُتـ.ـعْ سوي بحضرتهْ:
-تيتا،أنا عاوز أروح عَند بَابِي
أجابته سُهير وهي ترفعهُ بساعديها وتجلسهُ فوق ساقـ.ـيها:
-خليك قاعد في حُضـ.ـن تيتا وبابي هاييجي كمان شوية ياخدك إنتَ وإخواتك
رفض الصغير حديث جدتهْ وأظهر إستيائهُ وتكدرهُ بشكل طفولي قائلاً بتعنت:
-أنا مش عاوز أقعد،أنا عاوز بابي.
وبدأ الصغير يُصيح بمزاجٍ سئ مما جعل شريف يتحدث إليه بهدوء:
-خلاص يا حبيبي إهدي وأنا هاخدك إنتَ وإخواتك وأوصلك البيت عند مامي
هُنا لانت ملامح الصغير وهدأ قليلاً فتحدثت سُهير بنبرة مُعترضة:
-مش هاينفع توديهم من غير حراسة يا شريف،ياسين هايخرب الدُنيا لو عملت كدة
ياسين ده إنسان مريض بجنون العظمة،دى حتى العِيال الصُغيرة لما مِمشى وراهم حراسة مُشددة... جُملة حادّة متهكمة تفوه بها
ضحك سيف حد القهقهة وأردف قائلاً بدُعـ.ـابة لشقيقهُ:
-فيه إيه يا ابني،مالك قالب علي الراجل زي ما يكون قـ.ـتل لك قتـ.ـيل كدة ليه؟!
واسترسل بنبرة جادة:
-بالراحة شوية يا شريف،ياسين مايستاهلش تتكلم عنه بالطريقة دى
أردفت سُهير بنبرة حَـ.ـادة:
-قول له يا سيف وعقله،عرفه إن ما يصحش يتكلم كدة علي راجل شايل أخته وولادها جوة عنيه
واسترسلت شارحة بإعتراض:
-وبعدين جنون عظمة إيه اللي بتتكلم عنها دي،إنتِ ناسي ياسين بيشتغل إيه ومقصود من كام جهة ومُنظمة؟!
هو عينك المحامى بتاعه ولا إيه يا ماما؟ جملة ساخرة نطق بها شريف وضحك علي أثرها سيف الذي تحدث بإنصاف:
-علي فكرة بقي يا شريف،ماما معاها حق،وياسين فعلاً منصبه حساس ولازم ياخد إحتياطاته كويس
واسترسل مُذكراً إياه بواقعة الإغتـ.ـيال:
-إنتَ ناسي محاولة الإغتـ.ـيال اللي ياسين نفسه إتعرض لها من كام سنة؟
تنهد شريف وتحدث رافعاً راية الإسـ.ـتسلام:
-خلاص يا جماعة،ياريت نقفل علي السيرة دي وتشوفوا لنا موضوع غير ده نتكلم فيه
نظرت سُهير إلي سيف وهزت رأسها باستـ.ـسلام
❈-❈-❈
فاقت مليكة من غفوتها ودخلت الحمام توضأت وصلت فرضها ثم أمـ.ـسكت بهاتفها وخرجت بشرفة جناحها الخاص،قامت بالضغط على زِر الإتصال برقم هاتف والدها وأنتظرت إجابته، كان يجلس فوق تختهِ يُهئ حالهُ للدخول في قيلولته،إبتسم حين وجد نقش إسم صغيرته وتحدث بنبرة حنون:
-إزيك يا حبيبتي
واسترسل بنبرة مُعاتبة:
-كدة تمشي مع ياسين من غير ما تسلمي علي أبوكِ
واكمل مُداعـ.ـباً إياها:
-ولا هو من لقى أحبابه نسي أصحابه
كانت تستمع إلي غاليها بسعادة بالغة وتحدثت بنبرة حنون:
-وهو أنا عندي اغلي منك حبيب يا بابا
ضحك بشدة وتحدث مشاكساً إياها:
-فيه يا بنت سُهير،سيادة العميد اللي أول ما شفتيه نسيتي الدُنيا ومشيتي معاه
إبتسمت خجلاً فأكمل هو برضا:
-ربنا يهدي سِرك يا بنتي
أمنت على حديث والدها وتحدثت بإعتذار:
-مش هاعطلك يا حبيبي،أنا عارفة إن ده ميعاد نومك بس حبيت أتصل وأتأسف لك إنى مشيت من غير ما أشوفك وأسلم عليك
واستطردت:
-وإن شاء الله يومين بالظبط وهاجي أنا وياسين والأولاد ونقضي معاكم يوم كامل ونتسحر معاكم كمان
تحدث برضا:
-إن شاء الله يا مليكة،مش عاوزة أي حاجة؟
أجابتهُ بحِنو:
-عاوزة سلامتك يا بابا،يلا يا حبيبي نام
مع السلامة يا بنتي...جُملة حنون نطق بها سالم
أردفت قائلة بنبرة يملؤها الحنان:
-الله يسلمك يا بابا
اغلقت معه وتنفست بهدوء ثم تحركت إلي الخارج ومنه للأسفل
❈-❈-❈
بعد أذان العَصر
ذهب ياسين وجلب الأولاد من منزل سالم عُثمان بعد أن إلتقى به وقام بمصافحتهُ ومر اليوم بسلاسة،وعندما حل الظلام أخذ حبيبته وذهب بها إلي المَشفي وطلب من الدكتورة مُنى أن تُجري لها بعض الفحوصات للإطمئنان عليها وصغيرته الساكنة بأحشـ.ـائها،وبالفعل إطمئن وصعدت مليكة إلي جناحهما للإسترخاء بعد ليلتها الشاقة،كانت تتمدد فوق تختها لأخذ قسطاً من الراحة،وجدت باب الغُرفة يُفتح وظهر من خلاله خاطف أنفاسها وهو يحمل بين ساعديه صِينية يوجد عليها كأسان من الحلوى وصَحناً كبيراً مملوء بالفاكهة الموسمية المتنوعة
إبتسمت لرؤيتها لضحكة وجههُ العاشق وهو يتحدث لها بنبرة حماسية:
-جبت لنا طبقين قمر الدين وشوية فاكهة علشان مِـ.ـسك هانم تتغذي كويس
ضحكت له وسحـ.ـبت جَـ.ـسدها للأعلي وجلست مستندة علي خلفية التخت،وضع ما بيـ.ـده جانباً فوق الكومود وتحرك إليها أمـ.ـسك بإحدي الوسائد وقام بوضعها خلف ظهـ.ـر تلك الجميلة، ثم إحتـ.ـضنَ وجنتيها بكفاي يـ.ـداه ومال برأسه عليها وقام بتقـ.ـبيل شـ.ـفتاها برقة أذابت كلاهُما،إبتعد قليلاً وتحدث وهو ينظر داخل عيناها:
-بحبك
إبتسمت بعدما تنفست باسترخاء،جلس بجانبها وجلب الصينية وقام بوضعها فوق ساقية وتحدث وهو يُمـ.ـسك كأس الحلوى والملعقة ويقربها من فمها:
-يلا إفتحي بُقـ.ـك
أردفت قائلة بمشاكسة:
-إنتَ كمان هاتأكلنى بإيـ.ـدك،أنا مش قد الدلال والدلـ.ـع ده كله يا ياسين باشا
أجابها بعيناه الهائمة:
-ياسين باشا ودلـ.ـعُه موجودين في الدنيا دي علشان دلال البرنسس مليكة وبس
ربنا يخليك ليا يا حبيبي
جُملة حنون نطقت بها ثم فتحت فاهها وبدأت بتناول الحلوي من يـ.ـده بتلـ.ـذُذ حتي أنها أنهت كأس الحلوي بأكمله تحت سعادته
أمـ.ــسك إحدي حبات التُفاح وبدأ بتقطـ.ـيعها بالسـ.ـكين وقرب قطعة من فـ.ـمها فاقتضـ.ـمتها وباتت تمضغها باستمتاع،أخذ ما تبقي من القِطعة ووضعها بداخل فَمه وهو ينظر لداخل عيناها بشوق،ثم مال من جديد وألتهَـ.ـم شـ.ـفتاها في قُـ.ـبلة شغوفة أشـ.ـعلت قلبهُ وجددت لهيب عشقهِ المجنون بها،إبتعد عنها وبات يُكرر ما فعلهُ حتي تحدثت مُدللة مُتيمها بتمنع:
-كفاية يا حبيبي أنا شبعت خلاص
أجابها وهو يُقرب من شـ.ـفتاها إحدى ثمرات الفراولة وتحدث:
-طب كُلي واحدة الفرولاية دى بس
هزت رأسها برفض وتحدثت بتذمر ودلال:
-خلاص يا ياسين قُلت لك شبعت
أردف باستعطاف وهو يُقربها أكثر من فَـ.ـمها:
-علشان خاطر ياسين تاكليها من إيـ.ـدي
إبتسمت له وفتحت فَـ.ـمها واقتضمت نصف الثمرة وأكل هو ما تبقي منها تحت نظراتهم الذائبة،رفع الصينية ووضعها جانباً ثم اعتدل ونظر علي تلك العاشقة ومال عليها ليُلبي نداء قلبهُ الصارخ والذي يشتاق حبيبتهُ حد الجنون
بعد مرور حوالى الساعة،كان يُجلسُها فوق سـ.ـاقيه يستمعان لإحدي مقطوعات الموسيقي الكلاسيكية بقلوبٍ ذائـ.ـبة فى العِشق هائمة،بعد إنتهاء المعزوفة إعتدلت تتطلع عليه وتحدثت بنبرة جادة:
-ياسين،عاوزة أتكلم معاك في اللي حصل منك إمبارح فى بيت بابا
نظر لها وتنهد بضيق لعلمهِ أنهُ حقاً ازادها عليها وتحدث بنبرة حنون:
-قولي كُل اللي إنتِ عوزاه يا حبيبي وأنا سامعك
نظرت عليه بعيناى حزينة وأردفت مطالبة:
-يا ريت ما تحطنيش قدام أهلي في الموقف البايخ ده تانى
تنهد وبعيناى نادمة أومأ لها بأهدابه وتحدث بتَلْبِية:
-حاضر يا حبيبي
ثم إقترب علي وجهها وأسند جبهتهُ بجبهتها وتحدث وهو ينظر داخل عيناها ويتنفسُ أنفاسها واسترسل بندم:
-أنا أسف،غيرتى وجنونى خلوني مش قادر أتحكم فى غضبي،أنا كُنت هاتجنن من اللي سمعته بودانى يا مليكة
واستطرد بحالة من الهيام:
-أنا وصلت في حُبك لأعلي درجات العِشق والجنون،ولما الموضوع بيتعلق بيكِ ما بقدرش أتحكم في إنفعلاتي
وأستطرد بولهْ:
-بتجنن يا مليكة،بموت من غيرتي عليكِ
وأمال وجههُ واستطرد مستشهداً ببيتٍ من الشِعر وهو يترجاها بعيناه:
-لا تلومن عاشِقٍ على عشقه فالعشق مثل الرزق مُقَسمّا..فلا تلومنى على حبه فأنا بهواه عاشق ومتيمًا
كانت تنظر إليه بعيناى عاشقة ذائبة،ومع هذا تحدثت بنبرة أكثر تعقُلية إصطنعتها بإعجوبة:
-أنا عارفة ومتأكدة من درجة حُبك ليا لأنى وصلت معاك لنفس مرحلة الجنون اللي وصفتها،وده السبب اللى خلاني أسامحك وأرجع معاك بعد ما رفضت تاخدنى معاك بالليل
ثم وضعت كَف يَـ.ـدها علي وجنته وتحـ.ـسستها بنعومة أثارت حبيبها وتحدثت:
-بس أنا عوزاك تاخد بالك مني ومن مشاعري أكتر من كدة،أنا مش عاوزة أهلي يشيلوا همى ويقلقوا عليا معاك يا ياسين
واسترسلت وهى تُشير بكف يـ.ـدها بإتجاه باب الحُجرة:
-مش إنتَ قبل كدة قُلت لي إن اللى هايحصل بينا مش هيخرج برة الباب ده
أنا أسف،والله أسف...قالها بندم ومازال جبينيهما ملتصقان وهو ينظر داخل عيناها الخاطـ.ـفة لأنفاسهْ
مالت علي شـ.ـفتيه ووضعت فوقهُما قُبـ.ـلة رقيقة إستقبلها منها بنعومة وتحدثت:
-بحبك
إنتهى البارت
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الثالث عشر روز أمين
يا ساكنَ الوِجْدانِ هل لبحر غرامِكَ المُشـ.ـتعلَ حدودِ
أنا كُلما شربتُ من عِشقِكَ المُسَكِرَ تَيَقَّنَتُ لنهايةِ الوصولِ
لأدركُ باللحظةِ المواليةِ خطأى لتقديرِ مقامِ هَواكَ الشغوفِ
خاطرة مليكة عثمان
بقلمى روز آمين
داخل حديقة منزل رائف وبالتحديد في العاشرة صباحاً،تجلس مليكة حول الطاولة المستديرة الموضوعة أمام حمام السباحة، يقَبَعُ صغيرها فوق سـ.ـاقيها وتُطعِمَهُ بعِنَايَةً،تقابلها الجلوس چيچي والتي أيضاً تُجلس صغيرتها بجانبها وتُطعِمُها
تحدثت چيچي بنبرة فخورة وإطرائية على تلك المليكة:
-طارق فخور جداً بتصرفك وردك على عرض لمار
واستطردت بإبانة على إستحياء:
-بصراحة يا مليكة وبدون زعل،أنا كُنت خايفة للى إسمها لمار دي تأثر عليكِ وتغـ.ـريكى بالمكسب الخيالى اللي عرضته
أبعدت كأس الحليب عن فَمِ صغيرها ونظرت إلى چيچي بتعجُب وسألتها بحالة إستيائية ظهرت فوق ملامحها الرقيقة:
-هو إنتم ليه كلكم شايفينى واحدة هبلة ومن السهل إن أى حد يضحك عليها بكلمتين؟
إرتبكت چيچي عندما لاحَظَت شْجَنَ تلك الخلوقة وبنبرات صوتٍ مُهْتَزّاً أردفت أسفة بإِفْصاحٌ:
-أنا أسفة يا مليكة لو ده اللى وصل لك من خلال كلامى،لكن صدقينى أنا ما أقصدش أبداً المعنى اللي وصل لك،أنا كُنت قلقانة علشان عارفة إنك إنسانة طيبة وبتتعاملى مع الناس بفطرتك وفاكرة إن كلهم بيتعاملوا بحُسن نية زيك
إبتسمت مليكة بمرارة ثم أخذت نفساً عميقاً وأردفت بتوضيح:
-للأسف يا چيچي،كلكم واخدين فكرة غلط عني وماحدش فيكم عِرفنى ولا أكتشف اللى جوايا،فاكرين إنى علشان عايشة فى حالى ومابحبش أعمل مشاكل كدة أبقى واحدة هبلة ومش عارفة ولا فاهمة نفوس اللي حواليا
واسترسلت وهى تنظر داخل عيناها:
-لعلمك،أنا أكتر واحدة عارفة وكاشفة نفُوس كُل الناس القريبين من دايرتى كويس جداً،عارفة ليه؟
نظرت لها چيچي بتمعُن منتظرة تكملة حديثها فاستطردت تلك المليكة بإبانة:
-علشان معظمهم شايفينى مليكة الطيبة اللى علي نياتها وبينسوا ياخدوا حذرهم وهما بيتكلموا قدامى،نظرات عنيهم بتفضحهم وبتكشف لى كُل اللى جوة نفوسهم البَشِعة
واسترسلت بكَشَف:
-وأولهم لمار اللى فاكرة نفسها ذكية أوى،عاملة لى فيها نصيرة المرأة وكل ما تقعد معايا تكلمنى عن حقوقى النِسَوية وإنى إزاى قابلة وراضية على نفسي وعلى كرامتى أكون نص زوجة لياسين مع إنى ممكن جداً وبكُل سهولة أكون الوحيدة فى حياته لو طلبت منه يطلق ليالى
جحظت عيناى چيچي وسألتها بذهول:
-معقولة لمار قالت لك كدة؟
دى كدة بتقومك على ياسين وبتحاول تخلق مشاكل بينكم
إبتسمت بمرارة واسترسلت بتوضيح:
-هى طبعاً بتحاول تقنعنى إنها خايفة عليا وحابة تساعدنى على تغيير حياتى للأحسن
واستطردت بإبانة:
-وياريتها جت على كدة وبس،دى بتحاول تخلينى أتمرد على عِيشتى مع ياسين،بتقولى إزاى واحدة خريجة كُلية عريقة زى إعلام وتقعد تربى الأولاد فى البيت
ضيقت چيچي عيناها ووجهت لها سؤالاً بإستفسار:
-وإنتِ رديتي عليها وقولتي لها إيه على تدخلها وقلة ذوقها ده يا مليكة؟
عقبت مليكة على سؤالها:
-قُلت لها الحقيقة،أنا فعلاً عُمرى ما فكرت أشتغل،أنا واحدة بحب الهدوء وبحب أعيش حياتى مع اللى بحبهُم فى سلام،بحب أخد بالى من كل حاجة تخُص أولادى وأعملها لهم بنفسي،من أول تحضير الحمام لمراجعتى لدروسهم لحد الكوكيز والبيتزا اللى بيحبوها من إيـ.ـدى
رفعت كتـ.ـفيها وتحدثت بإستفاضة:
-أنا كدة ودى شخصيتى اللى راضية عنها بنسبة كبيرة،مش شرط علشان السِت تكون ناجحة تبقى موظفة،إنك تهتمى بأولادك كويس وتقدرى تحتوى جوزك وتوصلى ببيتك لبر الأمان ده كمان يعتبر نجاح كبير للسِت
عقبت على حديثها قائلة بتوافق:
-معاكِ حق طبعاً وأنا كمان من رأيي إن النجاح مش مرتبط بالشغل برة البيت
ثم رفعت حاجـ.ـبيها بإستنكار واسترسلت بإستفسار:
-بس اللى أنا مستغرباه بجد هو إزاى لمار تتجرأ وتقـ.ـحِم نفسها فى حياتك بالشكل الجرئ ده؟!
واكملت مُتعجبة:
-طب ماخافتش من رد فعل ياسين لما يعرف؟!
أجابتها ضاحكة بسخرية:
-لا،ما هى بسلامتها كانت مُعتمدة على شخصيتى المُسالمة وراهنت إنى مش هبلغ ياسين علشان ما أخلقش مُشكلة بينه وبين عُمر،وعلى فكرة،هى طلبتها منى بكُل بجاحة
واسترسلت موضحة:
-لما لقيت إن كلامها وتحريضها ما جابش معايا نتيجة،طلبت منى ما أبلغش ياسين باللى حصل علشان ما يفسرش كلامها غلط،وقعدت بقى تبرر لى وتقول لى هى أد إيه زعلانة علشانى وكان نفسها تساعدنى في تعديل مسار حياتي للأفضل،بس طالما ده قراري فهى فهمت ده واحترمته
هزت چيچي رأسها باستسلام وتحدثت بريبة:
-البنت دى مُريبة ومن الأخر كدة انا عُمرى ما أرتحت لها
قطع حديثهما دلوف سيادة اللواء عز المغربى من البوابة الحديدية حيث إقترب عليهما وما أن رأهُ الصغير حتى قام بالتهليل وتحدث:
-جدو حبيبي
إبتسم عز واقترب من مجلسهم وتحدث وهو يلتـ.ـقط الصَبى ويُسكنهُ داخل أحضـ.ـانهُ وأخذ يُمطرهُ بوابلٍ من القُـ.ـبلات الشغوفة:
-أزيكوا يا بنات
تحدثت إليه مليكة بإبتسامة بشوش:
-الحمدلله يا عمو
تلفت حولهُ باحثاً عن مالكة الفؤاد وتسائل مستفسراً:
-أمال ثُريا فين يا مليكة؟
عقبت بنبرة أليمة ظهرت بصوتها:
-ماما تعبانة شوية وبترتاح فى أوضتها
إنتفض داخلهُ رُعـ.ـباً وهتف بذُعراً ظـ.ـهر فوق ملامحهُ:
-تعبانة إزاى،إوعى يكون السكر إرتفع عندها؟
أجابته بنبرة حزينة مُتأثرة:
-إطمن حضرتك هى بخير،هى بس زعلانة ونايمة فى أوضتها من وقت ما خالو حسن سافر بالليل،أنا دخلت لها من حوالى ساعة وقعدت أتحايل عليها علشان تخرج تقعد معايا فى الشمس أنا وعز بس هى رفضت،قالت لى إنها مصدعة ومحتاجة تنام شوية وتريح جِـ.ـسمها
هز رأسهُ متفهماً الوضع وتحدث مُطالباً:
-طب إدخلى صحيها وقولى لها إنى قاعد برة مستنيها،وما تسيبيهاش غير لما تخرج معاكِ يا مليكة
واسترسل بإهتمامٍ شديد لاحظتاه كِلتَا الجالستان:
-الهروب بالنوم والاستسلام مش كويسين علشان صحتها
أومأت لهُ مليكة بإيجاب وتحركت إلى الداخل لتُيقظ تلك الحزينة وجلس هو بإنتظار رؤية عيناى حبيبتهُ، وبدأ بإطعام الصغير عوضاً عن أمه
❈-❈-❈
خطت مليكة بساقيها داخل المنزل وسارت بطريقها،ثم قامت بالطرقْ على باب حُجرة تلك الثُريا التى ظلت حبيسة لغُرفتها مُنذُ مُغادرة حسن المغربى وعائلتهُ ليلة أمس،فتحت الباب بعدما قامت بتكرار الطرقات عِدة مرات ولم تستمع إلى أية إجابة،تحركت على أطراف قدماها كى لا تُزعج تلك الغافية ووقفت بجانب تختها وهمـ.ـست:
-ماما،ماما
حركت تلك الغافية أهدابها عِدة مرات حتى إستطاعت فتح عيناها الذابلة وهمهمت بنُعاس:
-إمممم
عقبت مليكة بإبتسامة حنون:
-عمو عز قاعد برة فى الجنينة وحابب يشوفك علشان يطمن عليكِ
تنهدت ثُريا وتحدثت بنبرة صوت مُتعبة للغاية:
-قولى له إنك لقتينى نايمة،أنا تعبانة يا مليكة وحاسة إن جِـ.ـسمى كُله مهدود ومش قادرة أقوم ولا أتحرك من على السرير
عقبت على حديثها بإصرار:
-وتفتكرى لو قُلت له كدة هيمشي،هو عارف إن حضرتك زعلانة علشان سفر خالو حسن،ومش هيتحرك من الجنينة غير لما يشوفك بنفسه ويتطمن إنك بخير
تنهدت وسحبت جَـ.ـسدها لأعلى بإستسلام وتحدثت بإستفسار:
-هما الأولاد جُم من المدرسة؟
أجابتها بهدوء:
-لسة بدرى يا ماما،دى الساعة يادوب 11
أمـ.ـسكت كف يـ.ـدها كى تُساعدها على النهوض وتحدثت:
-قومى إغسلى وشك وتعالى إقعدى فى الجنينة معانا ونوريها،دى الشمس طالعة النهاردة والجو حلو أوى
إبتسمت ثُريا وأومأت لها بطاعة ثم تحدثت:
-حاضر يا بنتى،إطلعى إنتِ وأنا هادخل الحمام وأغير هدومى وأحصلك
أومأت لها بطاعة وبالفعل عادت إلى الخارج من جديد وبعد قليل كانت ثُريا تطُل من بوابة المنزل فى طريقها إلى الحديقة،تطلعَ عليها ذاك الولهان وككُل مرة يراها فيها إنتفض قلبهُ وأصابتهُ قشعريرة الهَوََى
وجد حالهُ يناول الصغير لوالدتهُ ويقف بهدوء من فوق مقعدهُ مُنتـ.ـصباً بوقفته ينتظر إِتْيانها عليه بعيناى مُتلهفةُ وإبتسامة حنون إرتسمت فوق شَـ.ـفتاه،أما تلك المليكة فكانت تُراقب تعابير وجههُ المُنبسطة وإبتسامة خفيفة إرتسمت فوق ثَغـ.ـرها ككَل مرة تراهُ يتطلع إليها بذاك الولهْ ذاتهُ،تحدثت تلك الرقيقة بعدما إقتربت على جلستهم:
-أزيك يا سيادة اللوا
أجابها بنبرة يُغلفها الحنان مُتناسياً كِلتا الجميلتين:
-بقيت كويس لما شُـ.ـفتك قُدامى وإطمنت عليكِ يا ثُريا
تحمحمت وألقت نظرة عاتبة علية حتى ينتبه على ما يخرج من فاههْ أمام الجميع ثم أردفت مع إشارة من كف يـ.ـدها:
-إتفضل إقعد
جلست ونظرت على چيچي واردفت بنبرة حنون:
-كويس إنك جيتي قعدتى مع مليكة وونستيها يا چيچي
إبتسمت لها وتحدث الصغير إلى ثُريا بطفولية:
-شُـ.ـفتى عزو شاطر إزاى يا نانا،شربت كُل اللبن وأكلت الكوكيز والمربى
إبتسمت له بحنان وتحدثت:
-برافوا عليك يا حبيبى،عزو أشطر ولد فى الدنبا كُلها
في حين تحدثت تلك الساندرا بتذمُر طفولى:
-وأنا مش شطورة نانا؟
إبتسمت لها وتحدثت وهى تُمـ.ـسك كف يـ.ـدها وتتلمـ.ـسهُ بحنان:
-مين قال كده،ساندرا كمان أشطر بنوتة
كان ينظر إليها بشَـ.ـفاهٍ مُرتعشةُ يقف على حافتها حديثاً يُريد من يسمح لهُ بالخروج،رصدت مليكة تلك الحيرة الساكنةُ بعيناه فأرادت أن تفسَح لهما المجال للحديث ببعضاً من الخصوصية،هبت واقفة وتحدثت إلى چيچي وهى تقترب من والد زو جها لتحمل عنه الصغير:
-ما تيجى تقعدى معايا يا چيچي وأنا بعلم عزو وساندرا الرسم.
نظر لها وأبتسامة بلهاء خرجت من ذاك المُتيم،بَيْنَمَا وقفت چيچي حاملة طِفلتها هى الآخرى وسارت بجانب مليكة التي إبتعدت كثيراً كى تُعطى لهما فُرصة الحديث بحُرية،جلست فوق الأرض المفروشة بالنجيلة الخضراء وجاورتها چيچي والصغار
بعد قليل جلبت لها مُنى أدوات الرسم من الداخل،بسطت مليكة تلك اللوحة فوق الأرض وأمـ.ـسكت بكف يَـ.ـدها حفنةًُ من الرمال الملونة وبدأت ترسم بأصابع يـ.ـدها وتُحركُها بمنتهى المهارة والحِرفية لتُظـ.ـهر معالم رسمتها التى كانت عبارة عن حديقة مليئة بالزهور والأشجار وسماءً صافية تملؤها الفراشات المتطايرة،وبعضاً من الأطفال وهم يمرحون بسعادة،كانت تُحرك أصابعها بإبداعية عالية وكأنها فراشة تتطاير بين الزهور
أما تلك الچيچي فكانت تتابعها بإعجاب وذهول من خفة يدها ولوحتها الجمالة التى ظهرت فى أبهى صورة،فتحدثت بإعجابٍ شديد:
-واااااو يا مليكة،شُغلك رائع،خسارة إنك ما تستغليش موهبتك دى وتظهرى فنك للعلن
واسترسلت بتساؤل:
-ليه ما تعمليش قناة على اليوتيوب وتشتغلى من خلالها؟
واستطردت بنبرة حماسية:
-أنا متأكدة إنك لو عملتى كدة هاتظهرى وتتشهرى في فترة قُصيرة وتنجحى وهايكون لك جمهور كبير ومُشجعين
إبتسمت لها ومازالت ترسم وتحدثت بدُعابة:
-ما أنا عندى جمهور فعلاً،مروان وحمزة وأنس وعزو وانتوا كمان
ضحكت چيچي وتابعت النظر إليها ثم حولت بصرها إلى عز وثُريا وتحدثت باستحسان:
-بحب علاقة عمو عز بطنط ثُريا جداً،علاقة أخوة من النوع النادر
إبتسمت مليكة بخفوت وعقبت على حديث تلك البريئة:
-إخوة،هى فعلاً علاقة أخوة ونادرة زي ما قولتى
عودة إلى عز المغربى وثُريا،تحدث إليها بنبرة حنون وهو ينظر داخل عيناها الحزينة:
-عاملة فى نفسك كُل ده ليه يا ثُريا،وإيه الحُزن اللى ساكن عيونك ده،كُل ده علشان سَفر حسن؟
تنهيدة حارة خرجت من صـ.ـدرها شقت بها صَـ.ـدر ذاك العاشق وأردفت بنبرة أظهرت كَمْ الألـ.ـم الساكن داخلها:
-أخدت على وجوده معايا يا عز،كان مالى عليا البيت هو وأولاده ومونسينى،كنا بنسهر كُل يوم لحد ما نصلى الفجر وبعدها نقعد نفتكر فى أيام زمان ونضحك من قلبنا،رجعنى لريحة الحبايب
وأنا يا ثُريا،ماليش أى تأثير للدرجة دي فى حياتك؟جُملة حزينة نطقها عز لأئماً بها ثُريا بعيناه
أجابتهُ بإبتسامة خَافتة:
-إنتَ وعبدالرحمن ماليين عليا الدنيا ومعوضين غياب كُل الحبايب يا عز،ربنا يخليكم ليا،معوضنى عن بُعد حسن عنى،وعَلى وفريد اللى الدُنيا ومشاغلها لهياهم ربنا يقويهم
إبتسم لها وتحدث ليُزيل عنها حُزنها:
-طب روقى كدة وأنا إن شاء الله فى الاجازة هاخدك إنتِ ومليكة والأولاد ونسافر أسوان نقعد إسبوع نروق فيه دماغنا
ثم أردف بنبرة حنون:
-يلا إضحكي بقى خلي شمس يومى تطلع
إبتسمت له بخفوت وهزت رأسها بإيجاب،أما تلك السَاكنة شُرفتها والتى خرجت للتو ووجدتهما على ما هُما عليه،كانت ترمقهُما بنظراتها الحـ.ـارقة،تنفست عالياً وبات صـ.ـدرها يعلو ويهبط تعبيراً عن شدة غضـ.ـبها وحدثت حالها بإشتـ.ـعال:
-أعلم أن تلك الحقيـ.ـرة هى ساكنة الفؤادى مُنذ الصِغر أيها الأَشْمَطُ،لكن ما جعلنى أصمُت واتحمل أفعالكَ هو صد تلك الثُريا وعدم تجاوبها مع محاولاتك الصِبيانيةِ تلك
وحولت بصرها إلى تلك الثُريا وتحدثت بسريرتها:
-أما أنتِ فصبراً أيتها الخَبيثة،أنا أكيدةً وكُلى ثقة بأن الفرصة ستأتى لى يوماً ما وأقسم انى سأستغلُها أفضلْ إستغلالِ لكى أتخلصُ من تلك الحياة وهذا التجمُع العائلى السخيف التى فرضتهِ علينا بموافقة ومباركة رجال المغربى،صبراً للجميع،فلستُ أنا التى تري إهانتها بأم أعيُنها وترضخ
بعد قليل حمل عز المغربي حفيدهُ واتجه به فى طريقهُ للعودة إلى منزله فتحدث الصغير متسائلاً جدهُ بمشاكسة:
-جدو،هي نانا ثُريا ليه كانت بتعيط؟
علشان حَـ.ـساسة وعندها دم يا حبيبي...جُملة عقب بها عز على سؤال حفيدهُ الثِرثار
طب وليه نانا منال مُش بتعيط أبداً؟سؤال جديد موجهاً من ذاك الفَطن شبيه أبيه
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فَم ذاك العز الذي تحدث مُسْتَهْزِئً:
-علشان الإحـ.ـساس ونانا منال عمرهم ما بيتقابلوا ولا هايتقابلوا،شتان ما بين الثرى والثُريا يا عزو
أمال الصغير رأسهُ بعدم فهم وتسائل مُستفسراً:
-إنتَ بتقول إيه يا جدو؟
عزو مش فاهم حاجة
إبتسم للصغير وتحدث بنبرة ساخرة:
-بشكُر فى نانا منال وبديها حقها اللى تستحقه يا حبيبي
❈-❈-❈
داخل أحد المطاعم الفاخرة المتواجدة بمدينة الأسكندرية
كانت تجاوز زو جها الجلوس وتحدثت بضجر وهى تتلفت حولها بتملُل وملامح وجة غير راضية:
-ما لقتش غير المطعم الكئيب ده وتجيبنا نسهر فيه يا عُمر؟
واسترسلت مُتَبرِمة بإعتراض:
-مش كفاية إنك ما رضيتش تحجز لنا في ديسكو زي ما طلبت منك
تنهد بأسي لحُزن زو جتهُ الجميلة وتحدث بتفسير وتنبية:
-ديسكو إيه بس اللي عوزانا نسهر فيه وإحنا في رمضان يا لامى،إنتِ عاوزة الباشا يطربق الدُنيا فوق دماغنا لما يعرف
لاحت بيـ.ـدها بتذمر وضيق فاسترسل هو شارحاً بإستفاضة:
-وبعدين يا روحي أنا إخترت المكان ده مخصوص علشان عندي موضوع مُهم وعاوز أكلمك فيه في جو هادى ومناسب
ضيقت عيناها باستغراب وتساءلت مستفسرة:
-موضوع إيه يا عُمر؟
أجابها وهو ينظر إلى ملامح وجهها مترقباً ردة فعلها متخوفاً من إحزانها:
-موضوع الخِلفة يا لامي،Baba كلمنى من يومين وفاتحني في إننا لازم نجيب baby في أقرب وقت,نفسه يشوف لنا حفيد ويفرح بيه
إتسعت عيناها وظـ.ـهرت علامات الغـ.ـضب والضيق فوق ملامح وجهها وتحدثت بنبرة حادة مُتناسية حالها:
-وإنتَ طبعاً جايبني هنا علشان تبلغني بأوامر بباك،مش كدة يا عُمر؟
واسترسلت سائلةُ بنبرة ساخرة:
-وياتري الباشا الكبير قرر لي الميعاد اللي هاجيب فيه ال baby ولا إتعطف علينا وساب لنا مُهمة تحديد الميعاد؟!
رمقها بنظرة حَادّة عِندما لاحظ سُخريتها من والدهْ وأردف قائلاً بنبرة تحذيرية صارمة:
-لمار،ياريت تاخدي بالك من كلامك وماتنسيش إن اللى بتتكلمي عنه ده يبقى Baba
شعرت أنها تخطت حدودها في الحديث عن ذاك المقدس لدي جميع أنجاله حتي ذاك الإمعة عديم الشخصية من وجهة نظرها،فأرادت أن تتراجع لإستقطاب تعاطفهُ معها من جديد ولذا تفوهت بنبرة مُتأثرة وعيناى يكادُ الدمع ينهمرُ منهما:
-أنا آسفة يا عُمر،أنا أكيد ما قصدتش من كلامي أي تقليل من شأن الباشا،أنا بس صعبان عليا إنه بيفكر في الحفيد ومش عامل حساب لمشاعري ولوجعى اللي لسة بعيشه لحد الآن
واسترسلت وهي تستحضر دموعها بقوة لكنها خانتها وأبت بألا تنزل فاستطردت بتأثُر شديد:
-أنا مش قادرة أتخطي اللي حصل لي يا عُمر،إنتَ مُتخيل اللي حصل معايا في وسط الصحرة؟
أنا إتعرضت لألا م الولادة وأنا لوحدى،بنتي راحت مني قبل ما أفرح بيها ولا حتي أخدها في حُضـ.ـنى زي ما كُنت بحلم،أنا عيشت أسـ.ـوء وأبشـ.ـع تجربة ممكن أى سِت تتعرض لها
بنبرة مُتأثرة وعيناى حزينة تحدث بعدما بسط ذراعهُ ووضع كفهُ فوق كف يـ.ـدها الموضوعة فوق الطاولة:
-أنا أسف يا حبيبتي إنى فكرتك بالتجربة المُرة دى،بس علشان خاطري حاولى تنسي الموضوع ده وتتخطيه
واسترسل مفسراً:
-وصدقيني لو الموضوع يخصنا إحنا الإثنين بس أنا عُمري ما كُنت هاجبـ.ـرك على أى حاجة،وما كُنتش هافاتحك في الموضوع أصلاً إلا لما إنتِ بنفسك تقرري ده
لكن زي ما أنتِ عارفة، Baba بيتدخل في كل تفاصيل حياتنا حتي فى أبسط الأشياء،وأنا ما أقدرش أعارضه
واسترسل مستشهداً:
-ده ياسين بجلالة قدره ما بيقدرش يخالف الباشا فى أي قرار بياخده
تنهدت بأسي مُصطنع وتحدثت بنبرة استسلامية:
-خلاص يا baby,أنا علشان خاطرك إنتَ بس هاروح للدكتور اللي أنا متابعة معاه وهخليه يشيل لي الوسيلة،بس طبعاً الموضوع هياخد وقت
إنفرجت أسارير ذاك المسكين وتحدث بنبرة سعيدة:
-مش مهم الوقت يا baby, المهم إنك وافقتي من حيث المبدأ وقدرتي تتخطي الحادثة
أردفت قائلة بنبرة حنون للغاية وهى تنظر لداخل عيناه:
-أنا عملت ده علشانك إنتَ يا عُمر،أهم حاجة عندي إنى أشوفك مبسوط حتي لو كان ده على حِساب مشاعري
إشتدت سعادة ذاك العاشق وتحدث بولهٍ:
-I Love you baby
I Love you too ... أجابتهْ بعيناى عاشقة
وامـ.ـسكت بكأس العصير وبدأت ترتشف منه وهى تُفكر فيما عليها فعله
❈-❈-❈
داخل حديقة منزل عز،كان يجلس مقابلاً لجلوس ياسين، تحدث بنبرة لائمة:
-أنا ياما حذرتك ونبهتك منها وقُلت لك دور وراها يا ياسين
تحدث ياسين مُبرءاً حالهُ من لوم أبيه:
-يا باشا أنا نفذت كُل اللى حضرتك أمرتنى بيه وقتها وأكتر كمان
واسترسل شارحاً باستفاضة مُذكراً والدهُ بما حدث فى الماضي:
-بعد ما عُمر فاتح حضرتك في موضوع خطوبته منها أنا شكيت في الموضوع،ما هو بالعقل كدة،إيه اللي يخلي واحدة اتربت واتعلمت في لندن واشتغلت سنتين تسيب كل ده وفجأة كدة تقرر تنزل مصر وتستقر،لا وكمان أهلها يرجعوا معاها ويعيشوا في القاهرة وهي تختار إسكندرية بالذات وتيجي تشتغل فيها، وبالصُدفة كمان تطلع نفس الشركة اللي عُمر بيشتغل فيها
واستطرد موضحاً:
-كل دي صُدف ما دخلتش دماغ رجل المخابرات اللي جوايا،وفعلاً خليت رجالتي في لندن يتتبعوا حياتها قبل كدة، ونتيجة البحث طلعت نضيفة وما قدرناش نمـ.ـسك عليها أى دليل ولا أى حاجة تخلينا نشُك فيها
واسترسل شارحاً:
-وبرغم كدة أنا ماشلتش عيني من عليها لحظة،وقت حادثة الولادة تابعت الموضوع وتتبعته بنفسي،لدرجة إنى خليت رجالتي أخدوا عينات من الد م والماية اللي كانوا موجودين في العربية واتأكدنا من خلال الطب الشرعى إن فعلاً يخصوها وإنها كانت في حالة ولادة
وهز رأسهُ بحيرة واستطرد بجنون:
-ولحد الوقت مش قادر أمـ.ـسك عليها أى دليل،كل حاجة لحد الآن هى مُجرد شكوك في دماغي،حتي جهاز التصنت اللي زرعتهُ لها في اوضتها هي وعُمر ما وصلناش لأي حاجة،كُل التسجيلات عبارة عن كلام عادي جدا بينها هي وعُمر وشوية رغي مع أمها وصديقاتها
أردف عز قائلاً بنبرة مُستاءة:
-طب وبعدين يا ياسين،هاتعمل إيه يا أبني،ده لو اللي شاكين فيه طلع صح تبقى مصيبة وحطت علي دماغنا،إنتَ متخيل حجم الكارثة يا ياسين؟
أردف ياسين بنبرة واثقة كى يُطمئن قلب أباه:
-ما تقلقش يا باشا،الوضع مازال تحت السيطرة وأنا عامل حساب لكل حاجة،ولو اللى بنفكر فيه طلع صح،فأحب أطمنك إن قريب جداً هاتقع هي وكُل الكِـ.ـلاب اللي وراها
واخوك يا ياسين؟...جُملة أليـ.ـمة خرجت من قلب ذاك المكلوم على صغيرهُ
أجابهُ ياسين بنبرة قوية:
-ماتخافش علي عُمر يا باشا،أنا عيني عليه حتي وهو نايم فى سريره
واسترسل وهو يبعث له إشارات طمأنة من عيناه:
-طمن بالك وحاول تِهدى علشان صحتك ما تتأثرش
هز له رأسهُ بموافقة،إقترب طارق عليهم وتحدث بوجهٍ بشوش:
-مساء الخير يا باشا،مساء الخير يا ياسين.
أشار لهُ عز بالجلوس بعدما ردا هو وياسين تحيته وبالفعل جلس
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام
داخل منزل ثُريا،كانت تجلس داخل بهو المنزل بجوار مليكة وأحفادها يتسامرون ويداعبون الصغيران،خرجت عَلية من المطبخ واتجهت ناحيتهم ثم تحدث إلى ثُريا بإحترام:
-ست ثُريا،ياسين باشا بيستأذن حضرتك إنه هايدخل هو وفرد أمن من اللي واققين برة
أسرعت مليكة بسحب غطاء رأسها الموضوع بجانبها وقامت بإرتدائهِ بإحكام،وقام الصغير بالتصفيق والتهليل بعدما إستمع بحضور أبيه الغالي،أما ثُريا فتحدثت بنبرة هادئة إلى تلك الواقفة:
-إطلعى قولي له يتفضل يا عَلية
أومأت لها وتحركت إلي باب المنزل وفتحته ليدلف منه ياسين حاملاً صندوقاً ضخماً ويجاورهُ أحد أفراد الأمن يحمل عِدة أكياس وتحركا لمكان جلوسهم ووضعا الأشياء علي الأرض بعد أن ألقى على الجالسين التحية،إنسحب العامل إلي الخارج،فى حين نظرت مليكة إلى ياسين مُستغربة كَم الاكياس وتحدث أنس متسائلاً بنبرة حماسية:
-إنتَ جايب لنا إيه معاك يا بابي؟
إبتسم لهُ وأمـ.ـسك كف يـ.ـده هو وعز الذي جري علي أبيه مُرحباً به وأقترب على الصندوق وقام بفتحه وتحدث إلي الصغير:
-ده لِبس العيد علشانك إنتَ وإخواتك ولعب ليك إنتِ وعزو يا حبيبى
هلل الصغيران وباتا يستكشفان من بداخل الأكياس بسعادة ومرح،أردفت ثُريا قائلة بنبرةً مُتأثرة:
-مكلف نفسك ليه بس يا ابنى،ما أنا كُنت هخلى الأولاد يختاروا اللي عاوزينه من على النت ويوصل لهم أون لاين
أجابها بإبتسامة بشوش:
-دول ولادى يا ماما وده حقهم عليا،وبإذن الله هافضل أجيب لهم لبس العيد لحد ما أموت
بعد الشر عليك يا حبيبي...جُملة نطقت بها كُلً من مليكة وثُريا بإرتياع
هلل الصغار وبدأ ياسين يُخرج لهما ألعابهما وثيابهما تحت سعادة وتهليل الصغيران التى تخطت عنان السماء،تحركت مليكة إليه وتحدثت وهي تضع كف يـ.ـدها فوق ذراعه:
-كل سنة وإنتَ طيب يا ياسين،ربنا يخليك لينا وتعيش وتجيب لنا
إبتسم لها بحنان ثم حول بصرهِ على ذاك الجالس بمقعده ينظر أمامهُ في اللاشئ بملامح وجه حادة ولم يتزحزح من مكانه، إلتقط أحد العُلب الصغيرة ثم تحرك إليه وقام بفتحها ووضعها صوب عيناه وتحدث بنبرة حماسية:
-مش حابب تشوف الساعة اللى كانت عجباك؟
حول الفتي بصره إلى العُلبة ونظر إلي ما بداخلها بكل برود،ثم وبلحظة جحظت عيناه وهتف بنبرة حماسيّة:
-دى الساعة الرولكس اللي كانت عجباني!
ثم نظر إلي ذلك المُبتسم بوجهٍ سعيد وهتف من جديد مُتسائلاً بسعادة وتعجُب:
-أنا لسة كنت ببحث عنها وكنت هاطلب من مامى تشتريها لي، هو حضرتك عرفت منين إنها عجبانى؟!
ضحك ياسين وأسترسل بدُعابة وهو يضع العُلبة بين يـ.ـداي ذاك العنيد:
-هو أنا يا ابني مش شغال في جهاز المُخابرات ولا إيه
ضحك الصبى على دُعابته وتحدث وهو يُخرج الساعة من عُلبتها ويرتديها بكثيراً من السعادة والإنبهار:
-متشكر أوى يا عمو
سعد داخل ياسين وتحدث إلى الصبي من جديد وهو يُشير إليه ليحثهُ إلى النظر لذاك الشئ:
-مش متحمس تشوف باقى هداياك؟
إنتفض داخل الصبى بسعادة عندما نظر إلى الغُلاف الذي يُظهر ما بداخلهُ وهتف بنبرة يملؤها الحماس:
-الجيتار
أسرع بخطاه حتى وصل إلى الجيتار وأمـ.ـسك الغُلاف وقام بإخراج الجيتار من داخلهْ واحتضنهُ بكثيراً من السرور ثم حول بصره إلي ياسين وتحدث:
-عرفت منين إنى كُنت عاوز نوع الجيتار ده بالذات؟
إقترب منه ثم وضع يـ.ـدهُ فوق كتف الصبي بحِنو وتحدث بإبتسامة:
-سألت حمزة وهو اللى قال لى.
مُتشكر،مُتشكر بجد...كلمات شاكرة نطق بها ذاك المروان بكثيراً من البهجة التي ظهرت فوق ملامحهُ مما أسعد مليكة وثُريا التى تحدثت إلى ياسين بعيناى شاكرة:
-ربنا يخليك ليهم يا حبيبي
ويخليكِ لينا يا أمى...كلمات نطقها ياسين بحِنو
وبدأ الصِبية بفتح باقى الأكياس ليتابعا رؤية ثيابهم وألعابهم
أخذ ياسين ثياب ثُريا وناولها إياها تحت سعادتها وعرفانها له،تناول أحد الأكياس وتحدث إلى مليكتهُ وهو يُخرج ما بداخلها:
-وده بقى فستان الأميرة مِـ.ـسك
إتسعت عيناى مليكة وتناولت منه الثوب وباتت تتفقدهُ بذهول وتحدثت:
-حتى مِـ.ـسك ما نستهاش يا ياسين؟
أجابها بنبرة حماسية:
-معقولة أنسي أميرة بباها
إبتسمت ثُريا وتحدثت بنبرة حنون:
-ربنا يجيبها بالسلامة وتعيش وتجيب لهم يا حبيبي
شكرها وجلسوا يتسامرون بالأحاديث الشيقة
❈-❈-❈
صعد ياسين إلى الأعلى بصُحبة مليكة بعد سهرتهما مع الأولاد وثُريا،ومجرد أن دلفا إلى جناحهما حتي رمت حالها بداخل أحضـ.ـانهُ قائلة بنبرة حنون:
-ربنا يخليك ليا يا ياسين
إبتسم على تصرفها وحاوطها بساعديه الذي لفهما حول جـ.ـسدها ثم قَـ.ـبل مقدمة رأسها وأردف قائلاً:
-ويخليكِ لقلب ياسين
إبتسمت وأبعدت حالها عنه وتحدثت بعيناى شاكرة وإشادة:
-متشكرة يا ياسين،متشكرة على كُل حاجة بتعملها علشان تسعد بيها أولادى
إبتسم لها وحاوط وجنتها بكف يـ.ـده وتحدث بصدقٍ بيَن ظهر من خلال حروفهُ:
-اولاً دول مش أولادك لوحدك،دول أولاد رائف أحمد المغربى،يعنى أولاد عيلة المغربى كلها ومسؤلين مننا
ثم إقترب عليها وحاوط خصـ.ـرها وأسند جبهتهُ بخاصتها وتحدث وهو يهمـ.ـس أمام عيناها وينظر لكريـ.ـزتيها:
-ناهيكِ بقى عن إنهم أولاد حبيبتي وحتة منها،ده لوحده سبب كافى إنى أحطهم جوة عيونى وأبذل أقصى ما عندى علشان أشوف الضحكة منورة وشهم ووش مُـ.ـراتي حبيبتي
ذابـ.ـت من همـ.ـسهِ أمام عيناها وكلماتهِ الرائعة التى أراحت قلبها ونالت إستحسان داخلها،ناهيكَ عن عيناهُ الساحرة وبحرهما العميق التى ما أن نظرت بهُما حتى ذابـ.ـت وغرقت بداخلهُما
تعمقت بنظرتها لعيناه وهى تقترب منه وبنبرة إمرأة عاشقة لحبيبها حتى النُخاع همـ.ـست:
-بحبك،وأصبح كُل أملى فى الدنيا إنى أقضى عُمرى كُله وأنا جوة حُـ.ـضنك وباصة فى عيونك،يا ياسين أنا بقيت عاشقة لكُل ما فيك،معاك بحس بإكتمالى وبسلامى النفسي
واسترسلت بهمـ.ـس والهةُ:
-عملت فيا إيه علشان توصلنى لدرجة جنون العِشق اللي وصلت لها معاك دي؟
إزاى قدرت تستحوذ على كُل كيانى وتخلينى أقفل عليك دُنيتي وأكتفى بوجودك وأستغنى بيك عن كُل البشر؟
أجابها بهمـ.ـسٍ بعـ.ـثر كيانها:
-حبيتك،حبيتك أكثر مما تتخيلى وأكبر بكتير من اللى ممكن خيالك يصورهُ لك،حبيتك يا مليكة
وفور إستماعها لهمـ.ـساتهِ أغمضت عيناها بإستـ.ـسلام وهمـ.ـست أمام شـ.ـفتاه مما أثـ.ـار جنونهُ:
-بحبك،بحبك يا مالك قلبى وكيانى
تنفس بعُمق كى يُسيطر على حالة الولهْ التى أصابت كيانهُ وزلزلته جراء إستماعهُ لكلماتها التى أنارت بها درب عشقهُ الطويل معها،كَم أن لكلماتها الساحرة واقع عظيم على كيانهُ مما جعل نبضات قلبهِ تتراقصُ فرحاً على أنغامِ كلماتها البراقة،قُـ.ـبلة ناعمة إقتطـ.ـفها من فوق شـ.ـفتاها كانت أبلغُ رد على كلماتها الساحرة ونظرة عيناها الخَلاَّبة
أمـ.ـسك كف يـ.ـدها وتحرك بها إلي الاريكة وجلس وأجلسها بداخل أحضـ.ـانه وبات يتنفسُ عِشقها وبدأ يُنثُر على مسامعها كلمات العشق والوله مما جعلها تشـ.ـعر وكأنها فراشة تتحرك وتتطاير حولهُ بسعادة،وضع كَف يـ.ـده فوق بطـ.ـنها وبات يتحـ.ـسسها و تحدث إليها:
-عندى إشتياق رهيب فى إنى أشوف بنتنا،كتير بقعد أتخيل شكلها ونظرة عيونها،عندى إحـ.ـساس كبير إنها هاتبقي شبهك،نفس عيونك ونفس ملامحك الهادية
قاطعته بإعتراض لطيف:
-بس أنا عوزاها تبقى شبه حبيبي وتاخد لون عيونه اللى شبه موج البحر
أردف مُداعباً إياها بإعتراض:
-مش كفاية عليكِ عز جبتيه نُسخة مُصغرة مني،أظن أنا كمان من حقي إن بنوتي تبقى شبه حبيبتي
ثم استطرد قائلاً بوله:
-عارفة يا مليكة،أنا متأكد إن البنت دي هتاخد قلبي كله لحسابها، حـ.ـاسس إني هتعلق بيها بجنون لدرجة إني شايل هم إزاي هايجي لي قلب إنى أسيبها واروح شُغلى
إبتسمت وأجابته:
-أكيد هاتتعلق بيها،دي هاتكون أخر العنقود الى هتاخد الدلع كُله لحسابها
غمز بإحدي عيناه وتحدث بجانب أذنها بمشاكسة:
-موضوع أخر العنقود ده لسة فيه كلام
ضحكت وهزت رأسها بإستـ.ـسلام على ذاك الطامع بكل شئ معها،واسترسل هو بنبرة جادة:
-الإختلاف هنا إنها هاتكون بنت حبيبتي،بنت السِت اللي عُمرى ما اتمنيت أخد غيرها فى حُـ.ـضنى
واسترسل شارحاً بنبرة جادة:
-أنا بحب ولادي كلهم ومتعلق بيهم لأبعد حد،بس ولادى منك ليهم رُكن كدة خاص بيهم،يعنى عز مثلاً،بحِـ.ـسة حته من روحى واتجـ.ـسدت،بمجرد ما بشوف وشه قدامي بنسي الدنيا وما فيها،ومهما كان جوايا من هموم بتزول كُلها من مُجرد حُضـ.ـن أو ضحكة حلوة منه ترن جوة قلبي تزلزله
واسترسل بعيناى متشوقة:
-وحاسس إن مِـ.ـسك هاتكون هى نقطة ضعفى في الحياة،بيتهئ لي إني عمري ما هاقدر أرفض لها طلب ولا إنى أشوفها زعلانة قدامى
واسترسل مُفْصِحاً عن ما بداخله:
-علي فكرة،أنا بموت في أيسل وحقيقي ما بتحملش أشوفها زعلانة،بس عندي شـ.ـعور إن الشقية الصُغيرة هاتخطف قلبي وحبها هايتخطي كُل الحدود والمنطق
كانت تستمع إليه وهى تنظر له بعيناى عاشقة هائمة لكُل ما به، إبتسمت له وتحدثت بإطراء:
-إنتَ أب هايل يا ياسين،وأي ست في الدُنيا ما تتمناش أكتر من إن يكون لأولادها أب حنين ومُتفهم زيك
واستطردت بإعجاب واستجواد:
-بحب علاقـ.ـتك مع سيلا قوي،بتعاملها وكأنها ملكة وممنوع الإقتراب منها
إبتسم علي ذكر غالية أبيها وتحدث بحنين ظهـ.ـر بعيناه:
-سيلا دي ليها معزتها الخاصة بيها،أول فرحتي زي ما بيقولوا وغلاوتها في قلبي مالهاش حدود
واسترسل بملامح وجة جادة:
-دي الحاجة الوحيدة اللي كانت ومازالت بتشفع لليالي عندي وهى السبب الرئيسى اللى خلانى أتحمل كل عمايلها الطايشة زمان
ثم تحدث بتذكُر مغيراً الحديث:
-نسيت أقول لك،أنا كلمت البيوتى سنتر اللى بتتعاملى معاهم وهايكلموكى بكرة علشان يشوفوا مواعيدك وييجوا لك قبل زحمة العيد
وامال على أذنها وهـ.ـمس بفُكَاهَة:
-أنا وصتهم يهتموا بالحمام المغربى والمـ.ـساچ،وإنتِ إطلبى منهم اللى محتاجاه
نظرت داخل عيناه بعيناى عاشقة ثم ألقت بحالها داخل أحضـ.ـانهْ وتحدثت بإِنْشِراح ووجهٍ مُتَهَلُّل:
-ربنا يخليك ليا يا ياسين وكل سنة وانتَ طيب
وإنتِ جوة حُضـ.ـنى يا قلب ياسين...جُملة قالها ذاك العاشق بنبرة صوت تفيضُ عِشقاً
❈-❈-❈
داخل غُرفة وليد الخاصة،أمـ.ـسك هاتفهُ وبات يقلب بالملف الخاص بالأسماء حتى إستقر على إسم لمار،أخذ نفساً عميقاً ثم ضغط على زر الإتصال وانتظر أن يأتيه الرد
كانت تجلس فوق مقعداً بغرفتها تجاور زو جها حيث يتحدثان سوياً فى أمور مشتركة تخصهما،صدح هاتفها ليُعلن عن وصول مكالمة هاتفية،إلتقطت هاتفها ونظرت بشاشته،ضَمَّت حَاجِبَيْهِا بإستغراب وتحدثت وهي تنظر إلى عُمر:
-غريبة أوي،ده وليد المغربى اللى بيتصل
تسائل مُتعجباً:
-وده هايكون عايز منك إيه؟!
رفعت كتـ.ـفيها بلامبالاة،ثم مطـ.ـت شـ.ـفتيها بعدم معرفة وتحدثت:
-مش عارفة،خليني أرد عليه وأشوف عاوز إيه
ضغطت زر الإجابة وتحدثت بنبرة ساخرة:
-خير يا وليد،مش قُلت لى ماتكلمنيش تانى لما كُنا فى الشركة عند طارق؟
تحدث وليد بتخابث:
-ما يبقاش قلبك إسود قوي كدة يا لمار،على العموم أنا بكلمك علشان أبلغك خبر بمليون جنية
واسترسل مصححاً حديثهُ بدُعابة:
-لا مليون إيه،قولي عشرة،عشرين
قطبت لمار حاجبيها بتعجب وتسائلت مستفسرة:
-تقصد إيه بكلامك ده يا وليد
واسترسلت بدهشة:
-إوعى تكون تقصد اللى جه فى بالى
أيواااا،هو اللى جه فى بالك بالظبط...كانت تلك جُملة وليد التى نزلت علي مسامع تلك اللمار صعـ.ـقتها وجعلت عيناها تتسع بتعجب
بينما إستطرد وليد قائلاً بوضوح:
-طارق وافق على الشراكة،أنا فضلت وراه لحد ما أقنعته ولسة مكلمنى من نص ساعة وبلغنى بموافقتهْ
جحظت عيناها بصدمة غير مصدقة لما ذكرهُ ذاك الوليد وتسائلت بنبرة متلهفة:
-إنتَ بتتكلم جد يا وليد؟
أجابها بنبرة جادّة:
-وهى الأمور اللى زى دى فيها هزار بردوا،أنا فضلت وراه طول المُدة اللي فاتت دى لحد ما أقنعته،علي العموم طارق قال لى أبلغك علشان تحددى ميعاد ونروح له زيارة مع بعض فى المكتب علشان نتكلم في كُل التفاصيل
أجابته على عُجالة:
-خلينا نقابله بُكرة ونتفق
إبتسم ساخراً بتسلي ووافقها الرأى،أنهى معها المكالمة وبدأت هى تقُص كل ما حدث علي مسامع ذاك الجالس بجوارها وينظر لها بعدم فهم
أما وليد فقد أغلق هاتفهُ ثم نظر على تلك الجالسة بجانبهُ والتي إبتسمت برضا وتابعت باستحسان وهى تُربت فوق كف يـ.ـده:
-برافوا عليك يا وليد
❈-❈-❈
مرت الأيام وشارَفَ شهر رمضان الكريم على الإنتهاء،فقد وصلنا لليوم السابع والعشرون من الشهر الفضيل ولم يتبقى سويّ يومان
داخل دولة ألمانيا
وبالتحديد داخل المنزل الذي تسكُنا بداخله ليالي وأيسل،كانت أيسل تقف بمنتصف الرُدهة ترتدي ثوباً أنيقاً للغاية وحجاباً بألوانٍ متناسقة،تنتظر هبوط والدتها من الأعلى بسعادة وذلك لعودتها إلي أرض الوطن،كم إشتاقت لرؤيا والدها الحبيب وايضاً جدها وجدتها وباقي أفراد عائلتها
أتت العاملة من الخارج وحملت ما تبقي من الحقائب وتحركت مجدداً إلي الخارج كي تُسلمها لأحد أفراد الحِراسة ليضعها داخل السيارة
رفعت أيسل بصرها للأعلي لتري والدتها تنزل الدَرج وهي ترفع قامتها لأعلى بتفاخر بحالها وهذا بعد أن أصبحت جميلة وبشدة بعدما ذهبت بصُحبة الحراسة إلي مركز التجميل وقام الأطباء بحَقن وجهها بمادة البوتكس مما أخفي كثيراً من التجاعيد التي كانت ظاهرة وجعلها تبدوا أصغر وأجمل مما كانت عليه من ذِي قَـ.ـبل
تحركت حتي وصلت إلي وقوف إبنتها ونظرت عليها وتحدثت بتباهى بحالها:
-إيه رأيك يا سيلا في جمال وسِحر مامى
أجابتها الفتاة بإعجابٍ شديد بجمال والدتها الأخاذ:
-حلو أوى يا مامي،جمالك مُبهر ويسحر أى حد يشوفك
إبتسمت ليالي بغرور وتحدثت إلي إبنتها:
-جاهزة؟
نظرت الفتاة أمامها وتحدثت بتوعُد وملامح وجة صارمة قاسية للغاية:
-أكيد جاهزة
إنتهي الفصل
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الرابع عشر روز أمين
أقلـ.ـعت الطائرة المُتجهة من مطار برلين الدولى فى طريقها إلى مطار الإسكندرية،داخل الطائرة يجلس إيهاب وأحد أفراد الأمن الملازمين له،يُدققان النظر فى مراقبة كِلتا اللتان تتجاورتان الجلوس،ليالي وأيسل التى تحدثت إلى والدتها بنبرة مُحـ.ـرضة:
-مامى،زى ما أتفقنا،لازم توقفى اللى إسمها مليكة دى عند حدها وتحطى لها حدود فى التعامل ما بينكم،مش لازم من النهاردة تتهنى بشعُور راحة الضمير اللى هى عايشة فيه،لازم تحس إنها عاملة ذنب وذنب كبير كمان
واسترسلت بنبرة غاضـ.ـبة:
-لازم تعرف إنها إرتكبت جريـ.ـمة فى حقك يوم ما فكرت تسـ.ـرق منك جـ.ـوزك وسعادتك وسعادة أولادك
زفرت ليالي التي تُلقي برأسها للخلف وتضع فوق عيناها عصـ.ـابة العينين،ذاك القناع الأسود الذي يحجب عنها إضاءة الطائرة فى محاولة منها للإستجمام كى تحافظ علي نضارة ما حول العينين وايضاً نقاء ذهنها كى تزدادُ نضارةِ وجهَهَا كما أخبرها طبيب التجميل الألمانى،وتحدثت إلى صغيرتها بتذمر:
-خلاص يا سيلا جيبتى لى صُداع،بقى لك إسبوع مش بتتكلمى غير عن مليكة وإزاى نحاول نعاقـ.ـبها على سِرقـ.ـتها لأبوكِ ونحـ.ـسسها بالذنب
واسترسلت بكلمة حق نطقتها بنبرة ساخرة:
-وكأن ابوكِ الراجل السـ.ـاذج اللي يا حرام لافت عليه الأرملة اللعُـ.ـوب وضحكت عليه وخلته يتجـ.ـوزها بالإجـ.ـبار
مامى،إحنا إتفقنا على إيه...جُملة إعتراضية نطقت بها أيسل بتأفُف
ثم استرسلت شارحة وجهة نظرها بهدوءٍ:
-يا مامى إفهمينى،أنا مش بقول لحضرتك نتحول لأشـ.ـرار ونِكَوِن فريق ونتَحِد على أذيـ.ـتها ونبدأ نخطط ونعمل عليها مؤامـ.ـرات،أنا كل اللي عوزاه من حضرتك إنك تعملى كرامة لنفسك وسط العيلة،لازم يحـ.ـسوا إن الموضوع فارق معاكى وإنهم بمباركتهم لجـ.ـوازة بابى دى أذوكـ.ـى وظلـ.ـموكى،بلاش التسـ.ـاهُل واللامبالاة اللى بتظهريها وصدرتيها للكل دى
واسترسلت بإبداء:
-وعلى فكرة بقى،تعاملك بسلـ.ـبية مع الموضوع وعدم ظهُورك بموقف حَازم تجاه الى بابى عمله فيكِ هو السبب فى عدم تعاطفهم معاكِ وتعاملهم مع الوضع بإنه أصبح أمر واقع مُـ.ـسَلَّم بيه
سأمت وهى تسمتع إلى مُبالغة صغيرتها للأمر وحديثها اللاَذِعٌ وهى تُحاول أن تجعلها تثـ.ـور على وضعها وتثـ.ـأر لكرامتها من مليكة بالرغم من مرور أكثر من ستة أعوام على هذا الز واج، وبرغم هذا كله تحدثت كى تحِثها على الصمت حتى تُريح رأسها من تلك الثرثرة الذي إنتفخ بفضلها رأسها:
-حاضر يا سيلا،لما نوصل هعمل كُل اللى إتفقنا عليه،ممكن بقى تسيبينى أستجم شوية
نعم فلقد بدأت تغار من تلك المليكة وتشعُر ببعض الضـ.ـغينة تجاهها وهذا بسبب عِشق ياسين ودلالهُ الزائد لها والذي بدأ يظهر من مجرد تطلعهُ عليها عِندما تطُل علي مجلس العائلة،نظراتهِ الهائمة وهو يتطلع إليها ليست كالنظرات الشائعة،بل وصلَ حد التأمُل وإحتواءً وأحتضـ.ـان بالأعيُن،فعشقهُ وصل حد الهـ.ـيام والولهْ وهذا ما جعل ليالى تشعُر بالضَجر والضـ.ـغينة
وبرغم شعُورها هذا إلا أنها لا ترغب فى التنـ.ـازُع وخَلق المُشـ.ـاحنات بينها وبين تلك المليكة كى لا تُثير حَفيظة ياسين ويتـ.ـهمها بإثـ.ـارة المشـ.ـاكل ويبدأ كعادتهُ بمعاقـ.ـبتها بحرمـ.ـانها من متطلباتها الطائلة التي لا تنتهى أبدا،هكذا قامت ليالى بعقد حِسبتها العاقلة من حيثُ المكسب والخَسارة ورأت ان مكسبها من وراء الصمت أقيم، لكنها وبنفس التوقيت قررت أن تستـ.ـغل ذكاء الأنثى لديها فى إغـ.ـاظة مليكة بشكل غير مباشر وغير ملحوظ بحيثُ لا يكتشفهُ ياسين ويـ.ـثور لأجل خاصتهْ
❈-❈-❈
بعد أذان العَصر مباشرةً
داخل مطبخ ثُريا حيثُ كان يأجُ بنـ.ـساء المنزل والعاملات اللواتى بدأن بالتحضير لإفطار العائلة والذى سيتميز بالخصوصية حيثُ إنضمام ليالي وأيسل وحضورهم للفطور العائلى ولأول مرة مُنذُ بداية الشهر الفضيل
طلت عليهم منال التى حضرت للتو وتطلعت بحِـ.ـقدٍ على تلك الواقفة أمام الموقد تتابع الطعام بنفسها وتواليها ظَـ.ـهرها،وذلك بعدما بدأت تشعُر بالسَـ.ـخط على تلك الثُريا بعدما شاهدت زو جها وهى تُراقبهُما من خلال شُرفتها وأدركت إهتمام رجُلها وضحكاته ونظراتهِ الساحرة وأحاديثهُ الذى كان ينثُرها علي تلك التى لم يسمح قلبهُ بدخول أنثى بهِ بإستثنائها،تعلم عِلم اليقين أن لا ذنب لتلك الثُريا،لكنها غِيرة الأنثى هى من تُمـ.ـلكت منها وانتهى الآمر
تحدثت وهى تقترب عليها بعدما رسمت علي وجهها إبتسامة مُزيفة:
-خلصتوا تجهيز الفطار يا ثُريا؟
إلتفتت تتطلع عليها وأردفت قائلة بإبتسامة بشوش صادقة:
-خلصنا الصعب كُله وفاضل حاجات بسيطة
وأسترسلت بنبرة حنون:
-أنا عملت كل الأكلات اللى سيلا وليالى بيحبوها
إبتسمت منال بمجاملة وتحدثت:
-تسلم إيدك يا ثُريا
أردفت ثُريا بتساؤل مُهتم وهى تنظر إليها:
-حد راح يستقبلهم فى المطار؟
أجابتها وهى تسـ.ـحب أحد المقاعد وتجلس فوقهُ لتُقابل تلك المليكة الجالسة بهدوء وتجاورها نرمين الجلوس:
-طارق ووليد إتحركوا من ربع ساعة
ثم نظرت إلى مليكة وتحدثت بنظرات ذات معنى:
-المفروض إن ياسين هو اللى كان راح إستقبلهم بنفسه علشان سيلا ما تزعلش،لكن هقول إيه
واسترسلت وهى تنظر بتمعُن داخل عيناها:
-حُكم القوى
إستغلت نرمين الموقف وتحدثت فى محاولة منها لإزدياد الوضع سوءً بين مليكة ومنال:
-عندك حق يا طنط،المفروض ياسين كان راح بنفسه علشان على الأقل يحَـ.ـسسهم بإهتمامه
تغَاضَت مليكة عن ما تفوهت به مرمين لعدم اهميتهُ بالنسبة لها،ثم أردفت قائلة بدفاع عن رجُـ.ـلها وذلك بعدما شعرت بإتهام غير مباشر موجه إليها من تلك المنال:
-ياسين فعلاً كان هيروح يستقبلهم وكان محضر نفسه يا طنط،لكن إتفاجئ بالإجتماع اللى حدده الجهاز وأستدعوه بعد حـ.ـادثة التفـ.ـجير اللى حصلت وقت صلاة الفجر قدام بيت مدير الأمن
رفعت حاجبيها بتعجُب ثم تحدثت بنبرة ساخرة:
-يظهر كدة إن ياسين عين مُحامى علشان يرُد بالنيابة عنه
ضيقت عيناها متعجبة من هجـ.ـوم تلك المنال عليها والغير مُبرر أو مسبوق وتحدثت بنبرة حادة وذلك لعدم قبولها لنبرات ونظرات تلك التى سخرت منها وقامت بالتهكم عليها أمام العاملات:
-ياسين مش محتاج لمحامى وخصوصاً قدام والدته،لأن المفروض إن حضرتك أكتر حد عارفه كويس ومقدر ظروف شُغله
كانت تستمع وتنظر لذاك الحوار المتراشق بين كِلتا الحادتين فتحدثت كى تُنهى تلك المُـ.ـشاحنة المبلورة فى هيئة حديث وخصوصاً بعدما رأت غضب منال الذي يتطاير شـ.ـزراً من عيناها وموجه إلى تلك المُسالمة،وكُل هذا أمام العاملات:
-قومى يا مليكة صحى مروان علشان يلحق يصلى العصر ويجهز نفسه قبل ما سيلا توصل،وإنتِ كمان خدى شاور وغيرى هدومك
واسترسلت بإيضاح:
-الأكل خلاص جهز ومش محتاجينك هنا معانا
فهمت مليكة رسالة ثُريا التى تُريد إيصالها لها فتحدثت بطاعة وهى تقف إستعداداً للمغادرة:
-حاضر يا ماما
ثم نظرت إلى مُنى وتحدثت بهدوء:
-هاتى لى عزو من عند الباشا الكبير علشان أبدل له هدومه يا مُنى
أجايتها مُنى:
-من عنيا يا سِت مليكة
ثم حولت مليكة بصرها من جديد إلى منال وتحدثت بإحترام كى لا تسمح بحدوث فجوة بعلاقتها بأم زو جها وايضاً لتحسين الصورة أمام العاملات:
-بعد إذنك يا طنط
قالت جُملتها وتحركت إلى الخارج تحت إستـ.ـشاطة منال من برود تلك المليكة التى لم تستطع إمـ.ـساك أية ذلة لها مُنذُ زوا جها بنجلها وإلى الآن،فى حين رمقت ثُريا إبنتها بنظرة حادة وذلك لتدخُلها فيما لا يعنيها وإشـ.ـعَال فَتـ.ـيل الفتنة بين منال ومليكة،وتحدثت بنيرة صارمة:
-وإنت يا نرمين،قومى شوفى أختك ما جتش من بيتها لحد الوقت ليه؟
حاضر يا ماما...جُملة مُرتبكة خرجت من نرمين بعدما لاحظت ضَجر والدتها منها
❈-❈-❈
بعد حوالى الساعة
داخل منزل سيادة اللواء عز المغربي،وصلت ليالي وإبنتها وبات كُلٍ من عز ومنال وعمر ولمار وچيچى بالترحاب الشديد بهما، كانت أيسل قابعة بأحضـ.ـان جدها الذي كان مُشدداً من ضـ.ـمته لحفيدته الكُبرى وهذا ما يزيدُ من مكانتها الخاصة بقلبه وبقلب الجميع،تحدث وهو يُربت على ظهـ.ـرها بحِنو:
-وحشتينى يا قلب جدو
أجابته بسعادة مفرطة وهى مُـ.ـستسلمة ومُـ.ـستمتعة بضـ.ـمته الحنون:
-وحضرتك كمان وحشتنى أوى يا جدو
أخرجها من بين أحضـ.ـانه وتحدث بفُكاهة مـ.ـداعباً إياها بمرحهِ المعتاد:
-بطلى بكش يا بنت ياسين،لو كُنت واحشك صحيح زى ما بتقولى كُنتى جيتى فطرتى معايا أول يوم رمضان،لكن إنتِ إكتفيتى بلمة أبوكِ وأمك وأخوكِ حواليكى
وضعت كفاى يـ.ـداها الحنونتان وحاوطت بهما وجنتاى ذاك الرائع وتحدثت بحُبٍ صادق ظـ.ـهر بَيّن داخل عيناها:
-صدقنى يا جدو كان غصب عنى،على العموم أنا جيت لك أهو وهقعد معاك عشر أيام بحالهم
سعد عز لذاك الخبر وحول بصرهِ ناظراً على زو جة نجلهِ التى كانت تحتضن حمزة،وقام بمصافحتها والترحاب بها بحفاوة
حمدالله على السلامة،إسكندرية كُلها نورت...كلمات إطرائية قالتها ثُريا بإطراء لكِلتا الليالى والأيسل
حول الجميع أبصارهم عليها وتلك التى تجاورها وتُمـ.ـسك بكف يـ.ـدها بصغيرها،نظرت عليها ليالى وبلحظة إشتعل داخِلُها عندما رأت تلك التى زاد وزن جـ.ـسدها قليلاً بسبب الحمل فجعلهُ مُثـ.ـيراً للغاية ناهيك عن وجهها الذى زاد جمالاً وذلك لبلوغها سِن الرابعة والثلاثون حيث تكتمل الأنثى وينضـ.ـج جمالها وجَـ.ـسدها وتظـ.ـهر إنوثـ.ـتها مَكتملة،وما جعل جمالها يظهر بطُـ.ـغيان هو عِشق ذاك الياسين الذي جعلها تتطاير كفراشة من شدة سعادتها معهْ
هرولت أيسل إلى ثُريا وارتمت داخل أحضـ.ـانها الحانية وتحدثت وهى تتمـ.ـسح بها بحِنو:
-وحشتيني يا تيتا،وحشتينى جداً
ضـ.ـمتها أكثر تلك الحنونة وقربتها لصـ.ـدرها وتحدثت بنبرة صادقة:
-وإنتِ كمان وحشتينى أوى يا سيلا
نظرت مليكة على أيسل بإبتسامة ساحرة وتحدثت بحذر لعِلمها عدم تقبل الفتاة لها مؤخراً:
-حمدالله علي السلامة يا أيسل
رفعت الفتاة قامتها وكأنها تبدلت لأخرى متعجرفة عديمة الحِـ.ـس فاقدة الذوق وتحدثت بجدية وملامح وجة صارمة مما أحزن مليكة وجعلها تشعُر بالخجل من الحضور:
-مُتشكرة
ثم نزلت ببصرها للأسفل وبلحظة إعتَـ.ـلت إبتسامة واسعة ثـ.ـغرها وشعرت بالسعادة تغـ.ـزو قلبها الرقيق وتقتـ.ـحمهُ عِندما لمحت شقيقها الصغير،دنت من وقفته وحملته وأبتعدت به عن مكان غريمـ.ـتها،ثم باتت تُمطرهُ بوابلٍ من القُـ.ـبلات تحت سعادة الصغير وتحدثت بنبرة تقطرُ حناناً:
-يا روح قلبي وحشتنى،كبرت يا صُغنن وطِوِلت حبة
ضحك الصغير وتحدث مادحاً حاله وهو يُشير بأصابع يـ.ـده الأربع:
-عزو طِولْ كتير،بابى قال لى عزو طول أربع سَنتى متر
ضحكت على ذاك الفطن واردفت بمداعـ.ـبته:
-عقبال ما يبقوا أربعين يا عُمرى
واسترسلت بنبرة حماسية أدخلت السرور على قلب الصغير وجعلتهُ يتحمـ.ـس:
-أما أنا جبت لك شوية لعب وهدايا،هيعجبوك أوى
إنسحب عز ونجليه وخرجا إلى الحديقة تاركين النساء ليقومن بالترحاب ببعضهِن على راحتهن،في تلك الأثناء دلفت راقية لتُرحب بهما،تغاضت مليكة إسلوب أيسل التجاهُلى وعذرتها عليه ثم سارت فى طريقها إلى ليالى وتحدثت بنبرة صادقة وهى تقترب عليها لتحتضـ.ـنها وتقوم بتقـ.ـبيلها كما هو المعتاد بينهما:
-حمدالله على السلامة يا لى لى، وحشتينى
نظرت عليها ليالي بتَرَفُعْ وبالفعل قامت بتقبيلها ولكن بإختلاف، حيثُ قَبـ.ـلتها بطريقة رسمية خالية من الحمـ.ـيمية أو التودد كما المُعتاد،وهذا ما إستغربته مليكة وتعجبت منه تحت نظرات لمار التى تراقب أفعال كلتاهما بداخلٍ سعيد وإبتسامة ساخرة
أما مليكة فسُرعان ما تمالكت من حُزنها والتمست لها العُذر ورجحت بأن تكون مُتعبة جراء مشاقة السَفر وتحدثت بإطراء صادق:
-إيه الجمال ده كله يا ليالي،ماشاء الله عليكي،اللى يشوفك ما يدكيش أكتر من 30سنة
نظرت لها بتفاخر وتباهى لم يدوما كثيراً وذلك بعد إستماعها لهِجَاء تلك الراقية التى إقتحمت حديث مليكة وتحدثت بنبرة ساخرة:
-مش قوى كدة يا مليكة،بلاش هَجـ.ـس يا حبيبتي وجاملى ضُرتك براحتك بس ما تخيهاش توسع منك أوى كدة
ثم نظرت إلى تلك الليالى وتحدثت وهى تتحَـ.ـسس وجنتها وشفـ.ـتاها بمنتهى عدم التَحضُر:
-هى آه شَـ.ـدت وشها وخبت التجاعيد ونفـ.ـخت شـ.ـفايفها وبقت شبه الستات اللى بييجوا على التلفزيون اللى كلهم شبه بعض دول
واستطردت بنبرة ساخرة:
-بس شكلها بقى عامل زى عروسة المولد وبعد كل الصَرف ده لسة بردوا السِن باين عليها
واسترسلت بما جعل الثلاثى ليالي وايسل ومنال يشتـ.ـعِلنْ وتحتـ.ـرق قلوبهن:
-الزمن ما بيرجعش لورا ولا حد بيعرف يضحك عليه يا ليالى
ثم نظرت إلى مليكة وتحدثت بإطراء:
-وأهى قدامك أهى،جمال ربانى والسِن مساعدها
ثم قامت بمَـ.ـصمـ.ـصت شـ.ـفتاها وتحدثت لحَـ.ـرق روح منال بعدما شاهدت غضـ.ـبها:
-ده غير دلَـ.ـع سيادة العَميد ليها
إستـ.ـشاط داخل أيسل من سليطة اللسان تلك وأكثر ما أثـ.ـار حفيظتها هو ذِكْرِها لعِـ.ـلاقة والدها بمليكة،أما منال فهتفت بنبرة حادة وملامح وجه يملؤها الغضـ.ـب:
-جرى إيه يا راقية،هو إنتِ يا حبيبتى لسانك ما بقاش بيخرج منه كلمة عِدلة لحد أبداً،ده أنتِ من كتر كلامك الماسخ بقيت بقلق عليكى لو قُلتى كلمة حلوة
مَـ.ـصمـ.ـصت شـ.ـفتاها من جديد وتحدثت بتعجُب:
-هو اللى يقول كلمة الحق فى الزمن ده يبقى كُخة،يعنى أنافق وأكدب علشان أعجب يا منال؟
واسترسلت تلك السـ.ـخيفة عديمة الآدب بكلمات فظَة:
-مرات إبنك داخلة على الخمسة واربعين سنة ولسة ماسكة ومتبتة فى العشرينات،وبدل ما تفوقيها وتخليها تشوف سنها وتاخد بالها إن بنتها بقت عروسة،زعلانة إنى بفوقها لك؟!
الكلمة الطيبة صدقة يا راقية،وإنتِ بنت أصول وأهل للأخلاق الحميدة ولازم ده يظهر فى معاملتك مع الناس...كانت تلك كلمات عَطَّرةُ خرجت من فَاه تلك الثُريا الدَمِثَةِ الأخلاقِ
أما ليالى فقد إستـ.ـشاط داخلها من فظاظة تلك المرأة عديمة الأخلاق وكادت أن تتحدث لولا مليكة التى أردفت قائلة بنبرة هادئة فى محاولة منها لفض الاشتـ.ـباك ولإمتـ.ـصاص غضـ.ـب ليالى الذى ظهـ.ـر فوق ملامح وجهها:
-السِن عُمره ما كان مقياس لجمال السِت أو إنها تهتم بنفسها وبجمالها يا طنط
تحدثت ليالى إلى مليكة بنبرة حادة وهى ترمقها بنظرات غاضـ.ـبة:
-على فكرة يا مليكة،أنا عندى لسان وقادرة أرُد بيه ومش محتاجة حد يتكلم بالنيابة عنى
نظرت أيسل إلى والدتها بفخر واستحسان،ثم استرسلت ليالى وهى تحول بصرها وترمق تلك الراقية بنظرات يملؤها الإشمئزاز:
-لكن الحوار كله بالنسبة لى زي قلته وعديم القيمة،لأنى ببساطة ماطلبتش رأي حضرتك العظيم يا طنط،فمن الذوق إنك كُنتى تحتفظى بيه لنفسك
ولعلمك بقى،كلام حضرتك ده رأى الناس البيئة اللى مش فاهمة قيمة الحياة ولا مقدراها
واسترسلت بغرور وهى ترفع قامتها للأعلى بكيرياء:
-حياتى هاعيشها مرة واحدة ولازم أستمتع بكل لحظة فيها،واعيشها بالطريقة اللى تريحنى وترضى غرورى كست أرستقراطية عارفة قيمة نفسي ومقدرة جمالى الفريد
إبتسامة جانبية ساخرة خرجت من جانب فمها وتحدثت وهى تنظر لها بتحدى:
-وأخر همى أراء اللى حواليا فى اللى بعمله
إبتلعت راقية لُعابها بعدما رأت هجوم الجميع عليها وأستنكارهم لحديثها المُشين،فارادت أن تستقطب تعاطفهم معها فتحدثت بنبرة غليظة:
-هو إنتِ زعلتى ولا إيه يا ليالى،ده أنا بهزر معاكى،طب والله بقيتى زى القمر وتسلم إيد الدكتور اللى رمم لك وشِك
رفعت حاجبيها بإستنكار من تلك الشنيعة،فتحدثت منال وهى تُشير إلى الجميع كى تُنهى ذاك الحديث السخيف:
-إتفضلوا يا جماعة إقعدوا
نظرت مليكة بعيناها إلى ثُريا فكادت أن تتحدث الأخيرة بإنسحاب لكنها صمتت عِندما صَدح صوت أيسل التى إنطلقت مهرولة إلى أبيها الذي دخل للتو من باب المنزل وذلك بعدما ناولت الصغير إلى منال ونطقت:
-بابى
إنتعش قلبهُ حينما رأها أمام عيناه،شعر وكأن روحهُ كانت غائبةً عنه والآن رُدَّت إليه بطلتها البهيةُ،ما أَحَـ.ـسَّ على حالهِ إلا وهو يفتح لها ساعديه على مسرعيهما ليتلقى قُرة عيناه عزيزةُ أبيها ويُدلفها داخل أضلُـ.ـعهُ،إرتمت داخل أحضـ.ـانهُ مُتعطِشةً لحنانهِ ودِفئ أحضـ.ـانهْ،تحدث وهو يتحـ.ـسس ظهـ.ـهرها بيـ.ـدهِ الحنون:
-حمدالله علي السلامة يا أميرة بابى،إسكندرية نورت
إبتعد عنها قليلاً وحاوط وجنتيها بكفاى يـ.ـداه ثم تحدث بتَعَلُّق وهو ينظر لداخل أعماق عيناها:
-وحشتينى يا سيلا
زمت شـ.ـفتاها وانزلت بصرها للأسفل بحُزنٍ ممزوج بدلال وتحدثت بنبرة إستيائية مُفتعلة:
-لو وحشاك بجد كُنت جيت إستقبلتنى فى المطار أنا ومامى
إبتسم على دلال صغيرتهْ ثم وضع سبـ.ـابته أسفل ذقنها ليرفع رأسها لكى تتقابل أعيُنهم وقال بحنانٍ دافيء:
-إنتِ أكيد عارفة غلاوتك عندى قد إيه وإن لو كان عندى فرصة إنى أجي لك واستقبلك بنفسي ماكُنتش هتأخر دقيقة واحدة،بس إنتِ عارفة شُغل بابى وتحكماته
واسترسل بعيناى أسفةُ:
-علشان خاطرى ما تزعليش
كانت مليكة تنظر عليهما بسعادة وفخر بزو جها الحنون، إبتسمت أيسل وتحدثت بنبرة هادئة:
-خلاص يا بابى مش زعلانة
واسترسلت بإبتهاج وهي تنظر على والدتها بإعجابٍ شديد:
-شوفت مامى إحلوت وبقت زى القمر إزاى يا بابى؟
حول ياسين نظره على تلك التى لم يلحظ وجودها لإنشغاله بإبنته،خطت بساقيها إليه بخطوات مُتعجلة حتى إقتربت عليه، ثم ألقت بحالها داخل أحضـ.ـانهْ وباتت تتحَـ.ـسس ظهـ.ـرهُ بحميـ.ـمية تعجب لها ذاك الذي حول بصرهُ على عُجالة ليتطلع إلى حبيبتهُ التى إشتـ.ـعلت نيـ.ـران غيرتها عِندما رأت رجُـ.ـلها ومتيمْ روحها بين أحضـ.ـان غيرها من النساء
تحدثت من داخل أحضـ.ـانه:
-وحشتنى يا حبيبى
أمـ.ـسك يـ.ـداها التى تحاوطهُ بها وقام بإنزالهما لجانبها،مراعاة لمشاعر حبيبتهُ وأيضاً لهؤلاء المحيطين بهما ويُدققان النظر عليهما،تحدث إليه بإبتسامة خفيفة:
-حمدالله على السلامة يا ليالى
شـ.ـعرت بالضيـ.ـق جراء فعلته تلك واكثر ما جعلها تشعُر بالإنزعاج هو وجود هذا الجمع الهائل من نساء العائلة،لكنها تحاملت وأخرجت إبتسامة رسمتها بطريقة رائعة وتحدثت:
-الله يسلمك يا حبيبي
أمـ.ـسكت مليكة كف ثُريا وهمـ.ـست قائلة بنبرة يشوبها التوتر والقلق:
-يالا بينا يا ماما
أومأت لها بطاعة وتحدثت مستأذنه من الجميع:
-نستأذن إحنا،حمدالله على سلامتكم يا بنات
نطق سريعاً وهو يتحرك إليهما تاركاً تلك الواقفة بمكانها تشعر بالإهـ.ـانة جراء تجاهل ذاك الياسين لجمالها الخلاب وعدم تعليقهُ على سحرها،وتحدث موجهاً حديثهُ إلى ثُريا وهو ينظر على مليكة:
-رايحين فين يا أمي؟
أجابتهُ ثريا بنبرة هادئة:
-هنروح علشان نشوف عَلية والبنات ونجهز الفطار
اقترب على مليكة وتحدث إليها متسائلاً بنظرة عيناى حانية:
-عاملة إيه يا حبيبتي
ابتسمت له وردت بنبرة صوت رقيقة كعادتها:
-الحمد لله يا ياسين
بادلها الإبتسامة وتحركت هى بجانب ثريا عائدتان الى منزليهما لتتابعا تحضير الإفطار
كان ينظر على أثرها،تحركت أيسل الى وقفته وارتمت داخل أحضـ.ـانه من جديد كي لا تدع له فرصة التفكير بمليكة،في تلك الاثناء دلفت ساره وهي تهرول الى أيسل وهتفت بنبرة حماسية:
-وحشتيني يا سيلا،وحشتيني قوي
سارة،وحشتيني أوى...جُمله قالتها أيسل بابتسامة حنون وتودد وبعدها إحتضـ.ـنتا الفتاتان بعضيهما
وحضرت أيضاً يسرا بصُحبة نرمين ومعهما مروان وانس للترحاب بعوده ايسل وليالي سالمين الى ارض الوطن
وما أن رأت أيسل أنس حتى هرولت عليه وبقلبٍ يفيضُ حناناً دنت منه وقامت بإحتضانهُ وتحدثت بنبرة حنون تحت سعادة الصبى:
-أنوس،وحشتنى يا قلبي
واسترسلت بعيناى سعيدة وهى تتطلع على طولهُ:
-كبرت يا حبيبي
إبتسم الصغير بشدة حتى ظَـ.ـهرت صفاى أسنانه مما جعلهُ وسيماً وأردف قائلاً بنبرة مُهْذبة:
-إزيك يا سيلا
الله يسلمك يا حبيبي...جُملة حنون خرجت منها وهى تمـ.ـسَح على شعر رأسهُ بحِنُو
حمدالله على السلامة يا أيسل...كانت تلك جُملة نطق بها الشاب مروان مُرحباً بإبنة عَمهْ الذى يكِنُ لها كُل الإحترام والتقدير
رفعت بصرها إليهْ وهمت بالوقوف سريعاً وتحدثت وهى تنظر عليه بإنبهار متعجبة:
-مروان؟!
واسترسلت بإستغراب:
-هو فيه إيه يا جماعة لا كدة كتير بجد،إنتوا ليه محـ.ـسسنى إنى غايبة ليا سنة مش يادوب أربع شهور!
تطلعت للأعلى وهى تنظر على ذاك الذي سبقها بعِدة سنتيمترات ولكزتـ.ـه فى ذراعة وتحدثت بدُعابة:
-ده أنتَ بقيت أطول منى يا مارو؟
إنضمت إليهم سارة وهتفت إليها بدُعابة:
-وإنتِ مِـ.ـستهونة بالأربع شهور دول يا دوك؟!
واسترسلت بطُرفَة وهى تُبسط ذراعها وتُشير بكفها إلى مروان:
-ده مارو طلع له شنب إعدادى فيهم
أما مروان فأمـ.ـسك ياقة كِنزته بكفاى يـ.ـداه فى حركة دُعابية وأردف موجهاً حديثهُ إلى الفتاتان بنبرة مَرحة:
-مبدأياً كدة بلاش مارو دى لأنها ما بقيتش لايقة مع طولى ووضعى الجديد
تحرك حمزة وجاور مروان الوقوف ثم وضع ذراعهُ فوق كَـ.ـتفه محاوطاً إياه وتحدث بمرحٍ إلى شقيقتهُ قاصداً بحديثهُ إبن عمه وصديقهُ:
-شوفتى يا سيلا،الأستاذ شاف نفسه علينا من وقت ما ربنا رزقه بـ إتنين سنتيمتر زيادة،حضرته بيفـ.ـرض علينا شروط معاملتنا ليه من وقت ما طول
ضحكت الفتاتان وأكمل الجميع احاديثهم الدعابية
❈-❈-❈
بعد مرور حوالى الساعة
كانت العائلة تجتمع على طاولة الإفطار كعادتهم،يتناولون طعامهم وسط أحاديثهم الشيقة مع إطلاقهم الضحكات العالية،كان يتوسط بجلوسهِ زو جتاه بحالٍ ليس بالأفضل،فحقاً تَجمُع كِلتاهُما بنفس المكان بات يؤرق نفسهُ اللوامة دائمة المحاسبة وقـ.ـذفهِ بتهمة التقصير لكِلتاهُما
أما مليكة فكانت تتناول طعامها وهى تنظر داخل صَحنها بهدوء بملامح وجه مُبهمة ويرجع هذا لحُزنها وضِيقها من معاملة ليالى والتى لا تدرى سبباً لتغيُرها هكذا
أمـ.ـسكت ليالى الشوكة والسـ.ـكِين وألتقـ.ـطت بهما قطعة من اللَـ.ـحم المشوى وقامت بوضعها داخل صَحن ياسين وتحدثت إليه بدلال قاصدة إغَاظَـ.ـت مليكة:
-كُل يا حبيبى
ألقى عليها نظرة سريعة واردف شاكراً بنبرة عادية:
-تسلم إيدك
إحتدمت غيـ.ـظاً من معاملتهِ الرسمية الخالية من أية بوادر بالإنبهار بجمالها الفاتن كما توقعت ومَنتْ حالها،لكنهُ وكعادته خيب أمَالها وحطـ.ـمها بتجاهلهُ لجمالها الذى أصبح أيقونة لاحظها الجميع إلاَه وعدا تلك الغليـ.ـظة المسماه براقية
كظـ.ـمت غيظـ.ـها بداخلها وقررت عدم الإسـ.ـتسلام وأعادت المحاولة ولكن بأقوى من سابقتها،إقتطـ.ـعت قِطـ.ـعة من الطعام الموجود بصَحنِها وبسطت ذراعها إليه وقربت بشوكتها إلى فَـ.ـمهْ وهى تنظر إليه بعيناى عاشقة وأبتسامة ساحرة،نظر عليها رافعاً أحد حاجبيه مُتعجباً أفعالها الغريبة،فتح فمه وألتقط منها الطعام ومضغهُ ثم تحدث:
-متشكر يا ليالى،إفطرى إنتِ أنا باكل بنفسى
كانت تراقبهُما بطرف عيناها بحرصٍ شديد كى لا تلفت الأنظار إليها وتضع نفسها بموقف لا تُحسَد عليه،رُغماً عنها شَـ.ـعرت بنـ.ـار الغيـ.ـرة تسرى بجَـ.ـسدها وتتـ.ـوغل به،وفجأة شَعـ.ـرت بيـ.ـدهُ الحنون تمتدُ من تحت الطاولة وتربت على فخـ.ـدها بمؤازرة وكأنهُ يقول لها أنا هُنا غاليتى
إلتفتت لهُ وتعمقت بالنظر داخل عيناه وأبتسامة رضا وحنان إعتَـ.ـلت ثغرها،قابلها بأخرى هائمةُ ذائبة فى عِشقها وحدثتها عيناه:
-عودى لثباتك ولا تقلقى سيدة قلبى،فقلبىّ النابضُ مِلكًُ لك وفقط،أعشَقُكِ فاتنتى وبحنون
إبتسمت له وكى لا تدع الحِـ.ـقدُ يتسللُ لقلب أيسل أو ليالى عاودت النظر لداخل صَحنها من جديد تحت إستشاطة كِلتا اللواتى تراقب نظراتهما ويـ.ـد ياسين التى إمتدت تحت الطاولة،إنها الفتاة وأمها
رمقت أيسل مليكة بنظرات حاقـ.ـده وذلك جراء ما رأتهُ من عِشقٍ جارف ظَـ.ـهر بَيِنّ بعيناى أبيها لتلك الدخيلة على عائلتها الصغيرة
نظر عز الى ولَدهِ وابتسامة ساخرة ظَـ.ـهرت فوق شَـ.ـفتاه عندما رأى وضع نجلهُ السئ والذي لَا يُحْسَدُ عَلَيْهِ،فهم ياسين مغزاها وابتسم له وهز رأسه باستـ.ـسلام وتحدث مُداعـ.ـباً أباه:
-ربنا ما يحرمني منك ولا من دَعمك يا باشا
أطلق عز قهقهاتٍ عالية أثـ.ـار من خلالها إنتباه الجميع إليه وتحدث مُتهـ.ـكماً:
-أي خدمة يا حبيبي،إنتَ تؤمر
ضحكة عالية خرجت من طارق الذى كان يتابع ذاك الثُنائى المنسجم،في حين تحدث وليد مُستفهماً بدُعابة:
-ماتضحكونا معاكوا يا بشوات ولا على الأقل عرفونا السبب
تحدث إليه عز بحديث ذات مغزى وهو ينظُر إلى راقية:
-إبقى إسأل راقية عن السبب وهى تقول لك يا وليد
ضيقت راقية عيناها ولوت فاهها بتعجُب ثم سألته مُـ.ـستنكرة:
-كان حد قال لك إنى خبيرة فى لغة العيون علشان أفهم بصاتك إنتَ وإبنك اللى مليانة ألغاز يا سياده اللواء؟!
ضحك عز وياسين بأصواتٍ عالية وصلت حد القهقهة وتحدث عز إلى وليد مؤكداً على ما ذكرهُ مُنذُ القليل:
-مش قلت لك إسال أمك يا وليد
ثم حول بصرهِ إلى عبدالرحمن وأردف بحديث ذات مغزى:
-الله يعينك على الى إنتَ فيه يا عُبد
عقب عبدالرحمن على حديث شقيقهُ قائلاً بدُعابة:
-علشان تعذرنى يا عز يا أخويا،أنا عايش مع شارلوك هولميز شخصياً
تَضاحَكَ الشقيقان بشدة ثم أردف عز موجهاً حديثهُ إليها قائلاً بنبره ساخرة:
-عارفة يا راقيه،إنتِ ثروة قومية وخسارة كبيرة إن البلد ما تستغلش موهبتك بالشكل اللى يناسب قدراتك العظيمة،المفروض مثلاً جهاز زى المخـ.ـابرات العامة يشغلك معاه ويستفيد من قدراتك الخارقة فى مراقبة أكتر من مية شخص فى نفس ذات اللحظة
قهقه الجميع وتحدثت هى بإبتسامة جانبية ساخرة في محاولة منها بتحسين صورتها أمام الجميع:
-أنا مش هزعل منك يا سياده اللواء علشان عارفاك طول عُمرك بتحب الهزار،ولولا إنى مُتأكدة من كدة كُنت قُلت إنك بتهزقنى بالذوق
أجابها عز بنبره جادة وحديث مقصود:
-لو قُلت لك إنى ما بهزرش هتصدقينى يا راقية؟
إنتِ بجد عندك قُدرات خاصة في قوة الملاحظة ده غير سُرعة البديهة اللى ربنا ميزك بيها
واسترسل بحُبور:
-بس يا خساره بتستـ.ـغليها في المكان الغلط وبالطريقة الغلط
واستطرد بتمنى:
-يا ريتك يا راقية تحاولي تستـ.ـغلي نِعَم ربنا عليكى في الخير وإصلاح حياتك،صدقيني هيفرق معاكى جداً
كانت تستمع إليه بعدم إكتراث،هزت رأسها بلامبالاة ثم تابعت تناول طعامها بشهية مفتوحة وكأن شيئاً لم يكُن
أرادت تلك الثُريا راقية الأخلاق أن تَخلق جواً أسرياً مليئ بالتودُدْ بين الجميع،ولتُخرج الجميع من حالة المُـ.ـشاحنة تلك فتحدثت إلى ليالي مُتسائلة بنبرة حنون:
-عجبك الأكل يا ليالي،أنا عملتهُ لك بنفسي يا حبيبتي،عملت لك كُل الأصناف اللي بتحبيها إنتِ وأيسل
نظرت إليها ليالي بإبتسامة بشوشة وتحدثت بنبرة مُمتنة:
-تسلم إيدك يا طنط،بس أنا مش هاقدر أكل غير من نوعين بس وحبة صُغيرين خالص
واسترسلت شارحة بنبرة غَليظة تصل حَد العجرفة:
-أصلى بصراحه ما بقتش باكل كثير علشان وزني ما يزيدش،ودى نصايح الدكتور ليا علشان أفضل محافظة على جمال بشرتى ورشاقتى
أومأت لها ثُريا بفطور وهى تنظر داخل صَحنها بتجاهل تام لتُرَّهَات تلك الفارغة من الداخل تحت غضـ.ـب عز من إسلوب تلك الحَمْقَاء، إستـ.ـشاط داخل ياسين الذي رمقها بنظرات حـ.ـارقة إكتفى بهم كى لا يُهين تلك الفارغة أمام الجميع ويُحزن قلب أبناءه
إنزعجت أيسل من إسلوب والدتها الوقـ.ـح في حق تلك الثُريا التى تكِنُ لها كل التقدير والحُب فتحدثت إليها بنبره حنون:
-تسلم إيدك يا نانا الأكل تحفة،الإسكالوب وهم،ولا المكرونة حلوة أوى
واسترسلت بطريقة ساخرة كى تُدخل السرور إلي قلب تلك الثُريا:
-بصراحة كدة طعم أكلك غسل قلبى من جوة،وعوضنى عن مُعاناتى مع أكل هيلين الألماني اللي ما لوش لا طعم ولا لون
إبتسامة سعيدة إعتلت ثغر ثُريا التى تحدثت بنبره تقطرُ حناناً:
-بألف هنا وشفا على قلبك يا حبيبة نانا،إن شاء الله هعمل لك كُل الأكل اللي بتحبيه وأعوضك طول أجازتك
أما راقية فقد إستغلت الوضع كعادتها لبخ سُمها وتحدثت بنبره مُتهكمة وهي تنظر إلى ليالي:
-يا ضنايا يا بنتى،ما هي لو أمك بتعرف تُطبخ زي الستات كانت أكلِتك ولا أتحوجتي ياعين أمك للأكل الألماني اللي بتقولي عليه ده
رمقتها منال بنظرة حـ.ـارقة وكادت أن تُهـ.ـاجم تلك الراقية مُدافعة عن إبنة شقيقها،سبقتها ليالي متحدثةً بطريقة مُتعجرفة وهي ترفع قامتها لأعلى:
-أكيد حضرتك بتهزرى وما تقصديش الكلام اللى قُلتيه ده
واسترسلت وهى تتحدث بتَّعَظُم لحالها:
-بقى عوزانى أنا،ليالى العشرى تربيه المدارس الألمانية أدخل المطبخ وألبس المريله وتبقى ريحتى كلها بصل وتوم
زفر ياسين وتحدث بنبرة حادة بعدما طفحَ بهِ الكيل من تصرُفات تلك الفارغة ليالى وتلك المتحشرة الملقبة براقية:
-هو فيه إيه يا جماعة،هو إنتم ما بتعرفوش تاكلوا وإنتم ساكتين أبداً؟
واسترسل بنبرة جافة:
-نفختوا قلبنا وصدعتونا من المـ.ـدَافِعْ اللى عمالين ترموها على بعض من ساعة ما قعدنا على السُفرة
عَقب عز على حديث نجلها قائلاً:
-والله يا أبنى عندك حق
واستطرد بنبرة صارمة وهو يوزع نظراتهِ السَـ.ـاخِطَة على نساء العائلة مما أربك الجميع وبالأخص تلك اللمار بالرغم من صمتها التام فى حضرت ذاك الداهى:
-الوضع كدة زاد عن حَده ولازم له واقفة!
ده لا بقى فيه إحترام لوجود رجالة العيلة
وأكمل بإستحسان وهو يُشير إلى ثُريا بكف يـ.ـده:
-ولا حتى للسِت اللى فاتحة لكم بيتها ومغرقة الكُل فى كَرمها طول الشهر،والواحد عمال يفوت وأقول على الله يحِـ.ـسوا على د مهُم وياخدوا بالهم من وجودنا ويسكُتوا،بس بيزيدوا
أردفت ثُريا بنبرة صوت هادئة كى تستدعى هدوء ذاك العِز:
-هدى أعصابك يا سيادة اللوا،مقامك محفوظ وعلى راس الجميع إنتِ وكل رجالة العيلة
واسترسلت بإبانة:
-كل الموضوع إنهم بيفكوا عن نفسهم مع بعض فى الكلام
وكأن بكلماتها أطفـ.ـأت نـ.ـارهُ فتحول لأخر وتحدث بوجهٍ بشوش:
-أنا هعدى الموضوع علشان خاطرك إنتِ بس يا أم رائف
إشـ.ـتعل داخل منال التي رمقته بنظرة حـ.ـارقة رأها وتلاشاها وعاد يُكمل تناول طعامهُ
❈-❈-❈
بعد انتهاء الإفطار ذهب كُلٍ الى منزله وذهبت أيسل وليالي ليستريحا داخل غرفهم بعد مشاقه السفر ويومهما الطويل،
تحرك ياسين إلى مليكة حيثُ صعدت بعد الإفطار إلى جناحها لتتناول أدويتها الخاصة بالحمل،وجدها تتمدد فوق تختها،جلس على طرف الفراش وسحـ.ـبها ليُسكنها داخل أحضـ.ـانهُ ثم أمـ.ـسك أسفل ذقـ.ـنها ورفع وجهها للأعلى لتتقابل أعيُنهم وسألها بإِعتِنَاء:
-مالك يا حبيبي؟
واسترسل بسؤالٍ مُبالٍ:
-فيه حاجة مضايقاك؟
ابتسمت له ببشاشة وجه لكى تجعلهُ يطمئن عليها وتحدثت بنفى:
-ما فيش يا ياسين،تعبانه بس شويه
يعلم أنها لا تقُل الحقيقة خشيةً إزعاجه فتحدث متسائلاً:
-تعبانة إزاي؟
لم تُجيبهُ على سؤالهْ واكتفت بدفـ.ـن حالها داخل أحضـ.ـانهُ الحنون حتى تُشعر روحها بالسَـ.ـكينة والأمان،شدد من ضـ.ـمته بقوة وتنهد بأسي لأجلها،وتحدث وهو يُمرر كف يـ.ـده مُملـ.ـساُ بها على شعرها بحنانٍ بالغ طمئن روحها:
-حبيبي،أنا مضطر أبات النهاردة عند ليالى،مش عاوزك تزعلى،علشان خاطري حاولى تاخدي الأمور ببساطة علشان ما تتعبيش
أبعَد رأسها عنه ونظر داخل عيناها واستطرد بنيرة حنون:
-مش عاوز أبقى قلقان عليكِ يا مليكة،علشان خاطر ياسين تخلى بالك من نفسك
واسترسل بإبتسامة سحرتها وهو يُشير إلى قلبهُ:
-ومش عاوزك تنسي إن مافيش غيرك هنا
هزت رأسها عدة مرات متتالية وابتسامة طمأنينة رُسمت على ثغرها،واسترسل هو بنبرة تقطرُ حناناً:
-حاولي تستريحي وتنامي وأنا إن شاء الله هاجي أشوفك قبل ما أروح الشغل بكرة،إتفقنا يا حبيبي
شعرت بسعادة تغـ.ـزو روحها ثم حركت رأسها بإيجاب وتحدثت بنبرة هادئة:
-ما تقلقش عليا يا حبيبى،أنا عارفه إنك لازم تروح لها وصدقني مش زعلانة،ده حقها عليك
واسترسلت وهى تحـ.ـسهُ على المغادرة:
-يلا قوم علشان تجهز لصلاة التراويح وأنا هاحاول أنام شوية وبعدها هاقوم أقعد مع الأولاد
أومأ لها بموافقه وبالفعل تحرك للخارج كي يذهب الى المسجد لقضاء صلاه التراويح مع التجمع العائله اليومي
بعد الثانية عشر من منتصف الليل،داخل جناح ياسين المُشترك مع ليالي
كانت تتمـ.ـدد بجوار ذاك الذي يستند بظـ.ـهرهِ على خلفية التخت ويبدوا على وجهها الراحة بعد أن قضت معهُ وقتاً مُمـ.ـتعاً للغاية بالنسبةٍ لها،تنفست براحة وتحدثت:
-ما تتصورش إنتَ كُنت واحشني إزاى يا ياسين
إبتسم لها بخفوت وهز رأسهُ وكُل ما يشغل بالهُ فى هذه اللحظة هى تلك العاشقة ونـ.ـارها المتيقن أنها وصل إشتِـ.ـعالها للمنتهى،نظر عليها وتحدث بنبرة هادئة وهو ينزل من فوق التخت وشرع بإرتداء ثيابهُ:
-هاروح أطمن على غز وارجع لك تانى
إتسعت عيناها وهتفت بنبرة حادة بعض الشئ:
-إنتِ بتتكلم جد يا ياسين؟!
إنتَ هاتسيبنى وأنا لسة راجعة من السفر من كام ساعة وتروح لمليكة؟
تحدث إليها بنبرة باردة:
-بس أنا ما قولتش إنى رايح لمليكة؟!
أجابتهُ بنبرة جادة:
-بس اللى حوالينا مش هايفسروها غير كدة يا ياسين
واسترسلت بعيناى لائمة:
-ما إنتَ لو كُنت شوفت اللى إسمها راقية وهى بتلقح عليا بالكلام عن حُبك العظيم لمليكة اللى بقى ظاهر للكل،ما كُنتش فكرت تحطنى فى موقف زى ده؟
إتسعت عيناه بحِدة وهتف بنبرة صارمة:
-هو إنتِ دماغك بقت تافهة لدرجة إنك تحطى كلام واحدة حقـ.ـودة ومخها ضايع زى راقية فى دماغك؟!
أجابتهُ بنبرة حادة تصل حد الغضـ.ـب:
-ولما تقرر تسيبني بعد وصولى من السفر بكام ساعة وتروح لها،مش كدة تبقى بتأكِد للكل إن كلامها مظبوط؟!
واسترسلت بنبرة حادة وهى ترفع قامتها للأعلى:
-إحنا مش عايشين فى المكان لوحدنا،والكل بيراقب تصرفاتنا وبيحكموا على علاقـ.ـتنا من خلالها
واستطردت بنبرة متعالية:
-ياريت تبقى تاخد بالك من أفعالك قدام العيلة بعد كدة،وما تنساش إنى مِـ.ـراتك من قبلها وأم أولادك ولازم أبقى المُفضلة وتدينى برستيچى فى المعاملة قدام كُل العيلة
واسترسلت بما أشـ.ـعل داخلهُ:
-أنا الأصل يا سيادة العميد
إستـ.ـشاط داخله وصاح بها بصرامة وملامح وجه حازمة:
-أنا ماعنديش أصل وفالصو يا مدام
واسترسل بنبرة قاطعة:
-مليكة مِـ.ـراتى زيها زيك وليها كُل الحقوق اللى ليكِ بالظبط،وإذا كُنتى إنتِ أم أولادى زي ما بتقولى فهى كمان أم أولادى،يعنى زيها زيك فى كُل حاجة وما فيش واحدة منكم مفضلة على التانية
واستطرد بصياحٍ بنبرة تنبيهية:
-فاهمة ولا لاء؟
كانت تستمع إليه بعيناى غاضـ.ـبتان ثم تحولت إلى ضعيفتان بعد أن اغرورقت بالدموع وتحدثت مُترجية بنبرة مُتـ.ـأثرة:
-بلاش تروح لها يا ياسين،لو فعلاً بتحترمنى زى ما بتقولى دايماً يبقى بلاش تقلل منى قدام العيلة؟
واسترسلت بعيناى مستعطفة:
-بلاش تخليهم يبصوا لى على إنى الست اللى فشلت تحتوى جوزها وتخليه يحبها،ما تخليهُمش يبصوا لى على إنى مش مالية عينك لدرجة إنك تسيبنى فى يوم زى ده وتروح لها بحجة إبنك الصُغير
نظر علي عيناها وتذللهما له ولان قلبهُ وأنبهُ ضميرهُ فاقترب من وقفتها وسحـ.ـبها لداخل أحضـ.ـانه وتحدث بنبرة هادئة فى محاولة منه لمراضاتها وٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّه:
-إهدى يا ليالى،ولو هايريـ.ـحك إنى ما اروحش أشوف الولد اللى ما بيعرفش ينام من غير ما يشوفنى أنا هعمل ده علشانك
تنفست براحة وتحدثت بسكينة:
-ربنا يخليك ليا يا ياسين
تنهد بثقل،وأبعدها عنه ثم نظر إليها وسألها مُستفسراً:
-ليالى،هو فيه حاجة حصلت بينك وبين مليكة أنا ما أعرفهاش؟
ضيقت عيناها وسألته متعجبة:
-هى مليكة إشتكيت لك منى ولا إيه؟
أجابها نافياً:
-خالص،ما أنتِ عارفة مليكة وطبعها،أنا اللى لاحظت ده فى تصرفاتها معاكى،حـ.ـسيت إنكم مُتجنبين بعض شوية
إشتد غيـ.ـظها ووجهت لهُ سؤالاً بنبرة مُتبرِّمة:
-وياترى ما لاحظتش أى حاجة تاني غير إن مليكة زعلانه ومتجنبة الكلام معايا؟!
ولا ملاحظاتك القوية دى بتبقى لمليكة وبس يا ياسين؟
قطب جبيبنهُ وسألها مستفهماً:
-تقصدى إيه؟
هتفت بنبرة حادة تنمُ عن مَدى إنزعاجها:
-زى تغيير شكلى مثلاً؟!
واسترسلت بعيناى لائمة:
-اللى كل اللى شافنى لاحظه وانبهر بجمالى إلا جـ.ـوزى اللى أنا عاملاه علشانه أصلاً
رفع حاجبيه بإستنكار وسألها بنبرة تشكيكية:
-وإنتِ فعلاً عاملة التجميل ده علشانى أنا يا ليالى؟!
نظرت إليه وأجابته بنبرة زائفة فهى لا تفعل شئ سوى لليالى وفقط:
-هو أنتَ عندك شك فى كِدة يا ياسين؟
إبتسم بجانب فمه ساخراً وتحدث متهكناً:
-لا طبعاً،أنا متأكد
ثم استطرد بإبانة:
-على العموم أنا ما طلبتش منك تعملى كدة،ومش مقتنع ولا موافق على الموضوع كله من أصله،أنا وافقت مُجبر علشان ما تزعليش وتفتكرى إنى مانع عنك حاجة بتسعدك
واستطرد بنُصح:
-لكن لحد هنا ولازم تقفى مع نفسك وتراجعيها،لأن الموضوع بدأ يزيد عن حده معاكِ وممكن يقلب لمَرَضِى
جحظت عيناها وأبتسمت ساخرة وتحدثت:
-قوام حولتنى لمجنونة علشان باهتم بجمالى يا سيادة العميد؟
أشار لها بكف يـ.ـده ليحـ.ـثها على التوقف وتحدث بنبرة إستسـ.ـلامية وذلك لعدم رغـ.ـبته فى إطالة المناقشة أكثر من ذلك:
-لحد كدة وخلص الكلام،أنا غلطان لك وإنتِ حُرة،خليكى ماشية فى طريقك بس ما تبقيش تيجى تعيطى لما تعملى عملية من دول ويحصل لك لا قدر الله تشـ.ـوهات زى ما بنسمع،وأظن شوفنا كوارث من دى كتير مؤخراً
إرتدى معطفاً فوق منامته وتحدث كى يُنهى ذاك الجدال العقيم بالنسبة له:
-أنا رايح أشوف سيلا وأقعد معاها شوية
واسترسل ساخراً:
-ولا ده كمان ممنوع؟
تنهدت بضيق وغضب من معاملته القاسـ.ـية وتحرك هو متجهاً لحجرة صغيرته
❈-❈-❈
تحركت مليكة الى غرفة مروان في محاولة منها باشغال حالها بأطفالها كي لا تدعى فرصة للشيطان الدخول إليها
دقت باب الصبى ودخلت بعدما سمح لها هو،وجدته مُمـ.ـسكاً بالجيتار هدية ياسين له ونظرت عليه وتحدثت بإبتسامةحانية:
-بتعمل ايه يا حبيبي؟
أجابها الفتى بنبرة صوت حماسية:
-بلعب على الجيتار يا ماما
تحدثت اليه من جديد:
-طب تعالى ننزل عند تيتة،أنا هاخد إخواتك وأنزل أقعد معاها شوية عشان نونسها،الكل روح بدرى النهاردة وسابوها لوحدها
وافقها الفتى على حديثها وقام بوضع الجيتار جانباً ثم تحرك بجانب والدتهُ ودخلا سوياً إلى غرفة الصغيران،حمل عنها عز الصغير وجاورت هي صغيرها أنس وتحرك الجميع الى الاسفل عبر الدرج، وقفت بصغارها أمام حجره ثريا ثم دقت بابها بهدوء،إستمعت الى صوت ثريا من الداخل فتحت الباب وطلت هي واطفالها مما اسعد قلب تلك الجميلة التي تحدثت بنبرة سعيدة:
-أهلاً أهلاً أهلاً،تعالوا يا حبايبي واقفين بره ليه
سارت بأطفالها إليها وتحدثت بإبتسامة بشوش:
-إحنا قُلنا نيجي نونس حضرتك ونقعد معاكِ شوية،أنس وعزو عايزين يسمعوا حكاية من حواديت نانا،وأنا ومروان كمان إشتقنا لحكاياتك
واسترسلت بإبتسامة بشوشة:
-إيه رأيك بقى تحكي لنا حكاية من حكاياتك الجميلة
إبتسمت لها بحنان ثم قامت بفتح ذراعيها على مسرعيهما في دعوة منها للصغيران وإشارة لدلوفهما إلى أحضـ.ـانها،هرول عليها الصغيران وقبع عز داخل أحضـ.ـانها الحنون وجاورها أنس الجلوس وتحرك مروان وجلس بجانب جدته التى باتت تُدثرهم بالأغطية الوثيرة بمنتهى الحنان،أما مليكة فجلست بالمقابل بالطرف الآخر للتخت
وجهت ثُريا إلى أحفادها بنبرة حنون:
-يلا قولوا لي بقى عاوزين تسمعوا حكاية إيه ولا تخلوها لذوقي أنا؟
تحدث أنس بنبرة حماسية وصوتٍ عالي:
-أنا عاوز حكاية سنو وايت والأقزام السبعة يا نانا
أما عز فتحدث بتذمر طفولي ونبرة إعتراضية قائلاً:
-لا أنا مش عاوز سنو وايت،أنا عاوز حكاية التعلب المكار
ضحكت ثريا بمرح وتحدثت إليهما بنبرة عطوفة:
-طب إيه رأيكم أنا هريحكم خالص وهختار لكم أنا
وسألتهم من جديد:
-إيه رأيكم في حكاية ليلى والذئب المكار
هلل الصغيران وصفقا بأيـ.ـاديهم وبدأت ثريا بسرد الرواية بطريقة رائعة تحت إبتسامة الجميع وتصفيق الصغار وسعادة مليكة البالغة لسعادة أطفالها الصِغار وتجمع العائلة والدفئ والحنان التي غمرتهم بهِ تلك الثريا عالية المقام
مر الوقت ولم يشعر الجميع به من شدة إندماجهم،غفا أنس داخل أحضـ.ـان ثريا وأيضاً عز القابع فوق ساقـ.ـيها،أما مروان فكان مُستمتع للغاية بالجمع العائلي وحنان جدته الذي يفيضُ على الجميع
طلبت ثريا من مليكة أن تترك لها الصغيران ليغفا بجانبها وبالفعل وافقت وتحركت للأعلى هي ومروان بعد أن دثرت الصغيران تحت الأغطية واطمئنت عليهما داخل أحـ.ـضان جدتهُما الحنون وصعدت هي ومروان كُلٍ الى حُجرته وانتهت الليلة
❈-❈-❈
صباح اليوم التالى
خرجت مليكة وأتجهت إلى البحر لتتمشي على شاطئهِ علها تستطيع إخماد نيـ.ـران قلبها التى تتمدد وتكاد تُطالُ كُل ذرةٍ بكيانها وتدمـ.ـرهُ،كانت تتحرك بخطواتٍ هادئة ترفع قامتها للأعلى وتتنفس هواء البحر المُنعش برائحة اليود التى تعشقُها ولكن هذة المرة لم تكُن بإستـ.ـمتاع،بل كانت بجَـ.ـسدٍ مُحـ.ـترق بنـ.ـار الغيرة
إستمعت إلى صوتٍ يصدح من خلفها قائلاً:
-مليكة
واسترسلت بعدما جاورتها:
-ده إيه الصدفة الحلوة دى،إنتِ كمان جاية تمـ.ـارسي رياضة المشي على البحر؟
اِرتَسَمَت اِبتسَامَة هَادِئة عَلَى محُيَّاها وتحدثت:
-لمار إزيك
أجابتها تلك التى لم يكُن وجودها هُنا من باب الصُدفة كما ادّعت:
-أنا تمام،إنتِ كويسة؟
واسترسلت بنبرة خبيثة:
-شكلك بيقول إنك متضايقة؟
هزت مليكة رأسها وتحدثت نافية بإدعاء بعدما فهمت مغزى سؤالها الخَبيث:
-وأنا هاتضايق من إيه،أنا الحمدلله كويسة جداً
أومأت لها بموافقة ثم تحدثت بما أتت إليه خصيصاً بعد ترقُبها للفرصة المناسبة وها هى قد أتت إليها:
-طارق قال لك إنه وافق على عرض الشراكة اللى أنا جيتها؟
قطبت مليكة جبينها بمباغتة وتحدثت بنبرة مستفسرة:
-وافق إزاى يعني؟
ضيقت لمار عيناها ومن ردة فعل مليكة المتعجبة،إستطاعت أن تَستنتِج عدم إبلاغ طارق لتلك البلهاء، ومن هُنا لمعت عيناها وأردات أن تتوغل بأفكارها الشيطانية داخل عقل مليكة فى محاولة داهية منها للمُضي فى خطتها فى التفرقة بين ذاك الطارق وتلك المليكة مُتبعة قانون فَرِّق تَسُدْ
إتسع بؤبؤ عينيها وفرغت فاهها بعدم تصديق زائف إصطنعته كى تُزيد من إِمْعَاض تلك المليكة،ثم تفوهت مُتعجبةُ بنبرةٍ خَبيثة تقطرُ سُمًّا:
-معقولة طارق ما بلغكيش بالخبر؟!
ده أحنا مضينا عقود التعاون مع الشركة بقى لنا يومين بحالهم؟!
ثم تفوهت بتذكر واهى لتزيدُ من تشتُت عقلها وزعزعت ثقتها بذاك الطارق:
-آه إفتكرت،هايبلغك ليه وهو مضي عقود التعاون على حصته هو وبس،يعنى من الآخر كدة الأرباح كُلها هتدخل للأسهم بتاعته هو والموضوع أصبح ما يخصكيش
قضبت مليكة جبينها وسألتها بإندهاش:
-إنتِ متأكدة من الكلام ده يا لمار،يعنى طارق ما مضاش العقد على كل أسهم الشركة؟!
رفعت حاجبيها بتعجب وأردفت مُفَسِّرةً:
-طبعاً مُتأكدة،أنا كُنت موجودة بنفسي والطرفين بيوقعوا على العقود
ثم استرسلت بإستفاضة:
-ده غير إن طارق ماينفعش يتفق على دخول الأسهم بتاعتك داخل الإتفاق من غير موافقتك وإمضتك على العقود
واستطردت بإعلام:
-على فكرة يا مليكة،أنا إتعينت تبع الشركة الموردة وهتابع الشُغل بنفسى وهاستقبل الشُحنات أنا ووليد
إبتلعت لُعابها وتحدثت منسحبة بعيناى زائغة تكشف مَدى تخبُط ذهنُها وتشتُت روحها:
-بعد إذنك، أنا مضطرة أرجع علشان عز
هتفت قائلة بما جعلها تتسمر بوقفتها لإستماع تكملة حديثها:
-أنا عارفة إنك رفضتى العرض علشان كُنتى قلقانة منى
واسترسلت بنبرة مستاءة أَتْقَنَت صُنعها بمهارة عالية:
-مش عارفة ليه دايماً بحِـ.ـس إنك مش بتستريحى لى ولا بتثقى فيا،مع إنى عُمرى ما اذيتك فى حاجة،"بالعكس"
واسترسلت بنبرة زائفة وهى تلعب على وترها الحَـ.ـساس بكل براعة:
-كُل كلامى ليكى بيكون فى إطار مصلحتك وإنى حابة أساعدك وأساعد أولادك اليتامى،أنا عُمرى ما فكرت أعمل حاجة تأذيكى أو تأذي أولادك يا مليكة
واسترسلت بما يؤكد حديثها:
-واظن أكبر دليل على صحة كلامى هى موافقة طارق على العرض اللى أنا كُنت مقدماهولك قبل منه
ثم توغلت داخل عيناها لستدعى إنتباهها بالكامل وتنهدت بأسي ثم تحدثت بنبرة بها الكثير من الشَجن قاصدة بحديثها طارق:
-للأسف يا مليكة،إحنا بقينا فى زمن صعب أوى،أصبح فيه الكُل معمى بالطمع وكل واحد عاوز يكوش على حق غيره
أخذت مليكة نفساً مطولاً يكشف مدى الألم الذى سَكن روحها وتحدثت بإقتضاب:
-بعد إذنك
قالت كلماتها وسارت بطريقها نحو المنزل بخيبة أمل وروحٍ مشتتة،نظرت عليها لمار وأطلقت إبتسامة واسعة مليئة بالسخرية ثم رفعت قامتها للأعلى وتنفست براحة
دلفت مليكة إلى حديقة المنزل،أخرجت هاتفها الجوال من جيب بِنطالها وطلبت رقم طارق وتساءلت بنبرة جادة بعدما إستمعت لتحيتهُ لها وردتها:
-إلا قول لى يا طارق،إنتَ صحيح مضيت عقود التعاون مع الشركة الأوربية اللى لما كانت جيباها كوسيط؟
أغمض عيناه بضيق جراء المفاجأة،كل ما كان يُشغل بالهُ طيلة الأيام الماضية هاهو قد حدث،كان يتأمل أن يمُر الأمر بسلام قبل أن يتم إنكشافه وبالأخص من تلك البريئة
أردف قائلاً بنبرة صوت جاهد فى إخراجها متماسكة:
-آه يا مليكة،أنا كُنت هقول لك بس إنشغلنا برجوع أيسل وليالى وما كانش فيه فرصة علشان أفاتحك وأبلغك
أرادت أن تكشف عن إن كان ما أبلغتها به تلك اللمار صحيحاً أم أنهُ مُجرد إفتراءٍ كاذب،فتحدثت بذكاء بنبرة حادة لم تستطع التغلُب عليها:
-وأنا إيه اللى يخُصنى فى الموضوع علشان تبلغنى بيه يا طارق،على حسب المعلومات اللى وصلتنى إنك مضيت عقد التعاون على الأسهم بتاعتك بس
هز رأسهُ بأسي،ثم ألقى بها إلى الخلف مُستنداً على خلفية مقعدهِ وسألها بنبرة هادئة:
-مين اللى قال لك يا مليكة؟
أجابتهُ بقوة:
-مش مُهم مين اللي قال لى،المهم إنى إتأكدت إن اللى الكلام اللى وصلنى صح
واسترسلت:
-على فكرة يا طارق،أنا مش زعلانة على إنك خليت الإتفاق على الأسهم بتاعتك بس،أى حد من الطبيعى إنه هيسعى يكبر شغله ويدور على المكسب الكبير لنفسه
واسترسلت بمرارة ملئت صوتها:
-أنا اللى مزعلنى إنك حذرتنى من لمار وبعدها روحت إتفقت معاها ومضيت العقود من غير حتى ما تكلف نفسك وتبلغنى
أغرورقت عيناها بالدموع واسترسلت بنبرة صوت مختنقة بفضل دموعها المحتجزة:
-يمكن يكون الموضوع عادى بالنسبة لك وبالنسبة لكل الناس،أنا بس اللى بتعشم فى الناس زيادة عن اللزوم علشان كدة بزعل
أما ذاك المتألـ.ـم لألـ.ـم صديقتهُ البريئة فاردف مُفسراً تصرفهُ:
-إسمعيني من فضلك يا مليكة،أنا فعلاً رفضت العرض فى الأول لكن بعد ما قعدت مع نفسي وفكرت بالعقل لقيت إنها فعلاً فرصة ما تتعوضش،قُلت لما أجرب أنا معاهم بالأسهم بتاعتى كام صفقة ولو فعلاً طلعت الأرباح زى ما بتقول لمار هضيف الأسهم بتاعتك إنتِ والأولاد وعمتى وكمان يُسرا
اردفت بصلابة:
-مافيش داعى تبررلى تصرفك يا طارق،أنا مش بحاسبك،إنتَ حر تدير نصيبك من الشركة بالطريقة اللى تريحك وتدور على مصلحتك
واسترسلت لتُنهى المحادثة:
-بعد إذنك يا طارق
أغلقت هاتفها وشعرت بكَمٍ هائل من الخزلان،أما طارق فنفخ بضيق،وبسرعة البرق كان يضغط زر الاتصال برقم شقيقهُ الذي أجاب سريعاً من مكتبهِ داخل جهاز المخابـ.ـرات قائلاً بمرح:
-طروق باشا صباحك فُل
نطق طارق بنبرة صوت مُغلفة بالألـ.ـم:
-مليكة عِرفت يا ياسين
وبدأ بسرد ما دار بينهما،زفر ياسين بضيق ثم اخذ نفساً عميقاً وتحدث مُهدءاً شقيقهُ:
-روق يا طارق ومتزعلش نفسك
رد بنبرة حزينة:
-مش عاوزنى ازعل إزاى يا ياسين،إنتِ أصلك ما سمعتش مليكة وهى بتكلمنى وصوتها كله إتهام ليا،
واسترسل وهو يهز رأسهُ بأسي:
-أنا الوقت فى نظرها مجرد واحد جَشع،طِمع فى المكسب الكبير لوحده
هتف ياسين بنبرة قوية:
-خلاص يا طارق إهدى،مليكة طيبة وما بتعرفش تزعل من حد وخصوصاً منك إنتَ،لأنها بتعزك وبتعتبرك زى أخوها،هاتزعل لها يومين وبعدين هتصفى
واسترسل بتهاون لتيقنهُ من قلب حبيبتهُ الرقيقة:
-سيبك من موضوع مليكة وزعلها،ده سهل السيطرة عليه،خليه عليا أنا
واسترسل بنبرة غاضبة:
-أنا فى بنت الكلـ.ـب اللى مش مخلية فرصة إلا لما تستغلها علشان تفتن الكُل فى بعضه،نفسي أفهم البت دى عاوزة إيه وبتعمل كُل ده ليه، ومين اللى وراها
واسترسل بنبرة تنمُ عن مدى إشتـ.ـعال روحهُ:
-قسماً برب العزة لو طلع اللى فى دماغى صح، لأخلي اللى هعمله فيكِ يا لمار يتحكى عنه ويتدرس للأجيال اللى جاية
عودة إلى مليكة
دلفت لداخل المنزل،وجدت ثُريا تجلس فوق الأريكة تُطعم الصغير عز الجالس بجانبها،وقفت أمامها بملامح وجه يُسيطر الغـ.ـضب عليها وهتفت بنبرة حادة قوية:
-ماما،أنا قررت أروح الشركة وأدير نصيب أولادى بنفسى.
تُرى ما الذي إنتوت عليه تلك المليكة؟
وكيف سيكون ردة فعل ياسين علي قرارها ذاك؟
وهل سيخضع لقرارها أم أنهُ سيرفضهُ وبقوة؟
كل هذا واكثر سنتعرف عليه من خلال الفصول القادمة
إنتهي الفصل
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الخامس عشر روز أمين
حين تتعرض للخذلانِ على يـ.ـدِّ أحدهم يكونُ الأمرُ مؤلماً
وعندما تأتيكَ الصفعةَ على يـ.ـدِّ من كُنتَ تظنُّهُم لكَ سنداً
فحينها يُصبحُ الشعورَ مُراً والوجعُ حقاً مُبرحاً
ما أصعبُ الشعور بخَيْباتِ التَخَلِّي
خاطرة مليكة عُثمان
بقلمى روز امين
وقفت مليكة أمام ثُريا وهتفت بنبرة حادة تنمُ عن مَدى غضـ.ـبها:
-ماما،أنا قررت أروح الشركة وأدير نصيب أولادى بنفسى
توقفت ثريا عن إطعام الصغير بعد ذهولها الذي أصابها من ما إستمعت إليه من فمِ تلك البريئة،نظرت إليها وتحدثت بنبره مُستفهمة:
-إنتِ بتقولى إيه يا مليكة،شركة إية دي اللى عاوزة تروحيها،مالك يا بنتى،إنتِ فيه حد زعلك؟!
أجابتها بنبرة يملؤها الألـ.ـم جراءِ خيبات الخذلان التى تلقتها على يـ.ـد من كانت دوماً تصفهُ بالشقيق والأخ الذى لم تلدهُ أمها:
-الدنيا كُلها مزعلاني يا ماما،حاسة إنى كُنت نايمة نومة أهل الكهف وفجأة صحيت لقيت كُل الناس اللى حواليا إتغيرت، الضماير والنفوس،حتى نقاء القلوب إتغير لدرجة إنى إبتديت أشُك فى كل الناس
أغرورقت عيناها ثم أسترسلت بنبرة بائسة:
-أنا ما بقتش قادرة أثق فى حد يا ماما
كانت تستمع إليها بجبينٍ مقطّب مُستغربة حالة الحُزنِ والألـ.ـم اللذانِ سكنا عيناها وتمكنا وكأنهما مستوطنان مُنذُ قديمُ الأزل
إستطردت ذات القلب المُنشطر ومالت رأسها وتمعنت بالنظر لعيناها وأردفت مُتسائلة بقلبٍ نـ.ـازف وكياناً يحـ.ـترق:
-هما ليه كل اللي حواليا شايفيني واحدة هبلة ومحدش فيهم بيعمل لزعلى أو رد فعلى حساب؟!
إنتفض قلب تلك الراقية المشاعر والأخلاق على حال مُتيمة فقيدها الراحلُ حتى أن عيناها أغرورقت بالدموع على حالة تلك التى تتخذها كإبنة لها وتساءلت بقلبٍ مُرْتَاع:
-إيه اللى حصل يا يا مليكة،إحكي لي يا بنتي وما تخوفنيش عليكِ
أجابتها مليكة وهى تتلفت حولها بترقُب وعيناي يملؤها الحُزن والألـ.ـم:
-هحكي لك يا ماما،بس الأول تعالي ندخل أوضتك علشان ما حدش من الشغالين يسمعنا
تحدثت إليها ثريا لكي تُطمئنها:
-ما فيش حد موجود هنا يا بنتي،تعالى إقعدي واطمني
واستطردت بإبانة:
-عَلية أخذت البنات وراحوا ينظفوا بيت نرمين ويجهزوه علشان العيد،وهيخلصوا ويروحوا بعدها عند يُسرا
هزت رأسها عدة مرات مُتتالية وجلست ثم تحدثت إلى صغيرها الفَطن الذي يتبادل النظر بين كِلتاهُما بترقب شديد:
-حبيبي،أنا هكلم صفية تيجى تاخدك وتوديك عند جدو علشان يحكي لك حكاية من حكاياته الجميلة،إتفقنا
أومأ لها الصغير وتحدث بفطانة:
-إتفقنا يا مامى،بس بعد ما تحكى لنانا على السِر،تيجى تاخدينى علشان ألعب معاكى بالرمل ونرسم،أوك؟
هزت رأسها وتحدثت بنُصحٍ تحت استحسان ثُريا لتصرف مليكة التربوى:
-أوك،بس ما تقولش لحد إن مامى بتحكى سِر لنانا،علشان عيب نخرج اللى بيحصل فى بيتنا لأى حد،حتى لو كان الحد ده جدو عز بنفسه،إتفقنا يا بطلى؟
إتفقنا يا مامى...جُملة تأكيدية نطق بها الصغير قبل أن يُغادر مع عاملة منزل عز المغربى التى هاتفتها مليكة وقامت بإستدعائها لتبعث بالصغير معها إلى جدهُ
وضعت ثُريا كف يـ.ـدها الرقيق فوق سـ.ـاق مليكة وربتت عليه بحِنو وتحدثت لتحثَها على الكلام:
-أدينا يا ستى بقينا لوحدنا،يلا بقى إحكي لي إيه اللي مزعلك من الناس قوي كدة؟
نظرت لها بقُدرة شبه مُنهكة وباتت تقصُ على مسامعها كل ما دار بينها وبين تلك اللمار،وايضا أخبرتها عن مكالمتها مع طارق وما أستمعته منه والذي أكد لها صحة حديث لمار
تنهدت ثُريا بقلبٍ حائر،ثم تحدثت بنبرة تعقُلية كعادتها لتخفيف عبئ تلك الحزينة:
-مش يمكن يا بنتي يكون اللي قالهُ لك طارق صح،وإنه فعلاً مستني يتأكد من كلام لمار عن الأرباح وبعدها هيضيف الأسهم بتاعتنا في الإتفاق؟
خرجت إبتسامة ساخرة من جانب فمِ تلك المُنهكة وتحدثت بنبرة تشكيكية:
-طارق مش حد ساذج علشان يغامر بالشركة اللى بناها فى سنين وتعب عليها ويحطها فى إختبار يا ماما؟
ده رجُل أعمال ناجح وعارف مصلحته كويس أوى،وهو بنفسه أكد لي إنه بحث عن الموضوع وأكتشف إن الشركة فعلاً قوية وإن الموضوع يستحق التجربة
واستطردت بنبرة حزينة:
-مش طارق اللى يدخل فى تجارب مش محسوم أمرها،طارق حـ.ـَسبْ حِـ.ـسبته وعجبه المكسب وقال لنفسه أنا إيه اللي يخلينى أدخلهم معايا ويكسبوا ملايين وهما قاعدين فى بيوتهم
واسترسلت بنبرة جادة:
-وعلى فكرة يا ماما،أنا مش بلوم طارق على تصرفه ولا أقدر أتهمه بالأنانية،طارق واحد بيشتغل وبيتعب في شركته ومن حقه يفكر في نفسه وفي إنه يستحوذ على المكسب السريع ليه لوحدة
واستكملت بإِسْتِسْلام:
-أنا بس خاب أملى فيه وما كنتش متوقعة،كُنت فاكرة إنى أقدر أعتمد عليه وارمى عليه هم إدارة حق ولادى وأنا مطمنة،بس الظاهر إنى إتعشمت بزيادة
واسترسلت بنبرة صارمة:
-وزى ما هو فكر في مصلحته أنا كمان من حقي أدور على مصلحة أولادي وأحمى مالهم لحد ما يكبروا ويستلموا الشركة اللى أبوهم تعب فيها وأسسها علشانهم
تنهدت ثريا بإِنْكِسار بعدما إستمعت لتفسيرات مليكة وتيقنت من صحتها،ثم سألتها مُستفسرة:
-طب وتفتكرى ياسين هيوافق على إنك تنزلى الشركة؟
واسترسلت بإبانة:
-ده ما بيرضاش يخليكِ تروحي النادي غير ورجلك على رجله،ده حتى مرواحك عند بباكى هو اللى بيوصلك ليه،من كل عقلك فاكرة إنه هيوافق إنك تروحي الشركة كل يوم وتتعاملي مع الناس كده عادي؟
واستطردت بإفصاح لتوضيح الصورة كاملةً أمامها:
-ما أنتِ عارفة غِيرة جـ.ـوزك وطبعه الشديد يا بنتى،ده غير حَملك وتعبك وغير ولادك وعز اللي لسه صغير ومحتاج لوجودك،عملتى حساب لكل ده يا مليكة؟
ولا قررتى كدة فى وقت غضبك من غير ما تقعدى مع نفسك وتحسبيها وكمان تستأذنى من جـ.ـوزك
أردفت برجاء:
-أرجوكى يا ماما ما تكسريش عزيمتى،أنا كل اللي أنا عاوزاه إن أعمل كرامه ليا واعيش أنا وأولادى براس مرفوعة وسط العيلة
ثم أغرورقت عيناها بالدمع واسترسلت بإخْفاقٍ ونبرة ضعيفة:
-أنا حاسة إني بقيت حِمل تقيل أوى على الكُل أنا واولادي،مش عاوزاهم لما يكبروا يتعايروا بده.
جحظت عيناى ثريا وتحدثت بنبرة حادة غاضـ.ـبة:
-إخص عليك يا مليكة،ده كلام تقوليه،عيلة المغربي لا يمكن تعاير ولادها ولا تحـ.ـسسهم بإن ليهم فضل عليهم أبداً
واستشهدت بقصتها:
-ما أنا قدامك أهو،عز وعبد الرحمن هم اللي ربوا لي رائف وأخواته
وسألتها بنبرة حادة:
-كان حد فيهم جه قدامك وعايرني في مرة وقال لي أنا ربيت لك ولادك يا ثُريا؟
دول ولادهم ودول أهلهم وواجب عليهم إنهم يقفوا جنبهم لحد ما يصلبوا طولهم ويكبروا ويبقوا رجاله
استطردت ناصحة بنبرة أهدى:
-ما تخليش الشيطان يلعب في دماغك يا بنتي علشان موقف حصل
تحدثت مليكة بنبرة صوت أسفة:
-أنا ما قصدتش أزعل حضرتك منى يا ماما،أنا أسفة وصدقيني أنا عُمري ما فكرت فى الكلام ده ولا كنت حتى أتخيل إنه ييجى اليوم وأقوله بينى وبين نفسي
واسترسلت بإنكسار:
-بس اللى حصل النهاردة من طارق خلانى وقفت مع نفسي وقررت إنى لازم أراجع كل حاجة فى حياتى من جديد،اللى حصل زعزع ثقتى بكل اللي حواليا يا ماما
واسترسلت بتذكُر:
-ياسين قالها لي زمان،قال لي ما تثقيش في أي حد من اللي حواليك ودايما خلي عقلك يفكر ويشتغل قبل أى خطوة هتخطيها أو أى كلام هيخرج منك
تنهدت ثريا وتحدثت بتعقل:
-طب أقعدي مع ياسين واحكي لي اللي حصل وخليه يتكلم مع طارق ويشوفه عمل كده ليه،مش يمكن يا بنتي يبقى عندي مبررات أو حتى يمكن الكلام اللى قالهُ لِكِ ده صح
أجابتها بنبرة هادئة:
-خلاص يا ماما،أنا هتكلم مع ياسين وهشوف رأيه إيه فى الموضوع،وهفاتحه فى موضوع نزولى الشركة،بس لو سمحتي يا ريت تخلي الموضوع ده بينى وبينك،وياريت ما تقوليش لعمو عز ولا حتى تحـ.ـسسي طارق اني حكيت لك أي حاجة عنه
أجابتها ثريا بهدوء:
-حاضر يا بنتى،أكيد مش هتكلم مع حد بس إنتِ حاولي تِهدي عشان ما تتعبيش،واتكلمي مع ياسين بالعقل ولو رفض موضوع شغلك ده يا ريت ما تقفيش قُصاده وتِعندي،ياسين مكسب لولادك وحمايه ليهم من الزمن،إوعى تخسريه يا مليكة
أومأت لها بموافقة وتحدثت إليها ثُريا بنبرة حنون:
-إطلعى إملى البانيو ماية دافية وإفردى ضـ.ـهرك فيه،الماية الدافية هتخفف التوتر اللى عندك وهتريح لك أعصابك وهتبقى أحسن بإذن الله
حاضر يا ماما... جُملة هادئة نطقت بها وتحركت الى الأعلى لتأخذ بنصيحتها وتغمر جَـ.ـسدها بالماء الدافئ علهُ يُزيل عنها هَمْ ما تلقتهُ من حديث تلك اللمار وذاك الطارق الذي أنهك روحها واستـ.ـنزف قواها
❈-❈-❈
داخل مكتب ياسين المتواجد بجهاز المخـ.ـابرات المصرية
إستمع الى بعض الدقات فوق الباب،سمح للطارق بالدخول، فُتح الباب وطل منه ذاك الضابط الهُمام المُلقب بكارم المعداوى والذي تم إستدعائهُ من قِبل ياسين بذاته،تحرك إليه بجـ.ـسدٍ ممشوق وخطواتٍ ثابته وتحدث بنبرة رسمية:
-سيادة العميد،أوامر معاليك يا باشا
أشار لهُ بكف يـ.ـده على أحد المقاعد وتحدث:
-إقعد يا كارم
بالفعل جلس كارم وأردف متسائلاً بنبرة وقورة:
- خير يا باشا،أؤمرني معالي
نظر له ياسين وتحدث بإبتسامة طفيفة:
-أبشر يا سيادة الرائد،عملية خلية الدخِيلة تمت ومن غير أى خساير فى أرواح رجالة الداخلية
واسترسل بنبرة فخورة:
-والعيال إتقبض عليهم كُلهم وزمانهم بيتنـ.ـفخوا من رجالة أمـ.ـن الدولة وبيتعمل معاهم أحلا واجب
كان يستمع إليه ونظرة فخورة إعتـ.ـلت ملامحهُ بإنجاز عملاً قام بالمشاركةِ بهْ:
-عاش الرجالة والله،ألف مبروك يا باشا،شُغل جنابك مِشرف المُخـ.ـابرات كُلها ورافع راسنا
أجابهُ ياسين بتَوَاضُعْ ونسب الفضل إلى أهلهْ:
-الله يبارك فيك يا كارم،كله بفضل ربنا وتوفيقه ثم مجهودك الجبار إنتَ والرجالة
أجابهُ بإحترام:
-ونعم بالله سعادتك،إحنا بنفذ تعليمات معاليك ياباشا
إبتسم ياسين وتحدث بنبرة فخورة:
-عارف أنا بحبك ليه يا كارم؟
نظر له ذاك الكريم وانتظر حديثه بتمعُن شديد فاسترسل ياسين حديثه قائلاً بنبرة ودودة:
-علشان بشوف نفسي فيك وكأنى واقف قدام مرايتى،وأنا فى سِنك كُنت زيك كدة بالظبط،مليان حيوية وحماس وشُغلى أهم حاجة فى حياتى
إبتسم كارم وتحدث شاكراً بعِرفان:
-كلام معاليك شرف كبير ليا جنابك
نظر لهُ ياسين بإحترام ثم تحدث بنبرة مرحة:
-إبسط يا سيدي،جاية لك مكافأة مُحترمة في الطريق
إبتسم كارم وتحدث مداعباً سيدهُ:
-الله عليك وعلى أخبارك يا أفندم،أهو هو ده الكلام المظبوط اللى يشجع
وسألهُ مستفسراً بمشاكسة:
-كام بقى المُكافأة دي معاليك؟
ضحك ياسين على حديث مساعدهُ وأردف مُشاكساً إياهْ بفُكَاهَة لطيفة:
-إطمن يا سيادة الرائد،هتجدد العربية اللى قربت تشتكيك فى مجلس الآمن وكمان هتجيب الكَحك والغُريبة لسِت الكُل
ضحك كارم على ملاطفة سيدهُ لهْ وتحدث بإحترام:
-كل سنة وسعادتك طيب يا باشا
رد عليه بهدوء:
-وإنتَ طيب يا كارم
واسترسل حديثهُ بنبرة جادة:
-معالى رئيس الجهاز لسة مكلمنى قبل ما تدخل بربع ساعة،بلغنى إن القيادات مبسوطة إن العملية تمت على خير،وهتصرف للفريق كُله مكافأة محترمة
هز كارم رأسهُ ثم تحدث بنبرة جادّة تاركاً المُزاح جانباً:
-صدقنى يا باشا أنا وباقى الفريق مش مستنيين أى مكافأت ولا كانت فى حساباتنا أساساً، كفاية علينا إننا قدرنا نساعد فى القبض على خلية خطر زي دي،وأفشلنا خططهم اللى كانت ممكن تدمر البلد،وهى دي مكافأتنا اللى بجد
وده المتوقع منكم يا رجالة،بس البلد كمان بتقدر رجالتها الجدعان،وزي ما بيضحوا بأرواحهم فداها هى كمان لازم تديهم حقهم وتضمن لهم عيشة كريمة ليهم ولأسرهم...كان هذا رد ياسين البليغ على كارم
أردف كارم بنبرة جادة وبدا على وجههِ بعض القلـ.ـق:
-أنا شايف إنك لازم تزود الحراسة على سعادتك وأهل بيتك يا باشا
واسترسل بإِبَاحَـ.ـة:
-الناس دى مش هتسيبك فى حالك بعد العمـ.ـلية الأخيرة،الضـ.ـربة المرة دى كبيرة أوى عليهم والخساير ضخمة جداً،سواء إذا كان فى رجالتهم اللى إتقبض عليها أو الأسـ.ـلحة والمتفـ.ـجرات والدو لارات اللى إتحرزت،ودى ضربـ.ـة فى مقـ.ـتل ليهم وأكيد وجـ.ـعتهم أوي
واسترسل بنبرة عملية:
-والأكيد إنهم هيفكروا يردوها لسعادتك،ما تنساش إن للأسف إسم حضرتك إتسرب عَمداً فى كذا عملية من اللى الجهاز قام بيهم مؤخراً
أجابهُ بيقين:
-خليها على الله يا كارم،ربنا هو الحافظ،بالنسبة لى مش عاوز حراسة أنا كفيل بفضل ربنا إنى أحْمِى نفسي
واسترسل بمُبَالاَة:
-أنا بس كُنت محتاج منك إنك تشرف بنفسك وتنسق مع شركة الحراسات الخاصة اللى بتعامل معاها،كُنت عاوزك تتابع بنفسك وتتأكد من كفاءة تدريب أفراد الحراسة اللى بتطلع مع مراتى وولادى،وأنا هكلم الشركة وأخليهم يزودوا أعداد الأفراد
أراد كارم أن يُخرج رئيسهُ من تلك الحالة فقرر مُلاطـ.ـفتهُ قليلاً فإبتسم لهُ وتحدث بمشاكسة:
-أى هانم فيهم يا باشا،ياريت جنابك تفَسر وتحدد الهدف المطلوب بالظبط تفادياً للبس
إبتسم على مداعـ.ـبتهُ وتقبلها بصَـ.ـدرٍ رَحِب وتحدث مازحاً:
-إتلم يا كارم وما تتذاكاش عليا ولؤم رجالة المخـ.ـابرات ده تعمله على حد غيرى
ضحك كارم وتحدث مفسراً حديثهُ:
-اعمل إيه بس يا باشا،الواحد مش عارف ياخد خطوة الجواز ومتعقد من كُتر اللى بشوفة وبسمعة من أصحابى المتجوزين ومشاكلهم اللى ما بتخلصش
ورفع ساعديه لأعلى فى حركة فكاهية واسترسل:
-وسعادتك اللهم لا حَسد،متجـ.ـوز إتنين وعايش حياتك معاهم بالطول والعرض ومتهنى
رفع ياسين أحد حاجبيهْ وسألهُ مستفسراً:
-وإنتِ إيه اللى عرفك إنى متهنى معاهم يا عم الصَايع؟!
أجابهُ سريعاً بنبرة حماسية:
-يا باشا بيبان،وبعدين عِيون جنابك كشفاك،سعادتك بتدخل الصبح من باب الجهاز فارد طولك والبسمة على وش سعادتك عرضها مترين
هتف ياسين مُخمساً بكف يـ.ـده في وجهه:
-الله أكبر يا كارم،إنتِ هتقر يَلاَ ولا إيه؟
واسترسل بفُكَاهَة:
-وأنا أقول مال صحتى فى النازل اليومين دول
أجابهُ بطُرفة:
-ما تخافش منى يا باشا،العين ما بتحـ.ـسدش حبايبها
تحدث إليه ياسين:
-طب يلا يا حبايبها إنجر على مكتبك،وماتنساش تجهز لى ملف كامل عن الشركة اللى بلغتك بإسمها فى التليفون إمبارح
أوامر معاليك يا باشا،بعد إذن جنابك...قال كلماته وانسحب إلى الخارج تحت تنهيدة ياسين التى خرجت منه شقت صـ.ـدرهُ عِندما تذكر ما أخبرهُ به طارق مُنذٌ القليل،أمـ.ـسك هاتفهُ وقام بالإتصال برقم حبيبته كى يطمئن عليها
كانت داخل الحمام ترتدى رداء الإستـ.ـحمام وتلف شعر رأسها بمنشفة كبيرة لتجفيفهُ بعد أن أخذت بنصيحة ثُريا لها وأخذت حماماً دافئاً ليُريح جَـ.ـسدها ويُقلل من حالة الألـ.ـم التى إنتابتها جراء ما عَلمت بهْ،إستمعت إلى رنين هاتفها،إنتهت سريعاً من لف شعرها وتحركت خارج الحمام والتقطت هاتفها ونظرت بشاشته،تنفست بعمق حين وجدت نقش إسم حبيبها وتحدثت سريعاً:
-ياسين،أنا كُنت لسة هكلمك
أجابها بملاطفة عاشق:
-وأنا أقول ماله قلبى عمال يقول لى إتصل بحبيبك ليه،أتاريه حَـ.ـس إن حبيب جـ.ـوزه محتاج لهُ
إبتسمت رغم كَم الألـ.ـم القَاطِن بروحها وتحدثت بنبرة هادئة:
-ربنا يخليك ليا يا ياسين
كَم الأَنِيـ.ـن السَاكن بصوتها كان كفيلاً ليُبلغهُ عن معانـ.ـاة روحها وتمـ.ـزُقُها،سألها بترقُب:
-مالك يا قلبي،صوتك زعلان ليه يا حبيبي؟
أخذت نفساً عميقاً وتحدثت بنبرة صوت مختنقة:
-لما تيجى بالليل هبقى أحكى لك ونتكلم،وكمان عاوزة أخد رأيك فى موضوع مهم
قطب جبينهُ وسألها مستوضِحاً:
-موضوع إيه ده يا حبيبي؟
أجابتهُ بإِخْتِزال:
-هاحكى لك بالليل يا ياسين،الموضوع مُهم ويطول شرحه ومش هاينفع الكلام فيه فى التليفون
سألها مترقباً:
-إنتِ هتقلقينى ليه يا مليكة
أجابتهُ كى تطمأنهُ:
-إطمن يا حبيبي،مافيش حاجة تقلق
واسترسلت بترقُب:
-ياسين،أنا هاطلب منك طلب بس أرجوك توافق
أؤمرينى يا قلب ياسين...جُملة سريعة نطقها ياسين بقلبٍ يصـ.ـرُخ لأجلها
أردفت قائلة:
-أنا عاوزة أخد ولادى وأروح أفطر مع بابا وإخواتى النهاردة
واسترسلت شارحة:
-عاوزة أقعد مع سيف ومـ.ـراته
واسترسلت على استحياء:
-وكمان علشان إنتَ تاخد راحتك مع ليالى وسيلا
شعر برهبة لمجرد تخيُلهُ لإبتعادها عن عيناه ولو لمجرد عِدة سويعات،لم يَكُن يخطُر ببالهِ يوماً أن تتملكهُ إمـ.ـرأة هكذا مثلما فعلت تلك السَاحرة،وأن تمتلك بيـ.ـداها كيانهُ ومفاتيح شخصهُ الصَعب
تحدث سريعاً بنبرة لائمة:
-راحتى إيه دى اللى هاخدها وإنتِ بعيدة عنى وعيونى مش شايفاكى قدامى يا مليكة؟
واسترسل متسائلاً بنبرة تفيضُ حناناً علها تُخرج مكنُون قلبها الذي يؤرق روحها لتستـ.ـريح:
-مالك بس يا حبيبي،إحكى لى إيه اللى مضايقك،هو أنا مش جـ.ـوزك حبيبك اللى بترتـ.ـاحى فى الكلام معاه؟
كَم تمنت بتلك اللحظة أن يكون أمامها لتُلقى بحالها داخل أحضـ.ـانهُ التى تمتـ.ـص منها أية حُزن أو ألـ.ـم،ودت أن تقول له تعال حبيبي،اترك كل ما بيـ.ـدكَ ويشغلُك عنى وتعال إلىّ،كَم أحتـ.ـاجك وبشدة ياسينى
كان يُميـ.ـتهُ أَنِيـ.ـنُ صمتها الذى وصل لقلبهِ،ليتهُ كان بإستطاعته أن يضمها بأحضـ.ـانه ويقص لها كل ما خطط له مع طارق ووليد،ولكن، ليس كُل ما يتمناه المرء يُدركهُ،الموضوع حقاً ليس بالهين
لم يستطع بالتفوه بحرفٍ واحد قبل أن يتأكد من ظنونهِ وهذا لحمايتها وحماية الجميع،
سألها من جديد:
-ساكتة ليه يا مليكة؟
تنفست بعمق وتحدثت بنبرة هادئة:
-يا حبيبي قُلت لك هحكى لك بالليل
ثم استرسلت بترجى:
-علشان خاطرى بقى توافق يا ياسين
أجابها مُـ.ـستسلماً:
-حاضر يا حبيبي،لو هيريحك بُعدك عن حبيبك أنا مش هقدر اتكلم،
واسترسل بنبرة جادة:
-بس إعملى حسابك إنى هاجى بعد صلاة التراويح على طول أخدك،علشان نقعد نتكلم براحتنا لأنى هبات النهاردة كمان عند ليالى
واسترسل شارحاً سريعاً قبل ان يُصيب الحُزن قلبها:
-علشان عاوز أقضى ليلة العيد فى حُضـ.ـن حبيبي
إبتسمت رغم حزنها واستطرد هو بمرح ليُخرجها مما هى فيه:
-فاكرة المَـ.ـساچ بتاع الإسبوع اللى فات،البنات هييجوا بُكرة علشان يدلعـ.ـوكى تانى
إبتسمت وسألته بإستفسار:
-ومالك بتتكلم كدة وكأنك مُتأكد إن بُكرة الواقفة
أجابها مازحاً:
-عيب عليكِ يا موكة،مش متجوزة رجُل مخـ.ـابرات إنتِ ولا إيه؟
إبتسمت بخفة رغم الوجع وتحدثت:
-هى دى كمان فيها عمليـ.ـات إستخـ.ـباراتية يا سيادة العميد؟
رد عليها بثقة:
-لا يا قلب سيادة العميد،كُل الحكاية إن قلب المؤمن دليله
أجابته بهدوء:
-طيب يا حضرت المؤمن،ممكن بقى تبعت لى الحراسة علشان الأولاد قربوا يوصلم من المدرسة،وعاوزة أمشي بسرعة علشان الحق أقعد مع بابا وإخواتى
أجابها بطاعة نال بها استحسانها:
-حاضر يا حبيبي،نص ساعة بالكتير والحراسة تكون عندك، أنا للأسف عندى إجتماع مُهم بعد ساعة بالظبط ولازم اجهز له،لولا كدة كُنت جيت وصلتكم بنفسي
واسترسل بتوديع:
-لا إله إلاّ الله
اجابته بيقين:
-مُحمد رسول الله
أغلق معها وهاتف كارم من جديد وأبلغهُ بأن يُهاتف شَركة الحِراسة ويُبلغهم بتجهيز سيارة حراسة مُشـ.ـددة،وبالفعل قام كارم بالإتصال على الشركة،وطلب منهم تجهيز مجموعة من العناصر المُدربة جيداً لحين الذهاب إلي مقر الشركة والتأكُد بنفسهِ من تدريب الرجال
❈-❈-❈
بعد مرور حوالى الساعة،وصلت مليكة إلى منزل والدها بعدما أبلغتهُ بمجيأها من خلال الهاتف الجوال ولاقت تِرحاباً عالياً منهْ،إستقبلها الجميع بحفاوة هى وأطفالها الثلاث،إحتضنها والدها وسيف وشريف الذي وضع كفهُ على موخرة رأسها ومال على جبهتها واضعاً قُـ.ـبلة حنون ثم أبعد وجههُ وتحدث بحمـ.ـيمية:
-إزيك يا حبيبتي،عاملة إيه؟
إبتسمت له وأردفت بحنين ظهر بعُمق عيناها حيث كان هذا أول لقاء بينهما مُنذ تلك المُشـ.ـاحنة التى دارت بينهُما فى ذاك اليوم:
-الحمدلله يا شريف أنا كويسة
واسترسلت بإستفاضة:
-سألت عليك المرتين اللى جيت فيهم بعد الفطار أنا وياسين وكان نفسى أشوفك،بس من سوء حظى مرة كان عندك هوا، والمرة التانية كُنت معزوم على الفطار مع أصحابك
إبتسم لها وتحدث وهو ينظر إليها بعيناى حانية:
-أدينا إتقابلنا يا حبيبتي
وقفت سُهير بقُبالة غواليها وربتت بكفاى يـ.ـداها فوق كَتـ.ـف كليهُما وتحدثت بإبتسامة سعيدة:
-ربنا يهديكم لبعض ويصلح حالكم يا ولاد سُهير
أمن على دُعائها سيف وسالم الذي كان حاملاً عز وتحدث إلى إبنتهِ بنبرة عطوفة:
-يلا يا حبيبتي إدخلى أوضتك وغيرى هدومك علشان وحشانى وعاوز أقعد معاكى وأشبع مِنك
إبتسمت إلى عزيزُ عيناها وأردفت بحنِو:
-إنتَ كمان واحشنى أوى يا حبيبي
ثم نظرت إلى صغيرها وتحدثت بتنبية:
-ما تتعبش جدو على ما أدخل أغير هدومى وأرجع لك يا عزو،إتفقنا؟
إتفقنا يا مامى...جُملة حماسية قالها الصغير،أما مروان وأنس فمنذُ حضورهما هرولاَ إلى صِغار خاليهُما ودخل جميعهم إلى الغرفة ليكونوا على حريتهم فى اللعب
دخلت مليكة بغرفتها الخاصة بمنزل والدها تحت تعجُب سُهير التى دخلت خلف نجلتها وهى تقوم بتبديل ثيابها
نظرت لها بتمعُن وتحدثت مُتسائلة:
-فيه إيه يا مليكة،هو إنتِ متخانقة مع ياسين؟
أردفت سريعاً وهى تهز رأسها بنفى:
-لا يا ماما،أنا وياسين كويسين جداً الحمدلله
وسألتها مُتعجبة:
-ليه بتقولى كدة؟!
أجابتها والدتها بإيضاح:
-أصل مش بعادتك تتصلى وتيجى مفاجأة كدة وخصوصاً إنك مكلمانى أنا وأبوكِ إمبارح بالليل وما قولتيش؟
تنهدت مليكة وتحدثت بصَـ.ـدرٍ مُحملاً بأثقالاً من الهموم:
-بصراحة يا ماما أنا جاية هربانة بروحى من ليالى وأيسل،من وقت ما رجعوا وهما متغيرين من ناحيتى ومش طايقين وجودى
واسترسلت بإنهاك ظهر على صوتها:
-وأنا تعبانة وطاقتى مُستهلكة ومش قادرة أتعامل مع حد مش حابب يشوفنى قدامه
رفعت سُهير أحد حاجبيها بتعجُب وتحدثت بنبرة شبه ساخرة:
-وإنتَ بقى كُنتى مستنياهم ياخدوكى بالحُضن ويقابلوكى بالورد؟!
