قصة حياة أبو العتاهية شاعر الذهب والتراب

سيرة أبو العتاهية شاعر الزهد

حياة أبو العتاهية شاعر الذهب والتراب قال الشاعر الشهير الأصمعي عن أبي العتاهية شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والخزف
حياة أبو العتاهية شاعر الذهب والتراب  

قال الشاعر الشهير الأصمعي عن أبي العتاهية (شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والخزف والنوى).
ويبدو أن هذا القول هو أصدق قول نقدي يصف تجربة الشـاعر الذي كان وسطاً في كل شيء على صعيد الشعر والحياة، فانتهى به الأمر شاعراً زاهداً إماماً في ذلك الباب الشعري الذي يعرض عن الملذات الدنيوية في سبيل ملذات أخروية بعد أن نهـل من الدنيا ما نهـل ، وبعد أن كتب من الشعر ما كتب.

نشأة أبي العتاهية

إنه اسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي ، وُلد أبو العتاهية في العام 130 هـ ( 748 م ) في بلدة صغيرة قرب الكوفة لعائلة فقيرة ورث عنها مهنة بيع الجـرار الفخارية ، لكن الموهبة الشعرية التي تلجلجت في صدره الفتي مبكراً قادته لأن يتطلـع إلى ما يمكن أن يبلورها في بـلاد تبلور الشـعر والشـعراء . فكانت بغداد وجهته ووجهة الشـعر أيضـاً في ذلك الوقت . 

لماذا سمي أبو العتاهية بهذا الاسم

لُقب بأبي العتاهية في وقت متأخر من عمره نسـبياً، وفي ذلك اللقب وسـبـه ومعناه. فيرجع بعضهم سـبـب تسـميته بأبي العتاهية إلى أن الخليفة المهدي قال له يوماً « أنـت رجل متحذلق متعتـه » ، فغلب عليه هذا اللقب ، ويرجع آخرون سـبب التسمية إلى أنه كان محباً للمجون والتعته في فترة من فترات حياته ، فصار ذلك اللقب هو اسمه الذي اشتهر بـه بين الناس ، وعندما عاد عن مجونه وتعتهه كان من المستحيل عليه أن يرجع عن اسمه.

ذهب إليها الفتي الطموح حالماً بالمجد والثراء متأبطاً قوافيه وأحلامه وبعضاً من هواجسـه الدفينـة ، فانغمس أولاً فـي حياة المجون التي ربما صادفها لأول مرة في هذه المدينة الكبيرة والحافلـة بـكل المتناقضات

فوجـد في تلك الحياة اللاهية ملذاته السريعة ، وطريقته إلى أبواب الأمراء والخلفاء يمدحهم فيجيزونه مما يعينه على الاستمرار في لهوه ومجونه . لكـن القلـب المثقل بالحلم صـادف هوى (عتبة) جارية الخليفة المهدي الذي وقع في حبها فهدأ قليلاً ، وانسحب من ساحة اللغو الشعري ليبرع في غزل خصص معظمه ليستميل به قلب عتبة المتمنع ، وعقلها المتأبي ، وشـخصيتها التـي تربت في بيـوت الخلفاء فاسـتكبرت على بائع جرار يتكسـب بالشعر.

رفضتـه عتبة عندمـا أراد مالكهـا الخليفة المهدي أن يهديها إلى شاعره العاشق ، فلم يثنه ذلك الرفض المهين عن الاستمرار في تعشقها والتشـبيب بها في معظم ما أبدع من قصائد ، مـا أثار حنق المهدي عليه أخيراً . لكن يبدو أن أبـا العتاهية قـد اعتاد حنق الخلفاء شـعره قولاً أو امتناعاً . 

اقرأ في: محمود سامي البارودي صاحب مدرسة الإحياء والبعث

اقرأ في: ديوان المتنبي ومعالم حياته الشعرية

زهد أبي العتاهية

فكتـب التاريخ تذكر حادثة أخرى طرفاها أبو العتاهية و الخليفة العباسي هارون الرشـيد الذي بلغه أن الشاعر امتنع عن قول الشعر تزهداً ، فأمره بالعدول عن قراره لكن الشاعر أخذته العزة بنفسـه فرفض ، فأمر الرشيد بسجنه ودخل السجن معتزلاً قوافيه، ورغـم أن الحكاية لا تبدو منطقية إلى حدٍ كبير إلا أنها تُفصح عن جانب من جوانب شخصية أبي العتاهية ، وهو الجانب النزق الذي لا يستقر على حال .

فمن حال الفسـق والمجون والتهتك في أزقة بغداد وحاناتها ، إلى مجالس العلماء وحلقات الدرس الديني والتزهد في مساجد بغداد ومدارسها ، وقد ترجم الشـاعر كل ذلك النزق في ديوانه الشـعـري الحافل بالكثير مـن القصائد ذات الأغراض المتنوعة .

وعلـى الرغم مـن رواج حكايـة امتناعه عـن قول الشـعر فترة من فتـرات حياته بين مؤرخي الأدب ، إلا أنهـم أجمعوا على أنه كان من المكثرين في قول الشـعـر وبـكل أغراضه القديمـة ، كالغـزل والمدح والوصـف والحكم والأمثـال والرثاء بالإضافة إلى ما تميز به من زهديـات جعلت منه الشـاعر الأبرز في هذا الباب المنزوي في ديوان الشعر العربي ، ويبـدو أن غزارة إنتاجه الشـعري هي ما جعلت الكثيرين يوافقون على قوله عن نفسه : « لو شـئت أن أجعل كلامي كله شعراً لفعلت » .

وصـح أن أبا العتاهية لم يفعل ذلك حرفياً إلا أنه تسـاهل في قول الشـعر حتى أن المتلقي ليجد من بين قصائده الجيد والأقل جودة وربما الرديء ، أو كما قال الأصمعي الذهب والتراب . على أن سـهولة ذلك القصيد وبساطته ورقته المتناهية ساهمت في انتشاره كثيراً.

من شعر أبي العتاهية في الزهد والمواعظ

نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية
طفل الملوك هنا، كطفل الحاشية
ونُغادر الدنيا ونحن كما ترى
متشابهون على قبور حافية
أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا
وحسابُنا بالحق يوم الغاشية
حُورٌ وأنهار، قصور عالية
وجهنمٌ تُصلى، ونار حامية
فاختر لنفسك ما تُحب وتبتغي
ما دام يومُك والليالي باقية
وغداً مصيرك لا تراجع بعده
إما جنان الخُلدِ وإما الهاوية

وفاة أبو العتاهية

توفي أبو العتاهية في خلافـة المأمون بعـد أن بلغ الثمانين من عمره عـام 211 هـ ( 826 م ) .. بعـد أن صار إمام الزاهدين على طريق القوافي فيما كتب مـن قصائد بلورت باب الزهد وجعلته أحد أشهر أغراض الشعر العربي القديم ، حتى وإن كان غرضاً خاصاً لم يستهو كثيرا من الشعراء فاحتفظ أبو العتاهية بإمامته له ربما حتى هذا اليوم .

اقرأ في:قصة قصيدة الأصمعي صوت صفير البلبلِ

اقرأ في: تحميل كتاب ألف ليلة وليلة

اقرأ في: تحميل كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع

author-img
Muhamed Amin

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent