حياة الشاعر الشاب الظريف |
نشأة الشاب الظريف
ولد الشـاب الظريف في مدينـة القاهرة ، في العام 661 هـ ( 1263 م ) ، أما دمشق فقد كانت مرتع الطفولة ومهد الصبا ومكان الدراسـة الأول ، فقد تلقى دروسه الأولى في تلك المدينة العريقة ، حيث كان أبوه عاملاً علـى خزانة المال فيها ، ولأن والده من أهـل العلم المعروفين فقد تتلمذ الفتى في البدايـة على يدي والده قبل أن يستشعر حاجته لمصـدر مختلـف ، فقصد أهل العلـم والأدب ومن أشهرهم ابن الأثير الحلبي ليتعلم على أيديهم ، في سـن مبكرة ، علوماً مختلفة ظهرت آثارها واضحة جلية عبر قَصِيدهِ الذي ازدحم بالمحسنات البديعية على عادة شـعراء العصر كله آنـذاك ، ولكن هذه المحسنات لم تنجح في طمس عذوبة شاعريته التي تبدت في غزله الشـعري الفاتن ، ومدائحه في من اتصل بهم من مسئولي الدولة ، لكن مديحه النبوي ذي العاطفة المتأججة في نبي الإسـلام صلى الله عليه وسلم هو درة ديوانه الشعري كما يبدو لنا.
وعلى الرغم من أن جل من جايله من الشـعراء عرفوا بحرفهـم العملية التي غلبـت ألقابها على أسمائهم ، لاضطرارهم إلى العمل الجدي الحرفي واليـدوي على غير عادة الشـعراء العرب في غير ذلك العصر المختلف ، فإننا لم نعرف حرفة محددة لشـاعرنا غيـر ما أشـارت إليه بعـض كتب عنه وترجم حياته ، معتمداً على أدلة واهية ، وهي حرفة الخط ، فقد كان الشـاب الظريف ذا خط حسـن يشـار إليه ويعد من مناقبه التي ذكرها والده وهو يرثيه ، فانظر لموهبـة كهذه ينظر إليها والد مكلوم على فقدان ولده الشاب فيعدها من مناقب الفقيد ويذكرها في سياق رثائه الحار له .
الشاعر الشاب ضحية عصره
ففي عصر المماليك خفتت شمس الأمة العربية في سـماء الحضارة الإنسانية ، وتـوارت إنجازاتهـا وراء الدسـائس والكمائن السـرية التي ميزت هذا العصر سياسياً في أكثر من مدينة عربية . لكن الموهبة لا يمكن أن تتوارى حتى وإن ظهرت في عصور مظلمة ، بل لعلها تساهم في الإضاءة على ما يمكن الإشـارة إليه من كنـوز أخرى متوارية في ظلمة التاريخ كله . وشـاعرنا امتلك موهبة شـعرية عالية حلقت به بعيدا عن عصره برفقة مجموعة من مجايليه من الشعراء والأدباء الآخرين الذين اعتمدوا ، ربما لأول مرة في تاريخ الأدب العربي ، على أنفسهم وحرفهم الشخصية في تدبير أمور عيشهم بعد أن تخلت عنهم الدولة الرسمية بشكل جماعي . فعلى الرغم من أن الشعراء في العصر المملوكي ساروا في الغالب على طرق شـعرية معبدة مسبقا أمامهم من قبل من سبقوهم في مدح الأمراء والخلفاء ومسئولي الدولة ، فإن هؤلاء الأمراء والخلفاء والمسئولين كانوا في جلهم من المماليك ممن لا يجيدون اللغة العربية ولا يحفلـون بما يقـال عنهم من فرائد شـعرية لا يفهمونهـا ، ولا يهتمون بالشـعراء إلا بالدرجة التي توفر لهم قليلا من مجد يسـتظهرون به أمام العامة ربما خجلا من انتماءاتهم وتواضع نسـبهم وحرصاً على توطيـد علاقاتهم العربية الجديدة وتكريس مجدهم الفجائي المكتسب .
وفاة الشاب الظريف
رحل الشـاب الظريف في مدينة دمشـق في العام العام 688 هـ (1289م ) ، لكن أحداً ممن قرأت كتاباته عنه لم يذكر سبب وفاته بهذا العمر المبكر ، إلا أن مـا تـركـه وراءه من آثار شـعرية تغنينا عن تفاصيل حياته ، فقد ذهب الشاعر وبقي بين أيدينا ديوانه الشعري الذي طبع عدة طبعات وبتحقيقات عربية مختلفـة ، بالإضافة إلى بعض الآثار النثرية الأخرى ولم يتح لنا الاطـلاع عليها ، ونحن بصدد الكتابة عنه ومنها ؛ خطبة تقليد ، وعظ غير مهذب ، ومقامات العشـاق التي يشير بعض من كتب عنها إلـى أنها تحتوي على الكثير مما سـمي بالأدب الفاحـش .. ولا فاحـش في الأدب سـوى ما ليس بأدب .