واسترسلت باستحسان:
-عموماً عَملتى خير إنك جيتى وسبتيها لهم مخضرة،يارب بس يرتاحوا
أخرجت تنهيدة حارة ثم تحدثت بترقُب شديد:
-أنا مش جاية علشان أريح اعصابى وبس يا ماما،فيه موضوع مهم حابة أخد رأيكم فيه
قطبت سُهير جبينها وسألتها مُستفسرة:
-موضوع إية ده يا بنتى؟
وقفت مليكة من جلستها وتحدثت:
-هتعرفى حالاً وأنا بقول لبابا
❈-❈-❈
داخل غُرفة اللواء عز ومنال،حيثُ كانت تقبع بها لحالها كعادتها،تجلس فوق مقعدها المخصص لها أمام مرأة الزينة تقوم بوضع بعض مساحيق الزينة وتتطلع على حالها بخُيَلاء
إستمعت إلى نقر فوق بابها،سمحت للطارق بالدلوف فطلت ليالى من فتحتهْ وأردفت مُتحدثة إلى عَمتها بإبتسامة سعيدة:
-ممكن أدخُل يا عمتو؟
إبتسامة عريضة إرتسمت فوق شـ.ـفاه تلك المُتَغَطْرِسةُ وتحدثت بترحابٍ عالْ:
-طبعاً يا روح قلبى
أَوْصَدت الباب بعد دخولها وتفوهت بإبتسامة هادئة:
-أنا لقيتك إتأخرتى فى النزول قُلت أجى أشوفك بنفسي وأصبح عليكى
واسترسلت:
-أنا حتى سألت عمو عز عليكى قال لى إنك تقريباً نايمة
ضحكت ساخرة وتحدثت بنبرة تهكُمية:
-ومالقتيش غير عمو عز وتسأليه عليا،ده لا يعرف أمتى بقوم ولا حتى أمتى بنام
واسترسلت بنبرة بائسة:
-حياتى معاه بقت واقفة وملهاش طعم،وأنا لازم أتحرك قبل فوات الآوان
ضيقت عيناها وأردفت مُتسائلة:
-إيه اللى حصل وغير حياتكم تانى بالشكل ده؟
أنا فاكرة إن حضرتك قربتى منه جداً قبل سفرى مع سيلا وعلاقـ.ـتكم كانت كويسة إلى حَد كبير
إشتدت ملامحها بالإمتعاض وهتفت بنبرة ساخطة:
-هى طول ما اللى إسمها ثُريا دى موجودة فى حياتى أنا هشوف راحة
إستمعت كلتاهُما لبعض الطرقات فتحدثت منال بنبرة جادّة:
-إدخل
دلفت تلك الأفعى المُتلونة وتحدثت بإبتسامة خَادعة:
-صباح الخير
ردتا عليها الصباح وتحدثت هى من جديد إلى منال كى تُزيد من نـ.ـارها التى شرعت مُتعمدة فى إشعـ.ـالها مُنذ مُدة ليست بالبسيطة:
-أنا جيت أشوف منيو الفطار اللى حضرتك إختارتيهُ لنا النهاردة
واسترسلت مبررةً كى لا تدع للشك فرصة التسلُل إلى قلباى تلك الساذجة والبلهاء:
-أنا أصلى نفسى فى البيكاتا بالمشروم،وعلشان عارفة إن ذوقنا واحد فى الأكل قُلت أسأل حضرتك يمكن تكونى إختارتيها
أردفت ليالى بتِلْقائية لم تكُن تعلم أنها بذاك الحديث الحَسِن النية ستُزيد من لهيـ.ـب عمتها:
-مش عمتو اللى بتختار منيو الفطار يا لامى،طنط ثُريا هى المسؤلة عن الموضوع ده وعن أى حاجة خاصة بتجمُع العيلة
إتسعت عيناى تلك الخبيثة بتصنُع وتحدثت بما جعل نـ.ـارها تلتهب أكثر وأكثر:
-معقولة اللى بتقوليه ده يا لى لى؟!
ثم رسمت علامات التعجُب فوق ملامحها الكاذبة وتوجهت بسؤالاً خبيثاً إلى تلك التى تنصاع كالمغيبة وراء خطة تلك اللعينة:
-مظبوط الكلام ده يا auntie؟!
حضرتك فعلاً مش بتختارى أنواع الأكل اللى أولادك وجـ.ـوزك هيفطروا بيه بعد يوم صيام شاق؟!
نظرت إليها ليالى وعلامات التعجُب فوق ملامحها ثم سألتها:
-إنتِ ليه مستغربة ومحسسانى إن الموضوع غريب ولسة جديد عليكِ؟!
ثم استرسلت بنبرة متفهمة:
-وبعدين ده طبيعى جداً يحصل لأن الفطار بيتجهز فى ڤيلا طنط ثُريا وهى اللى بتشرف على تجهيزه بنفسها،وفيه أكلات عمو عز بيحبها وبيطلبها منها وهى بتطبخها له بنفسها
بسُرعة بديهة أجابتها تلك التى لديها ردود لكل الأسئلة التى توجه إليها:
-أنا أه بقى لى أربع سنين متجوزة،لكن بصراحة أول مرة أعرف الموضوع ده،يمكن لانى مش متداخلة بطبعى ومش بحب أسأل فى اللى ما يخصنيش
واسترسلت بنبرة جادة:
-نيجى بقى للموضوع الأساسى يا لى لى،مش معنى إن تجهيز الآكل بيتم فى بيت auntie ثُريا إنها تستهون برأى auntie منال وحتى ما تاخدش رأيها؟
كانت تستمع إلى نقاشهما وقلبها يوشك على الإنفـ.ـجار من شدة إشتـ.ـعالهُ لكنهُ كبرياء الآنثى المتعجرفة هو من جعلها تتحدث بنبرة حادة لتُنهى تلك المجادلة:
-خلاص إنتِ وهى،يلا إنزلوا وأنا هحصلكم على تحت بعد ما أتصل بصفية علشان تروح تجيب لى عزو يقعد معايا شوية
شعرت بأن القدر يعاونها فيما تفعل عندما أستمعت لجُملة تلك البلهاء،رفعت أحد حاجبيها وتسائلت بإندهاش:
-هو حضرتك ماعندكيش عِلم إن مليكة أخدت الأولاد وراحت تفطر عند بباها؟
إنفرجت أسارير ليالى وشعرت بالراحة لأنها لم ترى أمام عيناها نظرات الوله التى تنالها تلك المدللة على يـ.ـد زو جها
أما منال فشَعرت بالد ماء ترتفع وتضرب فى أعلى المُخيخ، وبالرغم من أن مليكة لم يأتى يوماً وأخذت فيه الأذن منها فى أية شئ يخصها مُنذُ أن أصبحت زو جة نجلها البكرى وحتى الآن،لكن صيغة سؤال تلك الحية أثار حفيظتها وأشعل قلبها،سألتها مستفسرة بملامح وجه غاضـ.ـبة:
-إنتِ متأكدة من الكلام ده يا لمار؟
أجابتها شارحة بإستفاضة:
-طبعاً متأكدة يا auntie،أنا كُنت راجعة بعربيتى من شُغلى،لقيت عمو قاعد فى الجنينة وبيبنى بيت بالبازل هو وعزو،روحت أسلم على عمو ووقتها جت شغالة مليكة الى إسمها مُنى وطلبت تاخد عزو،وبلغت عمو إن مليكة عوزاه علشان رايحة تفطر عند بباها النهاردة
واسترسلت كى تُزيد من درجة لهيب تلك التى لو خرجت نـ.ـار غضـ.ـبها الساكنة بداخلها لأشـ.ـعلت حى المغربى بأكمله وما تركت أخضراً ولا يابس:
-هى ما أستأذنتش منك قبل ما تتحرك؟!
هتفت بنبرة حادة تدلُ على وصولها لأقصى درجات الغضـ.ـب:
-وهتستأذنى ليه،هو أنا كُنت حماتها علشان تعمل لى إعتبار وتستأذن منى
إستغربت ليالى وهى تنظر بتمعُن على تلك اللمار التى إستطاعت إيصال عمتها إلى حالتها تلك بمجرد تفوهها بكلماتٍ بسيطة،لكنها لم تُبالى فكل ما يشغل حيز تفكيرها الآن ويُسيطر علي كيانها هو شعوراً بالراحة لمجرد تخيُلها مشهد عدم تواجد مليكة عن مائدة الإفطار
تحدثت إلى عمتها بنبرة باردة:
-إنتى مزعلة نفسك ليه بس يا عمتو؟
واسترسلت بنِيَّةً حَسنة بما جعل من نـ.ـار منال يزيدُ إشـ.ـتعالُها أكثر:
-هى من أمتى كانت مليكة بتستشير حضرتك فى أى حاجة،ما طول عُمرها بتعتبر ثُريا هى اللى حماتها
واسترسلت بطُرفة:
-دى يمكن تكون بتحترمها أكتر ما بتحترم أمها نفسها
قاطعتها تلك الخبيثة التى إنتوت أن تستغل الوضع كاملاً:
-بس ده سلوك غير صحيح يا لى لى،المفروض إن auntie منال هى مامت جـ.ـوزها الحالية،وواجب علي مليكة إنها تِظهر الإحترام الكامل فى معاملتها ليها قدام العيلة كُلها
واسترسلت بعدما رأت ما سعت إليه ظهر على وجه منال:
-بعد إذنكم،هروح أشوف auntie ثُريا واطلب منها تعمل لى البيكاتا
قالت كلماتها وتحركت خارج الحُجرة تحت إستياء منال وسعادة ليالى
❈-❈-❈
عصراً داخل حديقة سيادة اللواء عز المغربى
كان يجلس هو ومنال وليالى بصحبة أيسل وحمزة فى جو يملؤهُ الأولفة بعد أن قررت منال أن تحاول جاهدة للتقرب إلى زو جها وعدم تركهِ لثُريا أكثر من ذلك
تجلس أيسل تروى لهم عن مغامراتها فى بلاد الغَربْ تحت ضحكات واستفسارات الجميع،دلف بسيارته عائداً للتو من عملهْ بعد انتهاء يومهِ الشاق،أما تلك المتمردة التى ما أن لمحت دخول سيارة أبيها حتى هبت مُنتفضة من جلستها بقلبٍ يتراقص من شِدة سعادتهْ،أسرعت إلى ذاك الذى ما أن رأها أمامهُ حتى أنفرجت أساريرهُ من طلتها التى تُجلب على قلبهِ البهجة والسرور والهناء
توقف بالسيارة فى الحال عند رؤياها وترجل منها تاركاً إياها لرجُل الحراسة كى يَصِفَها داخل الجراچ وتحرك هو ليستقبل قُرة عيناه التى رمت بحالها داخل أحضـ.ـانهُ الحنون وتحدثت بنبرات تؤكد كَم أنها تعشق ابيها وتشتاقهْ:
-بابى
ملـ.ـس بيـ.ـده على مؤخـ.ـرة رأسها وشدد من ضـ.ـمتهِ لها وتحدث مُنْبَسِط الاسارير:
-أهلاً أهلاً بقلب بابى من جوة
إبتعدت عنه قليلاً وتحدثت بنبرة صوت يملؤها الحماس وهى تقودهُ من يدها إلى تجمع العائلة:
-تعال يا بابى أقعد معانا واسمع حكاياتى فى ألمانيا
إنقاد معها برضا ثم تحدث بنبرة هادئة:
-السلام عليكم
رد الجميع تحيتهُ ثم ألقى تحية خاصة على والداه،وقف حمزة سريعاً لإستقبال والدهُ الذى إبتسم لهُ وقام بمداعـ.ـبتهْ حيث قام بوضع كف يـ.ـده على شعر رأسه وحركها بخشونة نالت إستحسان الفتى الذى تحدث:
-حمدالله على السلامة يا بابا
رد عليه قائلاً بهدوء:
-الله يسلمك يا حمزة
جلس بجانب والدهُ فهتفت منال متسائلة إياه بنبرة حادّة وملامح وجه يملؤها الضيق:
-الهانم مراتك قالت لك إنها راحت تفطر فى بيت بباها يا ياسين؟
أُصيبَ بالإندهاش من طريقة إلقاء سؤال والدتهُ الغاضـ.ـب وفهم بفطانته أن هذا الآمر لن يخلو من تلك اللمار ومؤامـ.ـرتها التى لم يَتَبيَّن له سرها إلى الآن،تحدث بنبرة هادئة:
-أكيد قالت لى قبل ما تتحرك يا أمى،مش بس قالت لى،دي إستأذنت منى وأنا بنفسي اللى بعت لها العربية اللى ودتها هى والأولاد،
واسترسل بإيضاح:
-مليكة بنت أصول وعمرها ما تتخطاها
إشتعـ.ـلت ليالى من دفاع زو جها المستميت عن مليكة،أما أيسل فكانت تستـ.ـشيطُ غضـ.ـباً عندما رأت حماية والدها لغريمتها الحمقاء التى تُشاركُها إهتمامه وحُبهِ الشغوف
أما منال فارَدت بنبرة بها بعض الغُلظة:
-طب مش المفروض إن الأصول دى بردوا تخليها تستأذن منى قبل ما تاخد حفيدى وتروح بيت بباها يا ياسين؟
واسترسلت بنبرة حادة قاصدة بحديثها ثُريا:
-ولا هى الأصول بتاعتها بتمشي على ناس وناس؟
واستطردت بنبرة ساخرة:
-دى الهانم من ساعة جـ.ـوازك منها لحد النهاردة عُمرها ما أعتبرتنى حماتها وأحترمتنى وأخدت منى الأذن فى أى حاجة سواء تخُصها هى أو تخُص حفيدى
كان جالساً بمكانهِ يترقب لكُل ما يُقال من حولهْ،ينظر عليها بتمعُن ويستمع إلي حديثها الغريب عن شخصيتها الأنانية البعيدة كُل البُعد عن هذا التفكير والتى لا تتشبث بهذة الأمور أو كل ما يبتعد عن دائرة إهتماماتها الأولى،رفع أحد حاجبيهْ ثم تحدث مُتسائلاً بنبرة تعجبية:
-وإنتِ من أمتى بتهتمى بالأمور اللى زى دى يا منال؟!
ده أنتِ أكتر واحدة بتدور على الراحة لنفسها وبتبعد عن أى شئ ممكن يزعجها أو يعكر صفو حياتها هى وولادها؟!
للحظة تأملت بحديثهُ وتيقنت صحته وكادت أن تعود إلى أدراجها لكنها سُرعان ما تراجعت ونفضت تلك الفكرة وابعدتها عن عقلها،فكُل ما عالق بذِهنها الآن ومُحكم السيطرة عليه هو حديث تلك الخبيثة الذي تسلل إلى عقلها وتوغل بهْ
نظرت إليه وتحدثت بنبرة يُسيطر عليها الغـ.ـضب:
-أنا لسة زى ما أنا يا عز،عُمرى ما كُنت بتاعت مشاكل ولا بتدخل فى حياة حد،لكن الموضوع هنا يخُص حفيدى وده مش أى حفيد، إنتِ عارف كويس مقدار الولد ومكانتة المميزة عندى
واسترسلت بإستفاضة:
-ده غير إن الموضوع بدأ يتطور وتجاهل مرات إبنك ليا وصل معايا لحد الإهانة
إهانة مرة واحدة يا أمى...جملة نطق بها ياسين بإندهاش،ثم استرسل بنبرة هادئة فى محاولة منهْ لإمتـ.ـصاص إحْتِدامها:
-ما عاش ولا كان اللى يهينك يا ست الكُل،على العموم لو ده هيرضي حضرتك أنا هنبه على مليكة تستأذن منك قبل ما تُخرج من البيت بعد كدة
واستطرد لإسترضائها:
-ها،راضية يا أمى ولا فيه حاجة تانية مزعلاكٍ من مليكة
إنتعش قلبها وكأن حديث نجلها نزل على قلبها أزال منه كُل الأحقاد التى زرعتها تلك اللمار مُنذُ الفترة المُنصرمة وتحدثت بملامح وجه بشوشة وكأنها تحولت لأخرى:
-ربنا يخليك ليا يا ياسين
واسترسلت بنبرة حنون:
-ما تخليش عز يبات عند جده وهاته بدرى علشان أشوفه قبل ما ينام
واسترسلت بنبرة صادقة:
-أنا هتجنن علشان ماشوفتوش النهاردة
إبتسم لها وأجابها بنبرة حنون:
-حاضر يا حبيبتي
بركاتك يا عزو،الولد عمل اللى ماقدرش جده يعمله...جُملة ساخرة أردف بها عز مشاكساً زو جتهُ مما جعل ياسين يدخُل فى نوبة من الضحك اللاإرادى
تحدثت منال بنبرة ساخطة تدل على حِنقها:
-متشكرة على التريقة يا سيادة اللواء
أجابها بنبرة جادة:
-صدقينى ما بتريق يا منال،بس أنا حقيقى أول مرة أشوفك متعلقة بحد كدة
إبتسمت له وتحدثت بنبرة صادقة:
-الولد نبيه جداً وعنده قُدرة عجيبة فى إنه يخـ.ـطف قلب أى حد
هتف عز بنبرة حادة وهو يستعيذُ بالله:
-الله أكبر يا منال،قولي بسم الله ما شاء الله ربنا يحميه
تَهلّلَ وجه ياسين واشتدت سعادتهُ بعدما رأى تعلُق والدتهُ الشديد لقُره عينه أبن غاليته وأيضا ذُعْر والدهُ عليه وشَغَفه به
أرادت ليالى أن تُغير مجرى الحديث الذي أزعجها وتحدثت إلى ياسين بنبرة باردة :
-إعمل حسابك يا ياسين إنك هتودينى أنا والأولاد عند بابى بعد الفطار،مامى هتتجنن وتشوفنى أنا وسيلا
واسترسلت شارحة:
-دى كانت عاوزة تيجى لى إمبارح هنا لكن جـ.ـوز داليدا كان عازم أصحابه فى الشُغل وماكانش ينفع تيجى من غيرها
رد عليها بنبرة صوت هادئة:
-هاخلى طارق أو عُمر يوديكم مع الحراسة يا ليالى
واسترسل مُفْصِحاً:
-أنا اصلى وعدت مليكة إنى هروح أجيبها بعد الفطار على طول
إستـ.ـشاط داخل ليالى وأيسل التى وجهت سؤالاً إلى والدها بنبرة حادة على غير العادة:
-وليه عمو طارق ما يروحش يجيبها هى وحضرتك تيجى معانا عند جدو أحمد؟
إستغرب لهجة إبنته الجافة وتحدث بنبرة صارمة:
-ما ينفعش لأنى وعدت مليكة إنى هاروح أجيبها بنفسى
واسترسل بنبرة غاضـ.ـبة لعيناى حادتان:
-وتانى مرة ما تسمحيش لنفسك تتكلمى معايا بالطريقة دى،مش إنتِ اللى هتقولى لى أعمل إيه وأدير حياتى إزاى
أنا أسفة يا بابى،ماقصدتش أضايق حضرتك، بعد إذنك...جُملة حزينة تفوهت بها مُدللة أبيها قبل أن تُهرول مسرعةً إلى الداخل ومنهُ إلى غُرفتها
أردفت ليالى بنبرة لائمة:
-كدة يا ياسين تزعل البنت وتكسفها قدامنا؟
هتف بنبرة حادّة جعلتها تنكمش على حالها:
-البنت غلطت وأتخطت حدودها معايا فى الكلام يا مدام،وبدل ما تلوميها وتوجهيها للصح وتقولى لها عيب تتكلم بالإسلوب ده مع أبوها،جاية تلومينى أنا؟!
أخذت من الصمت ساتراً لها أمام إنفعال ذاك الغاضب وتحدثت منال بدفاعٍ عن إبنة شقيقها وحفيدتها المُدللة:
-ماحصلش حاجة لنرفزتك على سيلا وليالى بالشكل ده يا ياسين،البنت إسلوبها معاك كان محترم وماغلطتش علشان تكلمها بالطريقة دى؟!
هتف عز بنبرة صارمة:
-منال،خرجى نفسك من الموضوع وسيبى ياسين يتعامل مع مراته وبنته بالطريقة اللى هو يشوفها مناسبة
نظر ياسين على والدهُ ووجه إليه حديثهُ بنبرة شاكرة:
-مُتشكر لتفهُم سعادتك يا باشا
واسترسل وهو ينظر إلى والدته:
-أكيد حضرتك ما عندكيش أدنى شك فى غلاوة سيلا عندى،بس مش معنى كدة إنى أكون مُتهاون معاها لما تتخطى حدودها فى الكلام سواء معايا أو مع غيري
واستطرد شارحاً موقفهُ بتوضيح:
-وبالنسبة لموضوع مليكة فهى كلمتنى الساعة عشرة الصُبح علشان تستأذن منى،وأنا وعدتها إنى هروح أجيبها،واكيد بلغت بباها والراجل مستنينى وهتبقى وحشة فى حقى لو ما روحتش
واكمل حديثهُ وهو ينظر إلى ليالى بنظرة حادة:
-أما بقى الأستاذة ليالى اللى قررت منها لنفسها وأصدرت فرمانها إنها هتزور بباها النهاردة من غير حتى ما تبلغ المُغفل اللى هى متجـ.ـوزاه،وجاية تقولى قدامكم على أساس إنه أمر مُسلم بيه وإن موافقتى من عدمها مش مهمة بالنسبة لسيادتها
واستطرد شارحاً تحت خجل منال من أفعال إبنة شقيقها التى وصلت لهذا العُمر ومازالت أفعالها غير محسوبة:
-ومع ذلك أخدت الموضوع ببساطة وجيت على نفسي وما حبتش أعمل مُشكلة علشان مقدر إن أهلها واحشينها،لكن ما توصلش بإن الهانم تشجع بنتها على الغلط وتعارضنى قدامكم
تحدث عز بنبرة هادئة فى محاولة منهْ لتهدأة الوضع:
-خلاص يا ياسين،الموضوع بسيط ومش مستاهل كلام واللى عملته هو الصح
أجاب والدهُ بإحترام:
-يا باشا انا كُنت راضى وساكت،لكن حضرتك شُفت بنفسك هما كمان اللى مش عاجبهم
أنا أسفة يا ياسين...جُملة حرجة خرجت من فَم ليالى
أردفت منال بهدوء كى تُنهى ذاك الحوار المُرهق للجميع:
-خلاص بقى يا ياسين،إسمع كلام الباشا وقفل على الموضوع
هز رأسهُ بموافقة وتحدث وهو يقف إستعداداً للمغادرة:
-بعد إذنكم هطلع أخد شاور وأصلى العَصر وأنام شوية
تحدثت منال بنبرة سعيدة:
-أختك جاية بكرة الصُبح هى وولادها وجـ.ـوزها علشان يحضروا العيد معانا
أومأ لها وتحدث بنبرة هادئة:
-عارف يا حبيبتي،أنا كلمتها وعرفت ميعاد وصولها علشان أروح استقبلها بنفسي
قال كلماتهُ وتحرك فى طريقهُ إلى الداخل وجد طارق يولج بسيارته من البوابة الحديدية وما أن رأه حتى أشار لهُ بيده لينتظره،وقف ياسين حتى صف طارق سيارتهُ داخل الجراچ وخرج وتحدث بنبرة مستاءة:
-روحت علشان أتكلم مع مليكة وأشوف إذا كانت لسة زعلانة من اللى حصل عمتى قالت لى إنها أخدت الأولاد وراحت تفطر عند بباها،أنا متأكد إنها عملت كدة علشان مش طايقة تبُص فى وشي بعد اللى عِرفته ومعاها حق
واسترسل بنبرة جادة:
-ياسين،إنتَ لازم تقول لمليكة على كُل حاجة وتبرأنى قدامها
تحولت ملامحهُ لغاضـ.ـبة مصدومة وهتف بنبرة حادة:
-إنتَ إتجننت يا طارق؟
عاوزنى أروح أقول لمراتى اللى بتخاف من الهوا على عيالها إنها إحتمال تبقى عايشة فى بيت واحد مع جاسوسة؟
واسترسل متهكماً:
-إنتَ عاوز تبوظ لى الفُرصة اللى ما صدقت إنها جت لى علشان سيادتك مش متحمل زعل مليكة منك كام إسبوع؟
تفوه بنبرة يملؤها الشَجن:
-حُط نفسك مكانى يا ياسين،أنا فى يوم وليلة بقيت واحد جشع وطماع وبتاع مصلحته،قولى لو كُنت مكانى كُنت هتعمل إيه؟
اجابهُ بنبرة واثقة:
-كنت هصبر لحد الموضوع ما يخلص على خير ومليكة تعرف الحقيقة وتكتشف إنك كنت خايف عليها وماحبتش تدخل حق أولادها فى لعبة
تنهد ثم إقترب على شقيقهُ ووضع كف يـ.ـده فوق كتفه وتحدث مُحفزاً إياه:
-أنا عارف إن مليكة ليها مكانة خاصة عندك وإنك بتعزها زى أختك،بس صدقني يا طارق،كدة أفضل ليها وأءمن،مليكة لو عرفت مش هتعرف تخبى وهننكشف،دي مش لعبة يا طارق،الموضوع خطير ومحتاج مننا كلنا التكاتف والتنازُل لحد الموضوع ما يخلص على خير إن شاءالله
هز رأسهُ بموافقة وتحرك ياسين إلى الأعلى أما طارق فذهب إلى أبيه ليُلقى عليه التحية قبل صعودهُ للأعلى
❈-❈-❈
داخل منزل سالم عُثمان
خرجت من حُجرتها بعدما بدلت ثيابها ببيتية مُريحة واتجهت إلى المطبخ،وجدت علياء ونُهى تتجاورتان الوقوف وتصنعتان طعام الإفطار،تحدثت إلي كِلتاهما بمرح هادئ:
-هتفطرونا إيه النهاردة يا بنات
هتفت نهى بنبرة حماسية:
-من حظك الحِلو ماما عاملة لنا النهاردة تشكيلة أسماك تستاهل بُقك وبُق أولادك
وأكملت علياء على حديثها بنبرة مَرحة:
-أما بقى الحِلو قطايف محشية بالقشطة،وصوابع جولاش بالمكسرات،وچيلى أنا اللى عملاه بنفسي
إبتسمت مليكة وتحدثت باقتضاب:
-تسلم أديـ.ـكم،أنا هروح أقعد شوية مع بابا وإخواتى وبعدها هاجى علشان أساعدكم
أردفت علياء بنبرة حنون:
-إخرجى لهم يا حبيبتي وخدى راحتك،إحنا أصلاً خلصنا ومش فاضل غير السلطات
خطت بساقيها خارج المطبخ فتحدثت نُهى إلى علياء:
-مليكة شكلها مش عاجبنى،زيارتها المُفاجأة دى مش طبيعية،ده غير شكلها اللى بيقول إن عندها مُشكلة
تنهدت علياء وأردفت قائلة بنبرة مهمومة:
-أكيد رجوع ليالى وسيلا من السفر مش هيعدى على حياتها مرور الكرام،البنت من وقت جـ.ـواز مليكة من ياسين وهى بتعتبرها عدوتها
أومأت نُهى وتحدثت بنبرة جادة:
-بصراحة الوضع كُله صعب على مليكة وعلى الجميع
أجابتها بنبرة خافتة:
-عندك حق يا نُهى
أما بالخارج،دلف أطفال المنزل إلى الغرف كى يتسامرون ويلهون على حُريتهم،جلست مليكة بجانب سالم ونجلاه وزو جتهُ ببهو المنزل وبدأت تقص عليهم جُل ما حدث من طارق بعدما أنتوت أن تُبلغهم وتستشيرهم بقرارها
نطق شريف الذى كان يستمع إليها بتمعُن:
-طارق مستحيل يعمل كدة يا مليكة،ده صاحبى وأنا عارف أخلاقه كويس،أكيد الموضوع فيه لَبس؟!
تنهدت بألـ.ـم وتحدثت بنبرة تأكيدية:
-للأسف يا شريف الخبر أكيد،أنا لما لمار قالت لى ما صدقتش وحبيت أتأكد علشان ماأظلمهوش فاتصلت بيه وسألته،وهو بنفسه اللى أكد لى صِحة الكلام
ثم أنزلت بصرها واسترسلت بنبرة حزينة:
-وكانت حجِته ليا إنه بيجرب وبيَختبر إذا كان كلام لمار حقيقى ولا مُجرد كلام
تحدث سالم بنبرة تعقُلية:
-ما يمكن يكون بيجرب فعلاً يا بنتى وخاف يدخل نصيب اليتامى معاه فى التجرُبة؟
أردفت موضحة بنبرة عاقلة:
-تفتكر رجُل أعمال بعقلية طارق وسِنه هيدخل شركته اللى قعد يبنى فيها سنين فى لعبة مش محسوبة لمجرد إنه يتأكد من كلام إتقال له يا بابا؟
واستطردت ببَوْح:
-ده غير إنه هو بنفسه وقع لى بالكلام وقال لى إنه قرر يجرب بعد ما سأل على الشِركة ولقى إسمها كبير فعلاً وشاف إنها فرصة ما تتعوضش
تفوهت سُهير بنبرة متعجبة:
-لا حول ولاقوة إلا بالله،هى الدُنيا جرى فيها إيه بس يا ولاد
واستكملت وهى تُشير إلى إبنتها:
-بقى يحرضك ويشجعك على الرفض وبعدين يلف من وراكى وياخد هو الصفقة لنفسه؟
هز سالم رأسهُ رافضاً تصديق ذاك الحديث البعيد كُل البُعد عن طارق وأردف بنبرة تشكيكية:
-دى مش أخلاق طارق اللى صان مال اليتامى السنين دى كُلها يا سُهير،الموضوع أكيد فيه لَبـ.ـس زى ما قال شريف
أما سيف فتحدث كعادتهِ بحديث العقل والمنطق:
-للأسف يا بابا،النفس البشرية أمارة بالسوء،وأسوء ما فينا بيظهر مكان ما تِظهر وتتواجد الفلوس،ممكن جداً يكون طارق طِمع فى المكسب لوحده وحلل ده لنفسه بإنه هو اللى بيتعب ويشتغل وإن ده من حقه
تحدث سالم وهو ينظر إلى إبنته باستـ.ـسلام بعدما شعر بصِحة حديث نجلهِ العاقل:
-لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم،طب وياسين هيوافق إنك تنزلى تراعى مال ولادك بنفسك يا بنتى؟
أجابته بهدوء:
-أنا هتكلم معاه بالليل يا بابا وهشوف رأيه إيه
تحدث إليها بنُصحٍ وإرشاد:
-إوعى تتحركى خطوة واحدة من غير موافقة جـ.ـوزك يا مليكة
أجابت والدها بإستفاضة:
-أكيد هقعد معاه وهاخد موافقته قبل ما أتحرك فى أى خطوة يا بابا،أنا بس حبيت أبلغ حضرتك وماما وأخواتى علشان تكونوا معايا فى الصورة
أومأ لها الجميع بموافقة
❈-❈-❈
داخل غُرفة ثُريا، كانت تجلس فوق مقعدها الخاص تُمسك بمسبحتها وتُردد بعض الأذكار،دلفت إليها نرمين وتحدثت بنبرة هادئة:
-خلصتى صلاة يا ماما؟
اجابتها وهى تُشير إليها بكف يـ.ـدها:
-أه يا حبيبتي،تعالى عوزاكى فى موضوع
جلست بمقابل والدتها وتساءلت مستفسرة:
-خير يا ماما؟
أخرجت ثُريا ظرفاً بهِ بعض العُملات الورقية ذات الفئة العالية وتحدثت وهى تُناولها إياها:
-كُل سنة وإنتِ طيبة يا نرمين
سعد داخل نرمين ليس من أجل المال فقط إنما الإهتمام والرعاية الشديدان هما ما تسعى إليهما دوماً تلك التى تبحث دائماً عن هل من مزيد،تحدثت قائلة بتعفُف:
-أنا معايا فلوس يا ماما
أردفت ثُريا التى مازالت تُبسط ذراعها إليها بالمال:
-دى عديتك منى يا حبيبتي وملهاش علاقة بإذا كان معاكِ فلوس ولا لاء،وطول ما أنا عايشة هافضل اديكى عديتك إنتى وأختك
أخذتها منها وشكرتها فتحدثت ثُريا على استحياء:
-أنا ليه ملاحظة إن المعاملة بينك وبين سراج باردة وملهاش روح يا نرمين
تنهدت نرمين وتحدثت إلى والدتها:
-مش بس المعاملة هى اللي من غير روح يا ماما،حياتي مع سراج كلها باردة ومن غير روح
هزت رأسها بأسي وتحدثت بإرشاد:
-جـ.ـوزك طيب وإبن حلال يا بنتى،مش زى رجالة اليومين دول الحلانجية واللى بيلعبوا بالبيضة والحجر،وأظن إنتِ مجربة النوع ده وشفتى منه الويل
حافظى على جـ.ـوزك وحاولى تجددى من حياتكم علشان ما تخسرهوش يا نرمين
أومأت لها بهدوء ثم تحدثت ثريا من جديد:
-أنا ملاحظة كمان إن علاقـ.ـتك بمليكة بدأت تسوء وترجع زى الأول
إرتبكت نرمين وتحدثت نافية:
-مش صحيح يا ماما،أنا علاقـ.ـتى بمليكة كويسة جداً حتى أسأليها؟
أجابتها ثُريا بتذكير لائم:
-وأسألها ليه ما أنا شايفة كُل حاجة بعنيا يا بنتى،ولا نسيتى كلامك إمبارح مع منال اللى كله تحريض عليها؟
واسترسلت بنبرة متأثرة:
-مليكة غلبانة والزمن جاى عليها،بلاش تبقى إنتِ كمان عليها يا نرمين،إنتِ بنت أصول والمفروض العيبة ما تطلعش منك،ما ينفعش بنت أحمد المغربى قلبها يبقى فيه حِقد من ناحية حد
بسطت ذراها وتمـ.ـسكت بكفها وتحدثت بنبرة حنون:
-إوعدينى تراجعى نفسك وتجاهديها يا بنتى
أومأت لها خجلاً وتأثُراً ووعدتها ثم تحركتا إلى الخارج حيث يُسرا وسليم وسراج
داخل منزل المهندس أحمد العشري
يجلس هو وز وج إبنته داليدا يتحدثان لحالهِما داخل شُرفة المنزل
أما فى البهو كانت جلسة النساء المكونه من قسمت وليالي وأيسل وداليدا التى تفوهت بنبرة حادة متناسية وجود إبنة شقيقتها:
-ياسين المغربي ده واحد قليل الذوق ولا بيفهم لا فى إتيكيت ولا في الأصول،طول عُمره إنسان بارد
شعرت أيسل بالغضـ.ـب العارم يجتاح روحها جراء سماعها لإفتراءات تلك الداليدا التى وصمت بها والدها الغالى ووصفته بأبشع الأوصاف،هتفت بنبره حادة رافضة لكُل ما قِيل:
-بابى مش بالأوصاف البشعة اللى حضرتك ذكرتيها دى يا خالتو،ثم إن بابى عُمره ما جاب سيرة حضرتك فى أى حاجة وحشة،فياريت ما تتكلميش عنه كده تانى
واسترسلت بنبرة فخورة:
-ياسين المغربى أحسن راجل فى الدُنيا كُلها
هتفت قسمت قائلة بنبرة جافة:
-بنت،إنتِ إزاى تكلمى خالتك بالطريقة دى؟
قطبت جبينها بإستغراب وتحدثت بنبرة تعجبية:
-يعني حضرتك مُعترضة على طريقه كلامي مع خالتو ومش معترضه عن اللي قالته على بابي؟!
أردفت قسمت بنبرة صارمة:
-اللي خالتك قالته على بباكى اللي سيادتك زعلانه عليه قوي كدة،قالته من حارقة قلبها على مامتك
ثم رفعت أحد حاجبيها وسألتها بإستنكار:
-ولا أنتِ عاجبك تفضيل ياسين للجربوعة اللى متجـ.ـوزها على ليالي هانم العشرى؟!
هتفت بنبرة نافية:
-لا طبعاً يا نانا،لكن مش معنى إني مش موافقه على تصرُف بابى إني أسمح لأي حد يتكلم عنه بالطريقه دي أو يقول في حقه أي كلمة مش كويسة
خلاص يا سيلا خالتو ما تقصدش...جُملة باردة تفوهت بها ليالى لتهدأة ثورة صغيرتها
هتفت داليدا بنبرة حادة كى تُنهى ذاك الجدال الدائر:
-يا ستي أنا أسفة لحضرتك ولباباكي،مبسوطه كده يا دكتورة سيلا،
واسترسلت بحنق:
-ممكن بقى تخلينا في المهم
هدأت الفتاة بعد إعتذار خالتها وجلست بأريحية تستمع لأحاديث جدتها وخالتها المُحرضة لوالدتها
❈-❈-❈
بعد أدائهِ لصلاة التراويح،ذهب ياسين إلى منزل سالم عُثمان ليجلب حبيبته، قابلهُ الجميع بترحاب وجلس بصُحبتهم ما يُقارب من الساعة ثم إصطحبها والأطفال وتحركوا بالسيارة،
كان يجلس خلف طارة القيادة وتُجاورهُ متيمة روحهِ واطفالها بالخلف،تحدث إلى مروان فى محاولة منه بالتقرب إليه:
-أخبار الجيتار إيه معاك يا مروان؟
تمام الحمدلله...كانت تلك إجابة الفتى المقتضبة
فتحدث ياسين من جديد لخلق أحاديث معهُ:
-بعد العيد إن شاء الله هتفق لك مع حد كويس ييجى يدربك عليه
هتف الفتى متسائلاً بحماس:
-بجد يا عمو؟
طبعاً بجد،ده وعد رجالة...جُملة داعـ.ـب بها ياسين الفتى ونال بها إستجوادهُ
فتحدث أنس بنبرة إعتراضية:
-وأنا كمان يا بابى عاوز جيتار ألعب بيه
أجابهُ بنبرة جادة:
-أوامر سعادتك كلها مُجابة يا أنس باشا
هتف عز الذى يتوسط شقيقاه بجلوسهُ:
-وعزو يا بابى؟
أجابهُ ياسين بدعـ.ـابة:
-وعزو يا بابي،ده كُله إلا عزو باشا
نظرت عليه وتحدثت باستحسان:
-ربنا يخليك لينا يا ياسين
إبتسم لها بهدوء
بعد قليل، فتح باب الجناح ودلف منه هو وحبيبتهُ الصامتة،أغلق الباب خلفهُ ثم جـ.ـذبها إليه وحاوط خصـ.ـرها وقربها منه وتحدث وهو يُداعـ.ـب أنفهُ بخاصتها بدلال:
-إيه بقى،إيه اللى مزعل حبيب جـ.ـوزه ومخليه متضايق أوى كده؟
شبح إبتسامة خافتة ظهر فوق ثغرها فتحدث هو من جديد وهو يغمز لها بعيناه بمشاكسة:
-يااااه،ده الموضوع شكله عميق ومحتاج إننا ناخد له شاور الأول علشان نبقى مركزين
إبتسمت بهدوء وتنهدت،إبتعد عنها وتحدث وهو يسـ.ـحبها من يـ.ـدها ويقـ.ـودها إلى الأريكة حتى أجلسها وجاورها الجلوس وتحدث بنبرة حنون:
-يلا إحكى لى وقولى لى،إيه اللى مضايفك قوى كدة؟
نظرت داخل عيناه وتعمقت بهُما ثم أخذت نفساً عميقاً وتحدثت بنبره مُترقبة:
-ياسين،أنا عاوزة أنزل الشركة من أول الإسبوع الجاى علشان أدير نصيب أولادي بنفسي
وكأن بكلماتها تلك قد سكبت مادة سريعة الإشتـ.ـعال داخل قلب ذاك الولهان الذي أبتُلىّ بداء الغيرة على مدللتهُ حتى أنهُ أصبح يغارُ عليها من أشقائها،ولو كان بإستطاعتهِ أن يشُـ.ـق صَـ.ـدرهُ ويضعها بداخل ضلوعهُ ليحميها من أعيُن البشر ويُريح لوعة وغيرة العاشق لفعلها وما تأخر
جحظت عيناه وتحول بياضها إلى أحمر داكن مما يدلُ على شدة غضـ.ـبه،وهتف بنبرة شديدة الحِدة:
-نعم يا اختي
ثم أمـ.ـسك أذنهِ بأصابع يـ.ـده وأدارها بإتجاه وجهها وتحدث بنبرة غليظة:
-سمعيني تانى كدة قُلتى إيه؟
إنتهى البارت
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل السادس عشر روز أمين
نظرت داخل عيناه وتعمقت بهُما ثم أخذت نفساً عميقاً وتحدثت بنبره مُترقبة:
-ياسين،أنا عاوزة أنزل الشركة من أول الإسبوع الجاى علشان أدير نصيب أولادي بنفسي
وكأن بكلماتها تلك قد سكبت مادة سريعة الإشتـ.ـعال داخل قلب ذاك الولهان الذي أبتُلىّ بداء الغيرة على مدللتهُ حتى أنهُ أصبح يغارُ عليها من أشقائها،ولو كان بإستطاعتهِ أن يشُـ.ـق صَـ.ـدرهُ ويضعها بداخل ضلوعهُ ليحميها من أعيُن البشر ويُريح لوعة وغيرة العاشق لفعلها وما تأخر
جحظت عيناه وتحول بياضها إلى أحمر داكن مما يدلُ على شدة غضـ.ـبه،وهتف بنبرة شديدة الحِدة:
-نعم يا اختي
ثم أمـ.ـسك أذنهِ بأصابع يـ.ـده وأدارها بإتجاه وجهها وتحدث بنبرة غليظة:
-سمعيني تانى كدة قُلتى إيه؟
إستغربت ردْ فعلهِ الغَير متوقع وطريقتهُ الخَشِنة وسألتهْ بنبرة مُتعجبة إسلوبهُ الجديد عليها:
-مالك يا ياسين؟!
إكفهرت ملامحهُ وهتف بنبرة شديدة السُخْط:
-مالى إيه وزفت إيه يا مليكة،إنتِ مش سامعة نفسك بتقولى إيه؟
عاوزة تنزلى من بيتك وتسيبى ولادك لوحدهم وتروحى الشركة،لا وكمان حامل؟
واسترسل متهكماً بقلبٍ يغلى كحُممٍ بُركانية:
-والهانم تقعد فى مكتبها وطول اليوم موظف داخل وموظف خارج
واستطرد بعيناى مُشـ.ـتعلة ونبرة صوت تُوحى إلى وصولهُ لحد الجنون:
-إنتِ أكيد عاوزة تجلطينى؟
كانت تستمع إلى كلماتهِ اللازعة وحالتهِ الجنونية التى وصل إليها فى غضون دقائق بتعجب واستغراب حَادّ،أغرورقت عيناها وأمتلأت بالدموع وبدأت بالإنسياب فوق وجنتيها وهى تنظُر إليه بعيناى لائمة،زفر بقوة وسألها بنبرة حادّة:
-إنتِ بتعيطى ليه الوقت؟
عقبت قائلة بصوتٍ مُتقطع بفضل دموعها:
-بعيط علشان الإنسان الوحيد اللى المفروض يقف جنبى وياخدنى فى حُضـ.ـنه ويطمنى قاعد يتنرفز عليا ويتريق
واسترسلت عاتبة عليه:
-ده أنتَ حتى ما سألتنيش عن السبب اللى خلانى أفكر فى الخطوة دى،برغم إنك عارف إنها خطوة بعيدة عن شخصيتى وطريقة تفكيرى
قلب عيناه بتملُل ثم أخرج زفرة قوية أظهرت كَمْ الغـ.ـضب الذي سكنهُ وتحدث بنبرة قاطعة:
-وتفتكرى أنا لو عِرفت السبب كدة بقى هوافق أو هديكى عُذرك فى قرارك ده؟!
شهقةً عاليةً خرجت منها زلزلت كيانهُ وجعلته يتخلى عن عِنادهُ وبلحظة كان يسـ.ـحبها ويُسكنها بأحضـ.ـانه التى لو باستطاعته ما أخرجها منها إلى الأبد،وضع كفهِ الحنون فوق ظهـ.ـرها وبات يتحـ.ـسسهُ برِقَّةٍ نال بها إستحسانها مما جعلها تستكين،قرب فَـ.ـمهْ من أذنها وهمـ.ـس بها مُتحدثاً بنبرة خافتة عَطوفة:
-إهدى يا حبيبي،إهدى وبطلى عياط علشان خاطرى
سكنت بأحضـ.ـانه وأستسـ.ـلمت حتى هدأت فأبعدها عنه قليلاً وحاوط وجنتيها بكفاه الحنونتان وتحدث بعيناى مطمأنة لها:
-أنا أسف يا قلب ياسين،أنا غلطت وإتنرفزت عليكى أول ما سمعت موضوع نزولك الشُغل
واسترسل بندم واحقاق:
-إنتِ عندك حق،أنا كان لازم أسألك الأول عن سبب قرارك ده ونتناقش فيه بالعقل
ثم أبتسم بجاذنبية وأقترب عليها وقام بتناولهِ لشِـ.ـفتها السُفلى وذاب بقُـ.ـبلة وهـ.ـجة أثارت جنونهُ وابتعد عنها مُرغماً ثم تحدث بنبرة بينت مدى هيـ.ـامهُ بمتيمة روحهُ:
-بس العقل ده هجيبه منين فى وسط غيرتى المجنونة عليكِ
هز وجهها بلين عن طريق كفاه المحاوطتان لوجنتيها وتحدث بولهْ عاشق:
-حبيب جـ.ـوزه جننه بعشقه خلاص
هزت كلماتهِ الصادقة كيانها وأختـ.ـرقته وما شعرت فى تلك اللحظة سوى بالراحة والطمأنينة تغـ.ـزو جميعها،همـ.ـست بعيناى تنطق هيـ.ـاماً برجُـ.ـلها الفريد:
-إنتَ حبيبي ونور عيوني ومكافأة الزمن ليا يا ياسين
ثم مدت كفاي يـ.ـداها وحاوطت وجـ.ـنتاه وتحـ.ـسستهما بحنان واسترسلت باستسماح:
-بس علشان خاطري تسمعنى وتحاول تفهمنى وتقدر خوفى على أولادى
مال بعيناه برقة وأجابها بنبرة حنون:
-حاضر يا مليكة،إتكلمى يا حبيبي وأنا سامعك
تنفست براحة ثم بدأت تروى لهُ جُل ما حدث من أول مقابلة لمار لها أمام البحر حتى مهاتفتها بطارق واعترافهُ لها بصحة الحديث،كان يستمع إليها وقلبهُ يحـ.ـترق علي نظرات الألـ.ـم والخزلان الظاهرة بعيناها وشعور المرارة المُلازم لها والذي شعر به وتذوقهُ لأجلها
أخذ نفساً عميقاً ثم تحدث بنبرة صوت هادئة أجاد صُنعِها:
-طب إنتِ زعلانة ليه يا حبيبي،ما هو طارق قال لك بنفسه إنه بيختبر مصداقية كلامها فى نصيبه من الأسهم
واسترسل لإقناعها:
-ده أنتِ المفروض تشكريه إنه ركن نصيب الأولاد وخلاه فى أمان وبعيد عن أى إحتمالات للخُسارة
قطبت جبينها وهى تنظر عليه بإستغراب وأردفت بنبرة تشكيكية:
-وإنتِ صدقت الكلام ده يا ياسين؟!
لم ينل حديثها عن شقيقهُ إستحسانهُ فسألها مُستفسراً بترقُب:
-تقصدى إيه يا مليكة!
إنتِ بتشُكى فى مصداقية طارق؟!
لم تستطع قولها باللسان "ولكن"عيناها تفوهت بها صريحةً،تحمحمت واردفت بهدوء كى لا تُزعج حبيبها وتُحزنهُ:
-أنا مش بشَكِك فى طارق يا ياسين،أنا حكيت لك اللى حصل والكلام اللى هو بنفسه قالهُ لى قبل وبعد ما مضي عقد التوريدات مع الشركة
واسترسلت بتَرصَّد لعيناه:
-بُص يا ياسين،أنا هاحكى لك اللى أنا حَـ.ـسيته بصراحة لأنى مابعرفش أخبى عنك حاجة ولا من طبعى إنى أحور فى الكلام،أنا حـ.ـسيت إن طارق فكر فى إن المكسب ده من حقه لأن هو اللى شايل شُغل الشركة كله فوق أكتافه وبيديره،وبصراحة ما أقدرش ألومه على تفكيره ده
ثم رفعت رأسها للأعلى وتحدثت بنبرة قوية:
-بس زى ما هو دور على مصلحته وفضلها،أنا كمان من حقى أدور على مصلحة ولادى
واستطردت على استحياء:
-وبصراحة بقى أنا بعد اللى حصل مش هاكون مطمنة على إدارة نصيب ولادى مع طارق
إحتـ.ـدت ملامحهُ وهتف بنبرة صارمة:
-مليكة،فوقى لنفسك وإعرفى إنتِ بتقولى إيه،إنتِ بتتكلمى على طارق المغربي اللى فلوس الدُنيا كُلها ماتساويش قدام إنه يحافظ على حق ولاد رائف
واستطرد لتذكيرها:
-إنتِ ناسية رائف ده كان إيه بالنسبة لطارق؟
أردفت بنبرة هادئة كى تستدعى حِلمهِ:
-ممكن تهدى وتحاول تفهم وجهة نظري،أنا ماشككتش فى ذمة طارق ولا أقدر أعمل كدة لأن طارق أبعد مما يكون عن مجرد التفكير فيه بالشكل ده
واستطردت شارحة:
-أنا كل اللى كُنت حابة اوصلهولك إنه بقى بيتعامل مع نصيب أولادى على إنه هَم وحمل تقيل عليه،وده اللى أنا مش هقبل بيه أبداً،ده غير إنه بدأ يفصل الأسهم عن بعضهم ويفضل نصيبه على حق ولادى
كان يري حُزن عيناها وألام الخزلان يحومان بهما،ليتهُ يستطيع أن يروي لها تفاصيل الخطة كى يُريحها ويُزيح عن صـ.ـدرها ذاك الالـ.ـم،لكنهُ يعلم شفافية زو جتهُ التى لو علمت لاتخذت الحيطة وكُل التدابير وقامت بوضع أطفالها بغرفتها ولم يستطع أحداً إخراجهم من بين أحضـ.ـانها مهما حاول
ناهيك عن عفوية شخصيتها والتى سيظهر عليها بالتأكيد مما سيجعل الريبة تتـ.ـسلل إلى قلب تلك اللمار وتتراجع عن سيرها بخطتها،وهذا ما لم يسمح به ياسين مهما كلفهُ الأمر من خسائر حتى لو اضطرهُ الأمر للإبتعاد عن متيمة روحهُ مؤقتاً سيفعل، مقابل ان ينتهى ذاك الكابوس ويقطع دابر تلك الحية من قلب عائلته
تحدث فى محاولة منه لحِثها على الرجوع بقرارها المجنون ذاك:
-طب ولو قُلت لك ثقى في كلام طارق على ضمانتى؟
أردفت بجوابٍ قاطع:
-ما بقاش ينفع خلاص يا ياسين،إنتَ أصلك ما تعرفش مكانة طارق عندى وثقتى فيه كانت إزاى
هتف بملامح وجه مُتعجبة بطريقة تهاونية:
-إنتِ ليه مكبرة الموضوع أوي كدة،ماحصلش حاجة تستاهل الافورة اللى إنتِ بتتكلمى بيها دي؟!
أجابته بشبه إتهام:
-إنتَ اللى مبسط الموضوع لانه يخُص أخوك ومن الطبيعى إنك تدافع عنه
تجَهَّمت ملامحهُ وتحدث بنبرة حانقة:
-أخوك؟
الوقت طارق بقى أخوك يا مليكة؟
واسترسل مُذكراً:
-مش طارق ده كان صديقك اللى كنتى مأمناه على مالك ومال عيالك وعندك استعداد تأمنيه على حياتكم كمان،إيه اللى إتغير؟
أجابتهْ بدون تفكير:
-اللى إتغير إنه كان زي ما أنتَ لسة قايل يا ياسين
واسترسلت بنبرة مُحبطة:
-كَان
واستطردت بصوتٍ وعيناى حزينة:
-أنا عارفة إن عقلك رافض يتقبل الفكرة لأن طارق أخوك وطبيعى إنك تدافع عنه وترفض فكرة إنه أهمل فى حق اليتامى
طب أنا مش موافق إنك تنزلى الشركة يا مليكة...جُملة قالها بصرامة وحِدة
أجابته بنبرة حازمة واتهاماً صريح:
-يبقى إنتِ كمان بتثبت لى إن مصلحة ولادى بقت أخر همك وإن تفكيرى في إنهم بقوا حِمل ثقيل عليكم فى محله
واسترسلت بإصرار:
-وده بيخلينى أصّر أكتر على نزولى للشركة وإستلامى لحق ولادى علشان أديره بنفسي
نزلت كلماتها عليه كصاعـ.ـقة كهربائية أوجـ.ـعت روحهُ،نظر إليها وتسائل داخلهُ:
-من تلك بحق الله،أهذة المُتمردة هى متيمَتى الرقيقة؟!
أين ملاكِ البرئ،إين حَمّلى الوديع التى تفهمُ مقصَدى من مُجردِ نظرةً من عيناى؟
لما لا تتركى الظاهر وتستمعى لحديث قلبي يا كُل قلبي؟
لو أنكِ تتركى لى زمام أموركِ كما تعودت عليكِ لأرحتى قَلبكِ وأرحتني غاليتى
إستفاق على حالهُ ونطق بنبرة جَافة:
-ده أخر كلام عندك؟
أجابته بنبرة مُفسرة:
-يا ياسين إفهمنى،أنا مُجبرة أعمل كدة لأن الموضوع مابقاش إختيارى بالنسبة لى،دي أمانة رائف لأولادى ولازم أحافظ عليها لأنه هيسألنى عليها قدام ربنا يوم الموقف العظيم
واسترسلت بنبرة توسُّلية:
-أرجوك توافق لأنى مش حابة أعمل حاجة إنتَ مش راضي عنها
يعنى لو قُلت لك بلاش علشان خاطرى،هتسمعى كلامى...جُملة نطقها بعيناى مترجية فى محاولة أخيرة منهْ
نظرت لهْ بعيناى يسكُنها الألـ.ـم والحيرة،حيرة بين إرضاء رجُلها الحنون التى باتت تتنفسهُ،وبين صغارها الواجب عليها كأم أن تحميهُما ومالهما حتى يشتدا عودهما ويصيرا رجُلان ويتحملا مسؤلية حاليهما
إختياران كلاهُما أصعب من الأخر،العشق أم الأمومة؟
وبالنهاية إنتصرت الأمومة داخلها وتغلبت على مشاعر الحُب،نظرت إليه وبملامح وجه مُتألـ.ـمة هزت رأسها بأسف مما يدلُ على إختيارها
شعر بطـ.ـعنة داخل قلبهْ العاشق لكنهُ تمالك سريعاً وهز رأسهُ وتحدث بنبرة صارمة:
-تمام يا مدام،شوفى عاوزة تنزلى الشركة من أمتى علشان أكلف لك عربية حراسة تلازمك
قال كلماته وهب واقفاً وتحرك بخطوات واسعة فى طريقهُ إلى الباب،هرولت إليه وأمسكت ذراعه وتحدثت بنبرة مُرتعبة:
-إنتَ رايح فين؟
رمقها بنظرة حـ.ـارقة وهتف بنبرة جافة وملامح وجه ساخطة:
-مابقاش يخُصك خلاص،من النهاردة كُل واحد يعمل وينام على الجنب اللى يريحه
قال كلماتهُ ونفض عنهُ ذراعها وتحرك إلى الخارج صافقاً خلفهُ الباب بشدة زلزلت أركان الحُجرة حتى أن جــ.ـسدها أنتفض على أثره،تنهدت وهزت رأسها بإستسلام وأسي ونزلت دموع الألم تجري فوق وجنتيها،إقتربت من تختها ورمت حالها وارتفع شهيقها للأعلى
❈-❈-❈
داخل الحبيبة أسوان
كان مُمـ.ـسكاً بسور الباخرة ينظر أمامهُ على مياه النيل الصافية وهى تتراقص أثر مداعـ.ـبة الأمواج الناتجة عن حركة تلك الباخرةِ الضخمةُ،واضعاً هاتفهُ فوق أُذنهِ يتحدث إلى حبيبته قائلاً بنبرة حنون:
-خلاص هانت يا حبيبتى،كُلها ساعات وأشوفك
كانت تستمع إليه مُتَهلّلة الوجه،سألته بإستفسار بنبرة تأكيدية:
-حجزت تذكرة الطيران يا رؤوف؟
أجابها مُغْتبِطاً:
-آه يا حبيبتي،ميعاد رحلتى الساعة تسعة بالليل،وإن كانت بكرة الواقفة هقضيها معاكى وإحنا بنتمشي على البحر،ولو دار الإفتاء أعلنت إن الوقفة اليوم اللى بعده يبقى ليا نصيب أفطر أخر يوم فى الشهر معاكِ
واسترسل بنبرة حماسية:
-جبت لك خاتم فرعونى يارب يعجبك
تبسمت وشعرت بروحها تُحلقُ فى السماء من شدة إبتهاجها ثم أردفت بنبرة يملؤها السرور:
-أكيد هيعجبنى يا رؤوف،إنتِ أى حاجة منك بتعجبنى
بحبك يا سارة...جُملة هائمة نطق بها هذا العاشق خجلت منها ذات الحياء التى أخذت من الصمت ملاذاً،فتحدث هو كى يُخرجها من خجلها ذاك:
-مش قادر أوصف لك فرحة ماما بخطوبتنا قد إيه،عمالة تجهز للخطوبة وتشترى هدايا لكُل قرايبنا سواء اللى عندكم فى إسكندرية أو قرايبها هنا فى أسوان
بوجهٍ مُنْبَسِط الأَسارير تحدثت تلك الرقيقة:
-طنط بسمة دى شخصية جميلة أوى،أنا بحبها جداً وحاسة إننا هنبقى مندمجين ومتفاهمين فى حياتنا مع بعض
أردف قائلاً بنبرة شامخة:
-ماما فعلاً ست جميلة،روحها حلوة أوى وبتحب كل الناس
قطع حديثهما إستماع سارة لبعض الطرقات فوق باب غُرفتها،إرتبكت وأغلقت الخط سريعاً مع ذاك الذي تعجب لأمر خجلها الزائد عن الحَد،وضعت هاتفها جانباً ثم سمحت للطارق بالدخول ففُتح الباب وطلت منه أيسل التى تحدثت وهى تتحرك إليها وتُلقى بجَـ.ـسدها فوق التخت لتجاورها التمدُد:
-هو أنا جاية من ألمانيا علشان تقعدى فى أوضتك وتسيبينى لوحدى؟
ثم هتفت بمرح عندما لمحت الهاتف الموضوع جانباً ومازالت إضاءة شاشتهُ مفتوحة:
-شكلك كنتى مقضياها مع حبيب القلب علشان كدة معتكفة هنا فى أوضتك
ضحكت سارة وتحدثت بنبرة حالمة:
-أيوة أنا ورؤوف كنا بنتكلم وقفلت معاه لما سمعت خبطتك
واسترسلت بإبانة:
-بس شكلك ناسية إن إنتِ اللى سيبتينى لوحدى وروحتى علشان تزوري جدك
وسألتها مُستفسرة:
-إنتِ جيتى أمتى؟
تنهدت وأردفت بأسي:
-عمو طارق جابنا من حوالى نص ساعة،ومن وقت ما جيت ما لقيتش حد فى البيت ولقيت نفسي قاعدة لوحدى،فجيت أقعد معاكى وشكلى قطعت عليكِ إنتِ كمان وصلة غرامك مع الباشمهندس
سألتها مُستفسرة:
-ما لقتيش حد تقعدى معاه إزاي يعني؟
تنهدت بأسي وأردفت قائلة:
-كُل واحد مشغول فى اللى منه وقاعد معاه،جدو عز أخد جدو عبدالرحمن وعمو عُمر وراحوا المعمورة،ونانا منال كان عندها صُداع وأخدت مُسكن ونايمة،وتيتا ثُريا قاعدة مع مامتك وطنط نيرو وعمو سليم وعمو سراج
ثم تحولت ملامحها إلى حزينة مُتألـ.ـمة وتفوهت:
-وياسين باشا فوق عند الهانم اللى خليته ينسي حتى أولاده
واسترسلت بغَرَابة:
-تخيلى يا سو إنه إتنرفز عليا النهاردة وبهدلنى قدام جدو لمجرد إنى طلبت منه يخلى عمو طارق يجيبها هى من عند بباها وييجى هو يودينا إحنا عند جدو أحمد العشرى؟!
قطبت جبينها وتساءلت مُتعجبة:
-معقوله يا سيلو خالو ياسين يتنرفز عليكِ إنتِ؟!
تخيلي...كلمة نطقت بها أيسل بدهشة
أردفت سارة بإيضاح لتخفيف حِدة تلك الغاضـ.ـبة:
-بُصي هو أكيد كان عنده مشاكل فى شُغله أو متنرفز من الصيام
واستطردت وهى تُحادثها بغنچ:
-بس الأكيد إنه ما يقصدش يزعل سيلو حبيبة قلبه
إبتسمت ساخرة وتحدثت بنبرة بائسة:
-سيلو خلاص راحت عليها مع وجود مليكة هانم،الهانم سحرت الباشا بألاعيبها وللأسف بابا منساق ومخدوع بعشقها ومابقاش شايف حد غيرها،ولسة لما الدلوعة بنتها توصل،أكيد بابى مش هيفتكرنى أساساً مع وجودها
تنهدت سارة وتحدثت بنبرة عاتبة:
-إيه الكلام اللى إنتِ بتقوليه ده يا سيلا،خالو ياسين لا يُمكن يفرق فى المعاملة بين أولاده،وبعدين إنتِ بالذات ليكى معزة خاصة عنده وكُلنا شايفين ده وملاحظينه من زمان،حتى فى وجود عزو الصُغير معاملته ليكى ولحمزة ما أتغيرتش أبداً
أجابتها بنبرة متوجسة:
-عزو لأنه ولد فبابى بيعاملوا ببعض الشِدة علشان هو مقتنع إن دلع الولاد بيبوظهم،لكن البنت اللى جاية وضعها مختلف،واكيد مليكة هتستغلها وتخلى بابى ينسانى خالص بيها
هزت سارة رأسها وتحدثت بنبرة حزينة:
-إنتِ ظالمة طنط مليكة أوى يا سيلا،طنط مليكة دى حد برئ وطيب لأبعد حَد،وعُمرها ما تفكر إنها تبعد بباكِ عنك
هتفت بنبرة حادة:
-إسكتى يا سارة،إنتِ أصلك طيبة زى عمتو يُسرا ونانا ثُريا،وكُلكم للأسف إنخدعتوا في براءتها المُزيفة اللى رسمتها على الكُل من أيام ما كان عمو رائف لسة عايش
ثم نظرت أمامها واسترسلت بتحدى:
-وحتى لو كانت طيبة زى ما بتقولى،كفاية إنها كانت السبب فى إن بابى وجَـ.ـع قلب مامى واهانها قدام الكُل لما إتجوزها وبقى يفضلها عليها
تنهدت سارة بأسي لأجل صديقتها الغالية وما تُعانية فأردفت بنبرة هادئة كى تُزيل عنها همها:
-إهدى يا سيلا وبلاش تحملى نتيجة اللى حصل لمليكة لأن كُلنا عارفين ظروف جوازها بخالو ياسين،أنا وإنتِ كُنا كُبار وفاكرين كويس هى قد إيه كانت رافضة الجوازة دى،يمكن إنتِ كُنتِ بعيدة ومحضرتيش تفاصيل كتير
تنفست بعمق ثم استرسلت:
-لكن أنا بحُكم عيشتى معاهم فى البيت شفت تفاصيل إتحفرت جوة عقلى وعُمرى ما هنساها،اليوم اللى خالو ياسين نقل حاجته فى الجناح عندها كان يوم عُمرى ما هنساه ولا هنسي تفاصيله اللى مرت زى الكابوس على طنط مليكة ونانا ومامى
واسترسلت بنُصح:
-بلاش تكونى ظالمة وتحاسبيها على ذنب هي مالهاش علاقة بيه
كانت تستمع إليها بقلبٍ وعقلٍ مُغلقان وكأنها لا تُريد تغيير الصورة التى إرتسمت بداخل عقلها عن سـ.ـارقة أحلام وسعادتها هى ووالدتها،تحدثت لإستبدال الحديث:
-قولى لى بقى يا سو،جبتى فستان الخطوبة ولا لسة؟
إبتسمت تلك البريئة على ذِكر خُطبتها من حبيبها وتحدثت بنبرة حماسية:
-نزلت إشتريته أنا ومامى وخالتو وحجزت الميكب أرتست
واسترسلت ببَهْجَةُ:
-أنا فرحانة أوى يا سيلا،واصلاً مش مصدقة إن خطوبتى على رؤوف تمت بالسهولة دى
تَهلَّل وجه أيسل وهتفت بنبرة حماسية:
-مبروووووك،بس تعرفى،أنا كمان مستغربة موافقة عمتو يُسرا،لأنها كانت مُصممة إنك تكملى تعليمك قبل أى إرتباط
أردفت بتَحمُّس:
-البركة فى خالو ياسين،هو اللى اقنعها وقال لها إن رؤوف حد محترم وعاقل ومش هيشغل سارة عن دراستها
أشارت الفتاة إلى الهاتف الموضوع جانباً وتحدثت بإبتسامة ساخرة:
-لا فعلاً باين إنه مش هيشغلك
أطلقتا الفتاتان الضحكات الساخرة واكملتا حديثيهما
❈-❈-❈
دخل ياسين جناحهُ المُشترك مع ليالى بقلبٍ يشـ.ـتعل نـ.ـاراً،وجدها تجلس فوق تختها واضعة اللاب توب أمامها تُشاهد من خلالهُ أحدى المُسلسلات الرمضانية التى تتابعها،نظرت عليه وتحدثت متهكمة بحَنق جراء معاملته لها أمام والديه:
-حمدالله علي السلامة يا سيادة العميد
لم يُجيبها وانطلق على الحمام مباشرةً واغلقهُ بقوة إستغربتها تلك التى باتت تنظر على أثره وهى ترفع أحد حاجبيها مُتعجبة لملامح وجههُ المُكفهرة،وبلحظة إبتسمت وتَهلَّلت ملامح وجهها عندما ربطت بقدومهِ من بيت غريمتها بتلك الحالة وتيقنت حينها أنهما تشاجرا،وهذا ما إستطاعت أن تستشفهُ من غضبة عيناه،تنفست براحة وعادت بنظرها إلى شاشة اللاب توب من جديد لتتابع عليه مسلسلها المفضل
أما بالداخل إقترب من كبينة الإستحمام وقام بنـ.ـزع كنزته وألقى بها أرضاً بقوة وإهمال ثم إنتـ.ـزع بِنطالهِ وتابع خلـ.ـع ما تبقى من ثيابهُ الداخلية وطرحها أرضاً ثم هرول إلى داخل الكابينة وقام بتشغيل صُنبور المياه البارد،وقف تحتها سانداً بساعديه علي الحائط مُـ.ـستسلماً للمياه الجارية الباردة رغم برودة الجو،عَلها تُطفئ لهيب جَـ.ـسدهِ الذي أصابهُ بفضل حديثهُ مع تلك العنيدة،أغمض عيناه وضل مُـ.ـستسلماً لحالته لما يقرُب من النصف ساعة
لم يشعُر بأية راحة بعد وقوفهُ كُل تلك المُدة تحت المياة،ومن أين تأتى الراحة فى البُعد عن المحبوب،تحرك خارج الكبينة وأمـ.ـسك مئزرهُ وارتداه،خطى بساقية حتى توقف عند المرأة المتواجدة بالحمام ونظر لوجههِ من خلال إنعكاس صورته بها،نظر لعيناه ونظراتها النـ.ـارية إكتشف حينها كم أوصلته تلك المُتمردة إلى حالة شديدة من الغـ.ـضب
خرج من الحمام مُتجهاً إلى الشُرفة مباشرةً تحت نظرات ليالى المتفحصة،وقف ورفع رأسهُ للأعلى ثم أغمض عيناه وبات يأخذ شهيقاً ويُزفرهُ مرات مُتتالية عَلهُ يهْدئ وتتـ.ـراخى أعضـ.ـائهُ المُتوترة،تحركت ليالى إلى أن وصلت خلفهُ ثم لفت ساعديها حول خـ.ـصرهِ وقامت بوضع رأسها فوق كتـ.ـفهِ بغُنـ.ـاج وتحدثت بنبرة أنثـ.ـوية فى محاولة منها لإسـ.ـتغلال الوضع:
-لما أنتَ ناوى تاخد شاور مش كُنت تقول لي علشان ناخده مع بعض
زفر بقوة عندما شعر بلمـ.ـستها الغير محببة لجَـ.ـسده المُشـ.ـتعل غضـ.ـبا،تحدث بنبرة باردة:
-إبعدى يا ليالى علشان تعبان
فكت وثاق ساعديها عن خصـ.ـرهْ وتحركت إلى أن جاورته الوقوف ثم ضيقت عيناها وتحدثت وهى تنظر إليه بتفحُص:
-مالك يا ياسين؟
واسترسلت بخبث وهى تنظر داخل عيناه:
-عيونك مليانة غضـ.ـب،إنتَ متخانق مع حد؟
إلتف لها وتحدث بنبرة صارمة وهو ينظر داخل عيناها بإرهـ.ـاب لعلمهِ مقصدها:
-مش بس عيونى اللى ملينانة غضـ.ـب يا ليالى،أنا جوايا غـ.ـضب ونـ.ـار لو خرجوا هيدمـ.ـروا أى حاجة فى وشهم
واسترسل وهو يُميل برأسهِ مُضيقاً إحدى عيناه مما جعل الرُعـ.ـب يدبُ داخل أوصال تلك البلهاء:
-وتبقى ليلته سودا وأمه داعية عليه اللى هايكونوا من نصيبه
إبتلعت لُعابها وارتجف جَـ.ـسدها واردفت بنبرة خرجت مُرتبكة:
-تحب أتصل بالشغالين يعملوا لك قهوة؟
أدخلى كملى فُرجة على المسلسل بتاعك...جُملة ساخرة نطقها بعيناى تُشبه نظرات الصَقر بحِدتِها
كادت أن تُهرول إلى الداخل كى تَقى حالها شَـ.ـر ذاك الكَظِيم لكنها تسمرت بوقفتها عندما لمحت صغيرتها تدخل من البوابة الرئيسية للمنزل وهى ترفع ذراعها وتُلوح لها فى الهواء،أشارت لها بإبتسامة مُصطنعة من بين رُعـ.ـبها من ذاك الياسين
عاود النظر أمامهُ من جديد بعدما وجدها تلوح بيـ.ـدها إلى أحدهم،وما أن رأى إبنته حتى صاح عالياً قاصداً إياها بالحديث:
-خليكى عندك يا سيلا،أنا نازل لك حالاً
إبتسمت له وأومأت بطاعة وتحرك هو ليرتدى كامل ثيابهُ كى يهبط إلى غاليتهْ
قبل هذا التوقيت بعدة دقائق فقط
كانت تُلقى بجَـ.ـسدها فوق تختها بإهمال،تبكى وتنتحب بشدة على حبيبها الذي تركها وغادر حُجرتها وهو غاضـ.ـباً منها ولم يتفهم موقفها كما كانت تتمنى،إنتفضت من رقدتها حين إستمعت إلي رنين صوتهِ العالى،هرولت إلي شُرفتها سريعاً وبتلقائية بحتة نظرت على شرفة غُرفته وجدته يقف برداء الإستحمام بصَـ.ـدرٍ مكشوف وشعر رأس مُبتل وغير مُهندب،يتدلى منه بعض قطرات المياة التى مازالت عالقة به،تجاورهُ تلك الجميلة ترتدى مئزراً رقيق باللون الوردي،تنظر أمامها بإبتسامة تُظهر كَمّ راحتها وسعادتها
بلحظة شعرت بلهـ.ـيباً يضَرَّم ويسري بجَـ.ـسدها بالكامل مما جعلهُ ككُتلة متوهـ.ـجة،إستدار ليدخل وقعت عيناه على تلك المتسمرة تنظر عليه بعيناى مذهولة وصَـ.ـدراً يعلو ويهبط دلاَلَةً علي مَدى إحْتِـ.ـراق روحها،نظرت إليه بعيناى لائمة،بادلها إياها بنظرة باردة وتحرك سريعاً إلى الداخل غير مبالياً بحالتها
لاحظت ليالى نظراتهما وإشتد غضـ.ـبها عِندما لمحت نظرات العتاب من تلك التى تعتبرها دخيلة على حياتهما،رمقتها بنظرات ساخـ.ـطة قابلتها مليكة بقوية حيث رفعت رأسها وثبتت نظرها داخل عيناها بتحدى،فصل تلك النظرات صوت ياسين الذي إستدعى ليالى وتحدث بنبرة أمرة بعدما لمح نظراتها الحـ.ـادّة التى ترمق بها مليكتهُ الغاضـ.ـبة،فأراد أن يفض ذاك الإشتباك بهدوء
ألقت عليها نظرة حـ.ـادّة أخيرة ودلفت إلى الداخل وتحدثت بنبرة ساخطة:
-هى الهانم بتبص لك كدة ليه لما شافتك لابس البُورنس؟
وتساءلت بعيناى مُتسعة:
-إوعى تكون مفهمها إن مفيش حاجة بتحصل بينا يا ياسين؟
هتف بحِنقٍ أرعبها:
-ليالى،أنا على أخرى ودماغى فيها ألف حاجة محتاجة كُل تركيزى ومش وقت تفاهتك دى خالص،إتقى شري يا بنت الناس وياريت تحتفظى بأفكارك التافهة دى جواكِ
واسترسل بنظرات تهديدية:
- وده لمصلحتك طبعاً
وكأن بكلماتهِ تلك قد ضغط فوق زِر إنفـ.ـجار تلك التى أُصيبت بالغضـ.ـب هى أيضاً:
-طبعاً،ما هى ليالى الحيطة المايلة بتاعتك اللى وقت ما تتنرفز تخرج فيها زهقك،الهانم تتدلل وتنكد عليك وتسيبها هى علشان ما تزعلهاش وتيجى لليالى الهبلة تزعق وتخرج كُل غضـ.ـبك عليها وتقولى إسكتى لمصلحتك وفاكرنى هبلة وهسكت،بس لحد كدة وكفاية يا سيادة العميد
واسترسلت بشراسة:
-من النهاردة مش هسكت على إهاناتك المتكررة وتهديدك ليا كل شوية يا ياسين
إقترب عليها وانحنى مُقرباً وجههُ من خاصتها وهتف بفحيح كالأفعى:
-هو إنتوا حد موصيكم عليا النهاردة؟
ثم صاح بصوتٍ مرتفع وهيئة جنونية وكأنهُ تحول إلى وحـ.ـشٍ كَاسر:
-إنتوا عاوزين تجننونى ولا عاوزين منى إيه بالظبط؟
ثم أستقام بجَـ.ـسدهِ واستكمل وهو ينظر إليها بتحدى:
-طب يلاَ يا بنت العَشري،هاتى اللى عندك وورينى أخرك إيه؟!
إنتفض بدنها وبسُرعة البرق كانت تتراجع للخلف بعدما شاهدت سُخط ملامحهُ،رمقها بنظرة مُمتعضة وتحرك إلى الخارج بعدما رأى إرتيابها
تنفست وزفرت بهدوء لخروج ذاك الوَحْـ.ـش الكاسر التى رأته وظهر أمامها مُنذُ القليل
خرج ياسين من البوابة الداخلية وتحرك فى طريقهُ إلى إبنته التى شاهدت ما حدث من حَـ.ـرب العيون التى دارت مُنذُ القليل بين "مُثلث الوجـ.ـع"وأعجبتها،إقترب على إبنته التى وبرغم حُزنها منهْ إلا أنها اسرعت عليه ورمت حالها داخل أحضـ.ـانه براحة قابلها هو بضـ.ـمةً حنون وأنحنى برأسهِ وقام بوضع قُبـ.ـلة حنون فوق رأسها وتحدث مُتسائلاً بنبرة هادئة:
-عندك مانع نتمشي سوا على البحر؟
شعوراً هائلاً إجتاحَ روحها وتغلـ.ـغل بها ثم تحدثت بنبرة بينت شِدة سعادتها:
-طبعاً معنديش مانع يا بابى
إبتسم لها وحاوط خَصـ.ـرها بذراعه وتحركا معاً فى طريقهما إلى شاطئ البحر،بعد مُدة تحدث إليها بنبرة جادة:
-أنا عارف إنك زعلانة منى بسبب اللى حصل النهاردة،بس فى الحقيقة أنا اللى زعلان
واسترسل وهو ينظر داخل عيناها بتأكيد:
-أنا مش بس زعلان،زعلان دى كلمة قُليلة أوى على اللى أنا حاسه،أنا مقهور يا أيسل
نظرت لأسفل قدماها بعدما مطت شـ.ـفتاها وتحدثت بنبرة خجلة:
-أنا أسفة يا بابى لو كُنت زعلتك أوى كدة
توقف عن المشي وتحدث مُعاتباً إياها وهو ينظر لداخل عيناها:
-عُمرى ما كُنت أتخيل إن ييجى اليوم اللى بنتى تراجعنى فيه وتعدل على كلامى قُدام الناس،إنتِ صغرتينى قدام أبويا وأمى وخليتينى أخجل من نفسي
كانت تستمع إلى والدها والندم والخجل ينهشان قلبها،تحدثت بملامح وجه يكسو عليها الخِزي:
-أنا أسفة،أرجوك سامحنى يا بابي،أوعد حضرتك إن دى هتكون أخر مرة أعمل فيها كدة
نظر إليها وتحدث شارحاً بأسي:
-أنا مش زعلان منك قد ما أنا مقهور علشانك يا سيلا،مش حابب أشوف بنتى كدة،لازم تتصرفى باللى يليق بحفيدة سيادة اللواء عز المغربي
هزت رأسها سريعاً وتحدثت بإيماء:
-حاضر يا بابى
أخرج هاتفهُ وهاتف عزت حارس أمن البوابة وطلب حضورهُ ليرافق أيسل أثناء عودتها وهاتف طارق وأخبرهُ بأن يأتى فى الحال،بعد قليل كان شقيقهُ يقف أمامهُ وتسائل مُستفسراً:
-خير يا ياسين،طالبنى هنا وفى الوقت ده ليه؟!
أخذ نفساً عميقاً ثم أخرجهُ وتحدث بملامح وجه مُبهمة:
-إعمل حسابك إن مليكة هتنزل معاك الشِركة بعد أجازة العيد علشان تدير نصيب ولادها بنفسها
واسترسل مطالباً:
-ياريت تجهز لها مكتب وتختار لها موظفين موثوق فيهم علشان يساعدوها
قطب جبينهُ وأردف مُستفسراً:
-معناه إيه الكلام اللى إنتَ بتقوله ده يا ياسين،أنا مش فاهم حاجة
صاح بصوتٍ ينمُ عن وصولهُ للمنتهى:
-معناه إن مليكة مابقتش واثقة فيك وعاوزة تدير نصيب ولادها بنفسها يا طارق،ولما اعترضت وحاولت أخليها تُصبر إتهمتنى إن ولادها بقوا حمل تقيل علينا وإن مصلحتهم بقت أخر همنا
واسترسل بصياح عالى أحزن قلب شقيقهُ عليه:
-فلو سمحت يا طارق تسمع الكلام وتخصص للهانم مكتب علشان أنا خلاص جبت أخرى من الكُل
زفر طارق بضيق وتحدث بترجى:
-قول لها يا ياسين،مليكة عاقلة وهتقَدْر وأكيد هتساعدنا
هتف بنبرة صارمة:
-قولت لك قبل كدة إنه مش هينفع،إحنا ما بنلعبش يا طارق
واسترسل بنبرة جعلت القلق يتسلل لقلب ذاك الطارق:
-الموضوع أكبر وأخطر من اللى خيالك ممكن يصورهُ لك،أنا بقيت حاطط عينى فى وسط راسي وبقيت بتلفت حواليا طول الوقت زي المجنون مستنى أشوف الضربة هتيجى لى منين، مطلوب منى أحمى عيلتى برة وجوة البيت كمان،وفى نفس الوقت أحْمِى بنتى ومراتى في ألمانيا ويومياً أستلم تقرير بكل حاجة بتحصل معاهم هناك،ولادى وولاد مليكة وولادكم ممشي وراهم حراسات مُشددة لدرجة إن الناس بقت تتهمنى بالغرور والكبرياء،فاكرينى ممشيهم منظرة
واستطرد بنبرة صارخة:
-وفى وسط كل القرف اللى أنا فيه ده جاية لى الهانم ببطـ.ـنها المترين قدامها وعاوزة تنزل الشركة،شفت الخيبة اللى أخوك فيها يا طارق؟
واكمل بعُجالة:
-وقبل ما تقولي ما فيش قدامك حل غير إنك تقول لها هاقولك ماينفعش،مليكة جبانة وبتترعب على ولادها ومهما حاولت تخبي هيبان عليها وهاتضيع لى كل شُغلى فى لحظة
ثم تنهد واسترسل بنبرة إستـ.ـسلامية:
-أنا تعبت يا طارق،تعبت وما بقتش عارف أسِدْ على إيه ولا إيه...جُملة أظهرت كم الإنهاك الذي تملك من روح ذاك المُرهَق
إقترب علي شقيقهُ وربت على كتفه وتحدث وهو يشد من أزرهْ:
-هتعدى،ياسين المغربى قدها إن شاء الله،صدقنى كُله هيعدى
أجاب شقيقهُ بيقين:
-إن شاء الله يا طارق،إن شاء الله
واسترسل برجاء:
-طارق،أنا مش عاوزك تزعل من مليكة،هى بردوا معزورة فى تفكيرها
أومأ له بموافقة فاكمل ياسين بنبرة تعقُلية:
-عاوزك تبدأ تجهز لها مكتبها من بكرة وأنا هأمنهُ لها كويس علشان يبقى جاهز تنزل بعد العيد على طول
هز رأسهُ عدة مرات متتالية وتنفس كلاهما بضيق ثم تحركا فى طريقهما للعودة
مرت الليلة بصعوبة على الجميع وخصوصاً تلك العاشقة التى ظنت بأن زو جها تركها وذهب إلى ليالى ليلهو داخل أحضـ.ـانها تاركاً إياها تحتـ.ـرق من شدة غيرتها عليه
❈-❈-❈
داخل منزل سراج
كان يجلس فوق تختهُ ممـ.ـسكاً بكُتيبْ يقرأ به بتركيز شديد،خرجت نرمين من الحمام وهى ترتدى ثوباً قصيراً شـ.ـفافاً ويُظهر جميع مفاتـ.ـنها،تضع بعض مساحيق الزينة فوق وجهها وناثرة عطرها فوق جَـ.ـسدها بسخاء مما جعل منها فاتنة،تحركت بغـ.ـنج إليه وقامت بجذب الكُتيب من بين يـ.ـداه،جحظت عيناه وفَغَـ.ـر فاهـ.ـهُ بإندهاش حين رأها امامهُ بكُل ذاك السِحر ثم تحدث بذهول:
-معقولة اللى أنا شايفه قدامى ده؟
واسترسل بإعجابٍ شديد:
-إنتِ حلوة أوي يا نرمين
مطت شـ.ـفتاها بدلال وتحدثت وهى تجاورهُ الجلوس:
-لسة واخد بالك إن أنا حلوة أوى يا سراج
أجابها وهو ينظر إليها بإنبهار:
-أنا طول عُمري وأنا شايفك حلوة أوى يا حبيبتي،بس بصراحة النهاردة إنتِ فاتنة
ضحكت بدلال وتحدثت بنبرة سعيدة:
-طب ما أنتَ بتعرف تقول كلام حلو أهو
تحدث وهو يقترب عليها كالمسحور:
-الكلام الحلو موجود بس بيطلع فى أوقاته
إقترب عليها ومال على شـ.ـفتاها واندمجا معاً وغاصا داخل عالمهُما ليخـ.ـطفا من الحياة لحظات يُنعشا بها قلبيهما
بعد مُدة كانت تقبع داخل أحضـ.ـانه ويضُـ.ـمها بإرتياح،تحدث بنبرة حنون:
-نرمين،أنا عاوز أقولك إنى بحبك أوى،يمكن أكون ما بعرفش أعبر عن حُبي ليكي بالطريقة اللى ترضيكى أو اللى إنتِ مُنتظراها،بس اللى عاوزك تتأكدى منه إنى والله العظيم بحبك أوى،علشان كدة عاوز أطلب منك طلب
رفعت رأسها ونظرت عليه وتساءلت مُستفهمة:
-طلب إيه ده يا سراج؟
أجابها بإبتسامة بشوش:
-أنا عاوزك دايماً تقولي لى على الحاجات اللى بتعجبك علشان أعملها لك
واستطرد بنبرة صادقة نالت استحسانها:
-أنا عاوز أشوفك دايماً مبسوطة وبتضحكى يا نرمين،شكلك بيبقى حلو أوى وإنتِ مبسوطة
إبتسمت بإنشراح وتسائلت بدلال:
-يعنى لو قُلت لك على أى حاجة أنا عوزاها هتوافق؟
أجابها بتأكيد:
-جربينى وشوفى
وضعت سبابتها على مقدمة رأسها بتفكُر ثم تحدثت بترقُب:
-طب لو قُلت لك إن نفسي تاخد إسبوع أجازة ونسافر أى مكان فيه لوحدنا؟
إبتسم لها وتحدث بنبرة حنون:
-مع إنى ما بحبش السفر بس علشان خاطرك موافق،إن شآء الله بعد خطوبة سارة هاخد الأجازة وإنتِ إختاري المكان اللى يعجبك وأنا هحجز فيه على طول
إتسعت عيناها بعدم تصديق وهتفت متسائلة:
-إنتَ بتتكلم جد يا سراج؟
ضحك بقوة وتحدث:
-وأنا من أمتى بحب الهزار فى الكلام يا حبيبتى
رمت حالها داخل أحـ.ـضانه وتحدثت بنبرة حماسية:
-ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك ابداً يا حبيبي
إبتسم لسعادتها وضمها لأحضـ.ـانه وباتا يتحدثان حتى غفي كلاهُما داخل أحضـ.ـان الآخر
❈-❈-❈
صباح اليوم التالى تحرك ياسين وطارق وعُمر لإستقبال شقيقتهم الغالية وزوجها وطفلاها وأستقبلتهم جميع العائلة بحفاوة شديدة عَدا مليكة التى رفضت الذهاب إلى منزل عز المغربي لتنأى بحالها من مقابلة منال وليالى وايسل لها،فلقد تعهدت أمام حالها بأن لا تذهب بعد الآن إلى مكان تعلم أن وجودها به غير مرغوب به
بررت الخلوقة ثُريا عدم حضورها بإنهاكها من الحمل مما جعل شيرين تتعاطف وتُقدر وضعها وتذهب إليها بنفسها مما أسعد مليكة التى تحدثت إليها وهى تحتـ.ـضنها بحفاوة:
-حمدالله علي السلامة يا شيرى
أجابتها بوجهٍ بشوش:
-الله يسلمك يا مليكة
أردفت مليكة بإعتذار مُهذب:
-أنا أسفة لأنى ماقدرتش أجى بنفسي أستقبلك فى ڤيلا سيادة اللواء
ربتت شيرين على كتفها وتحدثت بتقدير لحالتها:
-ولا يهمك يا حبيبتى،أنا مجربة تعب الحمل ومقدرة اللى إنتِ فيه،المهم طمنينى عليكِ،إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بإيجاب وتبسمت لتلك الخلوقة التى أخذت كُل خِصالها من والدها الحنون وأبتعدت عن چينات تلك المتعجرفة المسماه بمنال
تحدثت شيرين قبل أن تنسحب إلى الخارج عائدة لمنزل والدها:
-أنا هروح علشان أنام لأنى تعبانة جداً من السَفر وأشوفك على الفطار، أوكِ
أومأت مليكة بموافقة وأنسحبت تلك الجميلة وجلست مليكة مع ثُريا تقص لها ما حدث فى مناقشتها مع ذاك الياسين ليلة أمس
عصراً داخل منزل ثُريا
كان المطبخ يكْتظّ بنساء المنزل والعاملات وهُن يصنعن طعام الإفطار لأخر أيام الشهر المُبارك وايضاً إحتفالاً بحضور شيرين وعائلتها،الكُل حاضر عَدا منال ونساء منزلها كعادتهم وايضاً شيرين المُتعبة من مشقة السفر،دلفت هُدى وتحدثت إلى ثُريا:
-ست ثُريا،عز باشا مـ.ـستنى حضرتك برة فى الرسيبشن
إبتسمت لها بخفة وتحركت إليه وجدته يقف وبجانبهُ بعض العُلب المُعبئة بالحلوى الخاصة بالعيد،شعر بسعادة الدُنيا عندما هلت عليه،تحدث إليها بنبرة حنون:
-أنا قُلت ألحق أجيب لك الكحك قبل ما دار الإفتاء تعلن إن بُكرة العيد وتقولى إن عز بقى بخيل ومجابليش الكحك زى كُل سنة
واسترسل بإبتسامة جذابة:
-كُل سنة وإنتِ طيبة يا ثُريا
تبسمت مما جعل وجهها كقمرٍ مُنيراً وجعل نـ.ـار العِشق تضرم بقلب ذاك الولهان وتحدثت بإطراء:
-طول عُمرك إبن أصول وسِيد من يفهم فيها يا سيادة اللوا
واسترسلت بنبرة رقيقة علي استحياء:
-بس مكانش فيه لزوم تكلف نفسك وتجيب الكمية دي كُلها،ما ياسين ربنا يبارك لى فيه جاب لنا إمبارح كُل حاجة وفرح الأولاد،حتى يُسرا ونرمين لما عمل حسابهم
نطق بعيناى هائمة:
-ياسين جايب لمراته وولاده،وأنا جايب لحبيبتى وست قلبي
إبتلعت لُعابها وارتجف بـ.ـدنها أثر حديثهُ المعسول ونظراتهِ الولهة،إبتسم حين رأى خجلها الذي يعشقهُ وكأنها تعود كإبنة الثامنة عشر حين تتعرض لنوبات الخجل،أخرج من جيب سترته ورقة مالية فئة الخمسة جُنيهات خارجة للتو من ماكينة البنك وتحدث وهو يُبسط لها ذراعهُ بها:
-كُل سنة وإنتِ طيبة
توردت وجنتيها من شدة سعادتها وتحدثت بحْبُور:
-ياااه يا عز،عدى كام سنة وإنتَ كُل عيد تدينى الخمسة جُنيه الجديدة
أجابها بإبانة:
-من أيام ما دخلت الكُلية لحد النهاردة،وعُمرى ما هبطل أديها لك يا ثُريا
واسترسل بعيناى تأنُ من شدة عِشقها:
-كُل سنة وإنتِ طيبة يا حبيبتى
إرتبكت بوقفتها وتحدثت بتلبك وهى تستدعى العاملة:
-عَلية،تعالى خدى عِلب الكَحك ودخليها جوة
ضحك على حبيبتهُ الخجولة وتحدثت إليه عَلية التى أتت:
-كُل سنة وإنتَ طيب يا باشا،تعيش وتجيب وعقبال كُل سنة يارب
أردف قائلاً بنبرة شاكرة:
-وإنتِ طيبة يا عَلية،على فكرة،أنا ما نسيتكيش إنتِ والبنات،السواق هيروح بعد المغرب يجيب العلب بتاعت كل واحدة فيكم،أنا جيبت لكم من نفس المَحل اللى جيبت منه لينا
يجيب لك السعد والهنا يا باشا وتعيش وتفتكرنا...كلمات إطرائية شاكرة قالتها عَلية لسيدها
ونطقت ثُريا باستجواد:
-ربنا يجبر بخاطرك يا سيادة اللواء،كُل سنة وإنتَ طيب ومغرقنا في خيرك ومفرح الكبير والصُغير
إبتسم لها وتحدث بنبرة حنون:
-كل سنة وإنتِ لمانا حواليكِ يا أم رائف
بالأعلى
كانت تُحمِم صغيرها داخل حوض الإستحمام بعناية،إستمعت إلى رنين هاتفها،تركته يصدح وتابعت ما تفعله،غمرت بدنهُ بالماء والصابون ثم فتحت المياه الجارية وشطفت صغيرها،بعد مُدة كانت تضعهُ فوق تختهُ وتقوم بإلباسهِ لثيابهُ،بدأ هاتفها يصدح من جديد فتحدث صغيرها:
-مامى تليفونك بيرن،ردى ليكون بابى حبيبي
تنهدت بأسي وتحدثت:
-بابي مش هيتصل يا حبيبي
إنتهت من ما تفعلهُ وتحركت إلى مكان الهاتف ورفعته تنظر لشاشته وجدت رقم مركز التجميل التى تتعامل معه،زفرت ثم ضغطت زر الإجاية وتحدثت بفطور:
-ألو
تحدثت إليها إحدى الفتيات:
-مساء الخير يا مدام مليكة،أنا بفكر حضرتك بميعادنا النهاردة الساعة سابعة بعد المغرب
تحدثت بنبرة فاترة:
-من فضلك تِلغى الميعاد لأنى مش جاهزة نفسياً
أجابتها الفتاة:
-بس البنات جهزوا نفسهم للميعاد بعد مكالمة ياسين باشا،هو لسة مأكد عليا الميعاد من نُص ساعة يا أفندم
إنتفض قلبها وشعرت بروحها الغائبة قد رُدت إليها وتحدثت بلهفة:
-إنتِ متأكدة إن ياسين باشا كلمك بنفسه وأكد الميعاد
عقبت على حديثها بنبرة تأكيدية:
-أيوة يا أفندم،هو كلمنى شخصياً وأكد عليا أبعت لك البنات
هتفت بنبرة إندفاعية:
-تمام أنا مستنياكم،وياريت تبعتى لى البنت اللى عملت لى المساچ المرة اللى فاتت،كانت هايلة وإديها تتلف فى حرير
أردفت الفتاة بإحترام:
-حضرتك تؤمرى يا أفندم،هبعتها لك حاضر،أى أوامر تانية؟
ردت عليه بهدوء:
-متشكرة جداً،مع السلامة
أنهت معها المكالمة وأخذت نفساً عميقاً وهى تبتسم بسعادة وتيقنت أن تصرف ياسين هذا معناه أنه تفهم تخوفها علي صغارها وتقبل الموضوع وانتهي الأمر
لكنها مازالت غاضـ.ـبة من ما شاهدته بالأمس فحدثت حالها بثقة:
-صبراً ياسينى،فقط تعا إلى وسأعاقبك على ما بدر منك بالأمس،أُقسم أنى لن أدع الآمر يمُر مرور الكرام تلك المرة،عليك أن تفسر لى كيف لك أن ترحل من أمامى وتتركنى بحالة يُرثي لها وتذهب فى الحال وتلهو مع زو جتك،كيف لك أن تكون بتلك الأنانية وعدم الإنسانية
أخرجها من شرودها هِتاف الصغير الذي تحدث بضجر:
-يلا يا مامى سرحى لى شعرى وحُطى لى البرفن بتاعى علشان أروح أشوف بابى
هرولت إليه وأمـ.ـسكته وباتت تدغدغهُ من بطـ.ـنهِ تحت ضحكات الصغير العالية وباتت توزع قُبلاتها السعيدة على جميع أنحاء جَـ.ـسده بالكامل تحت إبتهاج الصغير
❈-❈-❈
إنطلق مدفع الإفطار وأذن أذان آخر أيام الشهر الفضيل بمشاعر متضاربة من الجميع،ألـ.ـم وحُزن يخيم على الجميع لفراق ذاك الشهر الملئ بالروحانيات التى تُطهر القلوب وكأنها تغسلها من الداخل،وبين سعادة كبيرة لإستقبال العيد الذي يجدد الفرح داخل قلوبنا ويُذكرنا بأيام طفولتنا حيثُ الجميع كان يمرح ويلهو بقلبٍ وعقلاً خاليان
تجلس مليكة بجانب ذاك الذي يتناول طعامهُ ببرود وملامح وجه مُبهمة لم تستطع أن تستشف ما بداخله من خلالها،كانت تنتظر منه أية إشارة لتفهم من خلالها ما وضع ليلتها تلك،هل سيأتى لها وكأن شيئاً لم يكُن ويتنعم كلاهُما داخل أحضـ.ـان الأخر،كان يشعر بحيرتها وترقبها الشديد له لكنهُ مازال غاضـ.ـباً منها لأبعد حَد لذا فقد قرر معاقـ.ـبتها علي عدم إستماعها لنبضات قلبهِ المرتعبة عليها
وايضاً ليالى الجالسة بوجهٍ عابس جراء ما حدث بينها وبين ياسين ليلة أمـ.ـس وبات على أثرها فوق الأريكة تاركاً إياها تتنعم بالتخت لحالها
تحدثت شيرين وهى تنظر إلى سُفرة الطعام المُمتدة بطول الحديقة وتحمل فوقها الكثير من خيرات الله علي الإنسان:
-قد إيه كُنت مشتاقة للمة دى وخصوصاً أكل عمتو ثُريا اللى مالوش زي
إبتسمت لها تلك الخلوقة وتحدثت بنبرة هادئة:
-بألف هنا على قلوبكم يا بنتى
أردف سامح زو ج شيرين قائلاً بنبرة شاكرة وهو ينظر إلى ثُريا:
-بصراحة يا طنط الأكل طعمه حلو أوى وخصوصاً المحشي اللى كان واحشنى،تسلم إيـ.ـد حضرتك
وبرغم حِقد منال الذي زادَ على ثُريا فى الأونة الآخيرة إلا أنها كانت سعيدة لإهتمام ثُريا بحضور إبنتها وعائلتها وصُنع جميع الأطعمة اللذيذة المفضلة لديهم فتحدثت بعفوية:
-تسلم إيـ.ـدك على كُل حاجة يا ثُريا
إبتسمت لها ثُريا تحت سعادة عز،أما شيرين فتنهدت ونطقت بنبرة صوت يملؤها الحنين والتأثُر:
-رمضان بادئ ليه تسعة وعشرين يوم والنهاردة اليوم الوحيد اللى حَـ.ـسيت بيه،حقيقى اللمة والعيلة هما اللى بيحلوا كُل حاجة فى حياتنا ويدوها طعم
تبسمت مليكة وأردفت قائلة بنبرة متأثرة:
-كل حاجة فى حياتنا ليها ضريبة لازم تندفع،والغُربة تمنها غالى أوى،ياريت لو ترجعوا وتستقروا هِنا قبل السنين ما تسرقكم وتلاقوا العُمر جري من غير ما تستمتعوا بلمة حبايبكم حواليكم
تنهدت منال وعَقبت بنبرة هادئة على حديث مليكة الذي لمَـ.ـس داخلها:
-ياريت فعلاً يعملوا كدة
تحدث سامح بنبرة عملية:
-ياريت كان ينفع أكيد ما كناش هنتأخر،بس للاسف شغلى هناك مستقبله أحسن كتير،ده غير إن الأولاد إتعودوا خلاص على العيشة هناك،ده أحمد إبنى مابيعرفش ينطق كلمتين عربى على بعض
فى حين هتفت هادمة اللذات ومفرقة الجماعات تلك التى تُسمىّ براقية الغَير راقية بالمرة والتى لم تحْظَى من إسمها سوى بحروفهُ وفقط،هتفت موجهة حديثها إلى مليكة:
-لمة العيلة وسُفرة رمضان دى إتعملت للناس الطيبين اللى زيك يا مليكة
واسترسلت وهى تتبادل النظر بين شيرين وسامح:
-لكن الى زى شيرين وجـ.ـوزها عارفين كويس هما عاوزين من الدنيا إيه،أهم عايشين برة أحسن عيشة وبيحوشوا فلوس لو قعدوا هنا العمر كُله ماكانوش حوشوا ربعهم،ده غير عيالهم
واسترسلت وهى ترمق الصغير:
-ده الواد الصُغير عامل زي البربنط فى الانجليزى
واستطردت بحسرة:
-مش زي خيبة عيالنا اللى مشطبين على اللى ورانا واللى قدامنا فى المدارس الانجليزية وياريتهم فالحين،العيل منهم بيتهته فى الكلام ومابيعرفش يتكلم كلمتين عدلين
جحظت عيناى شيرين وفغرت فاهُها من بشاعة تلك المرأة التى لا تعرف للخجل أو الذوق عِنواناً
رمقها عبدالرحمن بنظرة حـ.ـارقة وهتف بإسمها ليحثها على الصمت فى حين نطق وليد سريعاً بخجل:
-صلى على النبي فى قلبك يا أم وليد
أجابته بتذمُر وهى تُشيح له بكف يـ.ـدها:
-عليه الصلاة والسلام يا أخويا
أما عز فتحدث بنبرة ساخرة:
-إنتِ شكلك أكلتى محشى كتير يا راقية لدرجة إنه كَبس على نفسك وخلاكى ما بقتيش عارفة إنتِ بتقولى إيه
لوت فاهُها وكعادتها قامت بمـ.ـصمـ.ـصة شـ.ـفتيها بطريقة جعلت عز يدخل بنوبة ضحك هيستيرية مما جعل جميع الحضور بلا إستثناء يلحقوا به وكأنها عدوي واصابت الجميع الذين دخلوا بنوبة من القهقهة العالية تحت نظرات تلك التى باتت تتناقل النظر بينهم بتعجب ولم تتوقف عن المَـ.ـصمَـ.ـصة
تحدثت إليها هالة وهى تناولها شريحة كبيرة من اللحم وتحدثت:
-كُلى البُفتيك اللى بتحبيه يا حماتى،هيعجبك أوى
رمقتها بنظرة باردة ثم تناولت منها القطعة وبدأت بتناولها بغضـ.ـبٍ مع إستمرار هيستريا الضحك التى أصابتهم جميعاً حتى وليد وعبدالرحمن
بعد قليل إنتهى الجميع من تناولهم لوجبة الإفطار وقامت العاملات بلملمة السُفرة وجلس الجميع يتناولون قهوتهم بجانب الإستمتاع بالأحاديث الشيقة
كان ياسين يتوسط بجلوسهِ والدهُ وشقيقتهُ التى تحدثت إليه بحميمية فسألته مستفسرة:
-عامل إيه فى شُغلك يا حبيبي؟
أجابها بنبرة جادة:
-الحمدلله الدنيا ماشية،طمنينى عليكِ إنتِ وعلى أخبارك
باتا يتحدثان ثم إنشغلت شيرين بالحديث مع منال وثُريا وراقية
مال عز علي جزعهِ وهَـ.ـمس بطُرفةً:
-مَال حالك إنتَ وحريمك يا هارون الرشيد؟
نظر بطرف عيناه لأبيه ونطق بنبرة مُحبطة:
-هو مَال فعلاً يا باشا
طب والوقفة يا حزين؟سؤال ساخر نطق به عز مشاكساً بهِ نجلهُ
عقب عليه مُسْتهزئً:
-شكلها كدة إتضربت وهقضيها لوحدي فى أوضة المكتب
هأهأ عز بقوة لفت بها إنتباه الجميع الذي نظر عليه وعلى ذاك المجاور له المبتسم بطريقة ساخرة على حاله وما أوى إليه،وهمـ.ـس متهكماً:
-إنتَ محسود يا ابنى ولازم تبخر
ثم حول بصرهِ إلى راقية وعقب ساخراً:
-هى راقية الله يجازيها،شامم ريحة قر أمها فى الموضوع
اجاب والدهُ:
-وراقية مالها باللى أنا فيه،أنا اللى منحوس سعادتك،الهانم ما يحللهاش تفاتحنى فى موضوع شُغلها غير قبل الوقفة بيوم
واستطرد بنبرة كَظِيمة:
-ما كانتش قادرة تستنى لبعد العيد
ضحك عز وتحدث مازحاً:
-كله من راس الحية اللى إسمها لمار،أنا لو منك أشدها على بورتو الحَضرة تعيد على البورش هناك
ضيق عيناه بحنق ثم حَـ.ـك ذقنهُ وتحدث وهو ينظر أمامهُ بتوعُد:
-الصبر جميل يا باشا والحساب يجمع،ومرات إبنك حسابها معايا تِقل أوى
واسترسل بحرقـ.ـة قلب ظهرت بنبرة صوتهِ وهو يتطلع على شُرفة مليكتهُ التى صعدت كي تستعد لحضور فريق المـ.ـساچ:
-وكله كوم والليلة اللى إنضربت دى كوم تانى
لم يستطع كبح ضحكاته فأطلق لها العنان وتحدث من بين قهقهاتهُ بنبرة شامتة:
-دى بتقعد مع العاقل أربعين يوم،ما بالك بمجنون مليكة
نظر على والده وهز رأسهُ بإستسلام
هرولت أيسل وسارة إلى الجميع وتحدثتا بصوتٍ واحد:
-دار الإفتاء أعلنت إن بُكرة العيد
تصفيق حار من الصِغار وحالة من البهجة ملأت المكان وبدأ الجميع بتبادُل التهنئة بين بعضهم البعض وتحدثت ثُريا إلى الجميع بوجهٍ بشوش:
-كُل سنة وانتم طيبين
رد عليها الجميع معايدتها واستمعت لرنين هاتفها فنظرت به وجدتهُ شقيقها حسن،إنسحبت لترد عليه وتحرك إليها عز بحجة معايدتهُ لحسن تحت استشـ.ـاطة منال وأبتسامة تلك الخبيثة لمار التى تبسمت عندما رأت غيرة منال المُرة من إهتمام زو جها بتلك الثُريا
أغلقت ثُريا مع شقيقها فنظر لها ذاك الولهان وتحدثت بولهْ ظهر بَيّن داخل بحر عيناه:
-كل سنة وانتِ عيدى يا حبيبتى
إرتبكت من نظرات الوله الذي تحاوطها من ذاك العاشق وتحدثت بنبرة صوت مُهتزة:
-عيب كدة يا سيادة اللواء
العيب هو اللى إحنا فيه يا ثُريا،العيب إنك تكونى عارفة إنى بتمنى التُراب اللى بتمشي عليه ومع ذلك حارمانى منك ورافضة إننا نكون مع بعض،وافقى يا ثُريا وريحى قلبى
صدح صوتٍ غاضب من خلفهُما قائلاً بنبرة شديدة الحِدة:
-فيه حاجة يا سيادة اللواء؟
تُري من صاحب ذاك الصوت الغاضـ.ـب
إنتهى الفصل
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل السابع عشر روز أمين
صدح صوت تلك الغاضبة من خلفهُما قائلة بنبرة شديدة الحِدة:
-هو فيه حاجة يا سيادة اللواء؟
إرتبكت ثُريا من صوت تلك الغاضـ.ـبة وارتعب جَـ.ـسدها فى حين تحدث عز بنبرة قوية قائلاً بحِدة:
-إنتِ اللى فيه حاجة يا منال؟
ربعت ساعديها وقامت بوضعهُما أمام صَـ.ـدرها ثم تحركت حتى إقتربت منهما ورمقت كلاهُما بنظرات حـ.ـارقة وتحدثت:
-أنا اللى بسألك يا عز،واقفين بعيد ولوحدكم بتتكلموا فى إيه؟
أجابها بنبرة حازمة على غير العادة:
-ما أنتِ سامعة بنفسك ثُريا وهى قايمة علشان تتكلم مع الباشمهندس حسن،وأنا قُمت وراها علشان أكلمه وأعيد عليه وأشوف هييجى هو وضيوفه أمتى بالظبط
واسترسل موضحاً:
-وبعدها وقفت أتكلم معاها فى تجهيزات حفلة خطوبة سارة اللي هتتم فى بيتنا
شعرت بالحزن من الوضع المُهين الذي أجبرها عز على الظهور به أمام تلك المنال،بصعوبة أخرجت صوتها وذلك بفضل إختناقها بعبرات الدموع التى حضرت وتُريد من يسمح لها بالهبوط وتحدثت:
-مافيش داعى تشغل نفسك بموضوع خطوبة سارة يا سيادة اللواء،أنا هجهز الترتيبات مع ياسين وسليم
واسترسلت بإنسحاب قبل أن تتحرك وتختفى داخل منزلها:
-بعد إذنكم
ألماً شديد تعمقَ داخل روحه وتسلل إليها عند رؤيته لعبرات حبيبته،نظر على تلك الغاضبة وهتف بنبرة جافة معاتباً إياها:
-عاجبك اللى حصل يا هانم،أهى زعلت من قلة ذوقك وإسلوبك السخيف معاها فى الكلام
إبتسمت بجانب فمها بطريقة ساخرة وهتفت متهكمة بحنق:
-بتسمى غيرتى عليك وحفاظى علي شكلى قدام العيلة قلة ذوق وسخافة؟
وسيادتك لما تقوم تجري وتلهث ورا الهانم وتتلكك إنك هتكلم إبن عمك ده تسميه إيه يا مُحترم؟
واسترسلت بإمتعاض وازدراء:
-عيب على سِنك اللى بتعمله ده يا سيادة اللواء،ياراجل إحترم أحفادك اللى بقوا طولك
شعر بنـ.ـاراً تسري بجميع جَـ.ـسده وما أدرك على حاله إلاّ وهو يقترب عليها ويُمـ.ـسك ذراعها ويقبض عليه بقوة جعلت جـ.ـسدها ينتفض وتأوهت على أثرها،إقترب عليها وتحدث بفحيح جعل الريبة تتسلل داخل كيانها:
-إحمدى ربنا إننا وسط الناس وإلا كُنت عِرفت أرد عليكِ بالرد اللى يتناسب مع واحدة فارغة زيك،يظهر إن سكوتى على قلة أدبك خلاكِ تتمادى،بس ملحوقة
واستطرد أمراً بحِدة:
-والوقت يلا أنجري على بيتك وما أشوفش خلقتك عند ثُريا تانى
واسترسل مهدداً بعيناى تُطلقُ شزراً:
-ويا ويلك منى يا منال لو عرفت إنك أذيتى ثُريا بكلمة واحدة من كلامك اللى زي السِم
كانت تتطلع من حولها بإبتسامة مُزيفة رسمتها فوق ثغرها خشيةً من أن يراها أحدهم فى ذاك الوضع المُهين وتحدثت بنبرة حادّة:
-سيب إيدى يا عز الأولاد هياخدوا بالهم
رمقها بنظرة حارقة وهتف بإشمئزاز:
-واحدة قليلة الأصل
فك وثاق قبضته القوية عن ذراعها فتحدثت هى بنبرة حادة:
-بقيت قليلة أصل علشان بدافع عن جـ.ـوزي وبحمى بيتي؟
نظر عليها بسخط وهتف مُحذراً إياها:
-مش عاوز أسمع نفسك،تخدى بنتك وحريم ولادك وتروحى على بيتك حالاً
قال كلماته وتحرك إلى الخارج حيث ذهب جميع الرجال لتأدية صلاة العشاء بالمسجد
بالأعلى
بأجواءٍ هادئة وسط ضوءٍ خافت منبثق من الشموعٍ ذات الرائحةٍ الفواحة وموسيقى هادئة،كانت تتمدد فوق الشزلونج الخاص بعمل جلسة المـ.ـساج بجَـ.ـسدٍ مُتراخى مُـ.ـستسلمةً بإستمتاع لكل حركة من كفاى تلك المُتقنة لعملها وهى تُدلـ.ـك ظَـ.ـهرها بكفاها المُبللةٌ ببعض الزيوت العِطرية برائحتها النفاذة التى تغلغلت بأنفها مما أدخلها بحالة مِزاجية عالية،حركت كتفاها بدلال وتراخى مندمجة مع حركة العاملة ثم إبتسمت وهى تُقنع حالها بحضورهِ أو هكذا تمنت
تحدثت بصوتٍ مُتراخى إلى إحدى الفتيات:
-كفاية كدة وخليهم يجهزوا لى الحمام المغربي من فضلك
أجابتها بطاعة واحترام:
-حاضر يا أفندم
عودة للأسفل
بعد خروج عز من البوابة الحديدية مباشرةً،نظرت عليه منال ثم تحركت بقلبٍ مُستـ.ـشاط لداخل منزل ثُريا تحت نظرات لمار وراقية الجالستان تراقبتان كُل ما حدث بترَصُّد شديد،خطت بساقيها إلى الداخل وجدت يُسرا تخرُج من المطبخ بجوار عَلية وتتحدث إليها بتوصية لتجهيزات العيد،تحدثت إليها بنبره جافة:
-ماما فين يا يُسرا؟
أردفت يسرا بنبرة هادئة:
-ماما جوه فى أوضتها،ثوانى هندها لحضرتك
هتفت بنبرة حادة وهى تُشير إليها:
-خليك إنتِ أنا هدخل لها بنفسي
إستغربت يُسرا حالتها وتحركت تلك الغاضبة الى الحُجرة ودقت فوق بابها سريعاً ومن ثم فتحته بشده دون إنتظار الرد، مما جعل تلك الحزينة القابعةُ فوق مقعدها تنتفض بجلستها حيث تساءلت وهي تنظر إليها متعجبة:
-فيه حاجة يا منال؟!
اقتربت عليها وتحدثت بلهجة حادة:
-عاوزة إيه من جـ.ـوزي يا ثُريا؟
بتحومى حواليه ليه؟
ماكفاكيش اللى حصل بينا زمان بسببك راجعة تعديه تانى؟
جحظت عيناها وهتفت لائمة:
-مش ثُريا بنت الحاج صلاح المغربي اللي يتقال لها الكلام ده يا منال،اللى بتقوليه ده عيب وما يصحش
هتفت بشراسة:
-العيب هو اللى إنتِ بتعمليه يا بنت الحاج صلاح،دايرة تحومى حوالين راجل متجـ.ـوز ليه،عاوزة منه إيه يا بنت الأصول يا متربية؟!
وضعت كف يدها فوق فاهها بذهول أثر إستماعها لحديث تلك الجائرة
لم تكتفى بذاك بل أسترسلت وهى تُلوح بكف يـ.ـدها بلهجة شديدة التحذير:
-إبعدي عن جـ.ـوزي يا ثريا وإلا والله العظيم أفضحك قدام العيلة كُلها،وأروح لإخواتك وأكشف لهم حقيقة السِت هانم اللى عايش لى دور البريئة وهى مقضياها غراميات ومسخرة مع سلفها،وهقول لهم إنك بتلفى وتدوري على جـ.ـوزي وعاوزة تخطفيه مني
هتقت بصدمة:
-إنتِ اتجننتى يا منال،إيه التخاريف اللي بتقوليها دي،أنا لو فيه بينى وبين عز حاجة زى ما بتفتري عليا كُنت هرفضه زمان ليه لما إتقدم لى؟
واسترسلت بإبانة:
-اللى ما عملتها وأنا بنت العشرينات،هعملها لما بقيت جِدة وأحفادى بقوا أطول مني؟!
إبتسمت وتحدثت ساخرة:
-يمكن حِلى فى عنيكى وهو داير يتنطط زى المُراهق حواليكى فى كُل مكان،أو يمكن تكونى حابة إحـ.ـساس إنك لسة مرغوبة من الرجالة ولسة منك الرجا زى ما بيقولوا
كانت تستمع بذهول إلى حديثها المُهين لكرامتها والمُشين لأخلاقها العالية التى لم يكُن عليها غُباراً بيومٍ من الأيام،هزت رأسها بأسي لما تستمع وتحدثت بنبرة متألمة:
-إخص عليكِ،مش مكسوفة من نفسك وإنتِ بتوصفى جـ.ـوزك المحترم سيادة اللوا اللى سيرته بيتهز لها شنبات بالأوصاف المُهينة لرجولته دى؟
واستطردت بلوم وغيرة علي إبن عَمها:
-طب لو مش محترماه علشان العشرة اللى بينكم والعيش والملح اللى أكلتيه فى بيته،يبقى على الأقل إحترميه علشان أولادك الرجالة
بسمة ساخرة خرجت من جانب فْم تلك الغاضبةواسترسلت الأخرى بنبرة يملؤها الفخر والأعتزاز:
-وأحب أطمنك على جـ.ـوزك يا بنت الأصول،أنا كُنت متجوزة راجل كان ليا الدُنيا وما فيها ومن بعده ما فيش راجل في الدنيا كُلها يقدر يسِد مطرحه ولا يملى عينى
واستطردت بإبانة:
-أنا عاهدت أحمد الله يرحمه إنى هقابله زي ما سابنى ووعدته إن شعري مش هيتفرد على كِتف راجل بعدهُ،وعيشت بعد موته صاينة أسمه وعايشة على ذكراه اللى مالية حياتى،وإن شاء الله هروح له وأنا وافية بوعدى ليه
رمقتها بنظرات إحتقارية وهتفت متهكمة بإتهام:
-شبعت من كلامك ومثالياتك الفارغة اللى قاعدة ترسميها على الكل من يوم ما دخلت بيتكم يا بنت المغربي،دي أخر فرصة هديها لك علشان تبعدى عن جـ.ـوزى وتصُدي محاولاته الخايبة فى إنه يقرب منك
واسترسلت بنبرة تهديدية:
-وإعتبري إن ده أخر إنذار ليكي وبعدها ما تلوميش إلا نفسك
أوصلتها بحديثها لحالة من الجنون فهتفت بصـ.ـدرٍ يعلو ويهبط بشدة ونبضات قلب تدقُ بوتيرة عالية:
-إطلعى برة،مش عاوزة أشوف وشك فى بيتى تانى،خدي جـ.ـوزك وولادك وسبينى فى حالي،سبيني أربي العيلين اليتامي فى اليومين اللى فاضلين لى بسلام
واسترسلت بانفاسٍ مُتقطعة ووجهٍ أصفرٍ وكأن الدِ ماء قد توقف عن تدفقهُ إليه:
-حسبنا الله ونعم الوكيل فيكِ يا منال،حسبنا الله ونعـ
لم تُكمل جُملتها لإرتطام جَـ.ـسدها بالأرض حيثُ سقطت مغشياً عليها كجُـ.ـثة هامدة
إتسعت عيناى منال وقامت بوضع كفاها فوق فمها بإرتعاب قبل أن تهرول إلي الباب وتُصيح بكل صوتها مُـ.ـستنجدة:
-إلحقينى يا يُسرا
جرت يُسرا التى كانت تُشرف على تجهيز طعام إلى رؤوف حيثُ شارف علي الوصول وتحدثت بإرتياب:
-فيه إيه يا طنط؟
هتفت بصوتٍ مُرتعب وهى تُسرع وتُشير على تلك المُمددة فوق الأرض وتحدثت:
-أنا وأمك كُنا بنتكلم وفجأة وقعت على الأرض
إتسعت عيناها واسرعت إلي والدتها،رفعتها من علي الأرض وقامت بوضعها فوق تختها بمساعدة عَلية ونرمين وباقى نساء المنزل اللواتى حضرن مهرولات بعدما إستمعن لصياح تلك المنال
هتفت يُسرا بصياحٍ عالِ موجهةً حديثها إلى مُنى:
-إتصلى بدكتور حسين وخليه يسيب اللى في إيـ.ـده وييجى حالاً
هرولت الفتاة إلي الخارج لتستدعى الطبيب وباتت نرمين تخبط بكف يـ.ـدها فوق وِجنة والدتها وتصرخ بإسمها في محاولة منها لإفاقتها دون أدنى إستجابة من تلك المغشي عليها مما جعل راقية تهتف وهى تضع كف يـ.ـدها فوق وجنتها:
-يادى المُصيبة،السِت شكلها دخلت فى غيبوبة سُكر
ثم لفت وجهها تتطلع إلى الواقفة بجَـ.ـسدٍ ينتفض من شدة رُعبها وسألتها مُستفسرة:
-إنتِ قُلتى لها إيه خلاها وقعت من طولها كدة يا منال؟
إنتفض قلبها وتحدثت بتلبُك وارتياع:
-وأنا دخلى إيه فى اللي حصل لها،أنا كنت بتكلم معاها عادى فجأة لقيتها وقعت زى ما شُفتوها كدة
نظرت عليها يُسرا وتحدثت بصياح من بين بكائها العالى:
-عادى إزاى يا طنط،ماما كانت داخلة قدامى كويسة قبل ما حضرتك تسألى عليها وتدخلى لها
واسترسلت باتهام:
-ماما ما بيحصلهاش كدة غير لما تتعرض لضغط نفسي شديد، والدكتور منبه علينا بكدة
إبتلعت لُعابها فى حين نطقت لمار بمساندة لمنال فى محاولة منها لنيل رضاها:
-هتكون قالت لها إيه يعنى يا يُسرا،أساساً Auntie ثُريا وشها كان باين عليه التعب من لما كنا قاعدين علي السُفرة
لوت راقية فاهها وتحدثت وهى تهز رأسها:
-قال يا خبر بفلوس كمان شوية يبقى ببلاش،كدة كدة الموضوع هيتكشف والسر هيبان،سواء لو ثُريا قامت وحَكت اللي دار بينهم
واستطردت موجهة حديثها إلى منال:
-ولو بعد الشَر جرى لها حاجة النيابة هتيجى وهاتحقق وساعتها هتعترفى بعملتك السودة
جحظت أعين الموجودات وهتفت يُسرا بنبرة حادة:
-فال الله ولا فالك،بعد الشر على ماما
أما شيرين التى تجاور والدتها الوقوف فتحدثت بإستغراب حاد:
-إيه الكلام اللي حضرتك بتقوليه ده يا طنط
إدينى سكت طالما كلامى مش عاجب حد...جُملة ممتعضة تفوهت بها تلك غريبة الأطوار
هتفت نرمين بنبرة هَلِعة وهى تُدنى زجاجة العِطر من أنف والدتها فى محاولة منها لإفاقتها:
-فوقى يا ماما والنبي،فوقى علشان خاطري ماتوجعيش قلبي عليكِ
إقتربت منها چيچى وشيرين التى هتفت وهى تُربت فوق كتفها بحنان:
-ما تقلقيش يا حبيبتي إن شاءالله هتبقى كويسة
❈-❈-❈
بالخارج
إنتهت صلاة العشاء وبدأ الجميع بالخروج من المسجد بعدما تبادلوا التهانى بقدوم عيد الفطر المبارك،وأثناء عودة عز وعائلتهُ إلى منازلهم وجدوا دكتور حسين طبيب العائلة وهو يصف سيارته أمام منزل رائف،
إلتهم الذُعر قلب ذاك الولهان وبلحظة شعر بأن حبيبتهُ ليست بخير،هرول بمشيته إلي دكتور حسين الذي ترجل من السيارة وسألهُ مَذعُوْراً:
-خير يا دكتور،إيه اللى جايبك الساعة دى؟
أجابهُ على عُجالة وهو يتحرك معهُ إلى الداخل:
-يظهر إن ثُريا هانم حصل لها غيبوبة سُكر،البنت كلمتنى وقالت لى إنها أُغمى عليها ومش عارفين يفوقوها
وكأن كلماتهِ سَـ.ـيفاً مسنون نزل على قلبهِ بحِدة شطرهُ لنصفين،ما شعر بحالهِ إلا وهو يهرول فى طريقهُ إلى حُجرة أميرة أحلامهُ البريئة،لحق به ياسين وباقى رجال العائلة،دلف إلى الغُرفة متقدم الطبيب تسوقهُ قدماه إلى أن وصل إلى تختها،صرخ قلبه وبات يأنُ حينما رأها تتمدد لا حول لها ولا قوة تجاوراها إبنتيها اللتان تنتحبتان،تسلل مروان من بين الجميع وهرول إلى جدته وصاح يتساءل بصوتٍ عالِ يُظهر مدى إرتيابهُ:
-تيتا مالها يا عمتو يُسرا؟
جـ.ـذبهُ ياسين سريعاً وأحتضـ.ـنهُ واردف وهو يُربت عليه:
-إهدى يا مروان وخلى الدكتور يشوف شُغله
هو إيه اللى حصل لها يا يُسرا...تساؤل خرج من عز بنبرة متمـ.ـزقة
أجابته بدموع تتقطع لها نياط القلب:
-مش عارفة يا عمو أنا كُنت فى المطبخ وطنط منال سألت عليها ودخلت لها الأوضة،وبعدها لقيتها بتصرخ وبتنده عليا،دخلت لقيتها مرمية على الأرض ومن ساعتها وهى غايبة عن الدُنيا زى ما حضرتك شايف
جحظت عيناه وبسُرعة البرق حول بصرهِ إلى تلك التى كادت أن تلفَظ أنفاسها الآخيرة من شِدة فزعها،رمقها بنظرة نارية هزت رأسها تُنفى ما وصلهُ لتنأى بحالها من غضبه فى حين تحدث الطبيبب بلهجة جادة بعدما فتح حقيبتهُ وأخرج منها أجهزتهُ إستعداداً للكشف على تلك الغائبة عن الوعى:
-الكُل يطلع برة من فضلكم،مش عاوز فى الأوضة غير مدام يُسرا
هتفت نرمين بإعتراض من بين دموعها:
-أنا مش هسيب ماما وأخرج
تحدث ياسين بنبرة حادّة إلى الجميع الذين تسمروا بأماكنهم رُغم إستماعهم لأوامر الطبيب:
-ما سمعتوش الدكتور قال إيه،يلا كُله يطلع برة
إرتبك الجميع وهرولت منال إلى الخارج تلاها الجميع واسترسل ياسين وهو ينظر إلى الفتى:
-خليك مع جدتك وعماتك يا مروان
هز الفتى رأسهُ سريعاً بإستحسان فتحرك ياسين إلى والدهُ المُـ.ـسلط بصرهِ على صغيرتهُ بقلبٍ يأنُ من شِدة إرتعابه،أمـ.ـسكهُ من ذراعه وتحدث ليحثهُ على التحرك:
-يلا بينا يا باشا
وعى على حالهُ بعد إستماعهِ لكلمات نجلهِ وتحرك بقلبٍ مُرغم وبدأ الطبيب بالكشف المبدأى على ثُريا
خرج عز وجد منال أمامهُ تقف بين الجَمع فتحرك إليها وتحدث بعيناى تُطلق شزراً:
-تعالى ورايا
قال كلماتهُ ودخل إحدى الغُرف التى تبتعد عن الحضور،نظرت إلى ياسين تستنجدهُ بعيناها طالبة العون منه ومساندتها أمام ذاك الغاضب،فهم ياسين مطلبها فتحرك إليها وأسندها ودلف معها واغلق الباب فور دخولهما وما أن رأهُ عز حتى إِحْتَدَمَ غَيْظا وتحرك إليها وتحدث بلهجة شديدة الحِدة وهو يجـ.ـذبها من ذراعها بقوة جعلتها تتهاوى بوقفتها:
-جايبة إبنك معاكِ علشان يحميكِ منى يا منال؟
واسترسل بنظرات فتـ.ـاكة كالصقر:
-ده أنتِ تبقى غبية لو فاكرة إن فيه مخلوق على وجه الأرض هيعرف يخلصك من بين أديا لو ثُريا جري لها حاجة
هرول ياسين وأمـ.ـسك قبضة والدهُ وحاول فكاكها عن ذراع والدته المرتعبة:
-أرجوك يا باشا تحاول تتمالك أعصابك وخلينا نتفاهم بالعقل كأشخاص مُتحضرين
وما أن إستطاع فكاك وثاقهُ من على ذراعها حتى هرولت خلف نجلها لتحتمى به من فتـ.ـك ذاك الثـ.ـائر،صاح عز بنبرة حادّة تنمُ عن مدى إحتدامه:
-أى تحضُر اللى بتتكلم عنه ده يا ياسين،الهانم أمك دخلت على عمتك المريضة وطلعت عُقدها عليها وياعالم قالت لها إيه لدرجة إن المِـ.ـسكينة ما قدرتش تتحمل ووقعت من طولها
بدموع غزيرة هزت رأسها وهتفت نافية بهيستيرية:
-ماقولتلهاش حاجة يا عز صدقنى،
واسترسلت بنبرة كاذبة كي تنأى بحالها من إحتدام ذاك المُـ.ـستشاط:
-أنا كنت بتكلم معاها عن تجهيزات فِطار ولمة العيد الصبح علشان نعمل جو نفرح بيه شيرين وولادها،وفجأة وإحنا بنتكلم قالت لي إنها حاسة بدوخة وبعدها وقعت
واستطردت بتأكيد زائف:
-صدقنى يا عز ما حصلش حاجة غير اللى قُلتهُ لك ده
رمقها بإشمئزاز وتحدث بتوعد حادّ:
-إدعى ربنا إن يكون هو ده اللى حصل بجد،لأن لو طلع غير كدة ورحمة الحاج محمد اللى عمري ما أحلف بيه باطل لتكونى طالق وبالتلاتة
جحظت عيناى منال وياسين الذي هتف بذهول:
-هو إيه اللى حصل لكُل ده يا باشا،إهدى حضرتك وإن شاءالله عمتى هتبقى كويسة
نظر لهُ عز بتأثر فهم منه ياسين أن والدتهُ قامت بفعلِ كارثة،أما منال التى هزت رأسها بإستنكار وهى تنظُر إليه وتحدثت إلى نجلها بنبرة مُـ.ـستكينة وهى تُشدد من مـ.ـسكتها لذراعهِ ومازالت تختبئ خلفهُ بحماية:
-سامع أبوك يا ياسين،أبوك عاوز يرمينى بعد العُمر ده كُله علشان خاطر ثُريا
أردف بهدوء وهو ينظر إليها ليحثها على الذهاب والابتعاد عن وجه ذاك المُنْفَعل:
-أخرجى برة لو سمحتى يا أمى
نظرت إليه بضعف فحرك أهدابهُ يستسمحها بالخروج أومأت له وفعلت وتحرك ياسين إلى والدهُ ثم قام بوضع كف يـ.ـدهُ فوق كَتفهُ وتسائل مُسْتَفْهِماً:
-فيه إيه يا باشا؟
أنا أول مرة أشوفك عصبي ومش قادر تتحكم فى إنفعالاتك بالشكل الكبير ده
أجابهُ بإختصار:
-أمك تنطق الحجر يا ياسين،حاطة عمتك فى دماغها ومش ناوية تجيبها لبر
تحدث ياسين على استحياء بدفاع فِطْريّ عن والدته:
-إسمح لى يا باشا هى بردوا معزورة من اللي شافته،حضرتك بدأت تاخد راحتك فى التعبير عن اللى جواك لعمتى من غير ما تعمل حساب لوجود أمى
نظر إلى نجلهُ بلوم ثم تحرك إلى الخارج دون إضافة أية كلمات، زفر ياسين بضيق لأجل والدايه وعمته الحنون،الكل مُحق والكل لديه أسبابه المُقنعة،ثم تحرك ليلحق بوالده
جلس الجميع بإنتظار خروج الطبيب،تحركت مُني وهمـ.ـست لسيدها متحدثة بتذكرة:
-أطلع أبلغ السِت مليكة باللى جرى للهانم الكبيرة يا باشا؟
اجابها بإقتضاب:
-لا يا مُنى،سبيها لما تخلص وبعدها إبقى بلغيها،إدخلى إعملى كُباية ليمون للباشا تهديه وبعدها إطلعى هاتي لى عز من النانى بتاعته
بالأعلى،إنتهت تلك الغافلة عما يحدث بالأسفل وكأنها تسكن منزلاً أخر،خرجت من الحمام مُرتديه مئزراً من الحرير المُنسدل فوق جَـ.ـسدها بلونهِ الوردي الذي تناسب مع لوني وجنتيها التى اصبحت متوهـ.ـجة بفضل الحمام المغربي مما أضفى علي وجهها جمالاً فوق جمالها
وجدت الفتيات تُلملِمن الأجهزة الخاصة بعملهن،إقتربت من خزانتها وفتحتها وأخرجت من محفظة نقودها بعض العُملات الورقية وتحركت إلى إحداهُن وتحدثت بإبتسامة هادئة:
-تسلم أديـ.ـكم،دي حاجة بسيطة علشانكم
تحدثت الفتاة بترفُع:
-ياسين باشا حاسب مدام لينا يا أفندم وأدالنا التيبس كمان
إبتسمت لها وتحدثت بهدوء:
-أنا عارفة إن الباشا دفع الحساب كامل،بس دي حاجة حبيت أشكركم بيها على شغلكم اللى عجبني
إبتسمت الفتاة واخذت المال وتحركت هى وفريقها ونزلا من الدرج وجدوا جميع العائلة تجلس ويبدوا على وجوههم التوتر، مالت راقية وهمَـ.ـست إلى شيرين الجالسة بجوارها:
-شوف إحنا في إيه ومرات أخوكِ الشملولة في إيه؟
سايبة الولية مرمية بين الحياة والموت وقاعدة فوق تشد وتُنفُخ
ثم لوت فاهها واردفت سَاخرة:
-قال على رأى المثل،اللى يلاقى دلع ولا يتدلعش يبقي حرام عليه
ثم نظرت على ياسين وتحدثت وهى تتبادل النظر بينهُ وليالى الجالسة تتطلع علي فريق التجميل بإمتعاض:
-ياسين أخوكِ ده طول عُمره مُبخت،الراجل من دول بيعيد مع واحدة وهو هيعيد مع إتنين بيتسابقوا عليه وكل واحدة منهم عاملة فى نفسها البِدع،واحدة جاية له من بلاد برة مرممة نفسها وعاملة زى عروسة المولد،والتانية جايبة فريق بحاله يروقها
كانت تستمع إليها بعقلٍ غير مُستوعب تفكير تلك غريبة الأطوار
أشار ياسين إلى منى فأسرعت إلى الفريق وأوصلتهم سريعاً إلى بوابة الخروج،وبعدها صعدت وابلغت مليكة التى إرتعب داخلها وأرتدت ثياباً ساترة ونزلت الدرج أمام الجميع،شعر برجفة أُصيبت قلبهُ حين وجدها بكامل إشراقة وجهها وجمالها الذي تضاعف بفضل الحمام المغربي وجعل منها ساحرة حد الفتنة،إبتعد بناظريه عنها سريعاً حتى لا يظهر بذاك الضعف أمام الحضور،أما ليالى فقد إشتعل داخلها لرويتها لغريمتها بكل ذاك السِحر،وما زاد من حِقدها هى تلك النظرات الفاتنة التى لمحتها من عيناى زو جها العاشق الذي لم يستطع السيطرة على حالهِ في بادئ الآمر
تحدثت بنبرة ظهر عليها الفزع وهى تُهرول وتتحدث إلى عَلية الواقفة بجانب غُرفة ثُريا ودموعها تنساب فوق وجنتيها:
-إيه اللى حصل لماما يا دادة،وإزاى ماحدش يطلع يبلغنى فى وقتها؟
من بين دموعها عقبت قائلة وهى تُشير بكف يـ.ـدها إلى ياسين:
-أنا قُلت لـ مُنى تطلع تقول لك يا بنتى،بس هى قالت لياسين باشا وهو اللي قال لها بلاش
نظرت عليه وجدته يلهو حالهُ مع صغيرهُ فى محاولة منهُ للثبات،هتف الصغير وأشار على والدته،فأشار إلى منى التى أسرعت إليه وحملتهُ عنه واتجهت به إلى تلك التى حملته وضلت بجانب الحُجرة تنتظر
شعر بالريبة عليها وعلى صغيرتهُ مِـ.ـسك الساكنة بأحشاء فاتنتهُ فما أحـ.ـس على حالهِ حين إنتفض من جلسته وتحرك إليها وكأن ساقاه هى من تقودهُ دون إدراك منه،إقترب من وقفتها ومال عليها كي يحمل عنها الصغير وما أن إشتم عطورها المُختلطة برائحة جَـ.ـسدها المحببة لديه حتى أُصِيب برعشة ببـ.ـدنهِ بل وبكُل كيانهُ،إبتلع لُعابهُ وتحدث بنبرة جاهد فى إخراجها حاسمة:
-تعالى أقعدى علشان ماتتعبيش
نظرت إلى عيناه فتهرب منها وأشار لها لتتقدمهُ،فتحركت تحت نظرات الجميع المتعجبة وإستـ.ـشاطة ليالي التى شعرت بالخطر يتزايد مع تزايُد عِشق ذاك الولهان
وأيسل التى إحتَـ.ـرق داخلها على ظهور والدها بهذا الشكل أمامها،إكفهرت ملامح وجهها وباتت تُحدث حالها وهى تتطلع عليها بنظرات فتـ.ـاكة:
-من أنتِ أيتُها الحقيرة لتفعلي هذا بياسين المغربي بجلالة شأنه؟
من تكونى كي تُحركي ساكنهُ وتجعليه مُنساقاً إليكِ بكُل ذاك الإذلال؟
لم يحدث من قبل ويُظهر لهفتهُ وإهتمامهُ المبالغ به بأحدهم كما أظهرهُ لكِ أيتُها اللعينة
حتى أنا غالية قلبهُ واميرتهُ مثلما دائماً يُلقبني،فبرغم حبهُ وأهتمامهُ بي إلا أنهُ يُعنفنى ويتجاهلنى حينما يغضبُ مني حتى أذهب واعتذر منه عن ما بدر وحينها تعود تلك اللهفة
جلست وبدون مقدمات أجهشت ببكاءٍ مرير لم تستطع التحكم به،وضع الصغير المتلهف لوالدتهُ فوق سـ.ـاقيها وتحدث لتهدأتها:
-إهدى يا مليكة وبطلى عياط علشان ما تتعبيش،عمتى كويسة والدكتور عندها والوقت يطلع يطمنا
زادت من شهقاتها فانفطر قلبهُ عليها،وحدها دموعها هى من تستطيع أن تجعل منه ضعيفاً أمامها،كَم تمنى لو أنهُ يستطيع إحتضـ.ـانها أمام الجميع "لكن" ما يمنعهُ عِدة أسباب أهمهما شعور إبنته وايضاً حُزنهُ منها وخزلانهُ من موقفها معه حين ترجاها بأن تثق به ولم تفعل
إنسحب وجلس بمكانهُ وجلست چيچى بجانبها وباتت تربت على ظهـ.ـرها بحنان كي تهدأ وتحدث إليها عز بحِنو:
-بطلى عياط يا بنتى،ثريا سِت قوية وإن شاء الله هتبقى كويسة
وقفت شيرين وجاورتها أيضاً الجلوس وباتت تهدأها فى حين تحدث هو بنبرة صارمة كى يحثها على الصمت:
-خلاص يا مليكة بطلى عياط،كدة ممكن تتعبي والبنت هتتأثر بحالتك
جحظت عيناى أيسل ونظرت إلى أبيها بتعجُب،ألهذا الحد يخشي عليها قبل أن يراها،ألهذه الدرجة وصل حُبك واهتمامك بإبنة غاليتك المُدللةُ أبي؟
فكيف لو رأيتها وأخذتها بين أحضـ.ـانك وأشتـ.ـميت رائحتها،لكِ الله أيسل،من الواضح أنه لم يعُد لك مكاناً لدى قلب والدك
رفعت وجهها وسألت مُني قائلة وهى تُجفف دموعها:
-مروان وأنس فين يا مُني؟
أجابتها باستفاضة:
-مروان جوة مع الدكتور،وأنس ياسين باشا خلي سارة تاخده عند ياسر وعلى علشان يلاعبوه على ما الست هانم تفوق
وضع الصغير كفهِ الرقيق على وجنة غاليته وتحدث بنبرة حنون:
-مش بابي قال لك ما تعيطيش يا مامى،إسمعى كلامه علشان هو بيحبك وعارف الصَح
إبتسمت له وأومأت بإيجاب،ثم تحدث الصغير إلى والدهُ:
-مش إنتَ عارف الصح يا بابي؟
أومأ لهُ بإبتسامة خافتة،وقف سليم زوج يُسرا ثم وجه حديثهُ إلى عز المغربي:
-بعد إذنك يا باشا أنا هروح أستقبل رؤوف فى المطار،هو خلاص على وصول ولازم حد مننا يكون فى إنتظاره
أومأ لهُ وتحدث بهدوء:
-كتر خيرك يا سليم
وعقب طارق أيضاً بنبرة شاكرة:
-تسلم يا سيادة القُبطان
أومأ لهم وتحرك إلى الخارج
تحرك طارق حاملاً كأساً من الماء وبسط بهِ ذراعهُ إلي مليكة وتحدث:
-إشربي ماية وحاولى تهدى علشان البيبي ما يتأثرش
متشكرة،مش عاوزة أشرب...جُملة جادة حدثت بها مليكة طارق على غير عادتها مما جعل چيچى تتعجب لأمرها وتنظر إلي زو جها الذي حزن وعاد إلي مقعده بخيبة أملهِ وتحت حُزن ياسين عليه
هرول الجميع إلى الطبيب الذي خرج للتو وتحدث إليه عز بعُجالة:
-طمني يا دكتور،الهانم فاقت؟
أجابهُ بهدوء:
-الحمدلله فاقت يا سيادة اللواء،هى حصل لها حالة إغماء مؤقتة نتيجة إرتفاع ضغط الدم وده تقريباً بسبب الصيام وكمان هى قالت لى إنها نسيت تاخد حباية الضغط بعد الفطار،وتقريباً كدة هى إتعرضت لضغط نفسي أو فيه حاجة مزعلاها وهى مش حابة تقولها،وده السبب فى إنها توصل للحالة اللى شفناها دى
واسترسل بإبانة:
-على العموم هى بقت كويسة وأنا أديتها إبرة هتخليها أحسن، وكمان علشان ما تتأثرش بأي حاجة سلبية كانت بتفكر فيها قبل ما تتعب،بس ياريت تحاولوا تهيأوا لها أجواء هادية حواليها وتبعدوها عن أى توتر،علشان الموضوع لو إتكرر تانى لا قدر الله نتايجة هتكون أكبر من كدة، ووقتها ممكن نحتاج ننقلها للمستشفى
أومأ لهُ الجميع وتحركوا إلى الداخل ليطمأنوا عليها،كانت تتمدد ويبدوا على وجهها الإرهاق،يُجاورها مروان الذي يُحاوط كف يـ.ـدها ويحتويه برعايه،على الجانب الآخر تجلس نرمين بملامح وجه هادئة بعد أن إطمأنت من الطبيب على غاليتها التى عادت إلى الحياة من جديد،أما يُسرا فكانت تجلس تحت قدماها وتقوم بتدلـ.ـيكهما لها
هرولت تلك الباكية إلي جلوس صغيرها الذي أفسح لها المجال واجلسها وتناول منها شقيقهُ،تحدثت وهى تحتـ.ـضن كف يـ.ـدها وتُميل عليه لتقبـ.ـيلهُ:
-سلامتك يا ماما،ألف سلامة عليكِ يا حبيبتى
أجابتها بأنفاس متقطعة كى تُطمئن رُعـ.ـبها الظاهر بعيناها:
-أنا كويسة يا مليكة،ما تعيطيش
وجهت شيرين حديثها إلي عمتها حيثُ أردفت بنبرة حنون:
-ألف سلامة عليكِ يا عمتو،كدة تخضينا علي حضرتك بالشكل ده؟
إكتفت بإبتسامة خفيفة وإيماءة بأهدابها فاسترسلت شيرين مداعبة إياها:
-يلا قومى كدة علشان مش هشرب الشاى بلبن مع البسكوت فى الفطار بكرة غير من إيـ.ـدك
إبتسمت لمداعبتها وهمـ.ـست بنبرة ضعيفة:
-إن شاء الله
فى حين تحدث عز بصوتٍ مُرتعب لم يستطع السيطرة عليه:
-سلامتك يا ثُريا
أومأت برأسها دون النظر إليه فتأكد حينها أن ما وصل لمُخيلتهُ صحيح،إبتلعت لُعابها تلك الواقفة عند الباب تتطلع بترقُب شديد على تلك الراقدة بقلبٍ وجـ.ـسدٍ يرتجفان فتحدث ياسين وهو ينظر إلى نساء العائلة وشبابها:
-لو سمحتوا يا جماعة،ياريت الكُل يطلع برة علشان عمتى ترتاح،
واسترسل مستشهداً:
-إنتوا سمعتوا بنفسكم الدكتور وهو بيقول إنها لازم ترتاح وتبعد عن أي توتر
ثم نظر عز إلى منال ليحثها على التوقُف فمال ياسين وهمـ.ـس بهدوء:
-بلاش يا باشا لو سمحت،جنابك لسة بتقول إن عمتى تعبانة وما ينفعش نعرضها لأي إجهاد،خلي أى كلام لبعدين
دقق النظر إلى نجلهِ للحظات ثم أومأ لهُ بموافقة،نظر إلى منال بحدة وتحدث بنبرة صارمة:
-خدى بنتك وستات ولادك وروحوا على البيت
تنفست حين إستمعت لهذا الحديث،مجرد لحظات وكانت تُهرول إلى منزلها ومنهُ إلى جناحها بالأعلى وكأنها وجدت خلاصها
❈-❈-❈
داخل منزل سالم عُثمان
كانت تتحدث إلى شقيقها الذي وصل للتو إلى مطار الإسكندرية ووجد سليم فى إستقباله،دخل شريف من باب الغُرفة فأنهت هى حديثها مع شقيقها وتحدث إليها زوجها مستفسراً:
-بتتكلمى مع مين يا عالية؟
أجابته بإقتضاب دون النظر إليه:
-ده رؤوف،كان بيقول لى إنه وصل مطار إسكندرية خلاص
تنفس بهدوء ثم تحرك إلي أن أصبح أمامها ثم تحدث بعيناى لائمة:
-هو إحنا هنفضل زعلانين كدة كتير؟
إقترب عليها ثم أمـ.ـسك خُصلة من شعر رأسها وبات يُحركها بين أصابع يـ.ـده واسترسل بدلال:
-هو ما حدش قال لك إن النهاردة الواقفة ولا إيه؟
أجابتهُ ساخرة:
-لا إزاى،قالوا لى طبعاً،كل سنة وانتَ طيب
تحدث بمشاكسة:
-طب اللي قال ده مابلغكيش إنها بتبقى ليلة مُفترجة وإن الراجل بيدخل أوضته ما بيعرفهاش من كُتر الورد اللي بيبقي متبعتر فى الأرض وعلي السرير وفى كُل مكان؟
واسترسل بدُعابة:
-وما قولكيش بقى على الترتر والريش اللي الست بتبقى غرقانة جواه
رسمت بسمة سخيفة فوق فمها وتحدثت ساخرة:
-الحقيقة اللى بلغنى قال لي حاجة تانية خالص،حكي لى عن الراجل النِكدي اللي عَيش مِـ.ـراته وغرقها طول شهر رمضان فى غم ونكد،وجاي ليلة الوقفة وعاوز يِـ.ـدعك الفانوس السِحرى علشان يحقق له أحلامه المُنـ.ـحرفة
ترك خصلتها وحاوط بيـ.ـديه حول خصـ.ـرها ثم جـ.ـذبها إليه بقوة وتحدث:
-وبعدين معاكِ يا لولو،هتفضلى لاوية بوزك ومنكدة عليا كدة كتير،أبوس إيـ.ـدك كفاية نكد بقى
ثم مال علي جانب شِـ.ـفتها ووضع قُبـ.ـلة وتحدث بإثـ.ـارة:
-إفرجيها علينا دي النهاردة الوقفة
جحظت عيناها وتحدثت بإبانة:
-وكمان طلعت فى الأخر أنا اللي بنكد عليك يا شريف؟
يعنى مش سيادتك اللى متغير فى معاملتك معايا من وقت مشكلة مليكة مع ياسين؟
واستطردت مُفسرة:
-وبرغم نرفزتك عليا وقتها إلا إنى كبرت دماغى واديتك عُذرك، ومع ذلك لقيتك بتتمادى بعدها وكل شوية تفكرنى بالموضوع وكأن أنا اللى كُنت السبب في اللي حصل
تحدث أمام عيناها بنبرة حنون كي يسترضاها:
-طب خلينى أنا زعلت شوية علشان أختى وأتغابيت وأتنرفزت عليكِ،تقومى تاخدى مني جنب وما تعبرنيش من وقتها وتعتبرينى مش موجود أصلاً؟
أجابته بنبرة حادة:
-وكُنت عاوزنى أعمل لك إيه إن شاء الله،أقعد اتذلل لسيادتك يوماتى واشكي لك نـ.ـار سُهادي من مُر البُعاد لحد ما تحن عليا؟
ضحكة عالية أطلقها ذاك المُحب الولهان وتحدث وهو يقترب عليها:
-أنا أسف،سامحينى بقي ما يبقاش قلبك إسود كدة
إبعد يا شريف وما لكش دعوة بيا خالص...جُملة حادة قالتها علياء بنبرة زائفة
أجابها وهو يهمـ.ـس أمام عيناها مما بعثر كيانها:
-طب لو سمعت كلامك وبعدت،هتقدري على بُعدى؟
هقدر طالما إنتَ بتقدر...جُملة نطقتها بدلال وهى تمُط شـ.ـفتاها للأمام فى مظهر أثـ.ـار جنونهُ مما جعلهُ يتناولهما بين خاصته وذاب بهما داخل قُبـ.ـلة عنـ.ـيفة أثـ.ـارت جنون كلاهُما وأنستهم خلافهما وذابا معاً بعالمهما الخاص ليسبحا داخل جولة عشقية جديدة فى ليلة شتوية دافئة
❈-❈-❈
داخل غُرفة ثُريا، ترقد فوق تختها تشعُر بالإحتواء بين أحبائها المُقربون بعدما غادر باقى العائلة كُلٍ إلى منزله،أنس ومروان وعز الماكثون بأحضـ.ـانها،إبنتيها ومليكة،رؤوف وسليم وسراج وياسين الجالس بقلبٍ يغلى من شدة غيرته كُلما نظر على تلك الجميلة ورأى كَم إحمرار وجهها المتوهـ.ـج وأبتسامتها الساحرة وهى تتحدث مع أطفالها وثُريا
تحدثت ثُريا إلى رؤوف بصوتٍ ضعيف:
-أكلت يا حبيبي؟
أجابتها يُسرا مفسرة:
-قُلت له من شوية يا ماما بس ما رضيش،قال لى لما أجوع هقول لك
نظرت إليه تلومهُ فتحدث سريعاً:
-أنا فطرت في البيت يا عمتى وصدقينى لو جُعت هخلى أبلة يُسرا تحط لى الأكل
إبتسمت له ثم تحدثت بتأكيد:
-إوعى تقول لأبوك إني تعبت يا رؤوف
نظر إلى ياسين وتحدث بنبرة هادئة:
-سيادة العميد نبه عليا وقال لى
إبتسامة باردة إرتسمت فوق ثغر ذاك المُـ.ـستشاط،نظر رؤوف إلى سارة وابتسم لها بادلته إياها برقة مما جعل أيسل تلكزها بكفها وباتت الفتاتان تتهامـ.ـستان وتتبادلا الحديث
هب واقفاً بعدما فاض به الكيل وطفح وتحدث بلهجة جادة:
-يلا يا جماعة كُل واحد على بيته علشان عمتى ترتاح،الساعة عدت 12
أنا هبات مع ماما،وأنا كمان يا يُسرا...كان هذا رأي يُسرا ونرمين
أكدت ثُريا على حديث ياسين مُعقبة:
-ما حدش هيبات معايا،الليلة ليلة عِيد وأنا مش عاوزة أكون السبب فى إن حد يزعل أو يتضايق،يلا كل واحد ياخد مراته وولاده ويروح علي بيته،أنا خلاص بقيت كويسة
هتفت يُسرا برفضٍ قاطع:
-ريحي نفسك يا ماما،أنا مش هتحرك من هنا واسيبك وإنتِ تعبانة كدة
أكد سليم على حديثها قائلاً:
-يُسرا عندها حق يا ماما،لازم حد يبات معاكِ علشان ياخد باله مِنك
تحدث ياسين كى يُطمأن الجميع:
-أنا ومروان هنبات معاها،يلا كل واحد على بيته
إنسحب الجميع بعد إقتناعهم وضل أيسل ورؤوف الذي إنتابهُ الإحباط فور ذهاب حبيبتهُ حيثُ إنطفئ بريقهُ بمُجرد غيابها عن ناظريه،أراد أن يُخرج حالهُ من ما أصابهُ فتحدث بإبتسامة وهو ينظر إلى تلك التى تُجاور ثُريا الجلوس بهدوء:
-أظن كدة وجبت القهوة من إيـ.ـد الأستاذة مليكة
إبتسمت وتحركت إلى المطبخ تحت نظرات ذاك الذي إِمْتَلأَ داخلهُ غَيْظا،وقف وتحرك خلفها وجدها تقف أمام الموقد تُقلب ركوة القهوة بهدوء،نظر إلى مُني التي تجاورها الوقوف وتحدث بنبرة جادة:
-إطلعي برة يا مُني
شعرت برعشة تسري بجَـ.ـسدها حينما إستمعت لصوتهِ من خلفها،تحرك إليها ثم نطق بنبرة جادة:
-إعملي القهوة وأديها لمني تدخلها وإطلعي علي فوق
حولت بصرها إليه وأردفت وهى تنظر لهُ بملامة:
-وإنتَ يا ياسين،مش هتطلع معايا؟
نظر أمامهُ بملامح وجه مُبهمة، تنهدت بأسي وامـ.ـسكت الركوة وصبت منها بعض القهوة بداخل الكوب المخصص ثم بسطت يـ.ـدها وتحدثت بنبرة هادئة:
-إشرب قهوتك
هتف بنبرة حادّة دون النظر بعيناها:
-ما قولتلكيش تعملى لى قهوة
لمـ.ـست كف يـ.ـده مما جعل القشعريرة تُصيب جـ.ـسدهِ وتحدثت وهى تضع كوب القهوة بداخلهُ:
-إشرب قهوتك يا ياسين،علشان خاطرى
إبتلع لُعابهُ حين إستمع لنبراتها المُترجية بنعومة أثـ.ـارت جنونهُ،تناول قدح قهوته منها مُتعمداً عدم النظر لعيناها كي لا يرضخ لهما ويجد حالهُ يُرتمى بأحضـ.ـانها ويتمـ.ـسح ليتنعم بداخلها،
بدأت بصب قهوة رؤوف وصاح بنبرة عالية منادياً على مني التى أوصلتها إلى رؤوف وتحركت إلي غرفتها بناءاً على اوامر ياسين لها،بدأ بإرتشاف قهوته تحت إرتياحها
تحدثت بنبرة حنون لتُجبرهُ على النظر داخل عيناها:
-ياسين،ياسين
دون شعور منه حول بصرهِ يتعمق بعيناها كمسحور فاسترسلت بعيناي تنطقُ عِشقاً:
-إطلع معايا فوق ومروان هيبات مع جدته
سحب عنها بصره ثم تنفس بصوتٍ عالي وتحدث بنبرة حازمة وملامح وجه عابسة كى يُخبرها أنهُ مازال غاضباً منها:
-إتفضلى إطلعي وانا هخلي مُنى تطلع لك عز يبات معاكِ
بس أنا عوزاك إنتَ يا ياسين...جُملة نطقتها اظهرت كم تشتاقهُ وتُريد رضائهُ
إبتلع لُعابهُ ونظر إليها وتحدث بنبرة خرجت حنون:
-مش هينفع يا مليكة،عمتى لسة تعبانة والدكتور قال إنها ممكن لاقدر الله تتعب فى أى وقت،وأنا مش حابب أخليها تحس إن البيت فاضي عليها في ليلة العيد،هقعد جنبها أنا والأولاد نسليها ولما تنام هاخدهم وننام فى الأوضة اللى جنبها
إبتسمت له برقة أربكته وجعلته يُميل على كريزتـ.ـيها دون وعى متناسياً كرامتهُ وقام بتقـ.ـبيلها برقة نال بها إستحسانها،نظر كُلً منهُما داخل عيناى الأخر فزادت سُرعة نبضات قلبهُ وما شعر بحالهِ إلا وهو يلف يـ.ـداه حول خصـ.ـرها ويرفـ.ـعها لمستواه،شعرت بحالها كفراشة تُحلقُ فوق الزهور،وضعت كف يـ.ـدها الناعم فوق وجـ.ـنتهُ النابتة وباتت تتلمـ.ـسها مما أثـ.ـار جنونهُ ونزل على شـ.ـفتيها يُقـ.ـبلهما بنهم بادلتهُ شعورهُ وباتت تُشدد من ضـ.ـمته بوله،قطع وصلة جنونهما صوت تلك الغاضـ.ـبة التى حضرت لتبحث عن أبيها فرأت ذاك المشهد الذي حَـ.ـرق روحها وزاد من حِنقها تجاه سارقة أبيها،تراجعت سريعاً إلي الخلف وصاحت بصوتها الغاضب قائلة:
-بابي
إرتبك وانزلها سريعاً وبات يُعدل من ثيابه بعدما وعى على حالهِ وما أقترفهُ من فعل لا يليق به كرجل مسؤل وأب وزو ج،فما كان عليه ان يفعل هذا ويضع حاله وزو جته في هذا الموقف المُخجل لكليهما،لكنهُ الوله هو من أوصلهُما لتلك الحالة،تحمحم وتحدث بصوتٍ جاد بعدما تناول قدح قهوته وتظاهر بإرتشافه:
-تعالى يا سيلا
دخلت الفتاة بملامح وجه حادة وتحدثت وهى ترمق مليكة بنظرات فتـ.ـاكة:
-يلا علشان نروح مع بعض
واسترسلت بإبانة وهى تنظر إليه:
-الباشمهندس رؤوف ومروان هيباتوا مع نانا
واستطردت بنبرة حنون وهى تنظُر داخل مقلتاه بترجى كى تستجدى موافقته كما خططت لها قسمت وداليدا:
-أنا عوزاك تبات فى فيلا جدو علشان تيجي تصحينى بنفسك زي زمان،ونقوم نصلي العيد مع بعض أنا وإنت وحمزة
ثم مالت برأسها للجانب الأيمن وتحدثت وهي تتطلع عليه بإستعطاف:
-نفسي أول حاجة تشوفها عيونى أول ما افتحهم علي التكبيرات تكون إنتَ يا حبيبي
إتسعت عيناى مليكة بذهول من براعة تلك الصغيرة وحديثها الذي أثَر بها هى شخصياً،إبتسم ياسين لصغيرته الذي يعلم بفطانته أن هذا الحديث ما هو إلا خطة منها لإبعادة عن مليكة التى باتت مؤخراً تبغضها
إلتف بجـ.ـسده واضعاً الكوب داخل الحوض ثم تحرك إليها وقام بوضع كفاه حول وجنتيها وتحدث تحت دقات قلب مليكة المُترقبة:
-طب إيه رأيك إنى هحقق لك أمنيتك بس من غير ما نبات فى ڤيلا الباشا
نظرت إليه فتحدث هو بإبتسامة هادئة:
-إيه رأيك نقضي الليل كله جنب نانا ثُريا وبعد ما تنام نتنقل الأوضة اللي جنبها ونفضل نحكى حكايات لحد تكبيرات العيد
من مجرد تخيُلها للمشهد غمرتها حالة شديدة من السعادة وأردفت بنبرة حماسيّة:
-موافقة بس بشرط
رفع حابيه بإستنكار فهتفت سريعاً:
-تتصل بطنط يُسرا وتخليها تبعت سارة علشان تسهر معانا
إبتسم لسعادة صغيرته وتحدث بموافقة:
-روحي إتصلي عليها وخليها تجهز هى وياسر وتنزل تبلغ مامتها،وأنا هبعت حمزة ومروان يجيبوها
هزت رأسها بموافقة حماسيّة،تحركت مليكة منسحبة للخارج بعدما شعرت بالحرج فأمـ.ـسك بكفها واوقفها مما جعل أيسل تشعر بالغيرة وتحدث هو:
-إطلعى إرتاحى وأنا هنيم عز معايا
واسترسل بإبتسامة وهو يُربت بكفهِ فوق كَتفها:
-ما تنسيش تقفلى البلكونة كويس لأن الجو برد النهاردة
حاضر...كلمة رقيقة خرجت منها ثم استرسلت بنبره حنون لكليهما:
-تصبحوا على خير
إبتسم لها وأجاب بنبرة هادئة:
-وإنتِ من أهله
على الفور حول بصرهِ إلى صغيرته الصامتة ورمقها بحِدة ليحِـ.ـسها على التحدث،إرتبكت من نظرة والدها لها وتحدثت رُغماً عنها بنبره رخيمة:
-وإنتِ من أهله
إنسحبت مليكة إلى الأعلى وتحرك هو الى ثريا وجلس الجميع بعدما أتت سارة وبدأوا يتثامرون ويطلقون الضحكات أثر دُعاباتهم
❈-❈-❈
داخل غُرفة سليم ويُسرا،كانت تقبع داخل أحضـ.ـانهُ بعدما قضت معهُ ليلة رومانسية حالمة،رفعت وجهها وتحدثت بعدما أخذت نفساً عميقاً أظهر كم كان يومها صعب:
-ياه يا سليم،أنا مش مصدقة إن اليوم الصَعب ده عدى على خير وماما بقت كويسة
أجابها بكلمات حنون:
-الحمدلله يا حبيبتي،حاولي تتخطي اللى حصل وتنسيه
تنهدت ثم قطبت جبينها وأردفت بإيضاح:
-أنا مش هرتاح غير لما أعرف إيه اللي حصل بالظبط بين ماما وطنط منال وخلاها وقعت من طولها بالشكل ده
ثم نظرت إليه واسترسلت بتوجُس:
-أنا حاسة إن طنط منال قالت لها حاجة هي اللي عملت فيها كدة، بس إيه هى الله أعلم
أجابها بهدوء:
-إبقي إسأليها بكرة يا حبيبتي وأكيد لو فيه حاجة ماما هتقول لك عليها،والوقت يلا ننام علشان إحنا تعبنا قوي النهاردة والمفروض إننا هنقوم بدري عشان صلاه العيد
ثم مال على جبهتها ووضع قُـ.ـبلةً حنون وتحدث:
-كل سنه وانت طيبه يا حبيبتي
أجابته بنبرة رقيقة وبعيناى عاشقة:
-وإنتَ طيب يا حبيبي
ثم دثرت حالها داخل أحضـ.ـانه لتدخل بعدها فى سُباتٍ عميق
صعد عز الى جناحه المشترك مع منال بعد جلوسه مع شقيقهُ ما يُقارب من الساعة وهو يشكو لهُ همهُ وما حدث،وجدها تجلس فوق الفراش بلبـ.ـاسٍ نومٍ شـ.ـفاف وبكامل زينتها ناثرة عِطرها علي جـ.ـسدها ويبدوا من مظهرها أنها بانتظاره،دون تفوههُ بحرفٍ واحد تخطى وجودها وذهب إلى خزانة ملابسهُ وقام بأخذ بيجامة ودخل إلي الحمام وقام بإرتدائها سريعاً،تحرك من جديد مُتجهاً إلى الخارج متجاهلاً وجودها تماماً،أسرعت عليه تلك المرتعبة وسألته بإِسْتِفْهام وهى تتشبث بذراعهُ بقوة:
-رايح فين يا عز؟
نفض عنه ذراعها بإشمئزاز وكأنها عدوى يخشاها وتحدث بنبرة صارمة:
-إبعدى إيـ.ـدك عنى
هتفت بنبرة زائفة:
-صدقنى يا عز ما حصلش حاجة لكل اللى بتعمله ده
أجابها بحِدة:
-بكرة هعرف بنفسي،لما أسأل ثُريا واكشف كذبك
إبتلعت لُعابها وتحدثت بدلال انثوى مُصطنع وهى تقترب منه وتدلـ.ـك لهُ صـ.ـدره فى حركة رخـ.ـيصة منها لحثه على الإقتراب لتُنسيه داخل أحضـ.ـانها جُل ما حدث:
-طب تعالي نام فى حُضـ.ـنى لحد ما ييجي بُكرة وتتأكد من كلامى
واسترسلت بنبرة توسلية:
-أرجوك يا عز ما تفرجش الخدم علينا وتقلل مِننا قدامهم
تجهمت ملامح وجههُ وتحدث بإحتدام:
-هو ده كل اللى هامك فى الموضوع،شكلك قدام الخدم واهل البيت!طب والسِت اللي كانت هتموت بسبب حقدك وغبائك؟
صمت للحظات مدققاً النظر عليها ثم استطرد بتَباغُض:
-ملعـ.ـون أبو شكلك قدام خَدمك على أبو منظرتك قدام الناس اللي قرفتينى بيها طول السنين اللى قضيتها فى سجنى معاكِ
قال كلماتهم وخرج كالإعصار منسحباً إلي الخارج واتجه إلى الغرفه المجاورة لها ليقضي بها ليلته بعيداً عن تلك التي ما عاد فى إستطاعته حتى أن يُشاركها الهواء الذي يتنفسهُ
خرجت مليكة إلي شُرفتها تنظر للسماء وتشكو لليل همها،وجدت ليالي مُمـ.ـسكة بسور شرفتها الخاصة تنظر امامها بملامح وجه غاضبة بعدما هاتفتها أيسل وابلغتها بإفشال والدها لخطتهم،نظرت بجانبها وجدت مليكة تتطلع عليها،رمقت كلاهُما الأُخري بنظرات نـ.ـارية فـ.ـتاكة لو خرجت لأشـ.ـعلت المنطقة بأكملها،إبتسامة مُستَهزئة خرجت من ليالي وهى تشمل مليكة بنظرة ساخرة من أخْمَص قدماها إلى قِمة رَّأسها قابلتها الأُخرى بإحتـ.ـقارية ثم تحركت كلتيهما إلي الداخل سريعاً تحت إستـ.ـشاطتهما ولعنهما لظرفيهما التى جمعتهُما على عِشق رجُلاً واحد
❈-❈-❈
بغرفة وليد وهالة
كان يجلس فوق الأريكة ممـ.ـسكاً بيـ.ـده الشيشة،قربها من فمه وقام بأخذ نفساً عميقاً ملئ به رئتيه ثم أخرجهُ من فمه على هيئة دخان كثيف بإستمتاع
تحدثت إليه تلك التي تجاورهُ جلوسهُ قائلة بنبره مُستفسرة:
-ما قلتليش يا وليد،اللي إسمها لمار دي هتنزل الشُغل في الشركة أمتى؟
أجابها بحِنق:
-نزلت يا هالة من إسبوع،إهدى بقى واتبطى وبطلي تتكلمي فى الموضوع ده بدل ما أمى تسمعنا فى مرة وياسين يقلبها فوق دماغنا كُلنا
واسترسل وهو ينظر أمامهُ بملامح وجه مُبهمة:
-ده أنا ما صدقت إنه رضي عنى بعد ما كلمته
ثم حول بصرهِ مرةً أخري وهو يُكرر عملية التدخين واسترسل بفظاظة:
-تعرفى يا هالة،برغم إنك غبية وفِهمك على قدك،إلا إنك نجدتينى من أدين ياسين فى أخر لحظة
رمقته بنظرة نـ.ـارية وتحدثت لائمة:
-هو أنتَ مابتعرفش تُقول كلمة عدلة لحد أبداً
ضحك وتحدث مداعباً إياها:
-يظهر إنى طالع لأمي في الحتة دي
ضحكت على دعـ.ـابته وسألته باستفسار:
-طب كمل وقول لي تقصد إيه بإنى نجدتك في آخر لحظه دي؟
أجابها وهو ينظر أمامهُ بشرود:
-لولا إنك نصحتيني أروح لياسين وأحكي له على اللي لمار قالته لي كنت رُحت في شربة ماية
واسترسل مُفصحاً:
-ياسين طلع عارف كل حاجة عن عرض لمار لينا
علشان تبقى تسمع كلامي يا وليد وتعرف اني بحبك وقلبي عليك...كلمات قالتها هالة باخْتِيال
إبتسم لها وغمز بعيناه مداعباً أياها مما ادخلها في نوبة من الضحك
بنفس التوقيت بجناح طارق وچيچي التى كانت تجاورهُ التمدد فوق تختهما، سألته بنبرة مرتقبة:
-طارق،هو في حاجة حصلت بينك وبين مليكة أنا ما أعرفهاش؟
إلتفت لها سريعاً وسألها بإرتباك:
-ايه اللي خلاك تقولي كدة يا چيچى؟
أجابته بمبالاة:
-مش عارفة،بس أنا حَـ.ـسيتها زعلانة منك،هى أصلاً ليها يومين متغيرة،إمبارح على الفطار شكلها ما كانش طبيعي خالص وكان باين علي عيونها إنها معيطة،ومن شوية لما جيت تديها كوباية الماية رفضت تاخدها منك،دي حتى ما بصيتش في وشك وهى بتكلمك ودي مش طبيعة مليكة معاك
واسترسلت بإستغراب وحيرة:
-إنتَ نفسك بقى لك كام يوم متغير معايا،طول الوقت قاعد لوحدك وسرحان،هو في إيه بالضبط يا طارق؟
تنهد بضيق وتحدث هارباً من حبيبته:
-أرجوكِ يا چيچي أنا بجد تعبان ومحتاج أنام،سيبيني الوقت وبكره هحكي لك على كل حاجة
هتفت بنبرة مُلامة:
-يعني فعلاً فيه حاجة وإنتَ مخبيها عليا؟
صاح بها بنبرة حادة أظهرت كّم الألـ.ـم الذي يسكن قلبهُ الطيب:
-وبعدين معاكِ يا چيچي،بقول لك تعبان ومش قادره أتكلم، أرحميني أرجوكِ
شعرت بحزنهِ فأقتربت عليه وتحدثت بنبرة حنون:
-إهدي يا طارق،مالك يا حبيبي،أنا أول مرة أشوفك بالعصبية دي
أجابها باقتضاب:
-أنا آسف يا حبيبتي أنا بجد تعبان ومحتاج أنام
تصبحى علي خير... قالها بهروب فتنهدت تلك الحائرة وحاولت هي الاخري أن تغفو
❈-❈-❈
صباح اليوم،صدحت ميكروفونات المساجد بالتكبيرات لتعلن عن قدوم عيد الفطر المبارك مما أدخل السرور والبهجة على قلوب الجميع،ذهب الرجال والأطفال إلى المساجد لتأدية صلاة العيد،وبعد إنتهاء الصلاة تحرك الجميع كعادتهم الى منزل ثريا حيث التجمُع العائلي،وجدوا جميع التجهيزات كما هو المُتبع ككل عيد،عدا وجود ثُريا نفسها التي طلبت من يسرا وعلية القيام بتجهيزات سُفرة التجمُع العائلى ككُل عام والقيام برَص جميع المأكولات والمشروبات والمسليات التى تُجلب السعادة والهناء على قلوب الصِغار،وطلبت منهم إبلاغ الجميع بأنها مُتعبة ولم يكن بإستطاعتها الخروج لاستقبالهم أو التواجد معهم،فَهِم عز حينها أنها لا تريد رؤية أحد
تحرك رؤوف إلي حبيبته وتحدث بنبرة حنون وهو يناولها ورقة مالية من الفئة العالية:
-كُل سنة وإنتِ طيبة يا حبيبتي،والسنة الجاية تكونى فى بيتى
خجلت منه وتحدثت شاكرة:
-وإنتَ طيب يا رؤوف
هتفت أيسل وهى تُبسط ذراعها إليه بدُعابة:
-وأنا فين عديتى يا باشمهندس،ولا إنتَ ما بتديش عديات غير للي إسمهم سارة؟
ضحك علي دُعابتها واردف:
-لا إزاي بقى،وبدي كمان للى إسمهم سيلا عادى جداً
ضحكت الفتاتان بشدة
وقف ياسين في وسط الحديقة وأخرج رُزمة من العملات الورقية وبدأ بتوزيعها على الصغار والشباب الذين إلتفوا حولهُ فرحين بتلك العادة التى تُجلب السعادة علي قلوبهم،خرجت تلك المليكة بهيأتها الساحرة وثوبها المطرز بالزهور بلونها الأزرق الجذاب مما زادها سِحراً،كانت تحمل صنية مملؤة بالشيكولاتة مما جعل الصِغار يلتفون حولها ويتناولون منها حبات الحلوى تحت سعادتها وضحكاتها،نظر عليها ونفخ بشدة علهُ يُخرج لهـ.ـيبهُ الذي يُصيب جَـ.ـسدهُ كُلما رأها تتحرك أمامهُ بكُل ذاك السِحر والدلال،لعن تلك اللمار ولعن غبائها وتشبثها برأيها وايضاً حظهُ العَسِر الذي أبعدها عن أحضـ.ـانه ليلة أمـ.ـس
نظرت عليه وانتظرت أن يأتى لمعايدتها وأنتظر هو الأخر أن تأتى هى إليه ولم يتحرك أحداً إلى الأخر،وجلسا بين الجميع بقلبان مُشتـ.ـعلان من شدة غبائهما وعِند كليهما
دخل الجميع إلي ثُريا ليعايدوها رغم عدم رغبتها بذلك إلا أن الجميع أصّر كى يطمأنوا عليها،
بعد مدة قصيرة بدأ الجميع بالتحرك إلي الخارج بعدما إطمأنوا عليها،هتف بنبرة صارمة إلى منال بعدما رأها تنسحب هاربة إلى الخارج بعدما خرج الجميع عدا ياسين:
-إستني عندك يا منال
ثم نظر إلي يُسرا ونرمين ومروان الجالس بجانب جدته وتحدث بهدوء:
-سيبونا مع بعض خمس دقايق يا بنات وخدوا مروان معاكم
تحركتا الشقيقتان وتحدث الفتي إلى جدتهِ بنبرة حنون:
-هارجع لك تانى يا حبيبتي
أومأت له بإبتسامة حنون وانسحب الفتى وكاد ياسين أن يخرج أمـ.ـسكته منال من كف يـ.ـده فتحدث عز الذي نظر إلى ياسين:
-إطلع برة يا ياسين،أنا عاوز اتكلم مع عمتك وأمك خمس دقايق لوحدنا
عقب على حديث والدهُ قائلاً بترجى:
-ياريت حضرتك تأجل الكلام فى الموضوع ده لوقت تانى يا باشا،حضرتك سمعت بنفسك تحذيرات الدكتور
نظر لهُ بترقب فتحدثت ثُريا إلى ياسين بنبرة حاسمة كى تُنهى تلك المهزلة وتُغلق باب المناقشة بها نهائياً:
-أنا كويسة يا ياسين
ثم حولت بصرها إلى عز واردفت بصوتٍ ضعيف تأثُراً بمرضها:
-قول اللى عندك قدام ياسين يا باشا،مافيش حاجة هتتقال ممكن نخجل منها،ولو حابب تتكلم قدام العيلة كُلها أنا معنديش مانع
شعرت منال بأن روحها تكادُ أن تُغادر بدنها فتساءل عز بنبرة حاسمة:
-هو سؤال وعاوز إجابته منك بكل صراحة،منال قالت لك إيه قبل ما يغمى عليكِ،وياريت يا ثُريا ما تخبيش عليا
نظرت ثُريا علي منال التي ترجتها بعيناها بألا تفعل،كانت تقف بإنتظار كلماتها كما السجين الذي ينتظر نُطق القاضي للحُكم عليه،كلمة واحدة من ثُريا ستنتهى بها حياة منال مع عز إلى الأبد كما هددها
تنهدت ثُريا ونظرت إلى عز وتحدثت:
-
إنتهى البارت
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل الثامن عشر روز أمين
دقق النظر داخل عيناها وسألها بنبرة حاسمة:
-هو سؤال وعاوز إجابته منك بكل صراحة،منال قالت لك إيه قبل ما يغمى عليكِ،وياريت يا ثُريا ما تخبيش عليا حاجة
نظرت ثُريا علي منال التي ترجتها بعيناها بألا تفعل وتقُص عليه ما حدث،كانت تقف بإنتظار كلماتها كما السَجين الذي ينتظر نُطق القاضي للحُكم عليه،كلمة واحدة منها ستُقضى علي حياتها مع عز إلى الأبد كما هددها
تنهدت ثم حولت بصرها إلى عز وتحدثت بإنكار لما حدث:
-كُنا بنتكلم في موضع عادي وبعدها دُخت وما حَـ.ـسيتش بنفسي
سألها بنبرة حادة:
-موضوع إيه يا ثُريا؟!
إرتبكت وشعرت منال بالخطر يحوم حولها عندما رأت إصرار عز فهتفت بتلبُك مُتعلقة بأخر أمل لإنقاذها:
-ما أنا قُلت لك إننا كُنا بنتكلم عن تجهيزات فطار العيد علشان شيرين وأولادها
رمقها بنظرة حارقة ثم حول بصرهِ إلى تلك التى تنظر بذهول على هذه الكاذبة وإتقانها الشديد للإختلاق،فسألها مستفسراً متجاهلاً حديث منال:
-ما ردتيش على سؤالى يا ثُريا؟
ترجتها بعيناها بأن تُنقذ حياتها وتؤكد على حديثها،أردفت قائلة بتأكيد على تلك الكاذبة كي تنهى ذاك الموضوع:
-ما هى مِراتك قالت اللى حصل
يعنى منال كانت جاية لك أوضتك مخصوص علشان تكلمك علي الفطار؟...سؤال وجههُ عز إلى ثُريا بنبرة تشكيكية
تنهدت بضيق وشعرت بأن هناك ثُقلاً يضغط على صَـ.ـدرها بل ويكاد يمنعُها من التنفس ويرجع هذا لعدم راحتها وهى تنتهج الكذب لأول مرة مُضطرة وتجعل منه حَلاً لتلك المُعضلة،وقبل أن تتحدث قاطعها عز قائلاً بتنبيه كي يُجـ.ـبرها علي الإعتراف بما حدث:
-وقبل ما تأكدي علي كلامها اللي أنا متأكد إنه بعيد كُل البُعد عن الحقيقة أحب أنبهك إنى حالف يمين طلاق على منال،
واستطرد شارحاً:
-وقُلت بالحرف إن لو كانت هي السبب في اللي حصل لك تبقى طالق بالتلاتة،يعنى لو خالفتي ضميرك وأمنتي علي كلامها لمجرد إنك تخرجيها من المُشكلة،ساعتها هاتبقي بتساعديها في إنها تكمل حياتها معايا فى الحَـ.ـرام وهتشاركيها ذنب الطلاق اللي بالفعل وقَع
لأول مرة يشعر ياسين بالعجز حيال ما يحدث لأحبائه،حرك رأسهُ يميناً ويساراً وزفر مُحبطاً،ثم وضع كف يـ.ـدهُ فوق شعرهُ وسحبهُ للخلف في حركة توحى إلى وصولهُ لدرجة عالية من الألـ.ـم والحُزن
هزت ثُريا رأسها وظهرت علامات الحِيرة والأسي فوق ملامحها، حينها أدركت منال أن لا خلاص لها من بين يـ.ـداى هذا الثـ.ـائر،نظرت إليها فى محاولة أخيرة تسجديها بعيناى مُستنجدة مُتذللة بأن تقف بجانبها غير مبالية بمسألة الطلاق الذي سيقع،جُل ما يدور الآن بمخيلتها هو الخروج من ذاك المأزق وبعدها ستجلس بصحبة عز وياسين ويجدان مخرجاً لموضوع الطلاق بعدما يهدأ وتنطفئ ثورتهُ الهائلة
سحبت ثُريا بصرها عنها فما تطلبهُ تلك المتساهلة كَبيرةً من الكبائر ولم تكن ثُريا المغربي إذا شاركت بمثل ذاك الذنب العظيم،تحدثت في مُحاولة منها للفكاك دون أن تُساهم بهدم المنزل:
-ارجوك يا سيادة اللواء،إبعدني عن مشاكلك إنتَ ومراتك وحلوها بعيد عني،أنا سِت تعبانة ومش حِمل مناهدة ولا تحقيقات وفرهدة
هتف بنبرة لائمة:
-عُمرك ما كُنتى جبانة يا بنت الحاج صلاح،إيه اللي حصل لك؟ بتهربي من شهادة حق وعلشان مين؟
واسترسل وهو يُشير إلى منال بإشمئزاز:
-علشان واحدة أنا متأكد من إنها هانتك فى قلب بيتك؟
أخيراً نطق ياسين قائلاً بتحفيز كي يحثها على التحدُث فما عاد الهربُ حلاً:
-قولى اللى حصل يا عمتى
ياسين...نطقتها منال بعيناي لائمة مُرتعبة وساقان ترتجفتان من شدة زُعرها
هز رأسهُ وتحدث وهو يرفع كتفاه مُستسلماً:
-الباشا حالف يمين طلاق يا أمى،وكلام عمتي هيحل مش هيعقد،ولما الباشا يهدي هنقعد مع بعض ونشوف حل للموضوع
هتف ذاك الحَانق بنبرة صارمة:
-مافيش حلول يا ياسين،أمك غِلطت واللي غِلط لازم يتحاسب
ثم استرسل وهو ينظر لنجلهِ بشـ.ـراسة وحِدة:
-ولا أنتَ فاكر إنك كِبرت وهتُحكُم علي أبوك وتجبرُه يرجع أمك غصب عنه يا سيادة العميد؟!
إتسعت عيناه وأجاب سريعاً بنفي:
-لا عِيشت ولا كُنت لو فكرت مجرد تفكير فى كده سعادتك،حضرتك كبيرنا وكِلمتك هتفضل سِيف علي رقـ.ـبة الكبير فينا قبل الصُغير وأولهم أنا
تحدثت ثُريا بنبرة جادة لتُنهى ذاك الجدال الدائر:
-أنا مستعدة أشهد بالحق طالما الموضوع فيه يمين طلاق لكن بشرط
قطب عز جبينهُ وسألها مستغرباً:
-شرط؟
تنهدت بأسي وتحدثت بعيناي مُترجية:
-توعدنى إنك تردها في نفس اليوم
قطب جبينهُ ونظر لها مُتعجباً حالها وسألها بإستغراب:
-إنتِ اللي بتقولى كدة يا ثُريا بعد اللي عملته معاكِ؟
تجهمت ملامحها وهزت رأسها بإنْزعاج واردفت بتوسل:
-أرجوك يا سيادة اللواء توافق،أنا مش هتكلم غير لما توعدنى
زادت شهقاتها وإنهمرت دموعها وشعرت بكَمّ المهانة والإذلال الذي وُضعت بداخلهما علي يـ.ـد زو جها وهى تقف في موضع المُتهم تنتظر حُكمها بمنتهي الذُل والتحقير من الجميع
ورحمة الحاج محمد لتوعدنى إنك تُردها لعصمتك تاني...جُملة نطقتها ثُريا برجاء
وأسترسلت شارحة موقفها:
-أنا عِيشت طول عُمري صاينة شرفي وأسم الراجل اللي كُنت علي ذمته ومحدش قدر يمِـ.ـسني بكلمة،مش هاجي علي أخر الزمن وأسمح للناس تجيب سيرتى ويقولوا إني كُنت السبب في خراب بيتك بعد العُمر ده كُله
هتف مؤكداً بنبرة صارمة ونظرة شَرسة:
-مافيش مخلوق يجرأ يجيب سيرتك بأي سُوء طول ما أنا موجود يا ثُريا
حولت بصرها علي منال وتحدثت بتَأجُّج:
-بيتهئ لك يا سيادة اللواء
❈-❈-❈
خارجاً
كانت تجلس بإسترخاء داخل الحديقة أمام حمام السباحة،تتأمل ما حولها في محاولة منها بالإستمتاع بشمس اليوم الساطعة بالمكان الذي أعطتها شعوراً هائلاً بالدفئ، بعيداً عن التجمعات المُختلفة حيثُ راقية ونرمين وشيرين وهالة اللواتى يجلسن بصُحبة عبدالرحمن ووليد، وبجانب أخر يجلس عُمر ولمار التى تدور بعيناها على الجميع كالميكروسكوب تترقب جُل ما يُقال ويخرج من الشـ.ـفايف في قراءة مُتقنة لحركتها،وطارق وچيچي التي تنظر لحال زو جها وتلك المليكة وتتعجب لأمريهما
نظرت أمامها تتطلع علي التي دلفت للتو من البوابة الحديدية وتتحرك قاصدة إياها،وقفت أمامها وتحدثت بتهكُم وإبتسامة شامتة:
-قلبي عندك يا مليكة،صدقينى زعلت علشانك جداً لما عرفت إن سيادة العميد قضي ليلة الواقفة في الأوضة تحت في حُـ.ـضن ولادي
ثم ضحكت واكملت بتفاخُر:
-وأهي بردوا حاجة من ريحتي تفكره بيا
واسترسلت ساخرة بملامح وجه رسَمت عليها الأسي:
-يا خسارة المـ.ـساچ والحمام المغربي،تعبْ فريق البيوتى سِنتر طار كُله فى الهوا،للأسف ما قدرتيش تشدي ياسين وتخليه يشوفك جميلة في عيونه
واستطردت بتنبية بلهجة شديدة الحِدة:
-وده كان درس قاسي ليكِ يا شاطرة،بلاش بعد كدة تحاولي تقلديني،لأنك مهما حاولتي مش هتقدري توصلي لدرجة جمالي وسِحري
واستطردت لحَـ.ـرق قلبها:
-وده ظهر فى تأثيري علي ياسين اللى من وقت ما وصلت من ألمانيا ما سابنيش لحظة واحدة،ولولا تعب طنط ثُريا إمبارح كان قضي ليلة الوقفة هي كمان جوة حُـ.ـضني
كانت تستمع إليها بهدوء غير طبيعى وملامح وجه مُبتسمة وجَـ.ـسدٍ متراخي بفضل تمرين التأمل التى كانت تمارسهُ:
-قُلتى كُل اللي جواكِ وإرتحتي يا ليالي؟
ياريت لو خلصتي اللي جاية مخصوص علشان تقوليه تروحي ترتاحي بعيد عني
واسترسلت شارحة بهدوء وهي تتحـ.ـسس بطنها:
-لأن زي ما أنتِ شايفة أنا أختارت العُزلة علشان أعمل Meditation أريح بيه أعصابي من كل اللي بيحصل وممكن يأثر بالسَلب علي بنتي
واستطردت بنبرة مُهذبة:
-فلو سمحتي،ياريت ما تحاوليش تزعجينى وتأذيني,لأنى عُمري ما حاولت ولا تعمدت إنى أتسبب لك في أي أذي من ناحيتي
شعور بالخزي من حالها تملك منها وأشعرها حديث مليكة كَم هى فارغة وصغيرة بأعيُن حالها،إبتلعت لُعابها وتحركت إلى الجَمع مُنسحبة لعدم وجودها لأية حديث بداخلها لترُد به علي تلك المسالمة
ألقت نظرة علي أطفالها لتطمأن عليهم،وجدت مروان يجلس بصُحبة حمزة وياسر وباقى الصِبية يتسامرون بسعادة وهم يطلقون الضحكات العالية،وأنس يلهو بداخل لُعبة "بحر الكور" هو ومن يُضاهيه سناً من صِغار العائلة،مشطت المكان بعيناها بحثاً عن صَغيرها الحبيب،إستقرت عيناها عليه وهو يضحك بشِدة داخل أحضـ.ـان أيسل التى تُداعبهُ برقة وحنان وتُطعمهُ حلوي الشيكولاتة التي يُفضلها،إبتسمت وسعد داخلها لحُب وأهتمام أيسل بشقيقها،ألقت برأسها على خلفية مقعدها ومن جديد أغمضت عيناها مسترخية عائدة إلى تمرين التأمل
أتى إتصال إلي طارق،أخذ هاتفهُ وانسحب بعيداً عن زو جته كي يتحدث مع صديقهُ على حُريته،وقفت چيچى وتحركت إلي مليكة التى تُلقي برأسِها إلي الخلف مُغمضة العيناي،تحدثت بنبرة هادئة:
-عندك مانع أقطع خلوتك وأقعد معاكِ نتكلم شوية؟
إبتسامة جميلة خرجت من فمِ تلك الراقية واردفت قائلة بترحاب:
-إنتِ بالذات مسموح لك أي حاجة يا چيچى
جلست وسألتها بنبرة هادئة:
-قاعده لوحدك بعيد عن الكُل ليه؟
في حد مزعلك؟
تنهدت ثم نظرت لها وتحدثت بهدوء:
-كدة أحسن للكُل
نظرت لها بترقُب شديد ثم تسائلت مترصدة ردة فعلها:
-مليكة،هو أنتِ فيه حاجة مزعلاكى من طارق؟
صمتت مليكه ثم استرسلت چيچى حديثها قائلة بترصّد:
-أنا لاحظت في الفترة الأخيرة إن معاملتك معاه متغيرة،مش بس مع طارق،أنا اخدت بالي إن علاقتك بياسين هي كمان ليها كام يوم غريبة
نظرت إليها وسألتها مستفسرة:
-ما سألتيش طارق عن السبب ليه؟
أجابتها بنظرات حائرة:
-سألته وعلى غير العادة إتنرفز عليا،ولما لقانى إستغربت إسلوبه قال لي هقول لك بكرة،حَـ.ـسيته بيتهرب مني علشان كدة جيت وسألتك.
أردفت متسائلة بهدوء:
-طارق قال لك إنه مضي عقد التوريدات اللي لمار كانت عرضاه عليا؟
واسترسلت بإبتسامة ساخرة:
-ومضاه علي حصته لوحده
إتسعت عيناى جيجي وتحدثت بنبرة مُستاءة:
-إيه الكلام اللي إنتِ بتقوليه ده يا مليكة؟!
طارق لا يُمكن يعمل كدة
واسترسلت بإبانة:
-ده كان فرحان بيكي جداً لما رفضتي العرض
أجابتها بنبرة طغي عليها الإحباط:
-أنا كمان لما عرفت إستغربت زيك كدة،وقُلت لنفسي منين كان مبسوط إن أنا رفضت العرض وقال لي إنه كان مراهن عليا،ومنين راح مضى معاها العقد علي حصته
واسترسلت بنبرة مُتألـ.ـمة:
-لا وكمان جهز لها مكتب في الشركة،وكل ده من غير ما يقول لي ولا يستشرني،وكأني ما ليش أي حق في الشركة لا أنا ولا أولادي
صاحت نافية بتأكيد:
-يا بنتي طارق رفض العرض بعدك وهو بنفسه اللي قال لي
ثم ضيقت عيناها واستطردت مُستفسرة:
-إنتِ مين اللي قال لك الكلام الفارغ ده؟
أجابتها بتأكيد:
-لمار بنفسها اللي قالت لي
هتفت چيچي بعدم تصديق:
-أكيد بتكذب عليك،اللي اسمها لمار دي خبيثه وأكيد قالت لك كدة عشان توقع بيكم وتنتقم لما إنتم الاتنين رفضتوا عرضها
أردفت بتأكيد:
-أنا مش غبية يا جيجي علشان أصدق كلام واحدة زي لمار من غير ما أتاكد
واستطردت بإفصاح:
-أنا كلمت طارق وهو بنفسه أكد لي صِحة كلام لمار
هتفت بذهول وعيناى مُتسعة:
-إنتِ بتقولي إيه يا مليكة؟
الكلام اللي بتقوليه ده خطير جداً
واستطردت بتيهة وهى تهز رأسها بإنكار:
-ولو طارق عمل كدة فعلاً ليه ما قاليش،هو إيه اللي بيحصل فى البيت بالضبط،أنا ما بقتش فاهمة حاجة،إنتِ وطارق وياسين،واللي حصل إمبارح بين طنط منال وطنط ثُريا، فيه حاجة غلط بتحصل
تنهدت مليكة وتحدثت بنبرة أظهرت كم الألـ.ـم السَاكن داخلها:
-أمال أنا أعمل إيه يا چيچى،فجأة لقيت الناس اللي حواليا كُلها إتغيرت والكل بدأ يتخلى عني وعن دعمهم لأولادي،حتى جـ.ـوزي اللي كُنت فكراه سندي،إتخلي عني في أكتر وقت أنا محتاجة لُه فيه
كانت تستمع إليها بعيناي شبه تائهة مصدومة غير مستوعبة، قطع حديثهما دخول سيارة شريف من البوابة الحديدية تحت نظرات مليكة المُستغربة،توقفت السيارة وترَجل منها شريف الذي توجه الى الباب الآخر وفتحه لزو جته علياء وما أن رأها شقيقها الجالس بجانب سارة حتي إنتفض واقفاً وهرول مُسرعاً علي شقيقتهُ التي إحتضـ.ـنته بإشتياق بادلها إياه بحفاوة وتلهُّف
ألقي شريف التحية على جميع المتواجدين وعايدهم ثم إقترب من جلوس شقيقتهُ هو وعلياء ورؤوف وسارة التي رافقت خطيبها،إنسحبت چيچى بعدما رحبت بهما
تحدثت مليكة بنبرة حنون مُرحبة بشقيقها وزو جتهْ:
-ده إيه المفاجأة الحلوة اللى على الصُبح دي؟
هتفت علياء بنبرة لائمة وهي تنظر إلي شقيقها:
-جيت أشوف الأستاذ اللي موجود في إسكندرية من إمبارح وما فكرش ييجي يشوف أخته وأولادها
ثم حولت بصرها إلي سارة وهتفت مُداعـ.ـبة إياها وشقيقها:
-طبعاً يا باشمهندس،ما هو من لقى أحبابه نسي أصحابه
إقترب رؤوف من شقيقته وحاوط كتفها بذراعهِ برعاية ثم نطق بنبرة حنون:
-ده أنتِ الحُب الأول يا لولو،ولا نسيتي خروجاتنا مع بعض،ده إحنا من شِدة إنسجامنا كان اللى بيشوفنا وما يعرفناش بيفتكِرنا إتنين حَبِيبة
أطلقت ضحكة ساخرة وأردفت:
-آه طبعاً إنتَ هتقول لي،وفاكرة كمان صوت خناقاتنا قبل كل خروجة من دول،ومحايلات ماما ليك علشان حضرتك تتعطف وتتنازل وتُخرج معايا تفسحني،وفى النهاية تودينى أبو سِمبل وتركني جنب تمثال جِدتي نِفرتاري لحد الشمس ما تاكُل نفوخي واترجاك تروحني
إبتسمت مليكة وهزت رأسها بإستسلام على زو جة شقيقها المُشاكسة،أما سارة فتحدثت بدفاع عن خطيبها:
-والله يا عالية كان لسة بيقول لي إنه هيروح لك بعد العصر
عقب رؤوف علي حديث خطيبتهُ قائلاً بتأكيد:
-شُفتي،علشان تعرفي إنك ظلماني،صدقيني لو عَليا كُنت جيت لك من أول ما وصلت إسكندرية إمبارح، لكن اللى منعنى إنك مش موجودة في شقتك
واستطرد بإبانة:
-وبصراحة كدة إتحرجت أروح بدري علشان ما أضايقش الأستاذ سالم والجماعة،وقُلت أستني للعصر وأزوركم
نظرت له مليكة وتحدثت لائمة:
-إزاي تقول كده يا رؤوف،دى ماما وبابا ربنا يعلم بيحبوك قد إيه وبيعتبروك واحد مننا،وأكيد كانوا هيفرحوا جداً بوجودك
أما علياء فهتفت بمشاكسه لاخيها:
-إنتِ بيخيل عليكِ الكلام ده يا مليكة؟
ده الاستاذ بيتلكك وبيحور عليا،فاكرني هبله وهصدق
إبتسمت سارة ورؤوف الذي هز رأسهُ بإحباط من حديث شقيقتهْ،مال شريف وهمَـ.ـس بجانب أذن شقيقتهُ متحدثا بمشاكسة:
-أمال سعادة المغرور مش باين بطلته البهية يعني؟
لكزته في كتفه وتحدثت بصرامة مُصطنعة:
-إتلم يا شريف وخليك مؤدب
إبتسم لها وتحدث بتصميم:
-لا بجد هو فين؟
أجابته بإقتضاب:
-جوة عند ماما ثُريا هو وعمو عز،أصلها تعبت بالليل وجيبنا لها الدكتور وكان يوم صعب بجد
شعر بالإستياء لأجل تلك المرأة المُهذبة الذي يكنُ لها كثيراً من التقدير،أما علياء إرتعب داخلها بعدما أخبرها شقيقها بأمر إصابة عَمتِها بوعكة صحية وكادت أن تُهرول إلي الداخل لولا يـ.ـد مليكة التي منعتها وطالبتها بالتروي لحين خروج عز وعائلتهُ
❈-❈-❈
عودة من جديد إلى داخل حُجرة ثُريا
هتف عز بنبرة تنبيهية موجهاً حديثهُ إلي ثُريا:
-إنتِ مُجبـ.ـرة تقولي الحقيقة ومن غير أى شروط يا ثُريا،الموضوع فيه حَلف يمين ولو حابة تخبي وتشيلي الوِزر معاها براحتك
واسترسل مُعانداً:
-لكن أنا مش مُجـ.ـبر إني أوعدك بحاجة واللي أنا عاوزة هو اللي هايكون
وسألها بصرامة:
-قولتي إيه؟
قُلت لا إله إلّا الله...جُملة نطقتها بإحباط
فأعاد عليها ذاك الثائر سؤالهُ من جديد:
-بس أنا كدة ماسمعتش جوابك؟
تنهدت بإستسلام وتحدثت مُرْغَمةُ بإقتضاب كي لا تُزيد من حِدة ذاك الحَانق:
-يمينك وقَع يا سيادة اللواء،وهو ده كُل اللي أقدر أقولهُ لك
هُنا لم تستطع منال أن تكتم شهقاتها التي خرجت رُغماً عنها لتُعلن سقوط كبريائها أمام الجميع،هتف عز بنبرة حادة مطالباً إياها بكشف المزيد:
-أنا عاوز أعرف تفاصيل اللي إتقال،موضوع إنها قالت ده شئ مفروغ منه،وأنا كُنت مُتأكد من أول لحظة إنها ضايقتك بكلامها اللي زي السِم
أجابته وهي ترمق منال بنظرة إحتقارية:
-وأنا مش مطالبة إني أحكي اللي حصل لأنه بالنسبة لي مُجرد رغي ستات تافهة ومالوش أي قيمة عندي
واسترسلت بقوة بعدما حولت بصرها إليه:
-وإذا كُنت مُصمم إنك تعرف فأسأل مراتك وخليها تحكي لك،ده لو كان عندها الجُرأة ولو كانت بنت العشري علي حق،أما أنا فمحدش يقدر يلزمني بحاجة
واستطردت بنبرة حادة بعدما طفح بها الكيل:
-لحد كدة أنا عملت اللي يمليه عليا ضميري وبرأت نفسي من الذنب،بس فيه كلمتين حابة أقولهم قدامكم إنتوا التلاتة
واستطردت بلهجة شديدة الحِدة علي غير عادتها موجهة حديثها إلي منال وهى ترمقها بحِدة:
-أنا أستقبلت العيلة في بيتي وبرغم اللي حصل منك إمبارح خليت يُسرا وعَلية يستعدوا ويجهزوا كُل حاجة زي كُل سنة وأكتر كمان،وده علشان خاطر شيرين وعيالها ما يحسوش بحاجة وأزعلهم وهما راجعين مشتاقين للمة العيلة،بس من النهاردة أنا مش عاوزة حد يخش بيتي تاني،كفاية أوي لحد كدة
واستكملت بتصميم:
-بعد الكلام اللي سمعته منك إمبارح وجَب إن كُل واحد يلزم بيته ويلم عياله حواليه،وأنا كفاية عليا لمة ولاد إبني وأمهم وبناتي وأحفادي حواليا
نزلت كلماتها علي قلبهِ كصاعـ.ـقة كهربائية مُروعة هزت كيانهُ بالكامل وعصفت بأماله،بكُل حياتهُ لم يتخيل إستماعهِ لهكذا قرار مُدمر لقلبهِ العاشق
حدثتها عيناه بتمـ.ـزُق:
-أحقاً تطالبيني بالإبتعاد؟
ألم تعلمي بأن ذاك القلب لم يدق سوي لقُربهِ منكِ مُتيمتي؟
لما لا تفهمي أنكِ وبذاك القرار تُسرعين بموت قلبيّ النابض بعِشقكِ وتستعجلين بإرسالهُ إلي مسواهُ الآخير،يا لقلبك القاسي ثُريتاه
نظر عليها بعيناى لائمةُ وكأن قواهُ خارت،وهتف ياسين مُستنكراً بذهول:
-إيه الكلام اللي حضرتك بتقوليه ده يا عمتي،إنتِ كدة بتهدي كَيان ووحدِة العيلة وبتدمري الحاجة الوحيدة اللي بتميز عيلتنا عن غيرها
أجابته بنبرة قوية رُغم إنكسار قلبها علي حال إبن عمها التي شعرت به ورأت بعيناه صدمتهُ وصرخـ.ـاتها المُترجية:
-بالعكس يا أبني،أنا كدة بحافظ علي وِحدِة العيلة وبلحق اللي فاضل منها
واستطردت بإبانة:
-لما كُل واحد مننا يلزم بيته هايبقي الكُل مُجبر يحترم التاني ويعامله كويس،أجدادنا قالوا الباب اللي ييجي لك منه الرِيح سِده وأستريح،وأنا بنأي بنفسي وعيلتي من القِيل والقَال
وأنا وعيالي يا أمي،مافكرتيش فينا؟جُملة مستنكرة نطقها ياسين بنبرات مُلامة مُتألـ.ـمة
عقبت عليه قائلة بنبرة حنون:
-كلامي بعيد عنك يا ياسين،إنتَ ليك وضع خاص وإنتَ الوحيد اللي مسموح لك تخش بيتي في أي وقت لأن ده بيتك يا ابني وبيت عيالك،وحمزة وسيلا يدخلوا البيت الليل قبل النهار علشان أخوهم،بس لا أنا ولا مليكة هندخل بيتكم تاني وكفاية الإهانات اللي شوفناها لحد كدة
إتسعت عيناه بذهول وتساءل بنبره حادة:
-ومليكة مين اللي يقدر يهينها يا عمتي؟!
تنهدت بأسي وتحدثت بنبره جادة:
-مِراتك وبنتك من ساعة ما رجعوا من السفر وهم مش طايقينها،وأنا يا ابني ما أقدرش أقول لك إنك تجبر مراتك وبنتك على إنهم يحترموها ويعاملوها كويس،بس اللي أقدر أعمله إني أبعدها عن أي حد ممكن يأذيها بكِلمة أو نظرة،وبكدة أبقي حميتها وصونت لها كرامتها
تنهد ياسين بأسي ثم تحدث شارحاً:
-اللي بين مليكة وليالي وسيلا ده شعور طبيعي وواقف عند النظرات،ولو تعدوا حدودهم في الكلام معاها أكيد أنا مش هقف أتفرج عليهم وأنا شايف حبيبتي بتتهان،لكن طالما الموضوع ما تخطاش النظرات أنا ماأقدرش أتكلم
تنهدت بأسي واومأت لصِحة حديثهُ،أما ذاك الحزين الذي يستمع لما يحدث وينظر علي الجميع بتيهة ويُمني حالهُ أن يستفيق ويكون هذا ما هو إلا كابوساً مُزعجاً وينتهي بإفاقته من تلك الغفوة المزعجة
خرج صوتهُ ضعيفاً معاتباً إياها بنبرة تُقطع نياط القلب:
-طب وأنا يا ثُريا،حقي وحق عِشرتي عليكِ فين يا بنت عمي؟
عاوزه تقطعي رِجلي من بيت أخويا وتمنعيني إني أشوف ولاده وأحفاده واقعد وسطيهم واخدهم في حضـ.ـني ليه؟
واسترسل بعيناي صَارخة:
-عاوزه تحكمي عليا بالإعـ.ـدام على آخر أيامي يا ثُريا؟
أجابته بنبرة جاهدت بإخراجها قوية:
-أنا بحافظ لك على بيتك يا عز،صدقني كده هايبقى أفضل للكُل،وبكره تتعود لما تقعد كل يوم في جنينة بيتك وتلاقى أولادك وأحفادك وهما ملمومين حواليك،وقتها بس هاتحِـ.ـس إن اللي حصل كان أفضل للجميع
واكملت شارحة:
-ولو علي بناتي فأنا ما قولتش إنهم هايقاطعوك،البنات هيزُروك وهتزورهم لو تحِب،وبالنسبة لأولاد الغالي الله يرحمه فأنا مقدرش أمنعهم عنك وأقطعهم عن عيلتهم،أنا هابعتهم لك كُل يوم علشان يقعدوا معاك وتتونس بيهم ويشبعوا من حنانك
واسترسلت بإثناء عليه:
-إنتَ كتر خيرك وقفت معايا وسندتوني إنتَ وعبدالرحمن لحد ما ربيتوا لي أولادي،ومن بعد موت رائف لسة ساندين أولاده،أنا مش قليلة أصل علشان أنكر فضلكم عليا،بس كفاية لحد كدة وكتر ألف خيرك،وأنا هكمل ومعايا ياسين
نظر لها بتألُـ.ـم ثم حول بصرهِ إلي منال التي وبرغم كُل ما يحدُث من تفكُك أسري حَزِن لأجله الثلاث إلا أنها سعدت بذاك القرار واطمأن قلبها وهذا ما ظهر بعيناها رُغم رُعبها من عز،أطال النظر إليها مُستغرباً كَمّ البلادة وفقدان الحِـ.ـس لديها،ثم وبدون مُقدمات هتف بنبرة صارمة وعيناي تُطلقُ شزراً:
-إنتِ طالق يا منال
صدمة ألجمت الجميع،وضعت ثُريا كَف يـ.ـدها فوق فاهها وأغمض ياسين عيناه مُستنكراً،أما تلك التي ذُهلت مما إستمعته فأخرجت شهقة عالية غير مستوعبة،قال كلماته ثم إنسحب من الغُرفة كالإعصار الحّاد تاركاً الجميع بصدمتهم
كان الصمت سيد الموقف لعدة دقائق لا يعلمُها ثلاثتهم وكأن الزمن قد توقف عند لحظة إستماعهم لتلك الكلمة القاتـ.ـلة،إستفاق ياسين علي حاله وبصعوبة تحرك إلي والدته وأحتواها بذراعهُ ثم نظر لها متحدثاً بهدوء:
-يلا يا ماما علشان نروح علي البيت
بذهول نطقت وهي تتلفت حولها:
-بيت إيه اللي بتتكلم عنه يا ياسين،هو أنا بقي لي بيت علشان أروحه،أبوك طلقني ورماني بعد ما سرق عُمري كُله،طلقني علشان خاطر الهانم
وكأنها إستفاقت علي حالها بذكرها لثُريا،حولت بصرها إليها وهتفت بعدما رمقتها بنظرة حارقة:
-خربتيها وقعدتي علي تَلها يا ثُريا؟
يارب تكوني إرتاحتي بعد ما نولتي اللي فى بالك
هتف ياسين بصرامة مُعنفاً والدته:
-هو إحنا هنعيده تاني؟
مش كفاية اللي حصل من ورا كلامك وإتهامك الباطل لعمتي،عاوزة توصلي لأيه تاني يا أمي؟
لطمت خديها وهتفت صارخة بعويل متغاضية عن كبريائها:
-عاوزني أقف ساكتة وأنا شايفة بيتي اللي عيشت عُمري كُله أبني فيه بيتخرب قدام عنيا،أبوك طلقني يا ياسين وبسببها
بنبرة صارمة هتفت ثُريا بعيناي غاضبة:
-خُد أمك ورُوحوا حِلوا مشاكلكم بعيد عني يا ياسين،وياريت اللي قُلته يتنفذ من النهاردة،أنا واحدة تعبانة ومش ناقصة حـ.ـرقة دم وكلام نِـ.ـسوان فارغ
بصرامة تحدث إلي والدتهُ وهو يسـ.ـحبها من يـ.ـدها ليحثها علي التحرك للأمام:
-يلا يا ماما
تحركت بجانبه وهي تهز رأسها بعد إستيعاب لما حدث مُنذُ القليل،تنهدت ثُريا بعد خروجهما وألقت رأسها بيأس إلي الخلف
❈-❈-❈
خرج من غُرفة ثُريا وتحدث بهدوء ناصحاً والدته:
-أرجوكِ تحاولي تتماسكي علشان ماحدش من اللي في الجنينة ياخد باله من حاجة وخصوصاً شيرين،وأنا أوعدك لما الباشا يهدي هاتكلم معاه ونشوف حل للموضوع
أومأت له وجففت دموعها وأخذت شهيقاً مطولاً،خرج وتحرك بها فتحركت علياء وشريف والقوا عليهم التحية،قابلها ياسين بتماسُك وابتسامة زائفة جاهد في إخراجها ثم تحرك بوالدتهُ خارج البوابة تحت إستشـ.ـاطة مليكة لتجاهُلهُ التام لها،هكذا فسرت عدم النظر إليها وذهابهُ بصُحبة والدته التي جاهدت حتى ظهرت بثبات أمام الجميع
وصلا إلي منزلهُما وسأل ياسين إحدي العاملات مستفسراً عن والده فأخبرته بوجودهِ بحُجرة المكتب،فتحدث إلي والدته بهدوء:
-إتفضلي حضرتك إطلعي وأقعدي في جناحك وياريت ما تحكيش لأي مخلوق عن اللي حصل،وأنا هدخل أتكلم شوية مع الباشا واطلع لك
أومأت لهُ وتحدثت برجاء:
-ياسين،أنا ماينفعش أسيب البيت وامشي،هروح فين؟
ما أنتَ عارف إني ماليش مكان أروح له يا ابني
إنخلع قلبهُ عليها،ثم تحدث مطمأناً إياها:
-ما تقلقيش يا أمى أنا في ظـ.ـهرك وأكيد مش هاتخلي عنك،إطلعي وما تفكريش في حاجة وأنا مش هتأخر عليكِ
أومأت له بصمت ومازال الذهول يُسيطر عليها وتحرك هو إلي والده،تحدث بنبرة حريصة:
-لو تسمح لى يا باشا عاوز أتكلم معاك
لو جاي تتكلم في موضوع طلاقي من أمك فالكلام خُلص خلاص يا ياسين...كانت تلك هي جُملة عز الذي نطقها باحتدام بالغ وعيناي كحِدة الصَقر بنظراتها
تحرك ياسين إلي والده وتحدث بهدوء:
-أنا عارف ومتأكد إن حضرتك مش حابب تتكلم في الموضوع علي الأقل حالياً،أنا جاي أستسمح حضرتك في إنك تسمح لأمي تفضل قاعدة في البيت علي الأقل لحد ما شيرين تسافر هي وجـ.ـوزها وأولادها
واستطرد ليستجدي موافقتهُ:
-أظن ما يرضيش سعادتك إن أختي تعرف اللي حصل لأمها في أجازتها،وخصوصاً إنها جاية ومتحمسة إنها تقضيها بين عيلتها وتستمتع بجمعتنا حواليها؟
تمعن النظر إليه ثم زفر بضيق وهتف بنبرة شديدة الحِدة:
-أنا موافق بس بشرط،بعد ما أختك تسافر هعلن للكُل عن طلاقي منها
حزن داخل ياسين لأجل والدته لكنهُ فضل الصمت كي لا يتأجج الموقف ويشـ.ـتعل أكثر وتحدث بإنصياع:
-اللي تشوفه سعادتك
تحدث عز بنبرة أمرة:
-تاخد حاجتها وتشوف لها مكان غير جناحي تبات فيه لحد ما أختك تسافر هى وولادها،بعدها مش عاوز أشوف وشها في بيتي تاني
تنهد ياسين وأردف بطاعة مؤقتة حتي يهدأ وبعد سفر شقيقتهْ سيجلس معه بهدوء ويتناقشا:
-اللي تؤمر بيه يا باشا كله هيتنفذ،بس ياريت تحاول تهدي علشان صحة سعادتك ما تتأثرش
بملامح وجه محتدة أومأ برأسه وأشار له بأن يخرج ويتركهُ لحالهِ،خرج وصعد إلي والدتهُ وجدها تجلس بتأهب فوق مقعداً قريباً من الشرفة تبكي بإنهيار ومازال الذهول يُسيطر عليها،تنهد بأسي علي حالها وما وصلت إليه،نعم يعلم من داخله أن لا دخل لوالده وجُل ما حدث لها من صُنع يـ.ـداها لا غير،لكنها بالنهاية والدتهُ التي يشعُر بألامها وسَكن حُزنها العميق قلبهُ
إقترب منها وجلس مُقابلاً لها بالمقعد،زفر ثم تحدث بنبرة ضعيفة يُسيطر عليها الإحباط:
-أنا أتكلمت مع الباشا وأترجيته إنه ما يبلغش حد باللي حصل علشان ما ننكدش علي شيرين فى أجازتها،وأستأذنت منه فى إن حضرتك تفضلي قاعدة هنا في البيت لحد ما شيرين تسافر هي وجـ.ـوزها وأولادها
كانت تستمع إليه بعينان مترصّدة تنتظر معرفة ما حدث بتلهُف،سألتهُ بترقُب شديد:
-وقال لك إيه؟
تنهد وأجابها بملامح وجه أسفة:
-وافق لكن شَرَطّ إنك ما تقعديش في الجناح ده
واستطرد بعدما رأي الصدمة تتصدر ملامحها:
-الباشا غضبان من حضرتك جداً،ومن الأحسن إنك تبعدي عنه قدر المُستطاع،وحاولي علي قد ما تقدري إنك ما تتواجديش في المكان اللي يكون فيه علشان ما تستفزيهوش
طب وبعدين يا ياسين،هتعمل إيه في موضوع الطلاق؟...جُملة مُحبطة نطقتها بملامح مُرتعبة
أجابها كي يُطمئن داخلها:
-ما تقلقيش،إن شاء الله هنلاقي حل لما الباشا يهدي
إحتدت عيناها وهتفت بضَغينَة:
-كُله من اللي إسمها ثُريا،ربنا ينتقم لي منها
وإلي هُنا لم يستطع الصمت،فقد أزعجته بكلماتها وأخرجتهُ عن شعورهُ فرفع حاجبيه مًتعجباً وأردف بملامح وجه مُنزعجة:
-حضرتك مُقتنعة بالكلام اللي بتقوليه ده يا ماما؟!
إنتِ فعلاً شايفة إن عَمتي هي السبب في اللي حصل؟!
زفرت ولم تتجرأ علي النظر داخل عيناه،فهز هو رأسهُ بيأس ثم تحدث بنبرة جادة:
-أنا هبعت لك عفاف علشان تنقل لك حاجتك وتوديها الجناح اللي جنبي
هتفت مُعترضة لتفضيلها للعاملات الأجانب علي المصريات من باب المُفَاخَرة:
-إبعت لي چينا،هي فاهمة دماغي وعارفة هتوضب حاجتي إزاي
عقب علي حديثها قائلاً بإعتراض:
-مش وقت منظرة يا ماما،عفاف الوحيدة اللي أقدر أءمن لها وأتأكد إنها مش هتقول لمخلوق علي إن حضرتك خرجتي من جناح الباشا،
واسترسل شارحاً:
-أنا هبلغ چينا إن عفاف بقت هي المسؤلة عن تضيف جناحك مع الباشا،وبكدة ماحدش هيعرف إن حضرتك نقلتي من الجناح،وعفاف هتبقي المسؤلة عن تنضيف الجناحين
أومأت لهُ بإذلال وتحرك هو إلي الخارج ومنهُ إلي الدرج حيثُ دخل إلي مكتبة بالأسفل وأغلق بابهُ علي حاله،تحرك بساقان تتحركان بإستسلام حتي وصل إلي مقعده وألقي بحاله فوق المقعد بإهمال رامياً رأسهُ إلي الخلف وبات ينظر بسقف الغُرفة بشرود
❈-❈-❈
داخل حديقة ثُريا
بعد ذهاب ياسين مُصطحباً والدتهُ دون أنّ يُعطي لمليكة أدني إهتمام حَسِب ما وصل لمُخيلتها،تحرك إليها شريف من جديد ثم سألها مترقباً:
-مالك يا مليكة؟
إنتبهت علي حديث شقيقها ثم تحدثت نافية:
-ولا حاجة يا حبيبي
واسترسلت بنيرة جادة بعدما قررت الذهاب من المنزل بأكمله لعدم راحتها بتواجدها داخل تلك العائلة التي بات جميع أفرادها يُسببون لها الإزعاج:
-بقول لك إيه،أنا هستأذن من ياسين وأجي معاك أنا والأولاد نقضي اليوم معاكم
أومأ لها بموافقة فأمـ.ـسكت هاتفها وطلبت رقم ياسين وضغطت زر الإتصال،أخرجهُ من تشتتهُ رنين هاتفهُ الذي ما أن نظر به حتي شعر بالراحة والهدوء يتسللان داخل روحهُ،أجاب متأملاً أن تستدعيه حبيبتهُ إلي جناحها لتُخبرهُ كَمّ أنها أشتاقته ليذهب إليها مُهرولاً ليُلقي بحالهِ داخل أحضـ.ـانها ويُغمض عيناه وفقط،ولينسي بحضرتها همومهُ
رد بنبرة بائسة:
-أيوة يا مليكة
بدون مُقدمات أجابته بنبرة حادة:
-أنا عاوزة أروح مع شريف علشان أعيد علي بابا أنا والأولاد
أُصيب بالإحباط جراء نُطقها لكلماتِها التي عصفت بأماله وسألها متعجباً:
-الوقت؟!
أيوة...كلمة جافة نطقت بها
أردف متعجباً طلبها كي يحِـ.ـسها علي التراجُع:
-هي فيه واحدة تسيب بيت جـ.ـوزها ولمة العيلة يوم العيد الصُبح وتروح بيت بباها؟!
عقبت ساخرة بتهكُم:
-لمة العيلة! هى فين لمة العيلة اللي بتتكلم عنها دي؟!
واستطردت شارحة بتهكُم:
-قصدك علي الناس اللي في الجنينة اللي كُل شلة منهم واخدين جنب وقاعدين ينموا علي غيرهم دول؟
ولا عمو عز وطنط وإنتَ اللي سِيبتوا المكان كُله ورَوحتوا علي بيتكم؟
ولا يمكن تُقصد ماما ثُريا اللي راقدة جوة في أوضتها وماخرجتش منها من إمبارح
أغمض عيناه بإحباط وتحدث بنبرات صوت تحمل الكثير من المعاني:
-خليكي ونروح نعيد عليهم بالليل مع بعض
للحظة كادت أن تتراجع بعدما شعرت بحُزن وترجي صوتهُ،لكنها تراجعت علي الفور عِندما تذكرت ما حدث منه مؤخراً وعدم تقديرهُ لمعايدتها فى الصباح،فنطقت سريعاً بنبرة صارمة:
-مش هاينفع،أنا رايحة أقعد مع سيف ومراته وولادهم علشان أشبع منهم قبل ما يسافروا،وإنتَ لو حابب تيجي بالليل أهلاً وسهلاً بيك
إبتسم بجانب فمه ساخراً علي حاله وما وصل إليه معها،ثم تحدث بنبرة إنهزامية:
-يظهر إن المدام واخدة قرارها وكلامها ليا مُجرد سد خانة،إتفضلي إجهزي علي ما أكلم عربية الحراسة علشان يجهزوا هما كمان
تنفست بصوتٍ عالِ بعدما أصابها الإحباط،كَمّ تمنت أن يطلب منها البقاء وبألا ترحل ويُخبرها كَمّ أنهُ يشتاقها،أقسمت لو حدث هذا لأجلت ذهابها إلي أبيها وضلت بجانبهْ تتنعم بأحضـ.ـانه وتُسقيه من شهد عَسلها ألوانَ ليتناسو معاً جُل ما حدث مؤخراً
بصعوبة أخرجت صوتها متحدثة:
-أوكِ،سلام
رُغم أنها قالت كلماتها إلآ أنها مازالت تنتظر إعتراضهُ وتمَـ.ـسُكهُ بها بأخر لحظة،وكأن بكلماتها تلك حطمت أخر أمل له،أنزل هاتفهُ من فوق أذنه وأغلقهُ سريعاً ثم أغمض عيناه وشدد عليها بقوة،تأوه بصوتٍ ضعيف خرج منه بحُـ.ـرْقَة قلب،لامها بقلبهْ وحدث حالهُ:
-لما لا تشعُرين بما أُعانيه مليكةُ قلبي؟
أولستِ أنتِ حبيبتي ومتيمة روحي؟
أولستِ أنتِ بذاتها روحي؟
ألم نتعاهد بأن نكون العَون لأنفُسِنا؟
لما نقضتي بعَهدُكِ معي صغيرتي!
أهًُ غاليتي لو تعلمين مَدّي مقدارُكِ وعُلو شأنُكِ بقلبي ما كُنتي غضبتي هكذا وأعلنتي العِصّيان علي قلبي
أتعاقبينني علي تخوفي ورُعبي عليكِ؟!
أتأدبينني علي عِشقي الجارف لكِ مليكتي؟
لما لا تثقي بي وبكلمتي كعهدي معكْ؟!
أما عُدتُ كالسَابقُ أمثلُ الأمانُ بالنسبة لقلبكِ؟!
بات يدقُ رأسهُ بخلفية المقعد ويُكررها عدة مَرات وكأنهُ يُعاقب حالهُ علي جُل ما حدث
أما هي
فبمجرد أن أغلق هاتفهُ دون نُطقهُ لكلمة زائدة إحتدت ملامحها وأشتـ.ـعلت النـ.ـار بقلبها وما زاد من حِنقها رؤيتها لليالي التي أتاها إتصال هاتفي بعدما أغلق ياسين معها مُباشرةً ورأت البسمة ترتسم علي وجهها بشدة وما هي إلا لحظات وأغلقت الهاتف وأنسحبت من بين الحُضور في الحال في طريقها إلي منزل عز المغربي،علي الفور هاجـ.ـمتها فكرة أن ذاك المتصل ما هو إلا ياسين يستدعيها كي يُقضي معها بعض الوقت ويغفو وقت قيلولته بين أحضـ.ـانها
لا تعلم أن ذاك الإتصال من قِسمت التي قررت أن تأتي إلي منزل عز هي وزو جها كي يتطفلا عليهم ويقضيا العيد بصُحبتهم
أسرعت بمشيتها واتجهت إلي شريف الذي يجلس بصُحبة طارق وچيچي التي باتت تنظر إلي زو جها بتدقيق وصدمة لما علمته من مليكة مُنذُ القليل،هتفت بملامح وجه حادة تأثُراً بما رسمتهُ من مشاهد لحبيبها وزو جتهُ إقتحـ.ـمت مُخيلتُها وهاجـ.ـمتها بقوة:
-شريف،أنا هادخل علشان أجهز أنا والأولاد علشان هامشي معاك
نظر لها طارق وتحدث مُتعجباً:
-الوقت يا مليكة؟!
دي الساعة لسة ماجتش عشرة والأولاد لسة بيعيدوا مع ولاد أعمامهم وفرحانين
حزن داخلها لما وصلت إليه مع طارق وتحدثت بجمود:
-أنا كلمت ياسين وهو وافق،دكتور سيف قرب يسافر وعاوزة ألحق أقعد معاه أنا والأولاد
أومأ لها طارق حين تحدث شريف بإبتسامة حنون:
-تنوري يا قلبي،ده بابا هايفرح أوي لما يعرف
أجابته وهي تتأهب للتحرُك إلي الداخل:
-أنا داخلة استأذن من ماما وهبلغ عالية إننا هنتحرك بعد شوية، وعلي ما أطلع أجيب شنطتي وأجهز كام غيار لـ أنس وعز تكون عربية الحراسة جهزت
واستطردت بإنسحاب:
-بعد إذنكُم
قالت كلماتها وانسحبت للداخل،هبت چيچي واقفة بعدما ضاق صَـ.ـدرها بما علمته ولم تستطع التحمُل بَعد،تحدثت بنبرة جاهدت في إخراجها هادئة كي لا تلفت النظر إليهُما:
-طارق،أنا هاروح أتمشي شوية علي البحر ولما شريف يمشي إبقي حصلني
واسترسلت بإستأذان:
-بعد إذنك يا شريف
تحركت سريعاً تحت إستغراب طارق الذي تعجب تغيُرها رغم جُهدها في عدم إظهاره
إنتهي البارت
رواية قلوب حائرة 2
بقلمي روز آمين
↚
رواية قلوب حائرة الجزء الثاني الفصل التاسع عشر روز أمين
بِتُّ أشعرُ بأنني انحدرتُ وهبطتُ لمستوي الوصيفةِ داخل مملكةِ عرشِكَ العظيم،
بعد أن جلبْتَنِي وأدخلْتَنِي عالمَكَ الساحر محمولةً علي الأكتافِ بموكبٍ هائلٍ ونصَّبْتَنِي ملكةً علي عرشِ قلبِكَ .
خواطر مليكة عثمان
بقلمي روز آمين
علي شاطئ البحر الخاص بحي المغربي
كانت بإنتظار زو جها علي أحر من الجمر ليُفسر لها ذاك الحديثُ الهزلي التي أخبرتها به مليكة مُنذُ القليل،تحرك إليها بعدما إطمئن علي ذهاب مليكة وأطفالها بصُحبة شقيقها وسيارة الحٌٔراسة وذلك بناءاً علي تعليمات ياسين لهْ،إحتوي كَتفِها وسار بجانبها فتوقفت وسألته وهي تنظُر إليه بملامح وجه مُتأثرة تتمني نفيهُ لما عَلمت:
-طارق،إنتَ فعلاً قبلت عَرض لمار وخصصت لها مكتب في شِركتك؟
تنهد بضيق لكنهُ كان مُستعداً للمواجهة وذلك لتوقعهُ عِلمها بأية وقت،أجابها بعيناي راجية بأن تتفهمهُ:
-أه يا حبيبتي،بس أنا عندي أسبابي
واسترسل سريعاً:
-وياريت ما تسألنيش إيه هي لأني مش هقدر أقولها لك حالياً،كُل اللي ممكن أقوله إنك تثقي فيا وتصبري لحد ما ييجي الوقت اللي يكون مسموح لي فيه أقولك علي كل حاجة
كانت تستمع إليه بعدم إستيعاب،لم تفهم من حديثهُ شيئاً لكنها كعادتها وثقت به وتحدثت بإرتياب:
-يا حبيبي أنا ثقتي فيك ما لهاش حدود،بس أنا محتاجة أفهم علشان أطمن
إقترب عليها وقام برفع خُصلة هاربة من شعرها الحريري وثبتها خلف أذنها وتحدث بإبتسامة طمأنينة:
-إطمني،أنا جنبك ومعاكِ
طب ومليكة؟...هكذا سألته مُستفسرة
أجابها بنبرة هادئة:
-مليكة غضبانة من اللي حصل وأنا عاذرها،هي خايفة علي نصيب أولادها وده حقها،بس لما تفهم أكيد هتعذُرني أنا وياسين في اللي عملناه
قطبت جبينها مستغربة حديثهُ وسألتهْ بتيهة:
-هو ياسين كمان عارف الموضوع؟
واستطردت بتَشَوُّش:
-طارق إنتَ كدة قلقتني
أردف بإبتسامة مُطمئنة:
-قُلت لك ماتقلقيش،كل حاجة هاتبقي كويسة
رغم القلق الذي تسلل لداخلها إلا أنها أومأت له لثقتها به وسارا معاً يتمشيان علي الشاطئ
وصلت مليكة بصُحبة شقيقها وعالية إلي منزل عائلتها،وجدت ترحاب عالي من الجميع بها وبأبنائها الثلاث،بعد قليل إلتفوا حول سُفرة الطعام تحت سعادتهم جميعاً
تحدثت وهي تنظر لذاك السَمك المُملح بإشتهاء:
-فسيخ وملوحة.
هتفت سُهير وهي تحمل الصَحن وتُبعدهُ عنها قائلة:
-ده مش ليكِ،بابا جايب لك المشاوي إنتِ والأولاد الصغيرين ونُهي لأنها ما بتحبش الفِسيخ
إكفهرت ملامحها وتحدثت بإعتراضٍ حادّ:
-ما تهزريش يا ماما وهاتي الطبق،نفسي فيه
أردف سيف مُفصِحاً بتوعية:
-غلط عليكِ وعلي البيبي يا مليكة،لما تولدي بالسلامة إبقي كُلي براحتك
حولت بصرها إلي والدها كي تشتكيه والدتها وشقيقها:
-عاجبك كدة يا بابا،ياخدوا الطبق من قدامي وأنا نفسي رايحة له؟
ضحك سالم علي صغيرته التي تشتكي إليه كَطِفلة مُدللة وأردف إليها بنبرة حنون:
-ماما وأخوكِ خايفين عليكِ يا حبيبتي،أنا بعت جيبت لك كباب وريش من أفخم محل علشان تغذي حفيدتي اللي هتجنن وأشوفها
نطقت علياء بوعد بعدما رأت تبرُم مليكة:
-كُلي الكباب يا مليكة وليكِ عندي أكلة ملوحة أسواني مُعتبرة لما تولدي،هوصي لك عليها ماما تخلي الفسخاني يعتقها لك من الوقت لحد ما تقومي بالسلامة
أردفت نُهي بنبرة مُستاءة وهي تنظر إلي الاسماك بملامح وجه مُشمئزة:
-بجد يا جماعة أنا مستغرباكم ومش عارفة إنتوا بتاكلوا الفسيخ ده إزاي أصلاً،دي ريحته لوحدها كفيلة تقفلي مِعدتي إسبوع لقُدام
إتسعت عيناي شريف وهتف بمشاكسة مُعقباً علي حديثها بإعتراض:
-ريحته؟طب دي ريحته اللي مش عجباكِ دي هي السِر ورا عِشق الملايين ليه
ثم بسط ذراعهُ وغرز شوكتهُ وأمـ.ـسك بها قطعة من السَمك المُملح وتحدث وهو يشيحُ بها في وجه نهي بنِكَاية:
-طب جربي كدة تدوقيها وتنسي ماضيها القَذر،صدقيني هاتُقعي في عشقيها زي ما كُلنا قبلك وقعنا
بأصابع يـ.ـدها أغلقت أنفها وتحدثت بنبرة جادة:
-ما تهزرش وأبعده عني يا شريف
ضحك سيف علي مشاكسة شقيقهُ وتحدثت سُهير إلي مليكة بإستعلام:
-ياسين هاييجي بالليل يا مليكة علشان أعمل حسابه معانا علي العشا؟
بملامح وجه مُبهمة هزت مَنْكِبيَّها وتحدثت بفتور:
-ما سألتوش
وباتت تتناول طعامها بدون شَهِيَّة،تحدثت سُهير إلي سالم:
-ما تتصل بيه تعزمه علي العشا يا سالم
بدون تفكير هتفت سريعاً برفضٍ تام:
-بلاش يا بابا
نظر سالم عليها بإستغراب فتحدثت بهدوء مُصطنع في محاولة منها لتحسين الوضع:
-أصل البيت مِتكهرب شوية والكل أعصابه مشدودة بسبب مَرض ماما ثُريا
أردفت سُهير بنبرة مستاءة:
-ربنا يشفيها ويعفو عنها،والله زعلت عليها قوي
واستطردت بإبانة:
-بعد الغدا هاروح أنا وبابا نزورها ونتطمن عليها
أومأت لها باستحسان،فاسترسلت بإعلام:
-إخواتك ونهي وعالية عازمين رؤوف وسارة وطالعين يتعشوا برة،سيبي لي العيال وأخرجي غيري جو معاهم،ولما الحَرس يوصلوا يبقي سيف يجيبك
أردف سيف بإستحسان:
-فكرة هايلة يا ماما
هزت مليكة رأسها بفتور وتحدثت برفض:
-مش هاينفع يا حبيبتي علشان الأولاد
عقبت علي حديثها:
-مالكيش دعوة بالأولاد،أنا هاخلي بالي منهم
نطقت برفض:
-مش حابة يا ماما،ماليش مزاج للخروج
هتفت نُهي بترجِي:
-وحياتي توافقي يا مليكة،إحنا قربنا نسافر ومالحقناش نعمل ذكريات حلوة نفتكرها بعدين
نظر لها شريف وتحدث بمشاكسة:
-وافقي بقي وبطلي رخامة
أجابتهُ بتفسير:
-مش هاينفع يا شريف،ما قُلتش لياسين
نطق سالم بنبرة عاقلة:
-إتصلي بيه وأستأذني منه،وأكيد لما يعرف إنك هاتُخرجي مع أخواتك مش هيمانع
نظرت إلي أبيها بتشتُت وبعد مطالبات مُلحة بالموافقة من علياء ونهي وشقيقاها وافقت مُرغمة علي إقتراح والدها
سأل سالم علياء:
-الباشمهندس حسن هايوصل إسكندرية أمتي يا عالية؟
أجابته بنبرة حماسية ظهرت بعيناها:
-هاييجي بعد بكرة هو والعيلة علشان حفلة الخطوبة يا عمو
أومأ لها وتحدثت سُهير بنبرة حنون:
-ربنا يتمم لكم بخير يا حبيبتي وعقبال إسلام
أجابتها بشُكر:
-تسلمي يا طنط
❈-❈-❈
داخل منزل عز المغربي
وصل المُهندس أحمد العشري وزو جتهُ وداليدا وزو جها إلي المنزل بعدما هاتف إبنته واخبرها بحضورهم،دلفت ليالي إلي ياسين أخبرته فتحرك معها مُجبراً لإستقبالهم وتحدث بإبتسامة مُصطنعة:
-أهلاً يا خالي،كل سنة وحضرتك طيب
أجابهُ أحمد بملامح وجه حبورة:
-وإنتَ طيب يا سيادة العميد
أدار وجههُ إلي قِسمة وتحدث مُرحباً بها بزيف ويرجع هذا لعدم تقبلهُ لشخصِها والحقُ يُقال فالشعور متبادل لديها هي الآخري:
-كل سنة وحضرِتِك طيبة
رفعت حاجبيها مُستنكرة وأردفت مُستفسرة:
-حضرِتِك! إنتِ ليه طول الوقت بتعاملني علي إني غريبة عنك يا ياسين؟
واسترسلت بتنظير لم ينِل إستحسانهْ:
-أنا حماتك يعني المفروض تقول لي يا ماما
أجابها هارباً بدبلوماسية ودهاء:
-اللي تؤمري بيه طبعاً،بس مش ملاحظة إنك صُغيرة أوي علي إن واحد في سِني يقول لك يا ماما؟
إنفرجت أساريرها وضحكت بشدة بينت صَفّي أسنانها ثم تحدثت بتصديق علي حديثهُ الذي نال إستحسانها وزاد من غرورها:
-في دي بقي معاك حق،ده أنا اللي بيشوفني مع بناتي بيفتكرني أختهم
إبتسم بجانب فمه ساخراً ثم تحرك إلي دليدا وقام بالترحيب الزائف قائلاً:
-إزيك يا داليدا
بقامة مُرتفعة أجابته بتفاخُر:
-إزيك إنتَ يا ياسين
ورحب أيضاً بـ عصام زو ج داليدا
تحدثت ليالي وهي تتأهب للإنسحاب لأعلي:
-هاطلع أبلغ عمتو علشان تنزل تستقبلكم
بإشارة من كف يـ.ـده اوقفها ياسين قائلاً بنبرة مُهذبة:
-خليكِ مرتاحة وأنا هخلي عفاف تطلع تنده لها
وبالفعل إستدعي العاملة التي أتت وتحدثت بمَهَابة:
-أفندم يا ياسين بيه؟
برُقي وهدوء أردف:
-إطلعي بلغي الهانم الكبيرة إن الباشمهندس أحمد العشري وعيلته موجودين يا عفاف
تحت أمرك يا باشا...قالت كلماتها وأنسحبت نحو الدرج لتصعدهُ في حين إنسحب ياسين متوجهاً إلي والدهُ القاطن داخل المكتب ليُعلمهُ بوصولهم،هتف عِز بحِنق وملامح وجه مُكفهرة:
-إيه قلة الذوق بتاعتهم دي،فيه حد يطُب علي حد يوم العيد بدري كدة،وكمان من غير ما يبلغ أهل البيت يشوفهم مستعدين لإستقبالهم ولا لاء؟
تنهد ياسين وتحدث بلين كي يستدعي هدوء والدهْ:
-معلش يا باشا،هما قللات الذوق فعلاً، بس حضرتك بيت الكَرم وماينفعش تُرد ضِيف جاي لك لحد بِيتك
زفر وتحدث شارحاً بنبرة بائسة:
-يا ابني أنا مش معترض علي وجودهم،بس أنا في حالة ما تسمحليش أستقبل حد وأقعد أتكلم وأجامل
إقترب علي والده ونظر داخل عيناه بمؤازرة وتحدث:
-إوعي تكون فاكر إني مش حاسِس بوجعك ولا بكسرة قلبك،والله يا بابا حاسِس وكاسِرني وجعك ويعز عليا إني أشوفك بالشكل ده
واسترسل بثقة ليبث بداخلهُ روح العزيمة:
-بس أنا متأكد إنك قوي وهتتخطي الصدمة وترجع أقوي من الأول،ده أنتَ اللواء عز المغربي اللي الكُل بيحلف بذكائة وحِكمته في إدارة الآمور
شعر بالإنهيار جَراء كلمات نجلهِ التي جعلت الحَسْرة تتسلل إلي قلبهْ بعدما كان يتظاهر بالتمَاسُك،نظر إليه بعيناي مُكتظة بصرخاتٍ مكتومة ودموع حَبيسة تسْتجيرُ وتُريد من يأذنُ لها بالإنطلاق،ونطق بنبرة صوت لرجُلاً هزمتهُ همومَ زمانهِ الجَائر:
-أمك دمرت اللي باقي لي من حياتي يا ياسين
شعُوراً مُبرحاً لم يُضاهيهِ شيئاً بالكون إجتاح كيانهُ عندما رأي إنهيار أبيه بذاك المظهر المُوجع لقلبهْ،إقترب عليهْ وأمـ.ـسك كف يـ.ـدهُ ثم مال بطولهُ الفارع واضعاً بإجلال قُـ.ـبلةً بث لهُ من خلالها عن إعتذاره وتضامنهُ الكامل،ثم رفع قامته من جديد وقام بتقبيل مقدمة رأسهِ وتحدثَ بأسي:
-سحابة صيف وهتعدي يا باشا
أومأ لهُ عز ثم أخرج تنهيدة حارة عبر بها عن نـ.ـارهِ المُـ.ـشتعلة بداخل قلبهِ المُتيم،فتحدث ياسين مُحفزاً إياه:
-تعالي نطلع لخالي ونقعد معاه شوية،وبعدها خد عمي عبدالرحمن واخرجوا إسهروا مع بعض في أي مكان سيادتك تحبه
أومأ بموافقة وتحركا معاً إلي الخارج،ألقي عليهم التحية ورحب بهم وجلس مجاوراً لنجلهِ،بعد قليل نزلت منال من فوق الدرج بكامل أناقتها وقامتها المُرتفعة كما المُعتاد،وبرغم إنكسارها جراء ما حدث وضيقها من تلك الزيارة المفاجئة،إلا أن من يراها لم يخطر ببالهِ أن تلك المرأة قد طُلقت منذُ ما يقرُب من الساعتان
تحركت بكل كبرياء ورحبت بشقيقها وعائلتهُ ثم جلست ووضعت ساقاً فوق الآخري بكبرياء وتحدثت:
-نورتونا
أتت العاملة وهي تدفع أمامها تلك العربة الموضوع عليها بعض المشروبات والحلوي أصول الضيافة،تحدث إليها عز المغربي بنبرة جادة:
-بلغي المطبخ يحضروا الغدا علي السُفرة علشان الباشمهندس وعيلته هايتغدوا معانا
إعتدلت العاملة بوقفتها وقامت بوضع كفاها فوق بعضيهما وانزلت بصرها للأسفل بوقار ثم تحدثت بإحترام:
-ما حدش بلغنا نجهز غدا يا سعادة الباشا،وإحنا إفتكرنا إن الغدا هيكون في ڤيلا ثُريا هانم زي كُل المُناسبات
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمه،وتحدث متهكماً وهو يرمق منال بنظرات ساخطة لاحظها الجميع:
-معلش يا بنتي،الهوانم اصلهم مش فاضين يشوفوا طلبات البيت ويتابعوا أكل أجوازهم وأولادهم،كُل واحدة عندها إهتمامتها الخاصة اللي شغلاها عن الدنيا كُلها،كان الله في العون
نكَست رأسها بخزي من إهانات ذاك الحَانق لها أمام قسمة التي نظرت إليها بشماتة،في حين إستغرب أحمد وداليدا حديث عز الذي كان يتبادل النظر بين منال وليالي،فشعرت الاخيرة بالإستياء والضيق من تلك النظرات الغاضبة
تحدث ياسين إلي العاملة كي يُهدأ ثورة والدهُ ويفض ذاك الإشتباك البَصري:
-روحي إنتِ جهزي السُفرة وأنا هكلم المطعم يبعت لنا أكل جاهز
ثم وجه حديثهُ إلي أبيه:
-معلش يا باشا،الكُل إتلخم في مرض عمتي ومجاش في بالهم يبلغوا الطباخين
وبرغم علمها بما حدث أمس من إبنتها إلا أنها تساءلت بنبرة خبيثة:
-هي ثُريا هانم تعبانة ولا إيه يا ياسين؟
أجابها بإقتضاب:
-تعبت شوية إمبارح لكن النهاردة أفضل الحمدلله
بنبرة ماكرة تحدثت من جديد:
-سلامتها،أنا كُنت مستغربة أول ما شُفت منال وحسيتها مش طبيعية وشكلها زي ما تكون معيطة
واستطردت وهي تنظر إليها بملامح وجه مُتأثرة بتصنُع:
-بس كدة خلاص عرفت سبب زعلك،أكيد زعلتي جداً عليها
وبنيرة مَاكرة أكملت بتملُق في محاولة منها لإرضائها:
-أنا عارفة إنتِ قد إيه بتحبيها وقد إيه هي غالية عندك
إبتسامة ساخرة خرجت من فَمْ عز في حين تحدث أحمد بتَغَطْرُس مَادحاً شقيقتهْ:
-منال بنت أصول وطول عُمرها بتتعامل مع الجميع بما يليق بمكانتها ومكانة عيلة العَشري العريقة
بملامح وجة حاسمة ونبرة صوت حادّة نطق عز قائلاً بدفاع:
-لا وإنتَ الصَادق يا باشمهندس،أدب ونُبل أخلاق ستات المغربي هما اللي بيجبروا أي حد علي إنه يعاملهم بإحترام وتقدير
طبعاً طبعاً يا سيادة اللواء...جُملة نطقها أحمد بخِزْي جراء إسلوب عز الحادّ معه
إبتلعت لُعابها عندما رأت حدة ملامحهُ،فصاحت تُنادي إلي العاملة لتغيير الحديث:
-چينا،چينا
أتت العاملة وتحدثت بلكنة مُتعثرة ويرجع ذلك لعدم إتقانها لنُطق العربية:
-أفَندِم مَدام
شوفي البهوات والهوانم يشربوا إيه...قالتها بتعالي وهي تنظر إلي العاملة التي إنصرفت إلي الداخل بعدما أومأت لها بطاعة ونفذت ما أُمْلي عليها
دلفت چيچى من البوابة تُجاور شيرين التي تحدثت بتهلُل وهي تقترب من جلوس خالها:
-وأنا أقول البيت منور ليه،أتاري خالو عندنا
إنتـ.ـصب أحمد واقفاً واحتضن إبنة شقيقته مُرحباً بها بحفاوة،في حين هَـ.ـمست قسمة إلي داليدا مُتهكمة بتعالي:
-عاشت نُص عُمرها في لندن ولسة بيئة زي ما هي،طالعة لعيلة بباها،ما أخدتش أي حاجة من رُقي وذوق عيلة العَشري
إبتسمت داليدا وهي ترمُق شيرين ساخرة،بعدما أنهت مصافحتها لخالها إقتربت من جلوسيهما فابتسمت لها قسمة وتحدثت بنفاق بعدما وقفت لتقوم بتقـ.ـبيلها:
-أهلاً أهلاً يا شيري،نورتي إسكندرية
ده نورك يا طنط...جُملة قالتها شيرين بطريقة مُهذبة وانتقلت بعدها للترحيب بداليدا وزوجها ثم توجهت إلي والدها وجاورتهُ الجلوس،نظرت عليه وهـ.ـمست إليه مُتسائلة بإستفسار:
-مالك يا حبيبي؟
إبتسم إليها ثم أخذ كفها بين راحتيه وربت عليه بحنان وتحدث:
-سلامتك يا حبيبتي،أنا كويس طول ما أنتِ وإخواتك بخير وكويسين
إبتسمت ووضعت رأسها علي كتفه بدلال أسعدهُ وجعلهُ يحاوط كتفها بذراعهِ
❈-❈-❈
داخل الحديقة الخاصة بمنزل عبدالرحمن المغربي
يجلس وليد يتسامر هو وهالة بعدما تحسنت علاقتـ.ـيهما بفضل محاولات هالة بالتقرب من زو جها ومشاركته الحديث عن عمله،خرجت راقية من الداخل وهتفت وهي تُشيح بيـ.ـدها بوجهٍ غَاضِب:
-إنتِ قاعدة ترغي مع جـ.ـوزك وسيباني محتاسة في المطبخ لوحدي؟
قومي يا غندورة كملي الغدا اللي هياكله جـ.ـوزك وعيالك
واسترسلت متهكمة كعادتها:
-ولا تكونيش فاكرة إني الخدامة اللي الست الوالدة جيباها لك مع الجهاز؟
قلبت عيناها بتملُل وتحدثت من بين أسنانها وهي تستعد للوقوف:
-حاضر يا طنط،أديني قايمة
واسترسلت بتذكير:
-اللي يسمعك وانتِ بتقولي كدة يقول إنك طبختي الغدا لوحدك،ده أنا تبلت لك صنية البطاطس بالفراخ وجهزتها وحطيتها في الفُرن وحمرت الرز،يعني مش فاضل غير السلطة واللي أنا واثقة إنك ما مدتيش إيـ.ـدك فيها وأنا بردوا اللي هادخل أعملها
جحظت عيناي راقية وهتفت تشتكيها لنجلها:
-شايف مراتك بتكلمني إزاي يا سبع البرُمبة؟
بفتور أشار لها بالجلوس وتحدث كي يحثها علي تغيير الموضوع:
-إقعدي يا ماما وفُكِك منها
جلست ثم وضعت صباعي السبابة والإبهام حول فكَها وتحدثت بإستياء وتبرُم:
-أقعد إنتَ كدة حامي لها لحد ما تنفِش ريشها علينا وماحدش يقدرها بعد كدة
لم يعر لحديثها إهتمام وضل ناظراً أمامهُ،ضيقت عيناها بإستغراب ثم سألته مُستفسرة:
-أمال إنتَ مين اللي قال لك إن مافيش غدا في بيت ثُريا النهاردة؟
أجابها موضحاً:
-ياسين إتصل بيا وقال لي أبلغكم،وعلي فكرة،هو قال لي إن مافيش أي تجمُعات هتتعمل للعيلة عند عمتي ثُريا تاني،ولا حتي فطار يوم الجُمعة لأن عمتي بدأت تتعب وضغط التجمُعات دي غلط علي صِحتها
ضيقت عيناها وهتفت بضجر:
-منها لله منال مرات عمك،فضلت تِحرب زي البُومة لحد ما خَربِتها علي دماغ الكُل
ثم أردفت مُتبرمة وهي تلوي فاهها بطريقة ساخرة:
-فاكرالي نفسها صُغيرة ولسة ليها نِفس تغِير علي السَبع بتاعها،ولا شيخ الشباب عَمك اللي عاملي فيها حَبِيب
واستطردت بإستهزاء:
-عِيلة أبوك دي عِيلة هَمْ وفيها كُل العِبر
ضحك وليد وهتف ساخراً:
-والله يا ماما شكلها عينك إنتِ اللي جابتهم الأرض
صاحت به بنبرة حَادّة:
-وأنا عيني مالها باللي عمله عمك يا ضنايا؟
حد كان قاله يقوم ورا ثُريا ويُقعد يضحك ويتمسخر معاها لحد ما منال قفشته وجابته من قفاه؟
قهقه وليد بشدة فتحدثت هي بتذكُر:
-إلا قولي يا سي وليد،إنتَ ليه ماجبتليش سيرة إن الحرباية اللي إسمها لمار شاركت طارق؟
قطب جبينهُ ثم سألها مُستفسراً:
-وإنتِ مين اللي قال لك علي الموضوع ده؟
أجابته بإيضاح:
-الحرباية بنفسها هي اللي قالت لي يا عين أمك
إعتدل سريعاً بجلسته وهتف مُنبهاً بنُصح وتحذير:
-بقول لك إيه يا أم وليد،أنا عاوزك تبعدي عن اللي إسمها لمار دي علي قد ما تقدري،وإوعي تديها سِرك أو تتكلمي معاها عن أي حد في العيلة،خلينا ماشين جنب الحيط زي ما أحنا
هتفت مُستعلمة بشَرَه ظهر بَيِن داخل عيناها:
-سيبك من الموضوع اللي مش هيأكِلنا عيش ده وخلينا في المُهم،إتفقت معاهم علي النسبة اللي هتطلع لك من ورا المصلحة دي ولا لسة؟
عقب علي حديثها قائلاً بتعجُب:
-شوف أنا بقول إيه وإنتِ بتسألي علي إيه؟
ضيقت عيناها مُتعجبة وكادت أن تتحدث لولا دخول عبدالرحمن الذي طل عليهما من البوابة الحديدية وسار حتي وصل لجلوسهم وتحدث مُتهكماً:
-سكتي ليه يا راقية،ما تكملي كلامك ولا هي إذا حضرتك الملائكة خِرسِت الشياطين
شايف أبوك وكلامه اللي يحـ.ـرق الد م يا وليد؟..قالتها بغيظ مُستشهدة بنجلِها الذي أجابها مُتنصلاً:
-خرجيني من بيناتكم وخليني علي الحِياد يا أم وليد
في حين سألها عبدالرحمن مُتهكماً:
-يا تري قاعدة تملي في دماغ إبنك من ناحية مين المرة دي؟
حاكم أنا عارفك،ما يهدلكيش بال إلا إذا ولعتي الدُنيا وشبطي الكُل في بعضه
إبتسمت بجانب فمها وأردفت مُتهكمة:
-أهي الدُنيا وِلعت لوحدها من ورا أخوك ومراته الحرباية،الله أعلم قالت إيه للمسكينة ثُريا خلتها وقعت من طولها وكانت هتروح فيها لولا سَتر ربنا،وأول ما فاقت حِلفت يمين مُعظم ما حد داخل بيتها تاني
إبتسم ساخراً وتحدث بتعجُب:
-الوقت ثُريا بقت مسكينة؟ مش دي اللي كانت كُل ما تيجي سيرتها تقولي عليها خبيثة وبتمَثِل الطيبة قدامنا؟
هتفت قائلة:
-أهي علي الأقل كانت لامة العيلة ومجمعانا حواليها
لا وانتِ الشهادة لله بتعشقي ترابط العيلة واللمة...نطقها ساخراً ثم استرسل مفسراً:
-أنا فاهم كويس إيه اللي مخليكي مقهورة قوي كدة يا راقية،إنتِ لا هامك عيلة ولا دياولو، إنتِ كُل اللي فارق معاكي راحتك من دخول المطبخ والأكل علي الجاهز والفلوس اللي بتحوشيها من مصروف البيت اللي بتوفرهولك ثُريا من ورا الأكل هناك بلوشي
لوت فاهها وقلبت عيناها بضجر مما جعل عبدالرحمن يُحرك رأسهُ يميناً ويساراً بيأس،ثم هب واقفاً ودلف لداخل المنزل تحت تبرمها
❈-❈-❈
داخل منزل سالم عُثمان
إنسحبت مليكة إلي غُرفتها وأغلقت بابها عليها ثم تناولت هاتفها وطلبت رقم سارق النوم من عيناها وانتظرت حتي تأتيها الإجابة،كان يجلس بوسط الحديقة بصُحبة والدتهُ وليالي وعائلة خَاله بعدما أنسحب عز وصعد إلي غُرفته ليُريح عقلهُ المُنهك قبل جَـ.ـسدهِ،إستمع إلي رنين هاتفهُ فأخرجهُ من جيب بِنطاله ونظر به،شعر بالأمل يتسلل من جديد إلي روحهِ اليائسة،إبتسامة هادئة خرجت منهُ دون إدراك لاحظتها داليدا التي حولت بصرها إليه بترقُب فور إستماعها لرنين هاتفهُ،وقف وتحدث بلباقة:
-بعد إذنك يا خالي،جالي تليفون مُهم ولازم أرد عليه
خُد راحتك يا ياسين...هكذا رد عليه أحمد العشري بنبرة هادئة ثم تابع حديثهُ مع طارق وعُمر
نظرت داليدا إلي ليالي التي تُجاورها الجلوس ولا تُبالي،مالت عليها وهمـ.ـست قائلة:
-شوفتي،قام يجري علشان يُرد عليها قبل الفون ما يفصل ويتاخد مُخالفة،الهانم شكلها مْسيطرة وممشياه صح،مش هبلة زيك
ضيقت عيناها بتعجُب وسألتها بإستفسار:
-بتتكلمي عن مين؟
أجابتها وهي تتطلع علي الذي تحرك بعيداً كي يتحدث بأريحية مع متيمة قلبهْ:
-عن مليكة اللي عايشة في دور البريئة وهي مش أكتر من عقربة،قدرت تعمل من ياسين المغربي لعبة في إديـ.ـها تحركها في الإتجاه اللي هي عوزاه وقت ما تحب
حولت ليالي بصرها إلي زو جها التي تحولت ملامحهُ من مُبهمة إلي متأملة،تنفست بأسي في حين تحدث ياسين إلي مليكة بنبرة مُترقبة مُغلفة بالحنان:
-أهلاً يا مليكة
إبتلعت لُعابها جراء إستماعها لحروف إسمها بنبرة صوتهِ الهادئة،لكنها تجنبت ذاك الشعور وتحدثت بدون مُقدمات بنبرة حَذرة:
-ياسين،كُنت حابة أبلغك إن سيف وشريف عازميني علي سهرة برة البيت،أنا ما كُنتش حابة أخرج،بس لما ألحوا عليا قولت أكلمك وأخد رأيك
واستطردت بترقُب:
-بس لو هاتيجي تتعشي مع بابا وماما هاستناك ومش هاخرج
كانت تتحدث بتلبُك مُترقبة أية بادرة منهْ لتُلغي سهرتها وتنتظر مجيأهُ إليها ليأخذها ويعود بها إلي جناحهما معاً ليتناقشا وتُخرج لهُ جُل ما يضيقُ بهِ صَـ.ـدرها ويؤرق روحها،تحطـ.ـمت أمالها عِندما إستمعت إلي نبراتهُ الجادة:
-إخرجي مع أخواتك وانبسطي
واسترسل شارحاً:
-أنا أصلي مش هاينفع أجي علشان مُرهق وما نمتش من إمبارح
وكأن بكلماتهِ قد قطع أخر أمل لديها بخصوص هذا الأمر،تنهدت وتحدثت بنبرة مُحبطة:
-فهِمت،أنا هاقفل علشان معطلكش أكتر من كدة
أغمض عيناه بأسي عندما أغلقت الهاتف دون إنتظارهِ للرد
داخل غُرفتها شديدة الظلام جراء إسدال الستائر السوداء وغلق بابها من قِبل يُسرا بعدما أخبرتها تلك الثُريا بأن جَـ.ـسدها مُرهق وتُريد أن تُريحهُ بدخولها بغَفْوَة طويلة،لم تكُن تُريد السُبات كما إدعت،جُل ما كانت تحتاجهُ هو الهروب والإنعزال كي تنأي بحالها من نظرات يُسرا التي تُحاصرها وتُريدُ الإستعلام عن ما حدث بينها وبين تلك المنال وأدي إلي سقوطها بالأمس مغشياً عليها
كانت تسْتلقي علي جنبها الأيمن،واضعة كفها تحت رأسها ودموعها تنسابُ فوق وجنتيها بغزارة وبقلبٍ نازف تؤنب حالها وتُحملُها مسؤلية تشتُت وتفرُق عائلتها
بحديثٍ للنفسِ بدأت بعتابِ حالِها:
-كُل الذنبِ يقعُ علي عاتقِك أيتها الرعْنَاءُ،لما إنجرفتي وراء رغبةِ ذاك العاشق وسمحتي لهُ بالتمادي في التعبير عن مكنونِ مشاعِرهِ الفياضةِ تجاهكِ،بفضل غباؤُكِ صَار لديهِ أمل وبات مُتنمياً بل ويسعي للظَّفرِ بما هو أكثرُ .
نزلت دموعها بحُرقةٍ وشهقةٍ عاليةٍ خرجت منها شقَّت بها صـ.ـدرها وهي تُكمل حديثَ النفسِ:
-آهٍ ثُريا،أتحزنينَ علي حالَكِ وما أصابَكِ من إفتراءِ تلك الحقيرةِ وتدليسِها في الحديثِ عنْكِ وتلويثِ شرفكِ،أم تشعُرين بالإغتمامِ تجاهَ نجلَ عمَّكِ المُقرب لروحكِ وتستائين لأجل ما أصابهُ،نعم لم ولن يدخُل قلبي سوي عِشقُ حبيبِ الرُّوحِ الذي إستعجَل الرحيلَ وفارقني وتركني جُثماناً بلا حياةٍ .
"لكني" أُكِنُّ كُل التقديرِ والإمتنانِ لذاك الخلوقِ،وكيف لا أمْتَنُّ لهُ وهو الذي سندني وأمـ.ـسك كُفُوفَ صِغاري وأشعَرهُم بالأمانِ في ظِل فقدانهم لسندهِم ولطمتِهِم القوية من الحياة،ولم يترُك كفوفهم إلي الأن برغمِ بلوغِهِم بر الأمان،وحتي بعد رحيلِ فلذةِ كَبدي مازال مُمـ.ـسكاً بكفوفِ صغارِهِ،أشعُر بألامِ روحهِ المُبرحةِ ولكن قُضي الأمر،فقد إتخذتُ القرارَ الحقِّ الذي كان عليَّ إتخاذهُ مُنذُ البعيد كي لا أصِلُ لما وصلتُ إليهِ
جففت دموعها بكفٍ يرتجف بفضلِ حالتها الصحية وحدثت حالها:
-إنتهي الأمرَ وفات أوانُ الندمٓ والحَسرةِ ولا يسَعُنِي الآن سوي قول"قدَّرَ اللهُ وماشاءَ فعلْ"
إنهضي يا امرأةْ ولا تدعي قطارَ حياتَكِ يتوقفُ أمام محطةِ اليأسِ تأثُراً بالخَيْباتِ والخذلانِ،تابعي مواصلةَ قطارُكِ بتذكرةِ التَمَنِي،جَددي الأمل بداخل روحكِ القوية وعَزمُكِ،فلم تُخلق إبنةُ المَغربي للهوانِ والإنكِسارِ .
❈-❈-❈
غابت الشمس وحل الظلام علي المكان وتلألأت النجوم لتُضئ السماء وتُزينُها،مازالت عائلة أحمد العشري متواجدة داخل حديقة منزل عز المغربي،الجميع جالس عَدا عز الذي إستأذن بعد تناولهُ وجبة الغداء وصعد إلي جناحهُ ليغفو بعدما خار جَـ.ـسدهُ وأعلن عن إحتياجه للراحة بعد يومان عصِيبان،بجانب عقلهُ الذي كاد أن يذهب ويتركهُ،وايضاً عُمر ولمار اللذان صعدا لجناحيهما ليتجهزا لسهرتهما في أحد النوادي الليلية
إنتـ.ـصب ياسين بوقفته وتحدث قائلاً بإنسحاب:
-بعد إذنكم يا جماعة،أنا مُضطر أسيبكم وأطلع أبدل هدومي لأن عندي ميعاد مُهم جداً
شعر أحمد أنهُ أزادها هو وأسرته فتحدث وهو يقف ليستعد إلي الرحيل:
-خُد راحتك يا ياسين،إحنا ماشيين خلاص
نظر إليه وتحدث بإحترام:
-البيت بيتك يا خالي،وصدقني لولا إن الميعاد مُهم جداً وما ينفعش يتأجل أنا كُنت أجلته وكملت السهرة مع حضرتك
أشار أحمد إلي أفراد أسرته ليتأهبوا للرحيل وتحدث بنبرة هادئة وهو يعدل من رابطة عُنقة:
-يا حبيبي شوف شُغلك،إحنا أصلاً إتأخرنا ولازم نتحرك
وقف طارق وتحدث بنبرة حرجة:
-لسة بدري يا خالي،خليك نسهر مع بعض
أجابهُ بهدوء:
-مرة تانية يا طارق،وبالمرة يكون سيادة اللواء صحته ومزاجه أحسن علشان يقدر يُقعد معانا ونتأنس بيه
تحرك أحمد بعائلتهُ بعدما عبرت قسمة لإبنتها عن إستياءها الشديد جراء ما قام به ياسين من إساءة أدب علي حسب تفسيرها لما بَدر منه،دخل ياسين إلي المنزل وكاد أن يصعد الدرج كي يُبدل ثيابهُ ويستعد إلي الخروج،أوقفهُ صوت ليالي العالي حيثُ تحدثت بصياحٍ غاضب مُعترض بعد حديث والدتها الذي أثار إمتعاضها وجعلها تخرج عن صمتها دون ان تُراعي تواجدهما بين أفراد العائلة:
-تقدر تفسر لي إيه اللي عملته مع أهلي ده يا سيادة العميد؟!
إلتفت إليها ورفع حاجبيه بتعجُب وسألها بعدم إستيعاب:
-إنتِ بتكلميني أنا؟!
أجابتهُ بملامح وجه حادة متغاضية عن وجود طارق وچيچي ومنال الذين يتبعاها الدخول:
-أيوة بكلمك يا أبن الأصول
ضيق عيناه فأكملت هي موضحة بنبرة حادّة:
-إزاي قدرت تحرج بابا بالطريقة المُهينة دي؟
واسترسلت بنبرة مُستاءة:
-ده أنتَ زي ما تكون كُنت عاوز تقوله إنتَ إيه اللي مقعدك لحد الوقت
نظر لها بملامح وجه مُحتدة وأردف متهكماً:
-أنا مش مسؤول عن تفكيرك العقيم ولا مطلوب مني أوقف حياتي علشان ما أتفهمش غلط سواءاً كان منك أو من غيرك
واسترسل رامقاً إياها بنظرات حادة كالصقر:
-والمفروض يا محترمة إن الكلام ده يتقال في أوضتنا فوق مش في العَلن وقدام كل البيت بالشكل ده،مش هي دي تصرفات بنات الأصول اللي بيتربوا عليها بردوا؟
واسترسل متهكماً علي والدتها:
-ولا هي قسمة هانم مش شاطرة غير في التسخين وبس
كادت أن تتحدث قاطعتها بحدة منال حيثُ فاض بها الكيل وأكتفت من نظرات قسمة الشامتة التي أغرقتها بها طيلة الجلسة الغير مرغوب بها من ناحيتها:
-وإيه بقي المطلوب من ياسين يا مدام،يسيب شُغله ويهمله علشان خاطر الهانم مامتك ما تفهمش غلط؟
مش هي دي اللي إنتِ عاملة حسابها وخايفة ومرعوبة من توبيخها ليكِ؟
واسترسلت بإستنكار وهي تتخطي وقوفها وتسير في اتجاهها إلي الدرج:
-كان هايعمل إيه ياسين معاهم أكتر من اللي عمله،مش كفاية إنهم جايين من غير ميعاد؟
جحظت عيناي ليالي ونظرت إلي عمتها باندهاش ثم تفوهت بخيبة أمل:
-إنتِ بتقولي إيه يا عمتو،حضرتك بتلومي علي زيارة بابا ليكِ؟
هو ده جزائه إنه إعتبر بيت أخته زي بيته وحَب ييجي يقضي العيد معانا علشان يفَرح شيري وولادها؟!
جاورت ياسين ثم إلتفتت إليها وتحدثت باستياء:
-أنا لا لومت ولا أتكلمت من أصله،إنتِ اللي عملتي مُشكلة وأفتعلتيها من لاشئ وأنا رديت عليكي مش أكتر
ثم نظرت إلي ياسين وربتت علي كتفِهِ لتحثهُ علي التحرُكْ في طريقهُ للأعلي:
-إطلع يا أبني بدل هدومك وشوف مصالحك وسيبك من الكلام الفاضي ده
رمق ليالي ببُغضٍ ثم زفر بضيق ولف جَـ.ـسده ليصعد وجد عُمر يتأبط ذراع لمار وهما بكامل أناقتهما ويبدوا عليهما إستعدادهما للخروج،قطب جبينهُ وهو يتفحصهُما جيداً فتساءلت منال بنبرة حادة:
-وإنتوا متشيكين كدة ورايحين علي فين إن شاء الله؟!
أجابتها لمار بانتشاء وهي تُشدد من تأبطها لزو جها بطريقة إستفزت تلك السَاخطة:
-عُمر عازمني علشان نِسهر برة يا Auntie
إستشاط داخلها من ذاك الثُنائي اللذان يعيشا بعالم موازي ولا يهتما سوي بحاليهما وفقط،فتحدثت بضيق وهي تُشير إليها بيـ.ـدها:
-طب وسعي كدة خليني أطلع أرتاح
إستغرب عُمر حِدة والدتهُ وتغيُرها الكبير معهُ فسألها بنبرة قَلقة:
-مالك يا مَامَا،أنا أول مرة أشوفك عصبية كدة!
أجابته بإقتضاب:
-مافيش يا عُمر،إبعد علشان أعدي
بالفعل أفسح لها وتحركت إلي الأعلي تحت تعجُب عُمر الذي سأل ياسين بنبرة مستفسرة:
-مَامَا مالها يا سيادة العميد؟!
بنبرة هادئة تحدث إلي شقيقهُ:
-مافيش يا عُمر،هي بس أعصابها متوترة شوية تقريباً كدة علشان مش نايمة كويس،
واستطرد بنُصح:
-ما تشغلش بالك وحاول تنبسط بسهرتك إنتَ ومراتك
واسترسل وهو ينظر لتلك الطالحة بنظرات تحمل الكثير من المعاني التي صَعُب عليها تفسيرها:
-سهرة سعيدة يا مدام،حاولي تنبسطي لأن الأوقات الحلوة بتعدي بسرعة وجايز ما تتكررش
واسترسل بإبتسامة جانبية ذات مغزي:
-حاولي تعيشيها وتحفريها جوة ذاكرتك علشان تبقي تفتكريها بعدين
إرتبكت بوقفتها وارتعب داخلها من نظراتها العميقة وكلماته التي فسرتها علي أنها رسائل تحذيرية موجهة،بسُرعة البرق عادت إلي ضبط النفس وأردفت بثبات إنفعالي كانت قد تدربت عليه كثيراً:
-حاضر يا سيادة العميد،أوعدك إني هعيش اللحظة وهحفرها في ذاكرتي بس مش علشان أفتكرها بعدين أو زي ما حضرتك قُلت إن الاوقات الحلوة ما بتتكررش
واسترسلت وهي تنظر لذاك الهائم بها الذي يجاورها الوقوف:
-لأن ببساطة كُل يوم بنعيشه مع بعض أنا ومارو حتي لو كان بسيط،ده بالنسبة لي منتهي السعادة
ثم سألته بدلال قاصدة توجيه رسالة إلي ياسين:
-مش كدة يا مارو؟
كدة يا عيون مارو...هكذا نطقها بعيناي هائمة مما جعل ياسين يلعن تلك الخبيثة بسريرته علي ما أوصلت إليه شقيقها وجعلتهُ مُتعلقاً بها وعاشقاً لها حد النُخاع
تنهد ياسين وتحدث إلي شقيقهُ وهو يتأهب للصعود:
-خلي بالك من نفسك
واستطرد وهو ينظر إليها بغموض:
-ومن مراتك يا عُمر
أجابهُ وهو يضع كفهُ علي كتفه كنوعٍ من الطمأنينة:
-ما تقلقش يا ياسين،عُمر بتاع زمان اللي كان بيعمل لكم المشاكل إنتهي وأتخلق مكانه عُمر جديد مسؤول
أومأ لهُ ياسين وتابع صعودهُ للأعلي،أما ليالي التي كادت تُصيب بذبحة صَـ.ـدرية وهي تُشاهد دلال عُمر لإمرأته وقبل ذلك رد ياسين وبالأخص منال وحديثها الحاد الذي أصابها بالذهول،فقد عادت إلي الحديقة من جديد بجانب چيچي التي نصحتها بالهدوء والصمت وذلك لإصابة ياسين ومنال بحالة مزاجية سيئة ظاهرة للجميع،بدأت جيجي تُهدأ من ثورتها تلك وأبلغتها أن ياسين يعاني من ضغط شديد بين عمله ومشكلة منال وثُريا وعز التي يعلمُها الجميع ولا أحد يعلم تفاصيل ما دار بينهم
❈-❈-❈
داخل منزل ثُريا ليلاً،وبالتحديد ببهو منزلها يلتف حولها كلٍ من يُسرا وسليم ونرمين وسراج ويركض حولهم أطفالهم دون أطفال رائف المتواجدون بمنزل جدهم سالم
تحدث سليم إلي ثُريا بنبرة حمـ.ـيمية:
-حمدالله علي سلامتك يا ماما
واسترسل بملاطفة بكلماته الجابرة للقلوب:
-شُفتي الرسيبشن نور إزاي لما طلعتي قعدتي فيه
أجابته بإبتسامة زائفة جراء ما يحملهُ قلبها من هموم:
-تسلم وتعيش يا سليم
أتت عَلية وتحدثت بإحترام وملامح وجه حزينة علي ما حدث من تفرقة للعائلة المترابطة مُنذُ سنوات وبيومٍ مُبارك ومُهم كهذا:
-العشا جاهز علي السُفرة يا هانم
أومأت برأسها وتحدثت بنبرة باردة:
-تسلم أديكم يا عَلية
ثم نظرت إلي إبنتيها وزو جيهما واستطردت:
-يلا يا ولاد علشان تتعشوا
وقفت يُسرا وعاونت والداتها علي الوقوف وتحركوا جميعاً إلي السُفرة وألتفوا حولها
تلفت سراج حولهُ وتسائل مُستفسراً:
-هي مليكة فين؟
إبتسامة ساخرة خرجت من فم نرمين وأردفت مُتهكمة:
-راحت تقضي العيد مع أهلها لما لقيت إن الأجواء هِنا دمها تقِيل
واسترسلت بهجوم غير مُبرر:
-الهانم بنت الأصول سابت حماتها تعبانة وراحت تروَق علي نفسها في وسط أهلها
بنبرة تحذيرية نطقت يُسرا وهي تؤنب شقيقتها بنظراتها الثاقبة:
-نرمين،ما يصحش اللي بتقوليه ده
بإعتراض هتفت بنبرة حادة:
-خليكي إنتِ دايماً كدة تدافعي عنها لحد ما هتتمرع علينا وماحدش هايعرف يوقفها عند حدها بعد كدة
لو ما بطلتيش كلامك ده أنا هادخل أوضتي وأقفلها عليا،أنا واحدة تعبانة ومش حِمل مناهدة ووجع قلب...جُملة نطقتها ثُريا بتهديد صريح
سألتها بعدم إستيعاب:
-حتي في دي كمان هتنصريها عليا يا ماما؟
أجابتها مُفصحة بهدوء:
-أنا مع اللي يرضي ربنا يا نرمين،البِنت من حقها تزور أهلها وتعيد عليهم وخصوصاً إن أخوها قرب يسافر وما لحقتش تقعد معاه بسبب شهر رمضان وفطار العيلة اللي برغم حَملها وتعبها، إلا إنها ما قصرتش وكانت إيـ.ـدها بإيـ.ـدنا في المطبخ
نطق سليم مُصدقاً علي حديثها:
-حضرتك بنت أصول يا ماما،وفعلاً ده حق مليكة اللي ماحدش يقدر ينكره عليها
هزت يُسرا رأسها بإحباط في حين تحدث سراج وهو يتبادل النظر بين زو جته والطعام:
-ما تسيبك بقي من الكلام اللي ما منهوش لازمة ده وتخليكي في صَنية الرقاق اللي تفتح النِفس دي
ثم بعث لها بإشارة من عيناه ليحثها علي الصمت إحتراماً لحالة والدتها الصحية،أومأت برأسها وتابعت الطعام،نظر سليم إلي إناء حَـ.ـساء الخُضروات الموضوع أمام ثُريا وتحدث لائماً يُسرا:
-ما كانش ليه لزوم تعملي الأكل ده كُله يا يُسرا طالما ماما مش هتاكل منه معانا
أجابته بملامح وجه حزينة لأجل غاليتها:
-أنا ما كُنتش هعمل حاجه يا سليم،بس ماما هي اللي أصّرت وهي بنفسها اللي قالت علي الأصناف لعَلية
ابتسمت له ثريا وتحدثت بنفسٍ راضية:
-بألف هنا وشفا علي قلوبكم يا أبني،صدقني لما بشوفكم بتاكلوا ومبسوطين كأني أكلت معاكم بالظبط
سلامتك يا ست الكُل،ألف سلامة علي حضرتك...قالها سراج مُتأثراً
الله يسلمك يا أبني،يلا إبدأوا أكل وماتشغلوش نفسكم بيا،أنا أصلاً في العادي بحب شُربة الخُضار ومعدتي بترتاح عليها
بدأوا يتناولون طعامهم وبعد قليل سألت نرمين يُسرا مُستفسرة:
-هي ساره ما قالتلكيش إذا كانت مليكة خارجة تسهر معاهم ولا لا يا يسرا؟
رمقتها ثُريا بنظرة عاتبة فاسترسلت سريعاً لتُبرر إستفسارها:
-أنا بسأل علشان أطمن علي أولاد أخويا يا ماما
واستطردت بتوضيح:
-لو مليكة سهرانة معاهم فكدة الأولاد مش هيلاقوا حد يراعيهم
أردفت يُسرا بنبرة واثقة:
-أكيد مليكة مش هتسيب الأولاد وتروح تسهر معاه